اعادة نشر2006 : صنعاء واحسرتاه

صنعاء واحسرتاه !!

كتبهاأحمد مبارك بشير ، في 17 يوليو 2006 الساعة: 14:14 م

لا أعلم لما شدني الحديث إلى صنعاء ، أهو الحب الذي أكنه لها وهي التي عرفتني وربتني حتى رأيت نفسي اليوم ، وأنا انظر إليها أتحسر لما تنقاد إليه ، ولولا أن هناك ذكر أهم اليوم يوم تنزف الأرض المباركة في القدس ولبنان ولكن لهذا حديث آخر .

بدأت مراسيم ما أسموه بمهرجان صيف صنعاء ، وكأننا نزف الأخبار الجميلة الوردية للشعب البائس المسكين ، صنعاء التي يهددها الجفاف و تقترب الساعات من يوم ستعاني صنعاء من الجفاف ونقص المياه ، ومن العام 2000 م ولما تبين ما سيحدث لصنعاء في العام 2007 م ولم يتخذ النظام الحاكم في صنعاء أي بادرة حقيقية لنجدة المدينة والمحافظة ككل ، وليست صنعاء من ستعاني وحدها ، ولكن لصنعاء كما ذكرت معزة ومحبة فهي مسقط الرأس الثانية بعد بلادي حضرموت و لن أكون أول من سيتغنى بتلك المدينة فقد سبقني من هو خير مني :

الإمام الشافعي :

إنا تغني في منافينا القدر لابد من صنعاء و إن طال السفر

وقال الإمام محمد بن إسماعيل :

صنعاء لا أرتضي عن أهلها بدلاً أكرم بها وسكان بها نزلوا .

وصفها ابن بطوطة قبل 700 سنة فقال : ( مدينة كبيرة ذات مبان ضخمة محاطة بأشجار الفواكه المتنوعة وكل شوارعها معبدة …..)

وقل فيها ما تشاء .

صنعاء وما هي صنعاء ؟

1- من أقدم المدن في العالم حتى قيل أن من بناها هو سام بن نوح بعد الطوفان ، ولكن ما يقارب الصواب أن بانيها هو أزال بن يقطان بن عامر ولذا عرفت المينة باسمه لفترة من الزمن (( أزال )) .

2- تتميز بمناخ فريد رغم أنها في إقليم يتميز بالحرارة إلا أن جوها معتدل أغلب العام وربما يعود ذلك أنها تقع على هضبة اليمن الشمالية أو هضبة حوض صنعاء والتي ترتفع عن سطح البحر بحوالي 2200م وتقع محاذية لجبلين يحكيان تاريخها العريق هما نقم وعيبان .

3- عرفت قديماً باسم (( صنعن)) بمعنى مدينة الصانع أي مدينة الله ، ولكن أول من أطلق عليها صنعاء هم الأحباش فكلمة صنعاء تعني في الأمهرية الحصن الحصين . رغم أن من يورد أن صنعاء تعود لكثرة الصنايعية فيها .

4- لم تكن صنعاء عاصمة لأي من الدول القديمة التي كانت في اليمن وأول من جعلها عاصمة له هو ذو نواس ناقلاً عاصمته من مأرب ليواجه انتشار الإسلام بشريعة عيسى في نجران ولكنه فر إلى الحديد=ة ومنها أغرق نفسه في البحر عندما بدأ الغزو الحبشي وكان أن اتخذها الأحباش عاصمة لهم في اليمن ، ومن بعدهم الفرس ولكنها لم تكن عاصمة الإقليم اليمني أبداً وليس هذا انتقاصاً منها ولكن هذا للتاريخ وحتى لا يقال لنا العاصمة التاريخية ، في عهد ذو نواس بدأ ربط بعض المدن المجاورة لصنعاء ومنها شعوب والتي كانت عاصمة لقبيلة مأذن والآن صارت شعوب حياً من أحياء صنعاء وفي شعوب قبر الصحابي الجليل (( فروة بن مسيك المرادي )) ( رضي الله عنه ) .

5- في عهد ذي نواس بدأ بناء سور صنعاء واستمر التوسع فيه حتى أكتمل في عهد الدولة الأيوية ثم اليعافرة لنراه كما اليوم يحيط بصنعاء بأمتداد 6200 م وبأرتفاع 7 أمتار . ولصنعاء بعد اكتمال البناء 6 بوابات بقى منها بوابة واحدة هي باب اليمن أو باب السلام والبوابات الباقية هي (( باب شعوب – باب سباح – باب الشقاريف – باب خزيمة – باب ستران)) .

6- مدينة ضخمة مهيبة كان يقام يفها أحد أكبر أسواق العرب كما سوق عكاظ في الحجاز ، ولصنعاء اليوم أسواق عديدة مقسمة منها سوق الملح وسوق الزبيب وسوق اللقمة وسوق الجديد وسوق الخياطة وووووو.

7- كانت صنعاء إحدى 6 ولايات كما قسمها الرسول صلى الله عليه وسلم تتبع الدولة الإسلامية في اليمن واستمر حالها حتى ضعفت دولة بني العباس لتتشرذم ولايات اليمن وتتحول إلى دويلات صغيرة من أهمها (( دولة اليعافرة في صنعاء ومحيطها – الزيادية في زبيد – الرسولية في تعز – الصليحية في جبلة – أئمة المتوكلية في صعدة والذين امتدوا بعد ذلك ليحكموا صنعاء – الطاهرية في البيضاء وتحديداً العاصمة رداع –والإمارات والسلطنات في الجنوب كسلطنة آل رشيد ))

8- من أوائل المبعوثين إلى صنعاء الإمام الجليل علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ورضي الله عنه ، وممن مر فيها أيضاً وهب بن منبه وطاووس اليماني التابعي – و عبد الله بن كثير و غيرهم .

9- من أهم معالمها البارزة الجامع الكبير الذي بني بأمر الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم بيد الصحابي(( وبر بن يحنس الأنصاري )) والذي بناه مكان القليس كنيسة أبرهة وقد حاول أن يبنيه على طراز الحرم المكي .

هذه مدينة صنعاء الحاضرة الغائبة ، المدينة التي نرثى لحالها وما يحاولون أن تكون عليه مدينة المركزية الأولى في اليمن والتي بهذه المركزية لا نعلم إلى أين تقاد صنعاء وننقاد بعدها ن هذه المدينة التي ستعاني الجفاف قالوا لنا وما في ذلك انظروا إلى سنغافورة لا يوجد بها مصدر مياه وهي قائمة ، نعم ولكنهم أوجدوا حلولاً عملية وللقارئ أن يعلم أن مياه المجاري في سنغافورة يتم تكريرها لتستخدم للشرب ، قالوا لنا سنمد شبكة إنقاذ من سيئون بحضرموت لتغذي حوض صنعاء ، عقلية فذة ستنقل مياه منطقة تبعد حوالي مئات الكيلو مترات إلى مدينة أخرى ، أهذا حل جذري ؟؟

صنعاء تعاني من نزيف حاد ، يتم فيها قتل كل ما يمكن ببناء عشوائي وبناء بيارات تحت مبانيها تخيل أن صنعاء تقبع فوق بحر من البيارات النتنة ويحاولون الآن أن تبنى المجاري في خطة مئوية وربما تستغرق ألف سنة أخرى لنفهم متى سيتم بناء مجاري صنعاء ، رئة صنعاء الحيوية من أشجار ومزارع في حدة وبيت بوس و وادي ظهر ووو تحول إلى مبان وأرضيات للبيع والشراء ، سيسكنها الأشباح ، عشوائية في ترتيب المباني عشوائية في الحياة ، ربما السائل يتساءل لماذا لا يصيح أهل صنعاء ، لماذا هذا الصمت ، حقيقة لا أعلم ، هل تعودوا لذة الظلم ، وتقبلوا المأساة كما هي ، ها هم أبناء الجنوب لمجرد بعض المظالم يتصايحون ، ربما لأن أهل الجنوب تعودوا الحصول على العديد من الحقوق حتى أيام الحزب الاشتراكي لم يكن هناك من يشكي لأنه لا يجد منزلاً يؤويه أو غلاء الإيجارات أو ارتفاع أسعار المواد الغذائية وفجأة وجدوا أنفسهم في معمعة لا خراج لها إلا الله وفعل الناس ودائماً أكرر ((أن الله لن يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)) ، وأجد نفسي حائراً من كذبة أسمها الترويج للسياحة في اليمن ولا يوجد فيها الحد المطلوب للترويج السياحي الخدمي ،فهل نصدق وزارة ما يسمى بالسياحة والتي تسبح هي و وزيرها كمن سبقوه في بحر أوهام المنجزات …. ألا ينظرون إلى الجياع يترنحون أمام القمامات يأكلون منها أم أن على رءوسهم الطير أم يحلمون بجنة سبأ التي زالت قديماً ولم تبنَ من جديد وربما لن تبنى أبداً .

وضعت رؤية في المياه يوماً كنت فرحاً أن أقدمها مسروراً بها ولكني كنت متوهماً لا أعلم سوى أن أقول إن لله و إن إليه راجعون ، أبكي على يمني أم على صنعاء ، أم على ما يصيب أخوتي في الأرض المباركة أم أردد ندائي لأبناء صنعاء :

((يا أبناء صنعاء والشمال ، يا أتباع زيد بن علي العظيم (( رضي الله عنهما )) تُقتلون كل يوم بحجة وبدون حجة تأكلون بقايا الجيفة ، وعيالكم مرهقون عاجزون ، ورجالكم عاجزون أو يعجزون وكل أحلامكم باعوها لشيخ أو مسئول ، عيالكم في صعدة وأتباعهم من لهم بالله من لهم !! يا صنعاء التاريخ تجوعين تعطشين ، يزهد بك الطامعون ويقتلك الجشعون ، أطماعهم لا حدود لها ، ورأس حربتك نقم يشهد على ما يجري وعيون الأرامل لم تجف بكاء على الراحلين ….))

وأرتأي في الأخير أن أردد بعضاً من قصيدة (( نحن والحاكمون)) لإمام الشعر عبدالله البردّوني رحمه الله :

أخي صحونا كله مآتم وإغفاؤنا ألم أبكم ُ

فهل تلد النور أحلامنا كما يلد الزهر البرعمُ

لنا موعد نحن نسعى إليه وبعتاقنا جرحنا المؤلم ُ

فنمشي على دمنا والطريق يضيعنا والدجى معتم ُ

سل الدرب كيف التقت حولنا ذئاب من الناس لا ترحم ُ

وتهنا وحكامنا في المتاه سباع على خطونا حومُ

يعيثون فينا كجيش المغول وأدنى إذا لوّح المغنمُ

فهم يقتنون ألوف، الألوف ويعطيهم الرشوة المعدمُ

ويبنون دوراً بأنقاض ما أبادوا من الشعب أو هدموا

أقاموا قصوراً مداميكها لحوم الجماهير والأعظمُ

و أم تراني أردد قول البردّوني في قصيدته ( حين يصحو الشعب ) :

أعذر الظلم وحملنا الملاما نحن أرضعناه في المهد احتراما

نحن دللناه طفلاً في الصبا وحملناه إلى العرش غلاماً

وبنينا بدمانا عرشه فانثنى يهدمنا حين تسامى

وغرسنا عمره في دمنا فجنيناه سجوناً وحماما

لا تلم قادتنا إن ظلموا ولُم الشعب الذي أعطى الزماما

كيف يرعى الغنم الذئب الذي ينهش اللحم ويمتص العظاما

قد يخاف الذئب لو لم يلق من نابه كل قطيع يتحامى

ويعف الظلم الجلاد لو لم تقلده ضحاياه الحساما .

لا تلم دولتنا إن أشبعت شره المخمور من جوع اليتامى

نحن نسقيها دمانا خمرة ونغنيها فتزداد أواما

ونهني مستبداً زاده جثث القتلى وأكباد الأيامى

كيف تصحو دولة خمرتها من دماء الشعب والشعب الندامى؟

آه منا آه ما أجهلنا بعضنا يعمى وبعض يتعامى

نأكل الجوع ونستسقي الظما وننادي يحف الله الإماما

سل ضحايا الظلم تخبر أننا وطن هدهده الجهل فناما

وتصبحون على خير

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.