متى يعبد المسلمون الله تعالى

تابع مركز #تطوير_الفقه_الاسلامي
https://www.facebook.com/Islamijurisprudence

 

 

تصحيح أخطائنا التراثية

متى يعبد المسلمون الله تعالى

بسم الله الرحمن الرحيم

 

RELIGONS

المسلمون لا يعبدون إلا الله تعالى والمسيحيون لا يعبدون إلا الله تعالى واليهود لا يعبدون إلا الله تعالى. هذا ما نظنه ولكن الواقع قد يكون غير ذلك.

المسلمون المحيطون بمحمد رسول الله لم يعبدوا إلا الله تعالى. ولكن المسلمين بعد وفاة رسول الله فهم قد يعبدون الله وقد يشركون بالله.

المسيحيون الذين قالوا للمسيح نحن أنصارك إلى الله لم يعبدوا إلا الله تعالى ولكن المسيحيين بعد وفاة المسيح فهم قد يعبدون الله وقد يشركون بالله.

اليهود الذين قالوا إنا هدنا إلى الله فهم لم يعبدوا إلا الله تعالى مادام الرسول موسى كان موجودا بينهم ولكن ما إن غاب الرسول موسى ولو لم يمت فإنهم في غالبهم عبدوا العجل.

فلنعرف أولا ما هو دين الأنبياء والرسل لنعرف حقيقة الإسلام. قال تعالى في سورة المائدة: إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلاً وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (44). وهل ما قاله تعالى لرسوله المسيح أو ما أنزله إلى رسوله محمد وصانه بحفظه مغاير ومناقض لما قاله في التوراة؟ قال تعالى في المائدة بعد الآية أعلاه: وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (45). الحكم بما أنزل الله يعني الحكم بما أنزله في التوراة والإنجيل والقرآن.

قال تعالى في سورة القصص: فَلَمَّا جَاءهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِندِنَا قَالُوا لَوْلا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِن قَبْلُ قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ (48) قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِّنْ عِندِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (49). فرسولنا لم يكتف باتباع القرآن بل كان يتبع التوراة والقرآن معا. ولا يوجد كتاب هو أهدى من التوراة والقرآن. وكل من لا يستجيب للرسول الذي أرسله الله تعالى ليبلغ ذلك فهو لا يتبع أمر الله تعالى. قال سبحانه بعد ذلك في نفس القصص: فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (50). إنهم يتبعون أهواءهم ولا يتبعون هدى وصلهم من الله تعالى.

وهل هناك هدى يأتي من بعد القرآن أم هو كل الهدى؟ قال تعالى بعد ذلك في نفس القصص أيضا: وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (51). لقد وصّل الله تعالى لهم القول وانتهى. هذا هو مقولة التوراة والإنجيل والقرآن وكلهم كانوا مسلمين من قبل أن ينزل الله تعالى القرآن. قال تعالى بعد ما ذكرناه أعلاه من نفس سورة القصص: الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِن قَبْلِهِ هُم بِهِ يُؤْمِنُونَ (52) وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ (53). ألا تعني الآيات الكريمة بأن القرآن والإنجيل والتوراة معا تمثل حكم الله تعالى الواجب أن نعمل به؟ وبما أن الإنجيل لا ينطوي على أحكام إضافية فيما عدا حكم تحليل شحوم الأنعام وهو حكم عقابي موقت لبني إسرائيل فقط وبعض الأحكام الأخرى احتمالا؛ فإن المسلم يحتاج إلى التوراة والقرآن. وبعد ذلك، فإن كلما هو مكتوب في الكتب الأخرى وهو مغاير لما في التوراة والقرآن فهو يمثل أهواء أصحابها ولا يمثل حكم الله تعالى.

هل عرفنا الآن بأن المُشَرع هو الله تعالى سواء لموسى أو لعيسى أو لمحمد؟ وهل عرفنا بأن رسولنا عليه السلام يتبع تشريعات كتب السماء وليس مخولا للتشريع؟ ومرتبته في هذا المضمار دون مرتبة الكتب والملائكة. قال تعالى في سورة البقرة:إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (174) أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُاْ الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَآ أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ (175) ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (176) لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ(177). لعل القارئ الكريم لاحظ ترتيب من يجب الإيمان به في الآية الأخيرة:

  1. الله:

فهو الحق المطلق وهو خالق كل شيء ولا استقلال لشيء بدونه. فالإيمان بالله أصل لا يمكن تجاهله لكل عاقل مختار وإلا فهو كافر.

  1. 2. اليوم الآخر:

الدنيا مليئة بالظلم باعتبار الاختيار فكل مختار عائد وراجع إلى ربه حتما. فلا مناص من وجود اليوم الآخر. وهو اليوم الآخِر باعتبار أنه آخر يوم يجتمع فيه الصالحون مع غير الصالحين وبعده يتم الفصل بينهم. فيوم القيامة في نهايته هو يوم الفصل وفي بدايته هو اليوم الآخِر والعلم عند المولى عز اسمه.

  1. 3. الملائكة:

الملائكة هم الشفعاء المقيدون فاقدوا الخيار، بين الله تعالى وبيننا فلا يمكن أن يصدر منهم الخطأ لعدم وجود أي خيار لديهم. يصفهم الله تعالى بأنهم عند الله باعتبار فقدانهم للإرادة.

  1. 4. الكتاب:

الكتاب السماوي لا يمكن أن يخطئ لأنه من الله تعالى ولكن يمكن اللعب فيه وتحويل الكلم عن مواضعه كما حصل للتوراة والإنجيل. قال تعالى في سورة المائدة: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُواْ آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هِادُواْ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُواْ وَمَن يُرِدِ اللّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللّهِ شَيْئًا أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (41). فمن اليهود من قام بتحريف بعض مقولات التوراة طبعا لأنهم لم يؤمنوا بالإنجيل. كل من آمن بالإنجيل فهو أوسع إيمانا من الذين هادوا. فكانوا يملون على أتباعهم أن يتبعوا ما ينطبق مع توراتهم المحرفة من تفسيرات للقرآن  ويتركوا ما دون ذلك. والله تعالى يعلم رسولنا بأن الذين يتحدثون عن القرآن لم يأتوك ليتعلموا منك ما أوحي إليك بل يلعبون في تفسير المواضع القرآنية ويتقبل منهم السفهاء كما يبدو.

أما أصحاب الإنجيل فقد ذكر الله تعالى أحوالهم في نفس المائدة: وَمِنَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللّهُ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ (14) يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ (15). وكل أهل الكتاب يهودا ونصارى كانوا يخفون بعض الكتاب المنزل عليهم سواء فيه التوراة والإنجيل. هذا يعني بأن ذلك كان ممكنا.

وأما القرآن فهو مصان بآياته وسوره حيث قال تعالى في سورة الحجر وأذكر الآيات من بدايتها ليعلم القارئ الكريم بأن الآيات تتحدث عن القرآن الكريم: الَرَ تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُّبِينٍ (1) رُّبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ كَانُواْ مُسْلِمِينَ (2) ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ وَيُلْهِهِمُ الأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (3) وَمَا أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلاَّ وَلَهَا كِتَابٌ مَّعْلُومٌ (4) مَّا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ (5) وَقَالُواْ يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ (6) لَّوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلائِكَةِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (7) مَا نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إِلاَّ بِالحَقِّ وَمَا كَانُواْ إِذًا مُّنظَرِينَ (8) إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9). فآيات الكتاب آيات تدل على الله تعالى والمجموعة التي سماها الله تعالى قرآنا هي كتاب الله تعالى. والقرآن هو المشار إليه بالذكر فيما تلاها من الآية السادسة إلى التاسعة.

ولا يوجد قرآن ولا تجميع بعد وفاة الرسول كما يزعم المفسرون. قال تعالى في سورة القيامة: لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (17) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (18) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ (19). فلا يوجد شيء اسمه مصحف عثمان ولا هم يحزنون. عثمان رحمه الله تعالى كمن سبقه وكمن لحقه من أئمة المسلمين الأربعة المشاهير فهو سعى لعدم المساس بهذا النظم البديع الذي قام به الله تعالى ورآه رسوله الأمين عليه السلام الذي كان مأمورا بأن يتبع هذا القرآن الذي بين يدينا. هذا الذي بين يدينا كان موجودا بحركاته ونقطه وكل من يقول غير ذلك فهو يتحدث خلاف القرآن وعلينا أن نرفض مقولته. قال تعالى في سورة ص: كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ (29). فالقرآن كتاب كامل أنزله الله تعالى إلى رسوله وهو مبارك. وبركته هي بأنه كتاب يفوق التوراة السماوية من حيث بيان أسباب الأحكام فيه. فالتوراة يوضح الحكم السماوي دون بيان السبب ولكن القرآن أضاف السبب أيضا ولذلك صار الكتاب مباركا. والبركة تعني الزيادة التي أضافها الله تعالى إلى القرآن الكريم غب إنزال التوراة، ولعل السبب هو أنه تعالى قدر للتوراة أن يتتابع الأنبياءُ بعد موسى موضحين ومبينين أحكام الكتاب السماوي العظيم. لكنه سبحانه أراد ضمن نظامه أن يختم النبوة باعتبار وصول البشر إلى قمة التطور الفكري فلا يحتاجون إلى مزيد من الوحي السماوي.

وباعتبار تطورهم قال سبحانه: ليدبروا آياته. لم يقل لينظموا آياته ولم يقل ليرتبوا سوره فهو كتاب كامل كما أراده الله تعالى بل قال ما يعني: ليتدبروا آياته، باعتبارهم قادرين على التدبر. ثم أضاف سبحانه: وليتذكر أولو الألباب، باعتبار أن الذين يسعون للوصول إلى أعماق المسائل ويسعون للتجاوب مع الطبيعة وهم أولو الألباب في منطق القرآن فهم يزيدون يقينا بالقرآن. وحتى نعرف معنى هذا المقطع بالذات نعود إلى سورة آل عمران:

إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ ِلأُوْلِي الألْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191) رَبَّنَا إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ (192) رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ (193) رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ (194) فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَابًا مِّن عِندِ اللّهِ وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ (195).

هؤلاء هم أولو الألباب وأحتمل أن رسولنا كان واحدا منهم قبل أن يُبعث رسولا ولذلك كانوا يعرفونه وآمنوا به كما تقول الآيات. ونرى بوضوح أنهم كانوا رجالا ونساء. كما أحتمل أن الذين وضعوا الأحلاف الطيبة لأهل مكة هم أولئك الموسومين بأولي الألباب والعلم عند المولى عز اسمه. إنهم نظروا إلى المرونة الموجودة في أعضاء البدن الإنساني والتي تساعده على التحرك من كل جانب وعلى الوقوف والقعود والقيام بمختلف الحركات والالتقاط وغير ذلك؛ فقالوا إن هذا الإنسان لم يُخلق باطلا. بل إنه مخلوق لهدف عظيم فالويل لمن يخالف ربه ثم دعوا ربهم أن ينجيهم من عذاب الهالكين العصاة.

فالسبب في تأخر الكتاب عن الملائكة هو أن الملائكة لا يمكن أن تخطئ لأنهم لا خيار لهم ونحن لسنا مأمورين إلا بأن نؤمن بهم مخلوقات طيبة يتوسطون بين الله تعالى وبيننا بأمره وهم الذين يشفعون عند الله بإذنه المذكورين في آية الكرسي المعروفة. والشفاعة تعني وساطة التنفيذ وليس الوساطة الحمقاء التي ادعاها مفسرونا جهلا مع الأسف. وعنده يعني بأنهم مقيدون لا إرادة لهم. وأما الكتاب فهناك كتابان لم يعد الله تعالى بأن يصونهما بعد اكتمال تنزيل القرآن الكريم، ليختبر عبيده طبعا. ولكن الكتاب الأخير المصان وهو القرآن فهناك إمكانية تفسير آياته بغير ما أنزل الله تعالى. نعود فنكرر قراءة قوله تعالى في سورة المائدة: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُواْ آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هِادُواْ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُواْ وَمَن يُرِدِ اللّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللّهِ شَيْئًا أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (41).

فهناك بعض علماء اليهود كانوا يفسرون القرآن لليهود بدون علم بل يسعون لرفض ما يخالف التوراة المحرفة بعض آياتها. أولئك العلماء من اليهود الذين فسروا القرآن لم يذهبوا إلى الرسول الحي الموجود الذي أنزل عليه القرآن فما قالوه باطل قطعا لو خالف بيان الرسول. كل ذلك يفصِّل لنا إمكانية اللعب بالكتب السماوية فهي أقل مرتبة من الملائكة.

5: النبيين.

النبيون هم آخر من يجب الإيمان بهم. ذلك لأنهم ليسوا باقين بل هم معرضون للموت فإيماننا بهم إيمان بالله تعالى باعتبار لطفه على البشر بأنه اختار عددا من إخواننا ليتعلموا عن طريق الوحي السماوي فينقلوا وحي السماء دون مساس به. لكنهم بشر يصيبون ويخطئون في تصرفاتهم. قال تعالى في سورة الجن: عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26) إِلاّ مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا (27) لِيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا (28). فلو حمل نبي رسالة من ربه إلينا فهناك أرصاد ملائكية تصونه وتمنعه من الخطأ في الرسالة. لكن ليس هناك ما يمنعه من الأخطاء الأخرى حتى في الوصول إلى أعماق الوحي العظيم.

والأنبياء هم أنبياء باعتبار الرزق العلمي الذي يمنحهم ربهم ليفيدوا غيرهم. إنهم أنبياء يمكن أن يستفاد من علمهم كما يمكن أن يبعث الله تعالى بعضهم رسلا فيأمرهم بالتبليغ. مثال الأول حكاية النبية مريم التي علمت النبي زكريا كيفية الدعاء المستجاب. قال تعالى في سورة آل عمران: فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ إنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ (37) هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء (38). فالرزق الذي يأتيه في المحراب ليس أكلا ولا شربا فمكانهما بالبيت وليس بالمحراب. وقد تعهدت أمها المكرمة بحمايتها ورعايتها فهي تعطيها الأكل في البيت. لكن يا حسرتا، فالمفسرون الكرام كانوا لا يفكرون أحيانا.

ومثال الثاني حكاية النبي شعيب كما في سورة هود: قَالُواْ يَا شُعَيْبُ أَصَلاَتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاء إِنَّكَ َلأَنتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ (87) قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىَ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (88). فالنبية مريم والنبي شعيب قد رزقا علما سماويا يمكن أن يتعلم منه الآخرون سواء كانا رسولين مثل شعيب أو لم يكونا مثل مريم.

والأنبياء يخطؤون أحيانا في العمل بوحي السماء. قال تعالى في سورة التوبة: انْفِرُواْ خِفَافًا وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (41) لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لاَّتَّبَعُوكَ وَلَكِن بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنفُسَهُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (42) عَفَا اللّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُواْ وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ (43) لاَ يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَن يُجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (44) إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ (45) وَلَوْ أَرَادُواْ الْخُرُوجَ لأَعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً وَلَكِن كَرِهَ اللّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُواْ مَعَ الْقَاعِدِينَ (46).

هناك أمر بالنفير العام وهناك إذن طبيعي لرأس النظام أن يعفي العاجزين من أن ينفروا. وقد ذهب البعض إلى رسولنا يستأذنون منه فأذن لهم باعتبار أنه رئيس النظام. لكنه لم يفكر بدقة. قال له ربه بأن الذين يسـتأذنونه فهم لا يؤمنون بالله تعالى ولا باليوم الآخر وقد كذبوا على رسوله لأنهم لم يعدوا عدة للخروج. لكن الرسول لم ينتبه إلى ذلك فأذن لهم وعفا الله تعالى عنه عليه السلام. وهناك أخطاء أخرى كثيرة للأنبياء وهم في حال الرسالة وهناك نماذج منها في القرآن. ولذلك فإن  الأنبياء هم آخر من يجب الإيمان بهم وليسوا هم في المقدمة. والله العالم.

أما بعد هذا، فكيف يمكن أن يعطي الله حق التشريع للأنبياء؟ إنهم يخطؤون حتى في تنفيذ التشريعات فكيف يمكنهم أن يكونوا مصيبين في أن يشرعوا لمستقبل الأمم البشرية؟ فالرسل عليهم السلام ليسوا مشرعين ولكنهم على رأس الذين أسلموا لربهم وعلى رأس الذين عملوا بأوامر الله تعالى وهم نعم المؤمنون وهم نعم المسلمون.

والإسلام لا يعني أحكام الرسل حال الحكم والقضاء بل يعني أحكام الله تعالى التي لا تتغير ولا تتبدل. إنها أحكام تناسب نظام الطبيعة الذي لا يعلم أحد غيرَ الله تعالى بذلك النظام الذي يحكمنا فعلا. نحن كبشر نعلم بعض الشيء عن نظام الطبيعة وليس لنا أية إحاطة بذلك النظام حتى نتمكن من إصدار تشريعات تراعيه. كل تشريعاتنا مؤقتة غير ملزمة إلا لمن ألزموا أنفسهم بها. قيمة تشريعات البشر سواء صدرت من الأنبياء باعتبار رئاستهم للنظام أو صدرت من البرلمانات باعتبارهم مخولين للتشريع الملزم لمن انتخبهم أو لمن اتبع القانون الانتخابي الذي أتى بنواب الأمة إلى المجالس التشريعية ولو لم يحالفهم الحظ لانتخاب نوابهم؛ فكلها اعتبارية مؤقتة تزول بانتهاء أدوار المشرعين أو مماتهم.

فلو استعملنا كلمة الإسلام في أي تشريع فيجب أن يكون بيدنا آية سماوية تثبت ذلك التشريع وإلا فنحن مفترون. الإسلام يعني التسليم لله تعالى والله حي لا يموت وليس لأحد الحق في أن يتحدث باسمه. الإسلام لا يعني ما فعله الخلفاء الراشدون الأربعة رضي الله عنهم أجمعين ولا يعني ما فعله الصحابة عامة كما لا يعني أحكام الرسول عليه السلام المؤقتة الخاصة به وبزمانه بل بمكانه أيضا.

دعنا ننظر إلى حكم أصدره الرسول وخالفه ابن عمه علي بن أبي طالب بعد وفاته نقلا عن نهج البلاغة. ذكر الشريف الرضي ما يلي في باب حِكَم الإمام:

“17- وَ سُئِلَ ( عليه السلام ) عَنْ قَوْلِ الرَّسُولِ ( صلى الله عليه وآله ) غَيِّرُوا الشَّيْبَ وَ لَا تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ ، فَقَالَ ( عليه السلام ) : إِنَّمَا قَالَ ( صلى الله عليه وآله ) ذَلِكَ وَ الدِّينُ قُلٌّ فَأَمَّا الْآنَ وَ قَدِ اتَّسَعَ نِطَاقُهُ وَ ضَرَبَ بِجِرَانِهِ فَامْرُؤٌ وَ مَا اخْتَارَ”.

أليس ذلك مخالفة صريحة لأمر من النبي عليه السلام؟ وعلي على حق طبعا لأن الإسلام الذي يجب علينا العمل به إلى يوم القيامة لا يعني أحكام محمد بن عبد الله عليه السلام الزمكانية.

ولذلك فأرجو أن ينتبه المسلمون إلى أخطائنا التراثية ولا ينسبوها إلى الإسلام. وأعطيكم أمثلة من تللك المخالفات:

  1. لا يوجد نظام اقتصادي أو مالي أو بنكي أو سياسي في القرآن الكريم فكل ما يسمونه الاقتصاد الإسلامي أو السياسة الإسلامية أو البنك الإسلامي أو القوانين المالية الإسلامية، كلها باطلة وكلها افتراء على الله تعالى ويجب تغيير أسمائها بالكامل. إنها أحكام بشرية غير ملزمة لأحد إطلاقا. ومن يقول ذلك فهو يتبع أهواءه ولا يتبع كتاب الله تعالى. بالطبع نحن نترحم عليهم لأنهم سلفنا الذي أخطأ ولا نتبعهم لأننا أكثر منهم علما وإحاطة بمتطلبات الحياة ولا يجوز لنا اتباعهم لأننا مكلفون بأن نتدبر آيات القرآن بأنفسنا ولسنا مكلفين بأن نتبع السلف.
  2. كل الناس وكل الجن وكل الملائكة عبيد لله تعالى. قوانين القرآن هي قوانين الله تعالى فحسب، وهي الإسلام الحقيقي. لا يوجد شيخ للإسلام ولا حجة للإسلام ولا آية لله تعالى خارج نطاق القرآن الكريم المقبول لدى جميع المسلمين دون منازع. فالألقاب التالية وما يشابهها جميعا محرمة وهي افتراء على الله تعالى وعلى الإسلام الذي يمثل تشريع الله للبشر في الكرة الأرضية:

شيخ الإسلام

حجة الإسلام

حجة الله

آية الله وأعوذ بالله من لقب آية الله العظمى!

ثقة الإسلام. وكل الألقاب الموصوفة بالإسلامية فيما عدا التبعية للإسلام.

يحق لنا جميعا أن ننسب العبودية إلى الله فحسب، دون غيرها باعتبار أن الله تعالى أذن لنا بذلك. قال تعالى في سورة مريم: إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ إِلاّ آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (93) لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (94). وقال تعالى في سورة النمل: وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الأَرْضِ إِلاّ مَن شَاء اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ (87). داخرين تعني أذلاء.

وقال تعالى في سورة الأنعام: وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (75) فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ (76) فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (77) فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَآ أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ (78) إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (79) وَحَآجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلاَ أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلاَّ أَن يَشَاء رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ (80) وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلاَ تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (81) الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ (82) وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاء إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (83).

الاستدلالات المنطقية التي وفق الله تعالى عبده إبراهيم للوصول إليها هي حجة الله على إبراهيم وقومه وليس إبراهيم نفسه حجة على أحد. لا يوجد في القرآن الكريم حجج بشرية فكل من يسمي بشرا حجةَ الله فهو يكذب على الله وعليه الاستغفار طبعا. قد يكون إبراهيم شيخ الاسلام ولكن ليس أحدا غيره. قال تعالى في سورة الحج: وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (78). إنه بالطبع شيخ المسلمين وشيخ نبي المسلمين ولكن قد يكون شيخ الاسلام إلا أنني أتقي الله تعالى بأن أسميه شيخ الاسلام فلعلي أكون مغاليا في شيخ الأنبياء إبراهيم عليهم جميعا سلام الله تعالى.

وأخيرا نأتي إلى قول سخيف مشاع بيننا نحن المسلمين كما شاع أمثاله بين اليهود والمسيحيين. ذلك تسميتنا محمدا نبينا الحبيب بأنه سيد الأنبياء! هل هناك سيادة لحي على الأموات؟ إنه لم ير نبيا غيره فكيف يسود الذين ماتوا؟ وهل يحق لأحد أن يسمي بشرا هذه التسمية العظيمة؟ هذا حق الله تعالى وحده وهو لم يقل بأن نبينا هو سيد الأنبياء. هو أخ لنا نحن الذين نأتم به ونتبعه في كثير من أعمالنا العبادية وليس سيدا علينا لأنه ميت ولا يمكنه أن يتجاوب معنا.

لكن مشكلة تسميته سيد الأنبياء هي بأن المسلمين يقصدون بأنه عليه السلام كان أفضل الأنبياء. أين قال الله تعالى ذلك؟ يقولون بأن الآية التالية من سورة  الأنبياء تدل على أنه عليه السلام كان أفضل الأنبياء: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ (107). وكأن الله تعالى يقول كلاما لا يبينه. إنه سبحانه وضح الرسالة بعد تلك الآية هكذا: قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَهَلْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ (108). فهل هو قول خاص به عليه السلام أم هو مقولة كل الأنبياء بل كل الذين ساعدوا الأنبياء في تعليماتهم لأقوامهم. قال تعالى في سورة السجدة: وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَلا تَكُن فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَائِهِ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ (23) وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ (24).

أرجو أن يفتح المسلمون قلوبهم لكلام الله تعالى ولا يعتبرونه مثل كلام البشر. إن إرسالَ رسولنا رحمةٌ للعالمين وليس رسولنا نفسه. ذلك لأن رسولنا حمل كتابا للجن والإنس وذلك الكتاب يفيد العالمين جميعا من بعده وليس الرسول نفسه. والعالمون هو ما يُعلم به وليس كل الكائنات. فالله تعالى رب العالمين يعني رب الكائنات جميعا لأنه سبحانه يُعرف بربوبيته للكائنات جميعا ولكن رسولنا يُعرف بأنه رسولنا نحن وليس رسولا إلى قوم موسى أو قوم نوح. ولو كان الرسول نفسه رحمة لقال سبحانه: إنا جعلناك رحمة للعالمين. وكيف يكون رسولنا عليه السلام رحمة للرسل الموتى عليهم سلام الله تعالى؟

وإليكم مثالا آخر من القرآن الكريم. قال تعالى في سورة المؤمنون: وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ (50). فهل يمكن أن نقول للسيدة الفاضلة مريم: آية الله مريم، أو نقول لابنها المسيح: آية الله المسيح؟ سلام الله على مريم وابنها ولكن ما فعله الله تعالى فيهما آية وليسا هما آيتين. لو كانا آيتين بتلك الآية فما نقول في الآية التالية من سورة يونس جوابا لطلب فرعون في حال الغرق: فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ (92). فهل نقول لفرعون: آية الله فرعون؟ كلا بل ما فعله الله تعالى في بدنه بأن نجاه ميتا ليحنط كبقية الفراعنة وهو الفرعون الغرقان، هو آية وليس فرعون بنفسه آية. إنه عدو الله تعالى ولوكان آية فهو آية الشيطان وليس آية الرحمن.

وفي الختام أتمنى أن يترك المسلمون الأوهام والتخيلات الباطلة ويتركوا خزعبلات اليهود ويفكروا بأنفسهم في كتاب ربهم ليصيروا مسلمين فعلا لله وحده. أتمنى ثم أتمنى أن أرى بني جلدتي وقد تعلموا معنى الإسلام وصاروا مسلمين فعلا كما صار إبراهيم وإسماعيل مسلمين من قبلنا فعبدوا الله وحده ولم يعبدوا البشر.

أحمد المُهري

23/7/2017

 

 

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.