مفهوم القرآن-1

مفهوم القرآن-1

معنى كلمة القرآن

نشر الأخ الفاضل المرحوم نهرو طنطاوي قبل عشر سنوات مقالة حول معنى القرآن. أطلعني أخي أحمد الكاتب على المقالة فقمت بالرد عليه ولا أدري أين نشرته. لكن تاريخ الرد كان 21/12/2009. أرى بأن الموضوع غير الصحيح الذي تناول الأخ الذي انضم أخيرا إلى القرآنيين المعروفين في أمريكا لا زال في أذهان البعض. ولذلك أنشر الرد مرة أخرى لعله يزيد من يريد علما بخطأِ المرحوم نهرو طنطاوي. والمرحوم طنطاوي كان أزهريا ولكنه انتقل كالطيور من جذع إلى جذع إلى قمة شجرة مرات لا أعرف عددها في حياته الدينية.

أحمد المُهري

الأخ الفاضل الأستاذ نهرو طنطاوي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أطلعني الأستاذ أحمد الكاتب رسالتكم القيمة حول جمع الله للقرآن ولقد قرأتها بالكامل نظرا لعدم توافقها مع رأيي لعلي أجد فيها منطقا أكثر واقعيا فأتبعه ولكني للأسف لاحظت أن الدقة التي بذلتموها لم تكن آخذة المسار الصحيح والمناسب لمثل المسائل القرآنية. أعتقد أن إشكالكم الأكبر هو أن السورة الكريمة (سورة القيامة) بآياتها الأربعين لا تتحدث عن القرآن بل عن القيامة فقط فتوسط ثلاث آيات عن كتاب الله تعالى وعودة السورة إلى القيامة مسألة فجة لا تناسب القرآن العظيم. وقبل أن أقدم ملاحظاتي على ما تفضلتم به فإني أورد ادناه سورة أخرى أكثر من القيامة تنقلا بين المسائل المختلفة وهي سورة الدخان فلنلاحظها معاً:

حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إنه القرآن دون شك فكل ا لسور السبعة المتتالية التي تبدأ بـ حم تتحدث عن القرآن.

إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ (3) فيكون الإنزال خاصا بالقرآن الذي بين أيدينا. ولكن القرآن نزل خلال 23 سنة ولم يكن لينزل في ليلة واحدة. والقول بأنه نزل دفعة واحدة يخالف المنطق السليم لأن القرآن تحدث عن الكثير من المسائل التي حصلت للمسلمين طيلة زمان النزول فلو أنزل الله القرآن دفعة واحدة فهذا يعني بأن الحوادث المذكورة قد سبقها علم الله تعالى فأصبحت واجبة الحصول وانعدم معها الاختيار. فالمرأة التي جادلت رسول الله في زوجها كانت مخطئة لأن زوجها كان مجبورا لعمل ما يكرهها أو أنها كانت تمثل ولم تكن جادّة… الى آخر ذلك من الاحتمالات المخالفة للمنطق السليم. وقول الله تعالى في سورة الإسراء غير موافق مع المنزل أعلاه: وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (105) وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً (106). ومن الواضح أن المنزل في الآية الأولى هو غير القرآن والقرآن معطوف عليه.

فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4) أَمْرًا مِّنْ عِندِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (5) رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (6) بالطبع أن “فيها” تعني “في تلك الليلة المباركة”. فكيف يفرق الله كل أمر حكيم في تلك الليلة وما ارتباطها بالقرآن الكريم المنزل على دفعات؟

رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِن كُنتُم مُّوقِنِينَ (7) لا إِلَهَ إِلاّ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الأَوَّلِينَ (8) بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ (9) القرآن كتاب منزل على بشر هذا الكوكب فما ارتباطه بذكر الله تعالى ربوبيته للسماوات والأرض في هذا المكان ثم ينتقل فجأة إلى إحدى علامات يوم القيامة:

فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاء بِدُخَانٍ مُّبِينٍ (10) يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (11) رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ (12) يستمر في الحديث عن الناس وهم في حالة نفسية مجردة بعد الموت وحين دمار النظام الشمسي وتحول الشمس إلى كرة ضخمة تبعث بالدخان الذي يشعر به الناس وهم أنفس بالطبع فيخشون بأن القيامة قد قامت ولم تقم القيامة بعد.

أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءهُمْ رَسُولٌ مُّبِينٌ (13) ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَّجْنُونٌ (14) عاد القرآن إلى ذكر الرسول الأمين في الدنيا وقبل موت الدنيا وموتنا جميعا وبأن المشركين من صحابته تولوا عنه واتهموه بالجنون وباتباعه للجن احتمالا.

إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عَائِدُونَ (15) عادت السورة إلى يوم دمار النظام الشمسي.

يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنتَقِمُونَ (16) انتقل القرآن إلى يوم الدمار الكوني وهو بالتأكيد يأتي بعد فترة طويلة من يوم الدمار الشمسي. فترة لا يعلمها إلا الله تعالى.

وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجَاءهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ (17) أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (18) وَأَنْ لاّ تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ إِنِّي آتِيكُم بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ (19) وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَن تَرْجُمُونِ (20) وَإِنْ لَّمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ (21) فَدَعَا رَبَّهُ أَنَّ هَؤُلاء قَوْمٌ مُّجْرِمُونَ (22) فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلاً إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ (23) وَاتْرُكْ الْبَحْرَ رَهْوًا إِنَّهُمْ جُندٌ مُّغْرَقُونَ (24) كَمْ تَرَكُوا مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (25) وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (26) وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ (27) كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ (28) فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ (29) وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الْعَذَابِ الْمُهِينِ (30) مِن فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كَانَ عَالِيًا مِّنَ الْمُسْرِفِينَ (31) انتقل القرآن إلى قصة قديمة حدثت قبل حوالي 2000 سنة من ظهور القرآن ونبينا الأمين عليه السلام.

وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (32) عاد القرآن إلى ما قبل موسى عليه السلام حينما اختار بني إسرائيل.

وَآتَيْنَاهُم مِّنَ الآيَاتِ مَا فِيهِ بَلاء مُّبِينٌ (33) إِنَّ هَؤُلاء لَيَقُولُونَ (34) إِنْ هِيَ إِلاّ مَوْتَتُنَا الأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُنشَرِينَ (35) فَأْتُوا بِآبَائِنَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (36) عاد القرآن إلى اختباراته على بني إسرائيل أيام فرعون.

أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ أَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ (37) انتقل القرآن إلى من سبقهم من قوم تبع والذين من قبلهم.

وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ (38) مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلاّ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (39) عاد القرآن بلاييين السنين إلى الوراء يوم خلق السماوات والأرض ليقول بأنه سبحانه لم يكن لاعبا آنذاك.

إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ (40) يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى عَن مَّوْلًى شَيْئًا وَلا هُمْ يُنصَرُونَ (41) إِلاّ مَن رَّحِمَ اللَّهُ إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (42) إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ (43) طَعَامُ الأَثِيمِ (44) كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ (45) كَغَلْيِ الْحَمِيمِ (46) خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاء الْجَحِيمِ (47) ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ (48) ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ (49) إِنَّ هَذَا مَا كُنتُم بِهِ تَمْتَرُونَ (50) إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ (51) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (52) يَلْبَسُونَ مِن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَقَابِلِينَ (53) كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ (54) يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ (55) لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلاّ الْمَوْتَةَ الأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (56) فَضْلاً مِّن رَّبِّكَ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (57) انتقل إلى المستقبل البعيد جدا وهو يوم الفصل يتلوه إدخال الناس في الجنة أو في النار.

فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (58) فَارْتَقِبْ إِنَّهُم مُّرْتَقِبُونَ (59) عاد إلى القرآن المنزل عليه ليقول له بأنه سبحانه يسر القرآن بالعربية لتسهيل التذكير على من يريد أن يتذكر.

فهل تعتبر أخي المؤمن كل هذه الانتقالات البعيدة وغير المناسبة في ظاهرها انتقالات فجة بين المواضيع المتباعدة زمانا ومكانا ومعنى؟!
يتبع..
أحمد المُهري

#مفهوم_القرآن

#تطوير_الفقه_الاسلامي 

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.