من أجل أن نبني المستقبل .. نبدأ ببناء الأساس
الإخوة في الحراك الجنوبي :
الحراك الجنوبي الذي ألهب الجنوب كله ، بل وصل لهيبه للعالم أجمع ، تتداعى عليه الأحداث ليفقد بريقه وهنا لابد من الوقوف لحظة تفكير وتأني لماذا ؟
الحراك يحمل فكرة ألهبت مشاعر الناس ، واستقطبت أبناء الجنوب ، وأبناء الشمال مالوا لها، ولكن هذه الفكرة لم تقيم ، ولم تحول لمنتج نهائي قابل للتنفيذ . لماذا ؟
الحراك كمشروع يقدم للناس ما يفتقدونه اليوم في بقية التنظيمات الموجودة في الساحة والتي تم تجريبها ففقدت بريقها ، إنهم بحاجة إلى تنظيم يحمل همومهم وأفكارهم وأحلامهم ويصنعها معهم ، ويحتاج هذا لجهد جهيد وثقة كبيرة لنخلق .
ولأني لا أريد أن أسهب الحديث في لا شيء ..أريد أن أنطلق من عدة نقاط توضيحية ليفهم ما أريد الوصول إليه مني إليكم ،للوصول إلى حلول مقترحة للمناقشة والتقويم ثم التقييم :
– المشاكل التي تواجه الحراك .
– الحراك كمشروع ناجح أو فاشل .
– الموجات الرافعة التي لابد من إعادة النظر فيها لتحريك العمل في الحراك.
أولاً : المشاكل :
– الحراك الجنوبي من أكثر التنظيمات اختراقاً من قبل الأمن القومي و السياسي ، ومجموعات أخرى ، مما جعل دائرة تحت الضوء ، وسعيه تحت المراقبة الدائمة ، بل ومثل هذا الاختراق عنصر مراوغة من أطراف تردي أن تصل لهدف ما ، ومما سهل عملية الاختراق :
1- وجود أشخاص يميلون للحراك وقضيته ولديهم مخاوف من انهياره فيبنون مصالحهم الذاتية في الطرفين ، لكي يضمن وجوده في حالة بروز الحراك أو انهياره .
2- وجود أطماع للحصول على المكاسب مالية أو مادية ، وعلى حساب أي شيء ، فيمكن أن يبيع ويشتري في المبادئ لأن المبدأ الأساس هو مكسبه الشخصية في ظنه .
3- وجود أفراد يخشون نجاح الحراك كفكرة ، إما خوفاً على مكانتهم أو خوفاً من ضياع حقوقهم ظناً منهم أن الحراك يريد أن ينتهك الحقوق بحجة استعادة الدولة كما حدث في فترة السبعينيات في مرحلة التأميم للحزب الاشتراكي .
– وكل ما سبق يعمل بطريقة مختلفة لكنهم مجتمعين يسعون بقصد أو بدون قصد لتدمير الحراك . ومن هذا السعي نجد سعي لإبراز الحراك الجنوبي السلمي كمنظمة إرهابية ليس لها تصور صور التخريب والتدمير للوصول إلى مساعيها ، وهذا ما تنقله الصورة والأحداث ، مجموعة من حملة السلاح ، يرهبون الناس ، ينشرون الفوضى ، يدمرون الحياة الاقتصادية للسكان ، ينشرون الخمول و الاتكالية بين شبابه …… !!!!!!
– لا توجد قيادة مركزية مسيطرة على الحراك الجنوبي ، وتبرز لنا مجموعة قيادات تحمل تصورات مختلفة ، و وجهات نظر متنازعة في الظاهر ولو كانوا مترابطين في الباطن ، لأن الناس لا يرون إلا ظواهر الأمور .
– لا يوجد للحراك تصور واضح وكامل عن الحركة و كيف تصل لأهدافها ، ربما هذا يصلح عندما بدأ الحراك في 2007 ولكن اليوم وبعد مرور سنوات خمس لابد أن يكون هناك صورة واضحة يحملها الحراك يفهمها الناس ويعرفون كيف ومتى يصلون إليها ؟
ثانياً : الحراك كمشروع :
أن أي مشروع ناجح يقوم على ركائز خمس اذكرها مع التفصيل الموجز والتي منها أبين بعض الحلول من خلالها ولاحقاً إن شاء الله :
1. الفكرة والمرونة : ومن هنا نجد
• أي مشروع لابد أن يمتلك فكرة معنية تتمحور حولها رؤيته ورسالته التي تصل إلى الناس، وتتمحور الفكرة حول مبدأ ثابت ، و الحراك امتلك ذلك المبدأ في صورة ( تقرير مصير الجنوب ) ، فكانت الفكرة منيرة قادت الكثير إليها ، ولكن الفكرة لابد أن تتحول إلى مجموعة من الأهداف الجزئية ، وآليات الوصول ، ليس المهم امتلاك الفكرة وإنما تحويل الفكرة على منتج نهائي .
• على الفكر أن يتميز بالمرونة للوصول إلى غايته العليا ، فنحن قد نغير ونطور في طرحنا وأفكارنا دون أن نغير مبادئنا ، فالمبدأ يتميز بالثبات والفكرة بالتغيير والتطور ، وهنا وقفت مجموعات الحراك باختلافها دون أن تجد تغييراً في طرحها ومرونة في عرض أفكارها . مما قاد جعل الفكرة الجوهرية تبهت وتضيق وربما تختفي وهنا لابد من إعادة النظر والتقييم .
• فقاعدة (تقرير المصير) يمكن أن نصل لها بعدة طرق دون أن نصر على طريقة واحدة يحاربها الجميع .. لتصل عليها أن تكسب مؤيديك
2. الموارد : والموارد لأي مشروع تتوزع في الآتي :
• موارد مادية : متنوعة من أصول ,أدوات ومعدات ، وهذه حاول الحراك إيجادها من جهد أبنائه ومن تعاون جهات أخرى صديقة وعدوة ، لغرض أو دون غرض .ولكنها مازالت ضعيفة وغير كافية.
• مالية : وكذلك هنا حاول الحراك إيجادها من جهد أبنائه ومن تعاون جهات أخرى صديقة وعدوة ، ولكنها تنتهي ولا تحقق الغرض منها .ولا يوجد مصادر دخل مستمرة للحراك فيها .
• معلوماتية : محاولات مستميتة للحصول على المعلومات وإيصالها ، والاهتمام بها ، ولكنها ضعيفة وليست على مستوى الحركة ، فالمعلومات تؤدي لاتخاذ قرارات تتمحور حولها الأحداث ، ولذا فأي نقص في المعلومات أو خطأ أو سوء فهم أو عدم وصول ..يؤدي تلقائياً لاتخاذ قرار نتائجه خطيرة أو عقيمة .
• الوقت : أنه المورد الحيوي المتسارع الذي لا يمكن أن نتجاهله فكل لحظة تمر دون تدقيق في اطار ما تم وما سيتم إجراؤه يعتبر تدمير للمشروع .
• البشر : العنصر الذي تدور رحى الأحداث عنه وعليه ، والمشروع الناجح من يمتلك عناصر في مواقعها وفي مهام واضحة المعلم تسعى لتحقيق الأهداف .. لا يهم الكم بل الكيف .
3. الكفاءة والقدرة : أن أي مشروع لابد أم يمتلك في عناصره الكفاءة والقدرة من أعلى الهرم خاصة وإلى أطرافه المتناثرة ، ولابد منها من إعادة تقييم ( من وكيف ) للوصول إلى نجاح الهدف .
4. الإدارة : وهو المحرك الجوهري لتلك العناصر ، فلابد من امتلاك المشروع عنصر إداري وليس قيادي ، عنصر إداري يستوعب العمليات الإدارية ويحرك الدفة إلى الأمام للوصول إلى المرفأ الصحيح هذا العنصر إن فقد المشروع قيمته وقوته ، وإن عجزنا عن ايجاد فلابد من استقطاب أي عنصر إداري حقيقي للمشروع حتى لا ينهار .
5. الهمة والاستمرارية : لا يمكن أن تأتي الهمة بلا حافز ولا يأتي الحافز إلا من رؤية واضحة ولا تأتي الرؤية الواضحة إلا من أهداف وتوقيت عمل ومهام توزع . وهذا ما نجد أجزاء منه في الحراك الذي يندفع أبناؤه بحماس ولكن الحماس يخبو كلما وجدوا محفزات أفضل من خارج الحركة .
ثالثاً : الموجات الرافعة والمحركة للمشروع :
1. الموجات السياسية والقانونية : حاول الحراك الاستفادة من هذه الموجة الرافعة في البداية كانت رافعة قوية ولكنها بدأت تخبو بسبب ذكاء الطرف الثاني في استخدامها بشكل أسرع وأقوى :
– مسألة قانونية الوحدة وقرارات مجلس الأمن 94: واستفيد من هذا فترة ولكنها بدأت تخبو بشدة لأن قرارات لاحقة جاءت لتؤكد من مجلس الأمن و من دول الجوار على كيان الدولة الموحدة ، مما جعل القانون السابق يلغى بقانون لاحق فلا يمكن التمسك بموجة ضعيفة انتهت ، ولم تستغل في حينها بذكاء ، وهناك موجة في إطار تلك الفترة أقوى منها وهو تعديلات الدستور بعد 95 والتي ألغت العديد من بنود دستور الوحدة 91 والتي استفتي عليه في وقتها ولم يتم على دستور 95 فقاعدة الموجة أن نتمسك بدستور الوحدة الذي تم الاستفتاء عليه وقانونيته .. ومسألة وثيقة العهد والاتفاق التي وافق عليها كل أطراف النزاع في الدولة ولم تطبق . ولم يتم الاستفادة من هذه النقطة أيضاً .
– نريد العالم أن يقف لنا .. والعالم يريد مصالحه .. حتى دول الجوار .. معنى ما نريد أن يعاد النظر في اتفاقية الحدود مع المملكة وعمان .. والمشكلة أن من وقع الاتفاقيات رجال منهم وعلى رأس القائمة ( باجمال) فكيف نناقش .. ومن نريد أن نقاوم .. لابد من إعادة نظر .. من يريد أن يأخذ عليه أن يعطي .
– مسألة سلمية الحركة و مواجهتها لعنف السلطة : في البدء تم استغلال هذه النقطة بقوة حتى برزت ثم بدأت تخفو بسبب التحركات الخفية من بعض الاختراقات .. مما سهل بروز السلاح بصورة عشوائية في كل مظاهرات الحركة .. وموجات ردة الفعل التي يتم التعامل بها من بعض شباب الحركة تجاه مواقف أخرى ونجد خطورة هذا في أن تكرار هذه الأحداث بدأ يتم استغلالها للنظر للحركة كحركة إرهابية أو محرضة على الإرهاب وهذا برز من نقاط مثل:
• إغلاق الشوارع العامة مما سبب الضرر للناس والسكان ، واضر بالحركة الاقتصادية والمعيشية للناس مما ولد الضرر للناس في الأحياء وفقدان بريق الحركة لديهم وخاصة أن مبررات ذلك لم تعد تنفع . ودوافعهم نبيلة قد تكون لكن لم تقوم بشكل صحيح ، فمثلاً مسألة المعتقلين يمكن إبرازها من خلال ((العمل السلمي ، اعتصام أمام السجون والمعتقلات في فترات الصباح بشكل سلمي بهتافات توجه نحو تحقيق العدالة منها .))….
• تحطيم وتشويه ممتلكات عامة هي أصلاً ملك للأمة وليست ملك للطرف الثاني أياً كان .
• مواجهة العنف بالعنف المضاد مما أضاع معانٍ كبيرة ومن أهمها سلمية الحركة .
• عنصرية ردود الفعل تجاه الآخر ، مما يبرز لدينا حركة قد تتبنى العنصرية في الحكم مما يضعف كيان الحركة أمام مواطني الجنوب التي تعود أصولهم القديمة للشمال أو لدول كالصومال أو الهند أو ..إلخ ..
– اختلاف المتحدثين باسم الحركة وكأننا أمام حركة تنقسم على نفسها برز أكثر من مرة ، وهذا يمثل إضعاف مرحلي وخطير للحركة ويزعزع ثقة جمهورها ، إذ لابد أن يكون هناك واجهة واحدة لقيادة الحركة وبالتالي متحدث وحيد باسم الحركة يصدر بياناته و معلومات عنها ، وإلا فأمامنا مجموعة حركات كلها تدعي أنها الحراك .
– ضعف القيادة المركزية ، إذ نجد أنه لا يوجد قيادة مركزية واحدة ، والقيادة البارزة وللأسف شخصيات تعتمد في تحركاتها على ردود الأفعال واختلاف المواقف ، حيث لا نجد قيادة مركزية سياسية إدارية فاعلة تتحرك بتوجيه الدفة لا أن تتأثر بالموجات . (ومنها للأسف الشديد الاخ علي البيض .. يمكن اعتباره رمزاً أو قيادة فخرية لكنه ليس قيادة إدارية تحرك الدفة ولم يكن كذلك من قبل .. ليس لنقص فيه إلا أنه شخص تسيره ردود الأفعال ) .
2. الموجة الاجتماعية والثقافية : وهذه لم تستغل على الإطلاق إلا في النادر والهامشي رغم أهميتها في بروز أي حركة أو مشروع تنظيمي ، والتي تلقائياً توجد مبررات دعم للحركة من الأرض ، وتستقطب سكان المنطقة لهذا التنظيم وغيره وقد استغله ويستغله كل تنظيم موجود عدا الحراك ..ومن هذا :
– منهجية الحركة واعتمادها على ثقافة الناس والتي تأتي من خلفياتهم الدينية والتي تتجاهلها قيادات الحركة في تصرفاتها إلا فيما ندر ، وعدم الاعتماد على بوابات الالتزام الديني والأخلاقي وبناء العلاقة الودية بين الناس عبر المساجد ومنابر العلم .
– أحداث أبين وما تلاها من موجة نزوح غابت عنها الحركة عن البروز في إيجاد الحلول والتقنيات ، منها دعم النازحين معنوياً مادياً مالياً .. أقلها نصيحة المؤجرين للمساكن بدعمهم بخفض الإيجار وعدم استغلال الأزمة التي هم فيها .. أقلها تجييش العمل الإعلامي لكشف أحداث أبين بصورة دقيقة.. أقلها دعم تكوين جبهة مقاومة لمقاومة العدوان عليهم في الداخل .. أقلها منع تسريب الدعم للمقاتلين المغتصبين لأبين ..
– دعم مشروعات تنموية في الأحياء مثل .. النظافة .. السلامة .. منع انتشار السلاح .. المخدرات .. إصلاحات في كل مجال وفي كل حي …
– نزول بين الناس .. مشاركتهم أفراحهم .. شعبياتهم .. سمراتهم .. أهازيجهم ..
3. الموجة الاقتصادية : ويحتاج هنا إلى قوة داعمة لتمويل الحركة واستغلال ذلك التمويل في بناء كيان قوي ، وإيجاد وسائل التمويل التي لا تنتهي والتي ستأتي من الناس ، ولن يكون لهذا قوة مالم يكن هناك ثقة وعمل يتم في إطار الموجة الاقتصادية . واستغلال فرص كثيرة منها ضعف القوة الشرائية في السوق وإيجاد الحلول العلمية والعملية لذلك. وهذا نجد ضعفه في كل كيانات التنظيمات في اليمن وليس فقط في الحراك .
4. الموجة التقنية : وهي أيضاً ضعيفة في أغلب التنظيمات وأضعفها في الحراك ، وهي موجة تعتمد على التجديد واستخدام كل تقنية وفكرة فريدة في الصعود ، قد تكون منها التقنيات الإعلامية وهي ضعيفة جداً لدى الحراك حتى مع قناته عدن لايف ، وقد تكون منها وسائل نقل المعلومات والتواصل وهي ضعيفة جداً بصورة كلية لدى الحراك وفي كثير من التنظيمات .
لست فيما سبق أضع الكلمات لمجرد أنها كلمات ، ولست أضع الأفكار لمجرد أنها أفكار ، إنما أضع معايير يمكن اعتمادها في بناء تنظيم حيوي وذكي قادر على النمو والوصول لأهدافه وتحتاج منها لإعادة النظر في أفكارنا وتقييم أعمالنا ومن هذا :
– لماذا قام هذا الكيان ؟
– لاسترداد الحق المسلوب ، وإقامة العدل !
– ماذا يقدم هذا الكيان؟
– مجرد فكرة وكلمات لاشيء واضح على الإطلاق، في موجة الكل يريد أن يكون الزعيم ونسي الجميع أن الزعيم هو الفكرة هو الكيان .
– كيف سيقدم عمله ؟
– لا صورة واضحة آمال معلقة وأحلام موقوفة !
– متى يمكن أن نعرف أو نصل لما يرديه الكيان ؟
– لا إجابة لأن الأمر معلق بإعادة التقييم .
– أين يمكن أن نبدأ ؟
– كل زوايا الجنوب منطلقنا .
– ماذا لو لم ننجح ؟
– لا يمكن قياس أمر مجهول ..لا نجاح دون ترتيب … تقسيم .. تنظيم .. توزيع مهام .. تحديد أهداف .. معرفة الأولويات .. اتخاذ القرار .
أرجو أن يكون كلامي قد وصل .. فكرتي.. ملك لكم ..كلنا نريد مصلحة الوطن ..لا نعلق كل مواقفنا على يوم واحد 21 فبراير 2012.. يوم من التاريخ سيمر كما مر غيره .. فليمر .. ماذا بعد أن يمر ؟ لابد من إعادة النظر ..
شكرا لمن اهتم أو يهتم ..
والحمد لله رب العالمين
أحمد مبارك بشير
17/2/2012