اعادة نشر 2006 : الصومال والمحاكم

الصومال و المحاكم وما لاتعرفون !

كتبهاأحمد مبارك بشير ، في 1 يوليو 2006 الساعة: 14:45 م

الصومال

(( قيل في التسعينيات أن شرطة الإنتربول كانت تبحث عن حسين عيديد ، وعجزوا تماماً عن الوصول إليه ، وبعد بحث وجدوه متخفياً في الصافية بصنعاء ……)) نكتة كنا نسمعها ، والصافية حي من أحياء صنعاء يسكنه الكثير من إخوتنا الصومال المقيمين في اليمن .

 أكتب هذا المقال وكلي أسى وحزن يجتاحني شديد لما يحدث في فلسطين ومن ألوم (آه ) ليتها تجدي الآه ، ولكني أقول وهي نافعة لهم بإذن الله :

(( إن لله وإن إليه راجعون اللهم أجرهم وأجرنا في مصائبنا وأخلفهم واخلفنا خيراً منها ))  (( والله مع الصابرين )) …

أدعوك أخي الحبيب بادئ ذي بدء في التعرف على الصومال وباختصار في هذا الموجز السريع من الأخبار :

1-      القرن الأفريقي هو المنطقة الجغرافية التي يحدها شرقاً و شمالاً خليج عدن وأثيوبيا من الغرب وكينيا من الجنوب ، هذه المنطقة تسمى (( الصومال الكبير )) والتي قسمها المستعمر إلى  :

1-1-           الصومال الإيطالي الجزء الشمالي  + الصومال البريطاني الجزء الجنوبي وهم يشكلان ما يعرف اليوم بجمهورية الصومال التي حصدت استقلالها في يوليو 1960م ، وهي صاحبة العلم الأزرق ذو النجمة الخماسية إشارة إلى أجزاء الصومال الكبير فهنا جزءان .

1-2-           الصومال الفرنسي المعروفة باسم جيبوتي استقلت عن فرنسا في يونيو 1977م ومازالت ضمن الدول الفرانكفونية التابعة للثقافة الفرنسية .

1-3-             الصومال الغربي أو (( إقليم أوجادين)) في أثيوبيا والذي دارت عليه الحروب الدامية لاستعادته إلى الجزء الصومالي أو استقلاله عن أثيوبيا ولكنه الآن حصل على حكم فدرالي مستقل تابع لأثيوبيا مما هدئ نوعاً ما الانفصاليين في الإقليم .

1-4-           إقليم الجنوب الغربي أو الإقليم الشمالي الشرقي لكينيا والذي مازالت تعاني كينيا من الرغبة الانفصالية في هذا الإقليم .

قد نتساءل من وضع هذه الأقسام أنه المستعمر البريطاني الذي ما خرج من مستعمرة إلا ووضع فيها مساميره التي جرت على تلك المناطق الويلات وها نحن نرى ما صنعه في الهند بكشمير وفي اليمن  وها هي الصومال ودول الجوار تعاني معاناة من هذه المسامير .

2-         الصومال يتميز عن كثير من الدول الأفريقية بأن جميع أهله من المسلمين يجمعهم المذهب الشافعي ، مما يجعل الدول الكبرى تخشى من توحد هذا الإقليم لأنه وبسبب تماسك عرقه الموحد برابط الدين سيكون سبباً لنشر الإسلام في المناطق المجاورة وووو .

3-         هذه الأرض غنية ، غنية بشكل لن تتصوره ، بصورة تسيل لها لعاب دول الجوار والدول الكبرى ، إنها أرض حية صالحة للزراعة ، أرض مراع ٍ خصبة ينتشر بين سكانها وبين قبائلها رعاية المواشي ، فهي مصدر كبير للثروة الحيوانية  وكذا لمزارع الموز التي تحتكرها شركات فرنسية وإيطالية ، عدا ذلك هي غنية باليورانيوم وخام الحديد والقصدير ، والغاز الطبيعي وتم التأكد مؤخراً من وجود النفط بكميات تجارية ، ولكنها تظل دولة مشهورة بالرعي ولو استقرت لصارت إحدى الدول المصدرة للحوم ومشتقات الألبان . ولتعرف ذلك أكثر كان يشاع قديماً أنك إن حفرت حفرة في أي مكان من الصومال على عمق متر لتدفق الماء العذب منها ، وكان أيضاً يقال أن أفقر فقراء الصومال يمتلك عشرة رءوس من المواشي ، ولتفهم أكثر فكلمة الصومال كلمة تعني باللغة السواحلية الصومالية (( حلاب اللبن )) .

4-         وكما عادتي سنعود قليلاً للتاريخ القديم لنعرف أكثر عن هذه المنطقة وأهميتها :

4-1-           تشكلت قبائل الصومال على تنوعها من قبائل البانتو والكالا وتناسبت واختلطت بالعرب قبل وبعد الإسلام ، وتشكلت منها قبائل أخرى ، وهي البلاد المعروفة ببلاد بونت في التاريخ المصري ذات العلاقة الوطيدة والتجارية ببلاد الفرعون مصر .

4-2-           قام عبد الملك بن مروان في خلافة بني أمية بإرسال أوامره لبناء خمسين مدينة ساحلية في أفريقيا لتصدير الذهب و كان للصومال نصيب الأسد في تلك المدن .

4-3-           مع هجرة قبائل من الإحساء و الشيراز إليها أسسوا مدينة مقديشو عام 907م وكلوة عام 975م .

4-4-           تكونت دولتان في مقديشو وزيلع إلا أن دولة زيلع أو دولة الزنج كانت لها الريادة والسبق  إلا أن دمرها المحتل البرتغالي عام 1498م .

4-5-           ضمها إمام مسقط سلطان عمان إليه وظلت تابعة له حتى انقسمت السلطنة عام 1856م إلى سلطنة عمان وسلطنة زنجبار (بأفريقيا) وكانت الصومال نصيب سلطان زنجبار وتم تأسيس مدينتي باتا ولامو .

4-6-           اللغة السواحلية هي لغة الأغلبية الصومالية وهي لغة 70 % من جذورها عربية وظلت حروفها عربية إلا أن قسمها المستعمر إلى ما ذكرناه سابقاً، وغيرت حروف لغتها إلى اللاتينية كما حدث في تركيا أتاتورك  ، وتلي اللغة الصومالية اللغة العربية ثم الفرنسية و الإنجليزية .

4-7-           حصدت جمهورية الصومال الحالية  استقلالها في يوليو 1960م ، وتبنت الديمقراطية والتي أنعشت البلاد لتعيش الصومال فترة من الرخاء ولتجرب حظها من الحرية والاختيار وعبر الانتخابات الحرة وصل لمنصب الرئاسة في 1967م السيد عبد الرشيد علي ليكون أول رئيس منتخب في الجمهورية .

4-8-           و لأن النظام القبلي مازال يسيطر و يظن أن مصلحته مهددة هذا الشعور جعلهم يدعمون اغتيال الرئيس عبد الرشيد  ( كما ترون الحكاية تتكرر ) ويصل للسلطة رجل الشيوعية المدعوم من الإتحاد السوفيتي (( سياد بري ))

4-9-           بدأ الغباء الشيوعي وعشق السلطة يدمر الصومال رويداً ، رويداً  وبرزت المعارضة في 1981م ، وينجح سياد كل مرة في الوصول في انتخابات شعبية (( وهمية )) إلى السلطة حتى مات ، ليخلفه محمد فارح عيديد ، وليرتكب الخطأ الكبير في نظام بني على مجموعات مستفيدة وحيدة والباقي لهم الشارع ، خطأ تجاهله بري ، ألا وهو تولية المناصب الهامة وتقريب أفراد قبيلته و إزاحة قبائل كانت تشارك في السلطة من أيام حكم بري ولتتحول إلى مواجهة مدعومة هذه المرة بدعم أمريكي لإنهاء الحكم الشيوعي في العالم ، ولتندلع الحرب الأهلية بسبب المال والسلطة في 1991م ، ولتبدأ أطراف أخرى في الشمال بتكوين ما يعرف بجمهورية أرض الصومال ذات الثروة التي ترغب دول الغرب في إبعادها عن الحرب في الجنوب  . المهم كل ذلك كان دافعه حب السلطة والمال والعلاقات القبلية بغض النظر عن الصواب والخطأ ، وقتل الجنرال الغاشم محمد عيديد ليخلفه ولده حسين عيديد والذي كان مطلوباً دولياً كمجرم حرب وفر هارباً ولا أعلم مصيره الآن .

4-10-       وصول صلاد للسلطة وبدأ أمراء الحرب يحاولون الوصول لتشكيل مقنع بتقاسم الثروة والسلطة وكأنهم يحكمون مجموعة دجاج أو بهائم وليس بشر ( لاحول ولا قوة إلا بالله ) .

4-11-       تصورت أمريكا في ذلك الوقت أنها ستستولي على الصومال وتسيطر على القرن الأفريقي بسهولة ، ولذا أرسلت جنودها إلى الصومال 1991م ، ولكن تحالفات أخرى تلعب ولا تريد لأمريكا أن تبقى هناك ، ولذا سعت وعبر القبائل وبحمية حماية الإسلام ومنع دخول الأجانب، شاهد العالم الجنود الأمريكان يجرون جراً في شوارع مقديشو مما أربك إدارة كلينتون التي راعت الشعب وأمرت بانسحاب القوات (( لا أعتقد أن هذا سيحدث لو أن قرار الانسحاب  بيد بوش )).

5-         مع كل تلك المآسي إلا أن النور يشع دائماً وما حدث كان بذرة كبرت لتصير شجرة ، كانت المشاكل في القبائل تزداد وأمراء الحرب يريدون أن  يتفرغوا لغير تلك  التفاهات ولذا لما جاءت فكرة إنشاء محاكم شرعية ضمن كل قبيلة من علماء وفقهاء القبيلة ، وافق عليها شيوخ القبائل وكذا صلاد ، ولم يروا مانعاً من وجود هكذا محاكم لتحل المشاكل بين أفراد القبيلة حتى لا يصير النزاع داخلياً ، وبدأت بذرة المحاكم الشرعية في 1994م بغرض حل المشاكل وغرضها بذلك خدمة الدين والقبيلة ، وبسبب قرب هؤلاء القضاة من الناس أحبوهم  و شعروا تجاههم بالأمان ، فبدلاً من محكمة صارت محاكم حيث تنافست القبائل في إنشاء محكمة في كل قبيلة لتنافس قبيلة أخرى .

6-         توجس أمراء الحرب خوفاً من تقارب قضاة المحاكم من الناس وشهرتهم بينهم فبدءوا يخافون من تنامي قوتهم وزيادة ولاء الناس لهم وقرروا مع زيادة ما يعرف بالحرب على الإرهاب رمي هؤلاء بصفة الإرهاب حتى يجدوا من يدعمهم من الخارج ولكن المسرحية فشلت وذلك في 2003م وبدلاً من ذلك جعلت المحاكم الشرعية والتي ليس لبعضها علاقة ببعض تتأهب من هذا الخطر وحرصاً على بناء أنفسهم أعلنوا ما عرف بإتحاد المحاكم الشرعية وليتم اختيار الشيخ شريف أحمد أحد قضاة محاكم مقديشو الشرعية رئيساً للإتحاد وبدأ التنظيم يكبر و لهذا وجدوا من يدعمهم بالسلاح وبشكل كبير حتى من شيوخ القبائل والسبب أن أمريكا أخطأت من جديد بدعمها لأمراء الحرب الذين شاعوا في الأرض الفساد والدمار فلم يكن أحد ليقبل هذا منهم ، وليقف مكتوف الأيدي ، و هنا تتحول المحاكم إلى تيار عسكري حمل السلاح وقرر إنهاء الحرب الأهلية وكان ذلك في منتصف 2004م .

7-         و نقف ونحن نرى هذه المحاكم التي قادها القضاة الشرعيون وهي تحمل الأمن والأمان لشعب الصومال ولا أحد يقف معها سوى شعب الصومال المسلم ، وأما المسرحية الغبية التي حاول أمراء الحرب  أن ينشروها عبر الإعلام والتي منها خروج الناس في مقديشو غير راغبة في المحاكم فقصتها طريفة جداً حيث توجه ثلاثة من أمراء الحرب إلى شيخ قبائل مقديشو ولينذروه أن هؤلاء قضاة المحاكم من غير قبيلة يريدون الإطاحة به ونحن أبناءك نريدك أن تظهر للعالم وقفتك معنا ، وكان كلمة من هنا وكلمة من هنا خرج الناس دفاعاً عن روح القبيلة قبل أن يعرفوا القصة ونسى الشيخ أن الشيخ شريف هو من أبناء قبيلته ، ولكنه لما تذكر أعتذر عن الغفلة وخسر أمراء الحرب ، وكنا نتمنى أن ينتصر قضاة المحاكم الشرعية فيكفي للصومال ما عانته وما تعانيه .

8-         ولأن الحكاية فيها مصالح أمريكا ، كان لابد من أيجاد المسمار الأمريكي (الإرهاب والقاعدة ) وتمت الإطاحة بالمحاكم لأنها وببساطة بقاءها يعني استقرار هذه المنطقة عبر توجه إسلامي عادل ، وهذه الصورة لا ترغب بها مصالح أمريكا وعيونها ، فلابد أن يرتبط الإسلام بالإرهاب والقتل والدمار في النفوس ، ولا نلوم أحد لومنا لأنفسنا إذ طاوعنا الشيطان ، وفجأة برزت مشكلة جديدة وهي القرصنة ، تربية استخباراتية جديدة لإثارة الفزع حول باب المندب ،ولجلب العذر لوجود قوات التحالف في المنطقة ، وكذا ايجاد عذر للقواعد الأمريكية وللتدخل الأمريكي ،  وليكن مسماراً جديداً للتدخل وفرش الأساطيل حول المنطقة . والله المستعان

9-         ما يثر الاهتمام أكثر أن ما يسمى جماعات شباب الإسلام أو القراصنة أو أياً كان اسمهم ، أن جل تركيزهم في منطقة محدودة وهي مقديشو وما حولها ، و هذا ما تنقله لنا وسائل الإعلام والتي مصدرها أيضاً هم أقصد مصادر غربية ، وهي في الأغلب غير محايدة ، فنحن كلنا لا نعلم مدى الاستقرار الاقتصادي والسياسي، في جل مناطق الصومال التي يتواجد فيها مزارع ومراعي ، بالتأكيد يمتلكها أصحاب نفوذ ، إنها مستقرة أكثر من أرض اليمن في مناطق كبرى في الصومال ومنها ما ذكرت  أرض الصومال أو صومالي لاند ، ها هي اليوم تمر بحدث سياسي هام وتم انتخاب رئيس المعارضة ، ومرت الانتخابات بهدوء . أنا لا أتكلم عن حسد ، وإنما ألفت الانتباه أننا نخدع عبر وسائلنا في النظر إلى النقطة المظلمة ولا نرى النور ، لماذا لا يتسطيع قادة الإرهاب تخطي الحدود والسيطرة على مراكز الثروة ؟ لماذا كل التركيز على قتل الناس ؟ إلا أن هناك سؤال يحتاج إلى جواب من وراء هذه الأحداث ، من هم تجار الحرب ؟ وإلى ما يرغبون أن تصل الحال ؟ ما هي الصورة التي تنقل لنا ؟؟؟؟؟؟ .

لقد عنيت بهذا الموضوع أن أوضح قصة المحاكم الشرعية وقصة الصومال ،قد أختلف مع هذه المحاكم ولكني  أتمنى أن ينعم أهل الصومال بالأمن والأمان .

وليت هناك وسائل إعلام حقيقة تنقل لنا ما يحدث دون لبس وكذب ، وأتمنى أن أكون وفقت لنقل الصورة باختصار مع تقديري .

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.