رسائل اخرى عن الغيب (نقبل غيبا قاله الله فقط)
الرد على سؤال الأستاذ أبو نضال الخاص بعلم الله المسبق بأفعال الأفراد
ردًا على سؤال سيادة الأستاذ أبو نضال الخاص بالهدف من رسالة “علم الله المسبق بأفعال الأفراد”, كتب فضيلة الشيخ أحمد المُهري التالي. يقول فضيلته:
“سؤال جيد أشكر الأخ الكريم الأستاذ أبو نضال خلف على الإقدام عليه.
بداية فإنني كنت أختصر بعض الشيء سابقا ولكن بعض الإخوة اعترضوا على ذلك وطلبوا التفصيل. ذلك لأن الكثير من المسائل التي يتناولها مركز تطوير الفقه الإسلامي غير مألوفة لأهلنا باعتبار أنهم سمعوا غير ذلك أو بالأحرى عشنا جميعا على غير هذه الأفكار. أما السؤال عن أصل البحث السابق بيننا وهو علم الله المسبق بأفعال الأفراد. فإن السؤال جميل لعله يحفز علماء المركز أن يفكروا في الهدف قبل أن يكتبوا في أي موضوع. والأسباب التي جعلتني أهتم بالإسراع بالرد على أخينا العزيز سيادة الأستاذ الطبيب محمّد سلامه هو التالي:
-
أنا على أساس تحقيقاتي الشخصية أؤمن بأن الله تعالى لا يمكن أن يسبق العباد بالنية إذ أن ذلك يتنافى كليا مع الاختيار. لا يمكن أن يبقى للمرء خيار إذا أراد الله أمرا. وعلمُ الله تعالى قبل أن ننوي العمل يجب أن يتحقق شئنا أم أبينا. ولو عَلم الله أمرا عن مستقبل أفعالنا ثم لم نأت بها فهذا يعني بأن الله تعالى علم علما خاطئا وهذا محال.
-
كيف يمكن أن يعلم الله أمرا يجب أن يتحقق في الخارج والذي أتى به لم يكن مقيدا برغبة الله تعالى؟ بأي تسمية سمينا تلك العملية فإن الله تعالى سيكون موصوفا بالظلم وهذا محال لأن الله تعالى غني لا يحتاج أبدا إلى أن يظلم أحدا.
فأردت أن أو ضح للناس بأن الله تعالى لم يقل أبدا في القرآن بأنه كان يعلم بأفعال العباد مسبقا إلا بعد أن ينووا عملا. هنالك يعلم بالنوايا لأنه سبحانه يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور. فهو يرى ما يخفيه كل فرد في صدره كما يرى ما فكر فيه لمستقبله أو ما يريد عمله بالنسبة للغير. والتصريح القرآني لا يتجاوز ما نراه في الآية التالية من سورة الحديد: مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنفُسِكُمْ إِلاّ فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (22). من قبل أن يأذن بها الله تعالى ليس ماضيا بعيدا زمانيا وليس من يوم خلق الشخص ولا من يوم خلق السماوات والأرض ولا من الأزل. وهو سبحانه يبرأ أو يأذن لما صار موجودا في نية الفاعل وليس ما كان قد قدره سبحانه بنفسه قبل الخلق. فما قدره سبحانه لا يحتاج إلى أن يبرأه إطلاقا. لو قضى الله تعالى أمرا فإنه يقدره وسوف يتحقق ولا يحتاج إلا أن يبرأه الله تعالى.
وأما معنى الكتاب فأظن بأن الكتاب هو بمثابة جهاز تسجيل يسجل كل الحركات وكل التغييرات وكل أملاك الله تعالى. فكل ما يريده الله تعالى سوف يسجل في ذلك الكتاب بأمر الله تعالى وكما أظن بأن الله تعالى يستعمل كلمة “الكتاب” ليقول لنا بأن كل شيء منسق لا يضير بالنظام العام مثل الكتاب المنظم والمنسق الذي يسعى مؤلفه ليصل إلى هدفه في وضع ذلك الكتاب بحيث تخدم كل فصول الكتاب هدف مؤلف الكتاب. فحينما يستجيب الله تعالى دعاء شخص ليرد عنه كيد عدوه مثلا، فإن تلك الاستجابة لا تضر بالنظام العام ولو كان مضرا للنظام فإن الله تعالى قد يؤخر الاستجابة ثم يعوض الداعي يوم القيامة. والعلم عند المولى عز وجل.
ولو نلاحظ الآيتين التاليتين، نشعر بأن الحديث فيهما عن أشياء موجودة وليس عن أشياء غير موجودة والأعمال أيضا كلها مشهودة. فالقول بأن الله تعالى كان يعلم ما سيفعله عبيده في المستقبل غير المنظور أمر خطير شاع بين السلف لجهلهم بالحقائق وضعفهم في التمييز بين ما هو من شأن الله تعالى وما ليس من شأنه. معرفة ما سيفعله المختارون ليس شأنا إلهيا ولا شأنا ربوبيا إطلاقا بل هو شأن يخص الفاعل نفسه إضافة إلى من سيقع عليه الفعل لو كان الفعل متعديا. فهل ربنا هو ربنا لأنه يعلم ما سنفعله أم هو ربنا لأنه يساعدنا لنعيش بسلام ونؤدي اختبارنا بحرية فيميز الله تعالى بين من خبثت نفسه وبين من سعدت نفسه؟ هو ربنا لأنه يربينا تحت رحمته وفي ظلال كرمه ولا يمكن أن يسبق أفرادنا بالنية إن كان ناويا اختبارنا.
قال تعالى في سورة يونس: وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ (61). وقال تعالى في سورة النمل: وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ (74) وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاء وَالأرْضِ إِلاّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ (75). اقرأوا الآيات عدة مرات لتصلوا إلى عمق معانيها ولا تكتفوا بالقراءة السريعة.
-
إن مركز تطوير الفقه الإسلامي يسعى في الحقيقة لتطوير ما يُعرف بالفقه والذي يتناول فروع الدين ولا يهتم كثيرا بالأصول. بمعنى أن الفقه يتحدث عن مسائل الحلال والحرام وعن الواجبات وعن كيفية أداء الصلاة والحج وعن الحدود والديات وما شابه ذلك. لكن مشكلتنا نحن بأن أصول الفقه غير مبنية على كتاب الله تعالى ونحتاج إلى تصحيح الأصول قبل كل شيء. فمثلا هل قال ربنا في أي مكان من القرآن الكريم بأن نساعد فقراء المسلمين فقط، أم أمر بأن نساعد كل الفقراء بغض النظر عن دينهم؟ هل قال تعالى بأن من حقنا أن نقتل من لا يدين بديننا ونسرق أمواله ونعتدي على أهله ونستعبدهم ونسترقهم؟ لم يقل ربنا ذلك ولكن الفقهاء وضعوا قواعدهم الفقهية على أساس أن الفتوحات البربرية التي أسموها الفتوحات الإسلامية صحيحة ومباركة. فقهنا مشوب بالشهوات ومبرر لكل ما فعله الزعماء والملوك. فقهنا يحكم بتجريم وتغريم الضعفاء من الأمة ويأمر بعدم المساس بالزعماء الذين كانوا ولا يزالون على رأس الإجرام والفسق وكل فجور إلا من شذ وندر.
نحن مضطرون لتصحيح الأصول قبل كل شيء. وأصل الأصول بحسب العقول البشرية هو أن نراعي المعقولات بكل جدية. فاجتماع الضدين وكذلك اجتماع أو ارتفاع النقيضين ممنوع عقليا فنرفض بكل شدة كل أمر يخالف المعقولات. إن من غير المعقول أن نغير التسميات لنقبل بالأضداد أو باجتماع النقيضين. نحن عرفنا الله تعالى بعقولنا ولولا عقولنا فإن الله تعالى كان مجهولا لدينا. مشكلة الفلسفة الإسلامية أنها تتبنى بعض المسائل العقلية الطيبة ولكنها في التطبيق تخطئ وتصر على الخطأ. هناك بحث واسع بين الفلاسفة بفروعها المختلفة (الحقائق التي لها مصاديق في الخارج أو الاعتباريات التي تفقد المصاديق الخارجية أو الوهميات) فهم كانوا ولا زالوا يناقشون مسألة وحدة الوجود بين الخالق والمخلوق والعياذ بالله. هي مشكلة كبرى في الحكمة المتعالية ولا نريد مناقشتها ولكن للحق أن الفلسفة الإسلامية وما سبقها عجزت عن حل المشكلة فأخذ الفلاسفة المسلمون لأنفسهم مسائل اعتبارية ليبنوا عقائدهم على أساس الاعتباريات لا على أساس الحقائق. وقد فكرت كثيرا في الموضوع حتى وجدت الحل المقنع في كتاب الله تعالى وشرحت ذلك لزملائي من قبل.
حينما نرى التعامل غير السوي بين من ننتظر منهم أن يكونوا أسوياء فهو بسبب القصور في أساسيات أفكارهم الفلسفية. وإحدى هذه المسائل هي التناقض الواضح بين الاعتقاد بأن الله تعالى كان على علم مسبق من الأزل حسب تعبيرهم بأعمال الأفراد وبين الاختيار الممنوح للأفراد وعلى أساس تجاوب الأفراد المستقبلي مع أوامر الله تعالى واستعمال الخيار موافقا مع التشريع. على ذلك الأساس يدخل الله تعالى أفراد خلقه المدركين المختارين الجنة أو النار. فما نسمعه من أخينا الفيلسوف الفاضل الطبيب محمّد سلامه هو عين ما نسمعه ونقرأه من سلفنا من فلاسفة المسلمين. ولعل السبب في ذلك هو أنهم لم يفكروا بأن بعض أصول الفلسفة بما فيها الفلسفة الإسلامية المعروفة بالكلام باطلة. لاحظت بعض كبار الفلاسفة يتحاشى المساس بأفكار أرسطو وبعضهم يقدس أرسطو الوثني الذي كان يساعد تلميذه الإسكندر المقدوني المجرم الذي بنى الإسكندرية. يقول ذلك المعلم الفذ وهو المرحوم ملا هادي السبزواري في بداية منظومته في المنطق:
ألفه الحكيم رسطاليس واضع هذا العلم القديس
هل رسطاليس الوثني قديس لأنه وضع أصول المنطق أم هو مجرم ساعد الإسكندر في إجرامه؟ إنه كان يعبد الأوثان على أنه كان مصرا على الإيمان بالله. وأما الذي يعتمد على القرآن سيعرف بأن الرسل الكرام ليسوا مقدسين فكيف بغيرهم.
نحن أخي الكريم الذي سأل عن السبب في اهتمامي بموضوع علم الله المسبق بأفعال عباده؛ نحن نعيش بعض الأصول الفاسدة وعلينا تصحيحها قبل أن نصحح الفروع. يجب أن نعرف بأن طاعة أولي الأمر ليست واجبة مثلا وبأن الله تعالى حدد طاعة المسؤولين بأن تكون موافقة لما أتى به رسول الله من عند الله. هكذا نقرأ الآية الكريمة وليس كما قرأها وعاظ السلاطين. حينما يقول سبحانه أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فهو سبحانه يعني بأن نقدم طاعة الله ورسوله على طاعة أولي الأمر. ثم إنه سبحانه يوضح ذلك في نهاية الآية ولكن وعاظ السلاطين قاموا بتعضية الموضوع خدمة لسلاطينهم. قال تعالى في سورة النساء: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً (59). فالآية في الحقيقة تمنع طاعة رؤساء العسكر إذا أمروا أمرا يخالف رسالة الرسول ولا يأمر بطاعتهم. إنها تحدد الطاعة المتعارفة في الحروب والحكم.
فتصحيح الأصول أخي الكريم أوجب من تصحيح أذكار الصلاة. إن الله تعالى يتقبل قراءة الحمد من الهندي والعربي سواء بسواء ولكنه يرفض أن ننسب الظلم إلى ساحته القدسية جل جلاله. للجميع خالص الشكر والتقدير
أحمد المُهري
25/3/2018
عالم الغيب والشهادة
قلنا إن الحديث عن الغيب بقواعد عالم الشهادة خطأ منطقي. عالم الشهادة لا يقبل فيه إلا الدليل والبرهان المادي. أي حديث في عالم الشهادة لا يقوم على المدركات فهو مرفوض علميًا وربما يتهم صاحبه بالخبل.
إن القرآن يعيب على الناس أمرين: الأول أن يرفضوا وجود عالمين, عالم غيب وعالم شهادة, والثاني أن يتحدثوا في عالم الشهادة بما لا يعلمون عنه شيئاً في عالم الغيب. الأمر الأول وهو إنكار الغيب وقصر الإيمان على عالم الشهادة ومن أمثلته:
{وَقَالُواْ إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ} (29) سورة الأنعام
{إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ} (37) سورة المؤمنون
{وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ} (24) سورة الجاثية
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا*} (60) سورة الفرقان
{كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهَا أُمَمٌ لِّتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِيَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ} (30) سورة الرعد
{قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ} (29) سورة الشعراء
{وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِّي صَرْحًا لَّعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ} (38)
سورة القصص
{يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَن تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِّنَ السَّمَاء فَقَدْ سَأَلُواْ مُوسَى أَكْبَرَ مِن ذَلِكَ فَقَالُواْ أَرِنَا اللّهِ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُواْ الْعِجْلَ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَن ذَلِكَ وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَانًا مُّبِينًا} (153) سورة النساء
{وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءنَا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنفُسِهِمْ وَعَتَوْ عُتُوًّا كَبِيرًا } (21) سورة الفرقان
{أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَدِينُونَ} (53) سورة الصافات
{قَالُوا أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ} (82) سورة المؤمنون
{أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ} (3) سورة ق
والأمر الثاني هو التحدث من خلال عالم الغيب وكأنهم يعلمون ما في هذا العالم وقوانينه. من أمثلة ذلك:
{سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَاء اللّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم حَتَّى ذَاقُواْ بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إَلاَّ تَخْرُصُونَ} (148) سورة الأنعام
{وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَاء اللّهُ مَا عَبَدْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ نَّحْنُ وَلا آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ } (35) سورة النحل
{فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُرِيدُ أَن يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَاء اللَّهُ لَأَنزَلَ مَلَائِكَةً مَّا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ} (24) سورة المؤمنون
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمْ اللَّهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَن لَّوْ يَشَاء اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ} (47) سورة يــس
{وَقَالُواْ لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكًا لَّقُضِيَ الأمْرُ ثُمَّ لاَ يُنظَرُونَ} (8) سورة الأنعام
{وَيَقُولُونَ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلّهِ فَانْتَظِرُواْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ} (20) سورة يونس
{فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَآئِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَن يَقُولُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ أَوْ جَاء مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّمَا أَنتَ نَذِيرٌ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} (12) سورة هود
{وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّ اللّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاء وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ} (27) سورة الرعد
{وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا} (7) سورة الفرقان
{وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءنَا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنفُسِهِمْ وَعَتَوْ عُتُوًّا كَبِيرًا} (21) سورة الفرقان
{وَقَالُوا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِندَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُّبِينٌ} (50) سورة العنكبوت
إن الرد كان من خلال السنن الكونية, فإما أن يأتوا بعلم يثبت ما يقولونه, أو أن تكون هناك سنة كونية تساندهم كدليل وبرهان: {قُل لَّوْ كَانَ فِي الأَرْضِ مَلآئِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مِّنَ السَّمَاء مَلَكًا رَّسُولاً} (95) سورة الإسراء
إن الإيمان يقتضي التسليم بالغيب والتصديق القلبي به, والإيمان بآيات الله الكونية والعمل بها. إن مشيئة الله وإرادته وعلمه أمور غيبية يجب أن نؤمن بها ونسلم بها بقلوبنا, وإنكار أي شيء منها يتناقض مع الإيمان الصحيح.
{قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلاَ نَفْعًا إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَاء أَجَلُهُمْ فَلاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ} (49) سورة يونس
هل يمكن أن يحسب نفسه مؤمناً من لا يعتقد أن لا شيء يحدث في الوجود إلا ما شاء الله, وهل يمكن أن تكون مشيئة الله في إيجاد الأمور منفصلة عن علمه وإرادته؟ فلنقرأ:
{بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ} (117) سورة البقرة
{قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاء إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ} (47) سورة آل عمران
{مَا كَانَ لِلَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ} (35) سورة مريم
{هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ فَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ} (68) سورة غافر
{وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بَي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاء بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاء إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} (100) سورة يوسف
فكيف بعد هذه الآيات أن ينكر أحد سابق علم الله ومشيئته وإرادته في وجود الأمور كلها
محمّد سلامه
25 مارس 2018
عود على بدء: قاعدة المنظور
يخبرنا مفكرنا الإسلامي المبدع, فضيلة الأستاذ الدكتور محمّد سلامه, بأن قول الله سبحانه وتعالى بأن البشر لا يمكنها أن تؤمن بالله إلا بإذن الله هو قول يتعارض مع قوله تبارك وتعالى أن من لا يؤمن بالله سوف يدخل نار جهنم. إذا كانت البشر لا يمكنها أن تؤمن بالله إلا بإذن الله فلما يعاقب الله من لا يؤمن بالله؟ كيف ولماذا يعاقب الله من لا يؤمن بالله إذا كان الله لم يأذن له “أصلاً” بالإيمان بالله؟ كذلك يخبرنا فضيلته بأن هناك قاعدة تعرف باسم “قاعدة المنظور” يمكن لمن يعرفها أن يفهم أن لا مشكلة هناك على الإطلاق في قول الله إن لا أحد يمكنه أن يؤمن بالله إلا بإذن الله وبالتالي فإن من لا يؤمن بالله سوف يدخل نار جهنم. سوف أكون شاكرًا غاية الشكر لو قدم لنا فضيلته “تعريفًا” لهذه القاعدة, وبيّن لنا كيف يمكنها أن تساعدنا على فهم أن لا مشكلة هناك على الإطلاق في قوله عز من قائل إن لا أحد يمكنه أن يؤمن بالله إلا بإذن الله وأن, بالتالي, من لا يؤمن بالله سوف يدخل نار جهنم.
كمال شاهين
26 مارس 2018