اللباس في الاسلام

بسم الله الرحمن الرحيم

تصحيح أخطائنا التراثية – اللباس في الإسلام

يمكنكم متابعتنا هنا :

https://www.facebook.com/Islamijurisprudence/

https://www.facebook.com/groups/Islamijurisprudence/

 

 

CLOTHES.jpg

 

حديثنا اليوم حول اللباس في الإسلام. ولا نقصد باللباس كل ما يلبسه الناس بمختلف أجناسهم فهي ليست شأنا قرآنيا والله تعالى خيرنا بحق في شؤوننا الشخصية والحضارية. لكنه سبحانه شرع بعض الأوامر التي تساعدنا على صيانة أنفسنا وعوائلنا وأممنا في الدنيا وتجلب لنا الرضوان في الآخرة. فليس في القرآن أي حديث عن اللحية والملابس الطويلة والقصيرة ولبس الذهب والفضة وكل توابعها والتي يتعرض لها الفقه الإسلامي وكذلك المحرفات اليهودية. لم يأمر الله تعالى أنثى بأن تلبس الجلابيب أو الخمر أو الثياب بل كانوا يلبسونها ولكن الله تعالى أمر المسلمين بأن يستفيدوا من نفس الملابس للمزيد من الصيانة والوقاية.

ثم إنني أنا لست من دعاة خلع الحجاب بل أنا من الذين يشجعون الحجاب الإسلامي للأخوات الكريمات ولكن ليس من حقي ولا من حق غيري أن نقول بأن الله تعالى أوجب شيئا لم يذكره سبحانه في القرآن. ولنكن واقعيين فإننا كمسلمين نؤمن برسالة نبينا محمد بن عبدالله عليه الصلاة والسلام الذي احتضن كتابا واحدا اسمه القرآن وكل المسلمين وهكذا الذين عاصروا الرسالة المجيدة من اليهود والنصارى معترفون بأن هذا القرآن هو قرآنهم. لم يخلف الرسول أي كتاب آخر ولم يكن له ولصحابته أي كتب أخرى عدا القرآن المصون الباقي والتوراة والإنجيل الذين تعرضا للتحريف. كل الأحاديث  والروايات كتبت فيما بعد ومرت جميعها على حكومات العباسيين المهتمة بالأحاديث لتوطيد كيانها. لم يتعهد الله بصيانة أي كتاب غير القرآن وليس بيدنا أي كتاب ولو ادعاء بتأليف الرسول أو أي من صحابته أو أي من الخلفاء الراشدين أو أي من التابعين.

فكلما يُنسب إلى الله تعالى خارج القرآن باطل ومردود ولا عبرة به.

لكننا في نفس الوقت نعيش على سنن غير واردة في القرآن ولا يمكننا التخلي عنها مثل:

كيفية الصلوات اليومية وبقية الصلوات الواجبة والمستحبة.

الكفن والدفن للموتى.

ذبح الحيوانات بقصد التذكية لتكون صالحة شرعا للأكل.

رمي الجمار في الحج. وبعض السنن الصغيرة مثل:

الدفن في مقابر المسلمين؛

الختان للذكور فقط؛

طقوس الزواج من الخطبة والنكاح والزفاف مع ما يصاحبها من تقديم الأكل والحلويات وغير ذلك كإعلان لتشكيل أسرة جديدة.

الوصية قبل الموت. ووو

لكن الخلافات المذهبية التي بدأت خلافات سياسية ثم اشتدت وتفاقمت وتحولت إلى نصوص دينية تفيد تقسيم المسلمين إلى شيعة وسنة وكل منها إلى مذاهب صغيرة مختلفة؛ هذه الخلافات صاحبتها أحكام وتشريعات خاصة بها لتميزها عن غيرها. هذه الخلافات مرفوضة من أساسها قرآنيا وباطلة ولا يجوز الالتزام بها إطلاقا لو كنا نعتقد بالقرآن الكريم لكنها موجودة. كل أصحاب المذاهب يسعون لأن ينسبوا تشريعاتهم الموسعة إلى الرسول أو إلى ذريته ويوصلونها إلى الله تعالى معتبرينها وحيا ثانيا خارج وحي القرآن. معاذ الله.

ولذلك لا يمكننا كمسلمين نحب الله تعالى ورسله الكرام وكتبه السماوية الشريفة أن نتبع ما يقوله أصحاب المذاهب؛ كما لا يمكننا أن ننسب السنن الموروثة إلى هذه الكتب والزبر البشرية غير المرتبطة بالوحي. فمن حقنا أن نصلح السنن لو رأيناها تخالف القرآن لنعيدها إلى أصولها.

ولننظر الآن إلى سنة الحجاب المنتشرة بين المسلمين بأشكال مختلفة:

  1. النقاب الكامل بحيث لا يرى أحد أي شيء من جسم المرأة أو حجم جسمها وبعض المتشددين يسعون ألا يذكروا أسماء الفتيات والنساء بل يشيرون إليها بالكنى أو يختلقون أوصافا لهن.
  2. تغطية وجه الأنثى من ساعة ميلادها حتى موتها بحيث لا يراها أبوها وإخوانها وزوجها! و ليت شعري كيف تتزوجن؟؟
  3. الحجاب المعروف اليوم بالحجاب الإسلامي وهو تغطية الشعر وبقية البدن عدا الوجه والكفين.
  4. الحجاب الإسلامي المصغر الداعي إلى وضع لفافة على الرأس فقط وترك الوجه والرقبة واليدين وحتى الساقين أحيانا مكشوفة بارزة.

فليست هناك سنة واضحة متوارثة من أيام الرسل المكرمين في الواقع بل الأمر خلافي بكل معنى الكلمة. وكل هذه الأنواع من الحجاب موجودة لدى اليهود وبعض المسيحيين مما يدل على أنها كانت معروفة بين أصحاب الديانات السماوية برمتها وكلها مختلفة وغير متفق عليها.

لكننا كمسلمين ننظر إلى التاريخ الإسلامي على ما ينطوي عليه من مفتريات لنجد بأن الرسول عليه السلام عاش مع الصحابة الرجال والصحابيات وكلهم يروون عنه. ولم يكن للرسول سماعات ولا أجهزة تلفاز بل جلسوا معا أمامه في مجلس واحد. كان الأمر كذلك برواية المؤرخين أيام الخلافة الراشدة وأيام بني أمية ولكن بني العباس فصلوا بين الرجال والنساء في مجالسهم.

والتاريخ المسيحي يذكر بأن المسيح تحدث إلى الجنسين معا ونرى عمليا بأن مسألة صعود المسيح عليه الصلاة والسلام إلى السماء بعد دفنه منسوبة إلى امرأة وليس إلى رجل.

ولا يذكر اليهود المتشددون أي تاريخ لديهم بأن موسى فرق في مجالسه بين النساء والرجال.

ولننظر الآن إلى الطقوس الدينية:

إن أهمها هي الحج بالنسبة للأديان الثلاثة فنرى بأن الجميع يزورون القدس والكعبة وحائط المبكى دون تفريق بين الجنسين. المسلمون والمسلمات يختلطون تماما في الطواف والسعي والصلاة في المسجد الحرام ولا يفرقون بين الجنسين ولا يهتمون بأن تقف النساء خلف الرجال. كل المذاهب المختلقة بشريا تحرم تغطية الوجه للمرأة. وكلهم يقولون بأن أهل مكة كانوا يفرقون في الطواف بين الجنسين فيطوف الرجال في النهار وتطوف النساء في الليل ولكن الرسول منع من ذلك وأمر بأن يطوف الرجال والنساء معا ولا تغطي امرأة وجهها.

فمن أين أتى النقاب؟ ليس النقاب إسلاميا ولا مسيحيا ولا يهوديا.

إنه عادة بابلية ومجوسية للتفريق بين الحرائر والإماء ولا ارتباط لهذه العادة السيئة بالأديان السماوية.

ولننظر إلى القرآن لنختصر الطريق:

قال تعالى في سورة الأحزاب: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا (58) يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل ِلأزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا (59) لَئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلاّ قَلِيلاً (60) مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً (61) سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً (62).

فلننظر بدقة إلى الآيات التي سبقت ولحقت آية الحجاب لنراها تتحدث عن توجيه البهتان إلى بعض المؤمنات من قبل المنافقين وبأن حكم الحجاب نزل لحماية المؤمنات من مثل هذه التهم. لا تأمر الآية بإضافة أي لباس إلى المرأة بل تأمر بالاستفادة من جلابيبهن ليدنينها عليهن. والسبب في ذلك هو أن يُعرفن بالشرف والفضيلة فلا يتعرضن للأذى.

ثم لننظر إلى السبب الداعي إلى أن يأمر النبي وليس الرسول أزواجه وبناته بأن يدنين عليهن من جلابيبهن. ألا يعني ذلك بأن بعض أزواج النبي على الأقل وبعض بناته لم تفعلن ذلك من قبل؟ ومن هن بنات النبي؟ أنا شخصيا لم أر في القرآن أي بنات للرسول عدا فاطمة كما أنه عليه السلام لم ينجب ذكورا. قال تعالى في سورة الأحزاب: مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (40). ولو كانت الآية آية حجاب فإنهن لم يكن محجبات.

ثم ما معنى يدنين عليهن من جلابيبهن؟ لنقرأ آية الحجاب الثانية لعلنا نعرف المعنى:

قال سبحانه في سورة النور:

قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الإرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (31).

لنمعن النظر في الآيتين:

  1. هناك أمر للمؤمنين والمؤمنات معا بأن يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم. فكما أن المرأة مسؤولة عن غض البصر حماية للفروج فإن الرجل مسؤول أيضا دون تفريق بينهما. الغض يعني تخفيض النظر أو الصوت. فليس هناك منع كامل من النظر ولكن هناك منع من التعمق في البصر حماية للفروج. فمعناها بأن النظر غير المؤدي إلى الشهوات مباح ولكن النظر المصاحب للشهوات محرم على المؤمن وعلى المؤمنة على السواء. والآية تأمر كلا منهما أن يغضا الطرف حماية لفرجه وليس حماية لفرج الآخر.

فما معنى الفرج: الفرج كما يقولون هو الشق بين شيئين وكني بنفس الكلمة عن السوأة حسب تعبيرهم فاستعمل الله تعالى الفرج للعضوين التناسليين للذكر والأنثى.

ولكنني أظن غير ذلك. وظني لا يغير المعنى ولكنني أظن بأن كلا العضوين فرجان ولكن العضو الذكري مقفول على باطنه وهو الجزء الحساس والعضو الأنثوي مصنوع على الأصل ولذلك اكتشفوا اليوم بإمكانية تحويل الجنس إلى جنس آخر دون إيجاد عضو الإنجاب أو الرحم وكذلك مستلزمات الرضاعة لدى المرأة. فاستعمال الفرج في القرآن للعضوين قد يكون استعمالا مقصودا وابتدائيا لعلم الله تعالى بهذه الحقيقة فهو قد يكون بمثابة إعجاز قرآني في الزمن الغابر.

فيعني بأن على المؤمن ألا يسعى لتحريك شهوته بالنظر إلى المؤمنة وعلى المؤمنة مثل ذلك. فقولهم بأن على النساء ألا يحركن شهوات الرجال غير وارد في هاتين الآيتين. لكن العقل يحكم بذلك لأن تحريك شهوة الفرج مشترك بينهما لكن التأكيد على حماية النفس أكثر من التأكيد على حماية الغير. فمن حمى نفسه من طغيان الشهوة فإنه يحمي الطرف الآخر أيضا فيتحقق الحكم العقلي بهاتين الآيتين الكريمتين.

  1. يضيف الله تعالى حكما آخر على حكم غض البصر للمؤمنات وهو: ولا يبدين زينتهن. فما هي الزينة أولا؟ إن الزينة مشروحة في آخر الآية الكريمة وهو: ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن. والزينة الخفية التي تظهر بضرب الرجل هي الخلخال الذي يطوق الساق. نعرف من المقطع من الآية بأن الحديث عن المؤمنة التي تخفي سيقانها فنعرف بأن إظهار السيقان غير مسموح. فليست الزينة بدنية ولكنها الحلي والمجوهرات التي تزين البدن.
  2. نحن نعرف من آية سورة النساء بأن العم والخال مَحرمان للمرأة ولكنهما غير مذكورين في الآية الكريمة؛ كما نعرف بأن العبد غير محرم مع المرأة ولكنه من المسموح له بأن يتعرف على زينة مخدومته. ونعرف من سورة يوسف بأن علاقة الشهوة بين العبد ومولاته غير مصانة بل هي قابلة للظهور بقوة كما حصل من زوج العزيز بالنسبة ليوسف. مع ملاحظة هذه المسائل يضطرب موضوع الحجاب من هذا المقطع من الآية على الأقل. فبداية الآية عن الحجاب ولكن عدم إظهار الزينة ليس مرتبطا بالحجاب. والتفسير المعقول لهذا المقطع الكبير من الآية الكريمة هو أن الله تعالى يريد المحافظة على النساء من اللصوص الذين يطمعون في سرقة زينة النساء فقد تصاحب السرقة اعتداء على شرفهن أيضا. ولذلك يفقد العم والخال أهمية درايتهما بما تملك المرأة من زينة فهما ليسا من اللصوص وليس الأمر لبيان المحرمية. لكن الله تعالى سمح للمرأة ألا تخفي زينتها عن صديقاتها بقوله نسائهن وكذلك عن خدمها لأنهم يعرفون ما تملك سيدتهم من زينة ولا خطر عليها من ناحيتهم.
  3. وأما ما ظهر من الزينة المذكور في بداية المقطع الكبير من الآية فهي القطع الذهبية الصغيرة التي تتحلى بها النساء كالخواتم والأسورة التي لا تنطوي على المزيد من الذهب وغير ذلك.
  4. والآن نعود مرة أخرى إلى المقطع الكبير من الآية بعد انتهاء الأمر بغض البصر لنراها مؤلفة من جملتين مختلفتين. فالنهي من إبداء الزينة مكررة يبدأ بموضوع كامل ثم تبدأ جملة أخرى حول عدم إبداء الزينة. الجملة الثانية اقتصادية والجملة الأولى ليست اقتصادية في الواقع. إن تلك الجملة هي التي تمثل حقيقة الحجاب الواجب وهو واجب على كل المؤمنات سواء كن حرائر أم إماء. هي هذه فلنقرأها مرة أخرى ونفكر فيها: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ. هكذا فرق الله تعالى بين المؤمن والمؤمنة في وجوب حماية الفروج بإضافة هذه الجملة الكريمة في الآية المباركة. فيجوز إظهار بعض الزينة التي هي فوق الجيوب وهي الزينة المضافة إلى الوجه ولكن الجيوب غير مسموحة. فما هي الجيوب؟

الجيب والجوب متقاربان في المعنى وهو الخرق ولكنهم استعملوا الجوب لقطع الصخور ولقطع الكلام جوابا واستعملوا الجيب لخرق في القميص ليدخلوا فيه الرأس. وأما الجيوب المتعارفة بيننا فهي لم تكن مستعملة يوم نزول القرآن احتمالا. وبما أن النساء كن ولازلن مهتمات بتضخيم الشعر أحيانا كسمة من سمات الجمال وكن يستعملن الدهون والزيوت المعطرة ولذلك كن يكبرن جيوب القمصان ليدخل الرأس في القميص دون أن يمس الشعر. ولا ننس بأن الخيوط المطاطية والأزرة لم تكن متوفرة آنذاك. ولو كان الله تعالى يريد إخفاء الشعر لأمرهن بأن يقلصن من فتحات الجيوب لكنه سبحانه لم يفعل ذلك، كما أنه سبحانه لم يأمر بإضافة قماش أو منديل لتغطية الصدر بل قال: وليضربن بخمرهن على جيوبهن. بمعنى أنه سبحانه علَّمهن أن يضربن وهو مثل يرمين طرفا من أطراف خمرهن على جيوب القمصان حتى يخفين الصدور لأنها أكثر الأعضاء إثارة للجنس الآخر.

فقولهم بأن الخمار يمثل غطاء الرأس لهو قول سخيف فهل يُعقل أن نتصور بأن النساء كن يغطين شعورهن ولكنهن يفتحن صدورهن؟ لو فعلت أنثى ذلك لقلنا بأنها تدعو إلى الفاحشة وتريد أن تتنكر حتى لا يتعرف عليها أهلها وهذا الأمر غير وارد في أمة مسلمة تحتضن أعظم كتاب في الأرض وتحتضن خاتم النبيين عليه الصلاة والسلام. فالخمار ليس غطاء الرأس وسبب تسميته بالخمار هو باعتبار أن الخمر يُسكر فهو لباس جميل يسكر الجنس الآخر وقد يكون هو المرط أو الجلباب أو أن يكن ملابس مشابهة لها ذيول.

والآن نرجع إلى الآية الأولى التي تركناها من سورة الأحزاب: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل ِلأزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا (59).  فالجلباب كالخمار لباس كن يلبسنه وله ذيول أيضا ولكن الجلباب احتمالا يغطي قسما من الصدر ولعلهن كن يلبسنه حينما يصنعن شعورهن على شكل ضفائر دون نفش فقال سبحانه بأن يدنو من هذا الجلباب شيئا إلى أبدانهن ولم يتحدث عن الجيوب. فالجلباب أيضا ينطوي على ذيول قد يغطي المتن وتنزيلُه باتجاه الصدر يساعد على تغطية الصدور فيختفي عضو الجاذبية في الصدر. هذا كل الحجاب في القرآن ولم يذكر الله تعالى أي عقاب لمن لا يعمل بالحجاب فكل ما يقولونه من عقاب دنيوي أو أخروي فهو كلام بشري لا ارتباط له بالقرآن الكريم ولو نسبوه إلى الله تعالى اعتبرناه فرية وكذبا على الله العظيم جل جلاله.

وفي الختام أعود فأكرر رأيي بأن تلتزم الأخوات المكرمات بالحجاب لسبب آخر وهو ليس سببا شرعيا ولا دينيا ولكنه اجتماعي. واسمحوا لي أن أشق ذلك السبب شقين:

الشق الأول: أن الحجاب أصبح علامة المرأة المسلمة الملتزمة كما أنه علامة المرأة اليهودية والمسيحية الملتزمة فكيف يروق لأخواتنا المكرمات أن يرين المسيحيات واليهوديات المؤمنات يرتدين الحجاب المعقول وهو تغطية الرأس وإظهار الوجه وقسما من اليدين ولكنهن يتمثلن بغير الملتزمات؟

الشق الثاني: هو أن الله تعالى أمر رسوله بأن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ومدح أهل مكة بأنهم كانوا خير أمة أخرجت للناس يأمرون بالمعروف كما قال في سورة آل عمران: كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ (110).  والمعروف اليوم بين نساء المسلمين أن يرتدين هذا الحجاب البسيط الذي لا يخالف أمر الله تعالى بأن يتعاون الناس مع بعض وبأن يسير الجنسان جنبا إلى جنب كما هو في مركزنا الأساسي في مهبط الوحي الختامي مكة. ومن المؤكد أن النقاب وما شابهه يفصل المرأة عن الرجل وقد يكون محرما لأسباب أخرى لا مجال لذكرها هنا.

 

والسلام على من اطلع على هذا ورحمة الله وبركاته.

أحمد المُهري

14/6/2014

#تطويرالفقهالاسلامي

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.