نظرية ظهور العلم -25 – اين الخطأ

نظرية ظهور العلم -25
أين الخطأ؟

ما أن انتهيت من كتابة مقال “السيجارة البني” حتى أرسل إلي سيادة الدكتور محمد أبو المكارم رسالة رائعة يثني فيها على ما جاء بمسلسل مقالات “ظهور العلم” وينبه إلى ضرورة التحقق من صحة ما جاء بها.   يقول سيادته:

“الأستاذ الدكتور كمال شاهين, 

أولاً: جزاكم الله خيرًا على هذا الدش البارد الذي أفاقنا مما غيّبونا فيه, و    

ثانياً: يجب أن نراجع هذه الحقائق ونبحث عما نتفق عليه وما نختلف فيه.”  انتهى

لاحظ كيف “أثنى” سيادته في السطر الأول على ما جاء في المقال, وكيف “نبه” في السطر الثاني إلى ضرورة التحقق من صحة ما جاء بالمقال.  الرجل معجب بالمقال, ويثني عليه, ويطالب بضرورة التحقق من صحة ما جاء به.   وإن هذا والله لأمر عجيب.  منذ متى يصدر صوت في الثقافة المصرية يعبر عن إعجابه بفكرة ما منبها إلى ضرورة التحقق منها؟   نحن أصلاً لا نعجب إلا بالأفكار “الحلوة”.   فكرة أن من الضروري أن يكون للفكرة “أصل” في الواقع هي فكرة لا وجود لها أصلا بثقافتنا المصرية.   المهم أن تكون “حلوة”.  المهم أن تكون فكرة تعجبنا.  نحن إذا أعجبتنا فكرة “حلوة” اقتنعنا بها.  أما إذا كانت “غير حلوة” ألقينا بها في “مزبلة التاريخ” الشهيرة أو في أقرب صفيحة زبالة.  موضوع التحقق هذا هو ليس فقط “آخر شيء يخطر على بالنا” وإنما هو شيء “لا يخطر على بالنا” أصلا.  أي تحقق يا رجل؟  عليك بصفيحة الزبالة.  

أعجبني, إذن, كلام الدكتور أبو المكارم وتنبيهه إلى وجوب التحقق مما جاء في المقال, وعليه كتبت إليه التالي:

“خالص الشكر لسيادة الدكتور أبو المكارم على كريم رسالته.  أعجبني “ثناء” سيادته على مسلسل مقالات “ظهور العلم” يعقبه مباشرة بيان سيادته بضرورة التحقق من صحة الحقائق التي وردت في هذه المقالات.  هذا هو “العلم”.  لا بد من التحقق.  ليس بيننا أئمة معصومون.”

لا توجد لدي, إذن, مشكلة في “التحقق” عندما يطالب أحدهم بالتحقق.  يعود ذلك إلى إدراكي الكامل إلى أن التحقق هو الوسيلة الوحيدة للتأكد من اتفاق أفكارنا مع الواقع.  تكفينا مصيبة “أكبر قوة ضاربة في الشرق الأوسط”.  تكفينا مصيبة “سبي النساء” و”استعباد الأطفال” في سبيل نشر “دين الرحمة”.  تكفينا مصيبة الحمل متعدد السنوات.  تكفينا مصيبة أن الله أنزل كلامه الكريم على رسوله الكريم وحفظ جزءًا منه في القرآن وحفظ الباقي في صدور مشايخنا الكرام. 

لم نكن يوما “أكبر قوة ضاربة في الشرق الأوسط”, ولا كان حمل النساء متعدد السنوات, ولم يحدث إطلاقًا أن أباح الله سبحانه وتعالى استعمال النساء جنسيا هكذا بالمجان لأننا استولينا عليهن خلال محاولاتنا نشر دين الرحمة في بلاد الكفار.  كما أنه لم يبح لنا إطلاقا استعباد الأطفال.  وقطعا لم يعهد سبحانه وتعالى إلى شيوخنا الكرام بحفظ كلامه في صدورهم.  نعلم جميعنا أن كل شيوخنا رجال عظام إلا أنهم ليسوا بمعصومين, وما كان الله أبدا ليعهد بحفظ كلامه إلى بشر تخطيء وتصيب.  والقول بأن مشايخنا معصومون من الخطأ في نقل “كلام الله” إنما هو إضفاء لعصمة الأنبياء عليهم.  وما هم والله بأنبياء إنما هم بشر مثلنا تماما يخطئون مثلنا تماما ويستحيل أن يعهد الله إليهم بحفظ كلامه.    والمصيبة في كل هذه المصائب أننا لم “نتحقق” من صحة هذه الأفكار.    وعليه,

وعليه, أشعر بالسعادة عندما أرى كلامي موضع التحقق.  أنا لا أحب كلامي وإنما أحب التحقق.  أنا أحب الحق.  ولا ولاء لي إلا للحق.  وأسعد لحظات حياتي هي اللحظة التي أكتشف فيها خطأ ما كنت أذهب إليه لأني الآن أقرب إلى الحق.  هذا هو السبب في شعوري بالاطمئنان طالما كان الشيخ الطحاينة بيننا.  فشيخنا لا يسير على منهجنا وهو, بالتالي, أشد الناس حساسية لأخطائنا وهو لا يترك سطرًا يشك أن به خطئا إلا وأشار إليه.  طبعًا, لا يجعلنا هذا نتخلى عن أفكارنا ففضيلة الشيخ الطحاينة لا يأتيه الوحي ولم يخبرنا يوما أنه لا ينطق إلا صوابا, ولو أخبرنا بهذا لما صدقناه, فهو بشر والعصمة لله وحده.   إنما يجعلنا هذا “نتحقق” من صحة ما نذهب إليه, فإذا كان شيخنا على صواب اتبعنا الحق, وإذا لم يكن على صواب اتبعنا الحق.  وعليه, فأنا أحب من يهديني إلى الحق, وأحب الناس عندي من يبعدني عن الخطأ.   وعليه,

نشر سيادة الأستاذ الدكتور محيي الدين عبد الغني رسالة موجهة إلينا جميعا بشكل عام, وإلى سيادة المستشار أحمد ماهر بشكل خاص يشكر سيادته فيها سيادة المستشار أحمد ماهر على شريط فيديو منصف كان سيادة المستشار قد أرسله إليه بخصوص مسلسل مقالات ظهور العلم, كما يدعوه إلى العودة إلى من يتابعون إسهاماته العلمية على دائرة الحوار.     يقول سيادته:

“شكرا أخي المستشار على هذا الفيديو المنصف بعدما قرأنا بحث أستاذنا العزيز شاهين الذي نزع من العرب كل صلة بصناعة العلم، ومثل بحثه هذا أسميه أنا بحثًا أعور حيث يرى الصورة بعين واحدة.   لقد نسي تمامًا أن منطقة ما بين النهرين (ميسوبوتاميا) هي التي اخترعت أعظم اكتشافين في تاريخ الإنسانية وهما الكتابة والعجلة، وحضارة النيل هي التي بُني على أكتافها الحضارة اليونانية، وحتى الحضارة اليونانية لم يعرفها الغرب إلا عن طريق العرب. الموضوع يحتاج إلى بال رائق, وأنا على سفر كما تعلم، ولكني أشير إلى أن الأسبان فخورون بفترة الحكم العربي, فقد كانت منارة العلم باعتراف كل الأوربيين وكانت علوم العرب تدرس في الجامعات الأوربية إلى عهد قريب، وأشير إلى كتاب واحد فقط وهو لمستشرقة ألمانية والكتاب مترجم إلى العربية واسمة شمس العرب تشرق على الغرب، ومنذ حوالي ثلاثة أسابيع فقط بثت البي بي سي البريطانية برنامجًا عن قرطبة, وجمال المعمار العربي, والآثار التي تركها العرب هناك، وكانت من الجمال حتى أن بنائي الكنائس قلدوها.  وملاحظة شخصية من ناحيتي, بعد إقامة ثلاثة عقود ونصف، أستطيع أن أشهد أن الغرب يكن في عقله الباطن احترامًا وخوفًا من العرب, وهم يعلمون أن ما نحن فيه الآن هو مجرد كبوة فارس مغوار.

تحياتي لك أخي العزيز, وأرجوك العودة إلى دائرة الحوار, وأنا على يقين أن الكثيرين من أعضاء الدائرة يفتقدونك.   تحياتي أيضًا للدكتور شاهين الذي كتب ما كتب من دافع الألم الذي حط بالأمة، ولكني أقول له “وتلك الأيام نداولها بين الناس” وهذه سنة الله في كونه.”  انتهى كلام سيادته

لا بد من أن أعترف بأني استولت عليّ “حيرة مسيطرة”.    وذلك للأسباب التالية:

أولاً, تشير الرسالة إلى شريط منصف, أي إلى شريط ينصف العرب من الظلم الذي وقع عليهم من كتاب “ظهور العلم”.  عدت إلى الشريط وهو متوفر على الشبكة العالمية ويمكن الحصول عليه إما بكتابة “ألف اختراع واختراع” بالعربية أو بالإنجليزية.   ووجدت شريطًا عظيما يحدثنا عن الإسهام الحضاري لأمة محمد عبر مساحة تمتد من أسبانيا غربًا إلى الصين شرقا عبر فترة زمنية تمتد من لحظة ظهور الإسلام إلى أواخر القرن العاشر الهجري تقريبا.  الشريط منصف فعلا.  فهو يبين الإسهام الحضاري لمجموعة من الأمم, والشعوب, والقبائل التي سكنت منطقة شاسعة عبر فترة زمنية تمتد إلى أكثر من ألف عام.  الشريط منصف فعلا فهو يتحدث عن الإسهام الحضاري الذي قام به الأسبان, والأمازيغ, والمصريون, والسوريان, والفرس, والترك, والكرد, والعرب, والأوزيك, والهنود, والصينيون وكل من آمن بدين الله عبر ألف عام.  الشريط منصف فعلا إذ أنه ينصف كل البشرية خارج قارة أوربا خلال عصور الظلام الأوربية مبينا بوضوح تام أنه إذا كان الظلام قد سيطر على أوروبا خلال العصور الوسطى الأوربية فقد كانت الدنيا ضياء خارج أوربا.   المشكلة أن هذا لا علاقة له بموضوعنا على الإطلاق. 

لا أحد هنا, على الإطلاق, يتحدث عن “الإسهام الحضاري لمجموعة الشعوب الإسلامية في القرون العشر الأولى من الهجرة”.   الحديث هنا يدور عن “الإسهام الحضاري لمجموعة الناطقين بالعربية في القرون الخمسة الأولى من الهجرة في تقدم المعرفة البشرية في قطاع العلوم الطبيعية والإنسانية”.  

لا يوجد أدنى شك في أن مجموعة الشعوب, والأمم, والقبائل, التي دانت بالإسلام في المنطقة الممتدة من جنوب فرنسا غربا إلى حدود اليابان شرقا قد أسهمت إسهامات حضارية كبرى خلال فترة الألف عام الممتدة من القرن الأول الهجري إلى القرن العاشر الهجري.  لا يوجد لدي أدنى شك على الإطلاق, إلا أن هذا ليس موضوعنا.  موضوعنا هو الإسهام الحضاري العربي في تقدم المعرفة البشرية في قطاع العلوم الطبيعية والإنسانية للناطقين بالعربية في القرون الخمسة الأولى من الهجرة. 

لا يوجد أدنى شك في أن أمة محمد قد أسهمت خلال فترة الألف عام هذه عبر هذه المساحات الشاسعة في تقدم المعرفة البشرية في كل القطاعات إلا أن ذلك لا يعني على الإطلاق أن الناطقين باللغة العربية في القرون الخمسة الأولى من الهجرة قد أسهموا في “تقدم المعرفة البشرية في قطاع العلوم الطبيعية والإنسانية”.  لم يحدث.

يتبع…

كمال شاهين 

#نظرية_ظهور_العلم

#تطوير_الفقه_الاسلامي 

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.