القصة الحقيقية للآية 41 من سورة المائدة … الخرافة والبحث عن الحقيقة

قصص لا علاقة لها بالواقع, وروايات لا علاقة لها بالآيات

LEGEN1.jpg

قدم لنا الإمام الأعظم أبو جعفر الطبري, رضي الله جلّ ثناؤه عنه وأرضاه, بهذا الشكل, ثمان روايات تقدم كل واحدة منها نفسها على أنها “القصة الحقيقية للآية 41 من سورة المائدة”. 

يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ ۛ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا ۛ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ ۖ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ ۖ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَٰذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا ۚ وَمَن يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا ۚ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ ۚ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ ۖ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (41)

  تتعلق الثلاث الأولى من هذه الروايات بالغدر, والقتل, والخزي,على حين تتعلق الخمس الأخريات بالزنا.   لا يحتاج الأمر إلى طويل بيان لبيان أن هذه القصص إنما هي قصص مختلَقة لا أساس لها من الواقع ولا يمكن لأي منها أن تمثل “القصة الحقيقية للآية 41 من سورة المائدة”.    لبيان ذلك دعنا نبدأ بقصص الغدر, والقتل, والخيانة.     دعنا نبدأ بقصة الصحابي الجليل أبي لبابة بن عبد المنذر وكيف غدر برسول الله صلى الله عليه وسلم.

 

من الضروري التنبيه إلى أننا في دراستنا لروايات الإمام الأعظم, رضي الله جل ثناؤه عنه وأرضاه, سوف نعمل باستمرار على دراسة علاقة الرواية بالواقع أولا, ثم دراسة العلاقة بين الآية وبين الرواية ثانيا.   تهدف دراسة العلاقة بين الرواية وبين الواقع إلى التأكد من توافق الرواية مع الواقع كما نعرفه, على حين تهدف دراسة العلاقة بين الآية وبين الرواية إلى التحقق من توافق الأحداث التي ترويها الآية مع الأحداث التي ترويها الرواية.    وعليه, دعنا, فعلاً, ننظر في أمر حكاية أبي لبابة.

 

حكاية أبي لبابة

يخبرنا الإمام الأعظم أبو جعفر الطبري, رضي الله تبارك وتعالى عنه وأرضاه, في تفسيره العمدة, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قد أرسل الصحابي الجليل أبا لبابة بن عبد المنذر ليتفاوض مع يهود بني قريظة يوم الحصار حول شروط الاستسلام لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أنه بدلاً من أن ينفذ الخطة المتفق عليها والتي تقضي بخداع اليهود وإقناعهم بالاستسلام ثم ذبحهم بالكامل غدر برسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبر اليهود بما بيته لهم رسول الرحمة.  أي كشف لهم عن أن في الأمر خدعة وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينوي عقد هدنة معهم, أو حتى طردهم من أراضيهم, وإنما ينوي التخليص عليهم مرة واحدة وإلى الأبد.  هذه, إذن, هي الأحداث التي يشير إليها قوله عز ذكره  يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ ولَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ.  أي أن الله سبحانه وتعالى يطلب من الرسول صلى الله عليه وسلم ألا يحزن لما قام به أبو لبابة حيث إنه لم يكن مؤمنًا حقيقة يوم أعلن إيمانه بالله وبأن محمدًا رسول الله.  وفي ما يخبرنا به الإمام الأعظم أكثر من مشكلة. 

 

تتعلق المشكلة الأولى بما إذا كانت هذه الرواية تتوافق مع الواقع.  تتعلق المشكلة الثانية بما إذا كانت الرواية تتوافق مع القرآن الكريم.  تتعلق المشكلة الثالثة, والأخيرة, بما إذا كانت الرواية تتوافق مع الآية.  أي ما إذا كانت الأحداث التي ترويها قصة أبي لبابة تتفق مع الأحداث التي تشير إليها الآية الكريمة.    مرة أخرى, دعنا نبدأ بالأول أولا.  أي دعنا نحاول الإجابة على السؤال الخاص بما إذا كانت هذه الحكاية تتوافق مع الواقع كما نعرفه. 

 

المشكلة الأولى :   توافق الرواية مع الواقع

في كتابه الرائع “محمًد واليهود” يتتبع الباحث الإسلامي أحمد بركات قصة مذبحة يهود بني قريظة متساءلاً عما إذا كان الموروث السني الشعبي الخاص بهذه المذبحة يتفق مع ما نعرفه عن واقع المدينة المنورة.  

أولاً:  يبين أحمد بركات أن موضوع قيام الرسول بنقل يهود بني قريظة من حصونهم واعتقالهم في منزل صحابية جليلة إلى أن يتم ذبحهم هو موضوع “غير ممكن”.    يشير أحمد بركات إلى “استحالة” وجود بيت في المدينة المنورة يسمح باعتقال آلاف اليهود فيه إلى أن يتم قتلهم.  لم يكن أكبر البيوت في المدينة المنورة وقتها يسمح بمعيشة أكثر من عدة أفراد فيه ودعك من موضوع عدة آلاف هذا. 

ثانيًا:  يبيّن أحمد بركات كذلك أن موضوع قيام اثنين من الصحابة الأجلاء بالإطاحة برؤوس مئات اليهود ما بين ضحى ومغرب هو موضوع غير ممكن.  قبول فكرة أن عليًا بن أبي طالب قام بذبح ثلاث مئة وخمسين يهوديًا – أو أربع مئة وخمسين يهوديا في رواية أخرى –  من الضحى إلى المغرب –  أي خلال عشر ساعات – معناه ذبح خمسة وثلاثين رجلاً كل ساعة, أي رجل كل دقيقتين تقريبًا.   فكرة أن يقوم إنسان بقتل مئات الرجال بمعدل ذبيح كل دقيقتين – حقيقة الأمر, أقل من دقيقتين – هي فكرة خرافية.  الموضوع “غير ممكن”.

ثالثًا:  يبيّن أحمد بركات كذلك عدم توفر إمكانيات “دفن” كل هذه الجثث كما يبيّن أنها لو تركت تتعفن على الأرض, أو قريبًا من سطح الأرض, لتسببت في أوبئة تودي بحياة أهل المدينة المنورة, وهو ما لم يأتِ له ذكر في حكايات الموروث الشعبي السني. الموضوع “غير ممكن”.

رابعًا:  يشير أحمد بركات كذلك إلى “غياب” أي ذكر لهذه المجزرة في المصادر اليهودية قديمها وحديثها, مشيرًا إلى أن هذه المصادر لم تكن لتهمل “أبدا” الإشارة إلى مثل هذه المذبحة.   إغفال المصادر اليهودية الإشارة إلى مثل هذه المجزرة أمر “غير ممكن”.

 

يشير الفحص المبدئي, بهذا الشكل, إلى “استحالة” وقوع الرواية بالشكل الذي أخبرنا به إياها فضيلة الإمام الأعظم أبو جعفر الطبري.   بعبارة أخرى, لا يتفق “ما يخبرنا به الإمام الأعظم” مع “ما نعرفه عن الواقع”.    بصورة أكثر وضوحًا, ما يحدثنا عنه الإمام الأعظم يدخل في باب “الخيال” أكثر منه في باب “التاريخ”.   لا يوجد أدنى شك في أن عليًا بن أبي طالب شخصية “تاريخية”.    لا يوجد أدنى شك كذلك في أن قصة قيام علي بن أبي طالب بقتل مئات الرجال في ظرف ساعات هي قصة “خيالية”.  نحن, بهذا الشكل, أمام أحداث يختلط فيها الخيال بالواقع. 

 

المشكلة الثانية:  توافق الرواية مع القرآن الكريم

بين البحث, بهذا الشكل, أن موضوع التخليص على يهود بني قريظة ما بين ضحىً ومغرب هو أمر “غير ممكن”, من الناحية المادية على الأقل.  وعليه, فالسؤال التالي هو كالتالي: هل التخليص على يهود بني قريظة, وذبح رجالهم بالكامل, وسبي نسائهم, واستعباد أطفالهم, ثم استبدال نسائهم بخيول من نجد أمر أباحه الله وسنة نقتديها عن رسوله الكريم؟  هل هذا ممكن؟ هل يمكن أن يتفاوض الرسول الكريم مع يهود بني قريظة على أن يستسلموا له وقد بيَّت النية على ذبحهم؟  هل يقوم بذلك من وصفه خالق الكون بأنه على “خلق عظيم”؟  هل التفاوض مع الأعداء ثم “التخليص” عليهم من “الخلق العظيم”؟  هل هذه هي القدوة الحسنة التي ندعو “البشرية” إلى اتباعها؟  هل هذا هو ما أمر به الله؟  هل يسمح الله بقتل الأسرى بعد استسلامهم؟   هل هذا هو ما يدعو الله “البشرية” إلى اتباعه؟  

 

القول بأن رسول الله يمكنه أن يخالف أمر الله القاضي بالإحسان إلى الأسرى, وأمر الله القاضي بألا تزر وازرة وزر أخرى قول لا يقول به “مؤمن”.  يستحيل على مؤمن أن يؤمن بأن رسول الله كان يقتل الأسرى, ويسبي النساء ثم يستبدلها بخيول من نجد.   يستحيل على مؤمن بالله أن يؤمن بأن رسول الله كان يأمر بما نهى عنه الله.  المسألة مستحيلة.    وكأن الموضوع, بهذا الشكل, هو أن حكاية الصحابي الجليل أبي لبابة هي حكاية “لا يمكن” أن تكون قد حدثت.   

 

المشكلة الثالثة:  توافق الرواية مع الآية

تشير السطور السابقة أعلاه إلى أن قصة الصحابي الجليل أبي لبابة ليست أكثر من قصة وهمية لا علاقة لها بالواقع الذي نعيش فيه, لا يمكن لعالم أن يقبلها ولا لمؤمن أن يتقبلها.     دعنا “نتخيل”, على الرغم من ذلك, أنها ممكنة.  دعنا نتخيل أن بإمكان على بن أبي طالب أن يطيح برؤوس مئات الرجال في ظرف بضع ساعات.  ثم دعنا نتخيل أن المدينة المنورة          – أكرمها الله وأكرم أهلها – كانت بها منازل تسمح باعتقال الآلاف واستعدادات لحفر مئات القبور في ظرف ساعات.  ثم دعنا نتخيل أن رسول الله يمكنه أن يأمر بقتل الأسرى, وسبى النساء, واستعباد الأطفال, واستبدال النساء الحجازية بخيول نجدية.   ثم دعنا نتخيل أن هذا هو الخلق العظيم الذي وصف به الله جل ثناؤه رسوله الكريم.   ثم دعنا نسأل ما إذا كانت الآية في هذه الحال تتفق مع الرواية.   والإجابة, باختصار, هي لا. 

 

حتى لو تقبلنا أن حكاية أبي لبابة هي حكاية حقيقية, واقعية, وقعت أحداثها في الجزيرة العربية في السنوات الأولى من الهجرة, فإن الأحداث التي تشير إليها الرواية لا تتفق مع الأحداث التي تشير إليها الآية.    تحدثنا الرواية عن صحابي جليل وثق به النبي وعهد إليه بمهمة خداع يهود بني قريظة واستدراجهم إلى الذبح, فخان الأمانة وحذر اليهود من الاطمئنان إلى عهد رسول الله.   يتفق مثل هذا العمل مع ما جاء في الآية من حزن رسول الله لرؤية من قالوا إنهم آمنوا وهم يتسارعون إلى الكفر.  وكأن الأمر, إذن, أننا إذا كنا نتحدث طوال الوقت عن “واقعية الرواية” فالرواية واقعية, وإذا كنا نتحدث طوال الوقت كذلك عن “توافق أحداث الرواية مع أحداث الآية” فإن الأحداث التي تشير إليها الآية تبدو على تمام الاتفاق مع الأحداث التي تشير إليها الآية.  أو, هذا هو ما تبدو عليه الأمور.  المشكلة أن الرواية “التاريخية” لا تخبرنا بهذا وحسب, وإنما تخبرنا بأشياء أخرى.

 

تخبرنا الرواية أنه ما إن حذر الصحابي الجليل اليهود من المذبحة التي أعدها لهم رسول الرحمة وعزمه على التخليص عليهم حتى أدرك خطأه, وتملكه الندم, وبدأ في البكاء, ولم يستطع العودة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لإخباره بما فعل وطلب العفو منه.   وعليه, تسلل إلى مسجد رسول الله وربط نفسه بأحد أعمدته وأعلن أنه لن يغادر المسجد حتى يحل رسول الله وثاقه بنفسه – إلى نهاية القصة.  

 

نحن, بهذا الشكل, لا نتحدث عن رجل أعلن إسلامه بلسانه بينما خلا قلبه من الإيمان وإنما عن رجل عمر الإيمان كل ذرة من جسده.  نحن أمام رجل “أخطأ” لحظة وندم على خطئه في نفس اللحظة.    نحن أمام رجل أعلن رسول الله – مرة أخرى حسب “الرواية” – أنه لو جاءه وطلب العفو منه لما تردد  لحظة في العفو عنه.  نحن, باختصار, أمام رجل لم يجِئه العفو عنه – حسب الرواية التاريخية – من رسول الله بل من الله.  

 

تحدثنا الرواية, بهذا الشكل, عن أحداث لا علاقة لها بما تحدثنا عنه الآية الكريمة.   على حين تحدثنا الآية عن رجل أعلن إيمانه بلسانه وخلا قلبه من الإيمان, تحدثنا الرواية عن رجل عمر الإيمان قلبه.    ما تحدثنا عنه الرواية,بهذا الشكل, شيء وما تحدثنا عنه الآية شيء آخر.  لم يكن الله سبحانه وتعالى, إذن, يتحدث عن أبي لبابة عندما كان يخاطب الرسول طالبًا منه ألا يحزن على تسارع من أعلنوا الإيمان إلى إعلان الكفر.  لم يكن ما قام به أبو لبابة إذن هو “السبب في نزول الآية 41 من سورة المائدة”.   كيف يمكن لنا أن نقول إن أبا لبابة لم يكن إلا واحدًا من أولئك الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم؟    كيف يمكننا ذلك ونحن نعلم كيف قتله الندم على “خطئه”, وكيف أن العفو عنه ومغفرة خطئه لم يجئه من رسول الله بل جاءه من الله؟ 

 

وكأن القصة, مرة أخرى, هي أن الأحداث التي تدور في الرواية هي غير الأحداث التي تشير إليها الآية.   وعليه, فقصة أبي لبابة لا علاقة لها بالآية 41 من سورة المائدة.   قد تكون قصة “جميلة”, قد تكون قصة “مثيرة”, إلا أنها قطعًا لا علاقة لها بالآية 41 من سورة المائدة.

 

 

حكاية اليهودي القاتل

JEW3.jpg

القصة هنا, كما يحكيها لنا الإمام الأعظم, أن يهوديًا قتل يهوديًا آخر ثم راح يسأل عن موقف الإسلام من القتل.  وعليه, طلب الرجل من حلفائه من المسلمين أن يسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن “حكم القتل” في الإسلام فإذا كان الإسلام يأمر بـ”الدية” لجأ القاتل إلى رسول الله ليحكم في أمره, أما إذا كان الإسلام يأمر بـ”القَوَد” ابتعد عنه.   وفي ما يخبرنا به الإمام الأعظم مشكلتان.  تتعلق المشكلة الأولى بما إذا كانت هذه الحكاية “ممكنة”.  تتعلق المشكلة الثانية بعدم وجود علاقة بين الآية وبين الرواية.

 

المشكلة الأولى :  هل هذه الرواية ممكنة؟

في تفسيره لقوله تعالى لم يأتوك يحرفون الكلم من بعد مواضعه يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه وإن لم تؤتوه فاحذروا – أي بعد صفحات قليلة من حديثه عن اليهودي القاتل – يذكر لنا الإمام الأعظم أن العرف لدى اليهود في المدينة المنورة كان قد استقر على أنه في حالة ما إذا كان القاتل من النضير والقتيل من بني قريظة فإن الحكم هو “الدية”, أما إذا كان القاتل من بني قريظة والقتيل من النضير فالحكم هو “القوَد”.   يذكر لنا الإمام الأعظم كذلك, وهذه هي المفاجأة, أن اليهودي القاتل كان من النضير على حين أن اليهودي القتيل كان من بني قريظة.

 

القاتل, إذن, من النضير والقتيل, إذن, من بني قريظة والحكم, إذن, هو الدية والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.     إذا كان الأستاذ القاتل “يبحث” عن حكم بالدية فالحكم موجود ولا داعٍ للتعب.  أي لا داعٍ أصلاً لإرسال وفد إلى رسول الله الله ليسأله عن حكم القتل العمد في الإسلام.   موضوع أن اليهودي القاتل أرسل وفدًا إلى رسول الله ليرى ما إذا كان رسول الله قد بُعث بالدية أم بالقوَد (أي قتل القاتل), بهذا الشكل, هو موضوع خيالي لم يحدث من أصله.  إذا كانت المسألة هي مسألة دفع “الدية” لا “القود” فالمسألة “محلولة”.  القاتل من النضير, والقتيل من بني قريظة, والحكم هو “الدية” والسلام عليكم ورحمة الله.     

 

أضف إلى ذلك أن فكرة أن يتقدم يهودي بسؤال رسول الله عن حكم القتل في الإسلام هي فكرة غريبة.   كيف, بحق الله, يمكن ليهودي يؤمن بالله, وبأن موسى نبي الله, وبأن التوراة كلام الله أن “يحتكم” إلى نبي لا يؤمن بنبوته؟   واضح هنا, تمامًا, أن الرجل لا يؤمن بنبوة رسول الله إذ هو يبحث عن حكم بالدية وليس بالقتل, فإذا جاء الحكم بالدية قبله, أما إذا جاء بالقتل رفضه.  نحن أمام رجل “يقبل” و”يرفض”.  نحن أمام رجل “يتسوق” الحكم الذي يناسبه.  ثم, مرة أخرى, ما معنى أن يذهب رجل إلى نبي لا يؤمن بنبوته ليسأله في أمر يخصه؟    بحق الله, ما معنى هذا الكلام؟   المسألة هنا تشبه قيام رجل مسلم قتل رجلاً مسلما بسؤال البهاء (مؤسس الديانة البهائية) عن حكم القتل لدى البهائيين.    كيف يمكن لرجل يؤمن بالله, وبأن محمدًا رسول الله, وبأن القرآن كلام الله, أن يحكم رجلاً لا يؤمن به, ولا بنبوته, ولا بدينه أصلاً؟ 

 

ثم إن القاتل يهودي, وقبيلته يهودية, والقتيل يهودي, وقبيلته يهودية, وفكرة أن “يحتكم” القاتل إلى نبي “لا يعترف” بنبوته أحد في قبيلته ولا في قبيلة القاتل هي فكرة غريبة.    سواء كان حكم القتل لدى البهائيين هو الإعدام بالكرسي الكهربائي أو النفي إلى هاواي فالأمر لا يخص قبيلة القتيل من قريب أو بعيد.  حكم القتل العمد في الإسلام هو القوَد والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.     هذا ما سيطالب به أهل القتيل وإلا ستقوم الحرب بين القبائل. 

 

 

المشكلة الثانية: عدم وجود علاقة بين الآية وبين الرواية

دعنا, على الرغم من ذلك, “نتخيل” أن القصة قصة واقعية حدثت فعلاً في الجزيرة العربية في السنين الأولى من الهجرة.  دعنا نتخيل أن اليهودي القاتل لم يكن يعلم أن العرف السائد هو دفع الدية إذا كان القاتل من النضير والقتيل من بني قريظة.    دعنا “نتخيل” أنه كان “يتخيل” أن حكم القتل عند يهود المدينة هو القوَد بغض النظر عما إذا كان القاتل من النضير والقتيل من بني قريظة أو كان القاتل من بني قريظة والقتيل من النضير.   بل دعنا “نتخيل” أن القاتل لم يكن يعلم أنه من النضير ولا أن القتيل من بني قريظة.  باختصار, دعنا “نتخيل” أن القصة وقعت فعلا.  وعليه, فالسؤال هنا هو كالتالي: ما علاقة هذه القصة بالآية 41 من سورة المائدة؟ 

 

يخاطب جل ثناؤه رسوله الكريم قائلاً له *يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ *    أي يدعو سبحانه وتعالى رسوله الكريم ألا يحزن لرؤية من أعلنوا إيمانهم بالله وبأنه رسول الله وهم يتسارعون إلى الكفر.  يبين جل وعلا أن من فعلوا ذلك لم يكونوا مؤمنين حقا وأن المسألة لا تزيد عن إعلانهم بألسنتهم عن إيمانهم بما لا تؤمن به قلوبهم.  يحدثنا الله جل ثناؤه, بهذا الشكل, عن قوم أعلنوا إيمانهم بالله, وبأن محمدًا رسول الله إلا أنه لم يمض طويل وقت حتى كانوا قد تخلوا عن إيمانهم وعادوا إلى كفرهم.   هذا هو ما يحدثنا عنه جل جلاله, وهو ما يختلف تمامًا عما يحدثنا عنه الإمام الأعظم الطبري رضي الله جل ثناؤه عنه وأرضاه.

 

يحدثنا الإمام الأعظم عن يهودي قتل يهوديًا ثم راح يبحث عن حكم لا يكلفه حياته.   الرواية من أولها لآخرها لا يوجد بها من أعلن عن إيمانه بالله, وبأن محمدًا رسول الله ثم اتضح فيما بعد أنه لا يؤمن ولا يحزنون, وأن المسألة لم تكن أكثر من كلام.  أضف إلى ذلك أن الرواية لا يوجد بها بها أصلاً ما يمكن أن يسبب الحزن للنبي الكريم.   المسألة, باختصار, هي أنه لا توجد أي علاقة بين ما تخبرنا به الآية وبين ما تخبرنا به الرواية.    الرواية, بهذا الشكل, ليست رواية وهمية وحسب وإنما هي رواية وهمية لا علاقة لها بالآية الكريمة. 

 

إذا كان الهدف من “قصة اليهودي القاتل” هو إلقاء الضوء على الخلفية التاريخية للأحداث التي تشير إليها الآية الكريمة فالقصة لم تحدث من أصله والرواية وهمية.   أكثر من ذلك, حتى إذا كانت هذه القصة قد وقعت فعلاً – وهو, مرة أخرى, شيء مستبعد تماما – فإن الأحداث التي تشير إليها القصة هي أحداث لا علاقة لها بما تشير إليه الآية الكريمة.    المسألة, باختصار, أنه حتى لو كانت حكاية ورواية اليهودي القاتل قد وقعت فعلاً في المدينة المنورة أثناء حياة الرسول صلى الله عليه وسلم – وهوأمر مستبعد تماما – فإنها رواية وحكاية لا علاقة بينها وبين الآية الكريمة 41 من سورة المائدة.  فكرة أن حكاية ورواية اليهود القاتل هي السبب في نزول الآية الكريمة, بهذا الشكل, ليست أكثر من فكرة “لطيفة”.  لم يحدث.

 

ختامًا, لا بد أن يثور السؤال: كيف حدث ذلك؟  كيف نفسر كل هذا الاضطراب في هذه الروايات؟  كيف فات على الإمام الأعظم الطبري ملاحظة أن القصة وهمية وأنها حتى لو كانت واقعية فلا علاقة بينها وبين الآية 41 من سورة المائدة.  ما الذي يمكن أن يحزن رسول الله في هذه القصة “الجميلة”؟  أين هؤلاء المؤمنون الذين ما أن أعلنوا إيمانهم حتى أعلنوا كفرهم؟  أين هؤلاء القوم الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم؟  أين أولئك اليهود السماعون للكذب, السماعون لقوم آخرين لم يأتوا رسول الله يحرفون الكلم من بعد مواضعه يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه وإن لم تؤتوه فاحذروا؟  ثم أين الكذب, وأين التحريف؟  القصة ليست وهمية وحسب وإنما واضح تمامًا أن لا علاقة بينها وبين الآية 41 من سورة المائدة.  وعليه, مرة أخرى, كيف فات كل ذلك على الإمام الطبري رضي الله عنه وأرضاه؟  والإجابة من أبسط ما يكون.

 

في المرحلة الثانية من مراحل نمو الإدراك, حسب مقياس جان بياجيه, لا يستطيع الكائن البشري التمييز بين ما هو ممكن وما هو غير ممكن.  في مثل هذا الحال “كل شيء ممكن”.  هذا هو السبب في أن فضيلة الإمام الأعظم أبو جعفر الطبري لم ينتبه إلى أن قصصه الجميلة هي قصص خيالية لا علاقة لها بالواقع ولا يمكن أن تكون قد حدثت أصلاً, فضلاً عن أن لا علاقة بينها وبين الآية الكريمة.  لا يختلف الإمام الأعظم الطبري, رضي الله تبارك وتعالى عنه وأرضاه, في هذه الناحية, حقيقة الأمر, عن غيره من الأئمة العظام, رضي الله سبحانه وتعالى عنهم جميعًا وأرضاهم.  استخدم كل الأئمة العظام نظام التفكير الخاص بالمرحلة الثانية من مراحل نمو الإدراك.   لا بد من الإشارة هنا إلى أن الثقافة العربية لا تختلف في هذه الناحية عن غيرها من الثقافات البدائية.   تستخدم كل الثقافات البدائية نظام التفكير الخاص بالمرحلة الثانية.   للحصول على فكرة أكثر تفصيلاً يمكن للقاريء الرجوع إلى كتاب “ظهور العلم”.   

 

 

 

 

حكاية مدينة الروم

روم.jpg

يورد الإمام الأعظم رواية تذهب إلى أن الأحداث التي يشير إليها قوله عز ذكره أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ ۚ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ ۖ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ  هي أحداث تتعلق بما سيحدث في مدينة من مدن الروم.  تذهب الرواية إلى أن المقصود من “الخزي” الذي سوف يصيب أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم هو فتح مدينتهم, وقتل رجالهم, وسبي نسائهم.  المثير في الأمر أن فضيلة الإمام الأعظم لم “يفكر” على الإطلاق في كيف عرف الراوية الداهية الذي أخبره بهذه الحكاية العجيبة بهذا الأمر.  لم يفكر فضيلته, على الإطلاق, أن لا أحد في الكون يستطيع أن يعرف الغيب بما في ذلك محمّد بن عبد الله.  إلا إذا أخبر ملاك الوحي محمدًا بن عبد الله, وهو ما لم يحدث إذ أنه لو كان أبلغه لأبلغنا.  يعود ذلك إلى أن وظيفة رسول الله هي التبليغ لا الإخفاء.  

 

اللطيف في الأمر, وهو أمر لطيف فعلاً, أن فضيلة الإمام الأعظم يحكي لنا حكاية مدينة الروم على أنها “سبب نزول الآية”.  أي أن الله سبحانه وتعالى أنزل هذه الآية بسبب هذه الأحداث التي سوف تحدث في المستقبل إن شاء الله.   الفكرة في موضوع أسباب النزول هو إيراد أحداث واقعية حدثت فعلا مما استدعى نزول الآية.  فكرة أن الآية قد نزلت بسبب أحداث لم تقع بعد وإنما سوف تقع في المستقبل إن شاء الله هي فكرة “جديدة”.  المسألة, بهذا الشكل, مثلها مثل طبيب قام بعملية جراحية لإزالة ورم سيصاب به المريض المعافى في المستقبل إن شاء الله.   مرة أخرى, القصة وهمية.

 

 

حكاية اليهودي الفاجر واليهودية الفاجرة

فاجر.jpg

يحكي لنا الإمام الأعظم أبو جعفر الطبري, رضي الله جل ثناؤه عنه وأرضاه, قصة جميلة عن يهودي فاجر زنا بيهودية فاجرة فرأى أحبار اليهود أن هذه خير مناسبة لاختبار النبي الجديد الذي قدم لتوه المدينة المنورة.   وعليه, أرسلوا إليه صلى الله عليه وسلم الفاجر والفاجرة ليحكم فيهما حكم الله.    كانت الفكرة أنه إذا حكم عليهما بالجلد دل ذلك على أن لا علم له بحكم الله حيث إن حكم الله – كما جاء في كتاب الله الذي أنزله سبحانه وتعالى على رسول الله موسى عليه السلام – هو القتل وليس الجلد, ودل, بالتالي, على أنه ليس نبيًا مرسلا.   وعليه, أمسك اليهود باليهودي الفاجر واليهودية الفاجرة وأرسلوهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وطلبوا منه أن يحكم عليهما.   لم يرد الرسول صلى الله عليه وسلم على سؤال اليهود هذا وإنما قام من مكانه واتجه إلى مدراس اليهود وطلب منهم بمنتهى الوضوح أن يخبروه بحكم الله في الزنا.  كان ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم مفاجأة كبرى لليهود, إذ أنه بدلاً من أن يحكم عليهم بالجلد أو بالقتل وبذلك يعطيهم فرصة لاختبار ما إذا كان نبيًا مرسلا أم لا, جاء يسألهم هم عن حكم الله في الزنا كما جاء في التوراة.

 

تهرب أحبار اليهود من الإجابة على سؤال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأشاروا إلى غلام أعور قائلين إن هذا الشاب الأعور هو أعلمهم وهو الوحيد الذي يستطيع أن يجيب على سؤال رسول الله.  هنا أخذ رسول الله بيد الشاب الأعور هذا ونشده بحق الله أن يخبره عن حكم الله في الزنا متسائلاً عما إذا لم يكن حكم الله, تحديدًا, هو القتل.  هنا اعترف الحبر الأعظم عبد الله بن صوريا, أعلم أحبار اليهود, بأن حكم الله في الزنا هو القتل لمن زنى وهو محصن.  أكثر من ذلك أعلن الحبر الأعور عن إيمانه بالله, وبأن محمدًا رسول الله, بل أعلن أن أحبار اليهود يعلمون أنه رسول الله إلا أنهم يحسدونه, وهنا خرج رسول الله من المدراس وأمر بقتل اليهودي الفاجر واليهودية الفاجرة.  هذه, باختصار, هي قصة اليهودي الفاجر واليهودية الفاجرة كما حكاها لنا الإمام الأعظم أبو جعفر الطبري رضي الله جل ثناؤه عنه وأرضاه.  والقصة مضطربة لا يمكن أن تكون قد حدثت, وحتى إن حدثت فهي قصة لا علاقة لها بالآية الكريمة 41 من سورة المائدة.     دعنا ننظر أولاً في إمكانية أن تكون هذه الرواية قد حدثت فعلا. 

 

المشكلة الأولى:  توافق الرواية مع الواقع كما نعرفه

تنقسم رواية اليهودي الفاجر واليهودية الفاجرة إلى جزأين كبيرين.  يتألف الجزء الأول من بداية الرواية إلى أن اختلى رسول الله بالحبر الأعور وتحدث معه على انفراد.  يتألف الجزء الثاني من لحظة أن اختلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحبر الأعور إلى لحظة إعلان الحبر الأعور عن كفره بالله وبأن محمدًا رسول الله.   دعنا نتناول الجزء الأول أولا.

 

الجزء الأول

يحكي لنا الإمام الأعظم أبو جعفر الطبري, رضي الله جل وعلا عنه وأرضاه, كيف أراد أحبار اليهود معرفة ما إذا كان محمّد بن عبد الله نبيًا مرسلا فعلا أم مجرد حاكم دولة عظيم, وعليه أرسلوا له يهوديا فاجرًا زنى بيهودية فاجرة وكلاهما محصنان ليحكم في أمرهما.  كانت الفكرة هنا هي أنه إذا حكم عليهما بالقتل كان ذلك هو الدليل على أنه نبي مرسل فعلاً وعليهم, بالتالي, الحذر منه, والابتعاد عنه, وطبعًا, عدم الإيمان به حيث إنه نبي مرسل.  أما إذا حكم بالجلد كان ذلك الدليل على أنه ليس بنبي مرسل ولا يحزنون إنما هو مجرد حاكم دولة عظيم وعليهم في هذه الحالة اتباعه والعمل بأوامره.  كانت المفاجأة, على أية حال, هي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بدلاً من أن يحكم بحكم الله في الزنا ذهب يسأل أحبار اليهود عن حكم الله في الزنا.  هذا هو الجزء الأول من رواية اليهودي الفاجر واليهودية الفاجرة.   وهو جزء عجيب.

 

يخبرنا الإمام الأعظم هنا أن اليهود لم يرسلوا اليهودي الفاجر واليهودية الفاجرة إلى رسول الله إلا “لاختباره” صلى الله عليه وسلم, فإذا حكم بالقتل كان نبيًا مرسلاً, أما إذا حكم بالجلد كان ذلك دليلاً على أنه ليس بنبي مرسل وإنما ملك عظيم.  يخبرنا فضيلته كذلك أن رسول الله لم يحكم بشيء وإنما ذهب إلى أحبار اليهود يسألهم هم عن حكم الله في الزنا.   المسألة, بهذا الشكل, واضحة وضوح الشمس.  رسول الله لا يعرف حكم الله في الزنا.  إذا كان الهدف من الاختبار هو تحديد ما إذا كان الرسول ملكا أم نبيا مرسلا فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم “رفض الإجابة على الأسئلة”.   حقيقة الأمر, ذهب رسول الله إلى “المدرسة” وطلب من “الأساتذة” تزويده بالإجابة على السؤال الذي وضعوه في الامتحان.  والسؤال, بهذا الشكل, هو كالتالي: هل يمكن أن يكون “أحبار اليهود” هم السلطة العليا التي يرجع إليها رسول الله لمعرفة حكم الله؟  هل يمكن إذا جاء رسول الله من يطلب حكم الله في أمر لم يكن الله قد أخبر فيه رسوله بحكمه – رجاء أن نتذكر هنا أن القرآن لم ينزل على رسول الله مرة واحدة وإنما أخذ ثلاثة وعشرين عاما – أن يقوم رسول الله من مجلسه ليسأل أحبار اليهود عن حكم الله في هذا الأمر؟  هل تتفق هذه الرواية مع ما يعرفه المسلمون من أنه إذا سئل الرسول سؤالا لا يعرف له صلى الله عليه وسلم جوابا كان يطلب ممن سأله أن ينتظر حتى ينزل أمر الله؟   وكأن ما يحكيه لنا الإمام الأعظم غير ممكن.  غير ممكن أن يكون أحبار اليهود هم المرجع لرسول الله.   غير ممكن أن “يناشد” رسول الله الحبر الأعور عبد الله بن صوريا أن يخبره بحكم الله في الزنا.   كيف “يناشد” محمّد بن عبد الله الحبر الأعور عبد الله بن صوريا أن يخبره بحكم الله؟  الرواية ليست “خيالية” وحسب, الرواية “هزلية”.    ويتبقى الجزء الثاني من رواية اليهودي الفاجر واليهودية الفاجرة.

 

الجزء الثاني

اختلى رسول الله, إذن, بالحبر الأعور وضغط عليه بأسئلته, وهنا انهار الحبر الأعور وأخبر رسول الله بصدق “حدسه” أن حكم الله في الزنا هو القتل.  أكثر من ذلك أخبر الحبر الأعور رسول الله أن أحبار اليهود “يعلمون” أنه نبي مرسل إلا أنهم يحسدونه وأعلن إيمانه بالله وبأن محمدًا رسول الله إلا أنه سرعان ما كفر.  والقصة, مرة أخرى, مضطربة لا يمكن أن تكون قد حدثت.

 

كيف “يمكن” لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسأل الحبر الأعور عما إذا كان القتل هو حكم الله وليس الجلد؟   من أين جاء رسول الله بفكرة أن حكم الله في الزنا هو القتل؟  هل كان رسول الله “يخمن” أحكام الله قبل أن يخبره الله بها؟   ثم كيف “يأمر” رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل رجل وامرأة بناءً على فتوى “يتيمة” من غلام شاب حتى لو كان “أعلم الأحبار”؟  كيف لم يتأكد رسول الله من أن هذا هو حكم الله فعلاً؟  ثم, بحق الله, كيف يمكن لبشر في مثل هذا الموقف أن يتأكد؟  لم يكن رسول الله يعرف العبرية ولا القراءة بالعبرية, فكيف له أن يتأكد؟  ثم كيف له أن يقتل رجلاً وامرأة بناءً على فتوى غلام شاب لم يسأل أحدًا غيره؟   حاشاه الله تعالى عن مثل هذا.   ثم كيف يخبر الحبر الأعور رسول الله أن أحبار اليهود “يعلمون” أنه صلى الله عليه وسلم نبي مرسل؟  من أين جاءهم هذا العلم؟  ثم إذا كان هذا العلم قد جاءهم فلمَ “الاختبار”؟  لمَ قاموا بإرسال اليهودي الفاجر واليهودية الفاجرة؟  ألم يكن الهدف هو “الاختبار”؟   ثم ألم يرسب رسول الله في الاختبار؟  ألم يذهب إليهم في دارهم ليسألهم؟  ألا يعد هذا دليلاً على أنه “لا يعرف”؟   وعليه, على أي أساس أخبر عبد الله بن صوريا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أحبار اليهود يعلمون أنه نبي مرسل؟   ثم كيف, بحق الله, يعلن الحبر الأعور, أعلم أحبار اليهود, إيمانه بالله وبأن محمدًا رسول الله ثم يستمر في التدريس في المدراس؟   كيف لم يخرج هذا “المؤمن” في صحبة رسول الله مغادرًا المدراس إلى الأبد؟

 

المشكلة الثانية:  العلاقة بين الآية وبين الرواية

وأخيرًا نأتى إلى السؤال الخاص بالعلاقة بين الآية وبين الرواية.  والسؤال هنا هو كالتالي: هل كان الحبر الأعور صادقًا عندما أعلن إيمانه بنبوة رسول الله أم أن المسألة لم تكن تتعدى كونها مجرد “كلام”؟ بوضوح أكثر, هل كان الحبر الأعور واحدًا من أولئك الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم كما تخبرنا الآية أم كان واحدًا من أولئك الذين آمنوا بقلوبهم كما آمنوا بأفواههم؟   

 

لا يحتاج الأمر إلى الإفاضة في “استحالة” أن يكون الحبر الأعور واحدًا من أولئك الذين آمنوا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم.  كان الحبر الأعور “يعلم” أن إعلانه إيمانه بالله, وبأن محمدًا رسول الله, سيؤدي به لا محالة إلى فقدان وظيفته, ومركزه الاجتماعي, بل ولقمة عيشه, إن لم يكن حياته.  يستحيل أن يسمح اليهود لرجل أعلن إسلامه أن يستمر في عمله في تدريس التوراة.    يستحيل أن يسمح الأزهر الشريف لعالم من علمائه الأجلاء أن يستمر في عمله في تدريس الفقه السني القديم بعد إعلانه إيمانه بأن المسيح ابن الله.  المسألة مستحيله.  وكأن الأمر, إذن, هو أنه  يستحيل أن يقوم رجل بما قام به الحبر الأعور إلا إذا كان مؤمنا بالله, وبأن محمدًا رسول الله, إيمانا لا تهزه العواصف ولا الأعاصير.   نحن أمام رجل لم يؤمن بقلبه فقط وإنما بكل ذرة من جسده.    وهذه مشكلة.   يعود ذلك إلى أنه إذا كان الحبر الأعور صادقًا حقا في إعلانه إيمانه بالله وبأن محمدًا رسول الله فإن ذلك يعني أن لا علاقة بين ما تخبرنا به الآية وما تخبرنا به الرواية.  على حين تحدثنا الآية الكريمة عن رجال قالوا آمنا بأفواههم فقط ولم تؤمن قلوبهم, تحدثنا الرواية عن رجل آمن ليس بقلبه فقط بل بكل ذرة من جسمه.  الرواية, بهذا الشكل, لا علاقة لها بالآية.

 

لا بد من الاعتراف,على أية حال, أن هناك احتمال – مهما كان ضعيفًا – أن الحبر الأعور لم يكن صادقًا عندما أعلن عن إيمانه بالله وبأن محمدًا رسول الله.  أي أن إعلانه عن إيمانه بنبوة رسول الله كان مجرد كلام نطق به لسانه لا علاقة له بما يؤمن به فعلاً.  المشكلة, في هذه الحالة, مشكلة كبيرة إذ ما الذي يمكنه أن يدفع الحبر الأعور إلى الإجابة على سؤال رسول الله عن حكم الله في الزنا كما جاء في كتاب الله الذي أنزله على رسوله موسى عليه السلام؟   وهو السؤال الذي تهرب الأحبار من إجابة رسول الله عليه.  ثم ما الداعي إلى أن يخبر رسول الله بما أخبره به من إيمانه بنبوته, بل وبإيمان باقي الأحبار بنبوته؟  إذا لم يكن الحبر الأعور صادقا فيما أخبر به رسول الله من إيمانه به فلمَ أخبره بكل هذه القصة؟  ما الذي يمكنه أن يدفع إنسانًا غير مضطرب عقليًا إلى الإعلان عن أشياء تودي به إلى مصيبة؟  إعلان الحبر الأعور عن إيمانه بالله وبأن محمدًا رسول الله يعني أن عليه أن يلملم أغراضه ويخرج من المدراس في حماية رسول الله لأن لا أحد غير رسول الله صلى الله عليه وسلم يمكنه أن يضمن بقاءه على قيد الحياة بعد أن فعل ما فعل.   القصة وهمية.

 

اللطيف في الأمر أنه حتى في حالة ما إذا قبلنا أن هذا هو ما حدث فعلاً وأن الحبر الأعور كان منهمكًا في تأليف قصص وهمية لا أساس لها في الواقع, وأنه لم يؤمن لحظة بنبوة رسول الله, ولا آمن الأحبار هم الآخرون لحظة بنبوة محمدٍ بن عبد الله, فإن ذلك لا يجعل القصة تتفق مع أحداث الرواية الكريمة.  تتحدث الآية عن قوم “أسرعوا في الكفر”.  يطلب الله من رسوله الكريم ألا يحزن على أولئك الذين يسارعون في الكفر.   كيف لمن لم يؤمن لحظة أن يسارع إلى الكفر؟   كيف للحبر الأعور عبد الله بن صوريان أن “يسارع إلى الكفر” إذا كان لم يؤمن لحظة أصلاً؟   هل كان الحبر الأعور “مؤمنا” عندما أعلن كذبًا إيمانه وإيمان الأحبار بنبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟   وكأن القصة هي أنك مهما قلبت هذه القصة وجدتها قصة وهمية يستحيل أن تكون قد حدثت, ثم إنه حتى ولو حدث أن حدثت – وهو ما لم يحدث – فهي قصة لا علاقة لها بالآية الكريمة.

 

 

حكاية الزفة

حمار.jpg

يخبرنا الإمام الأعظم أبو جعفر الطبري, رضي الله عز وجل عنه وأرضاه, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسير في شوارع المدينة عندما رأى موكبًا يمر في شوارع المدينة وقد اعتلى فيه رجل ظهر حمار بالمقلوب, وصُبغ وجهه بالسواد, وأحاط به سفلة أهل المدينة وهم يتصايحون.    تعجب صلى الله عليه وسلم من هذا المنظر وسأل المحيطين به عن أمر هذا الرجل فأخبروه أن هذه هي عادة اليهود إذا زنا أحدهم بإحداهم.  وهنا زاد عجب رسول الله صلى الله عليه وسلم من أن تكون عقوبة الزنا بهذا الشكل, وعليه أرسل في طلب أحد أحبار اليهود ليتأكد من صحة الأمر ومما إذا كان هذا, فعلاً, هو حكم الله في الزنا كما جاء في كتابه الذي أنزله على نبيه موسى عليه السلام.

 

حضر الحبر لمقابلة رسول الله صلى الله عليه وسلم, وهنا بدأه صلى الله عليه وسلم بالسؤال عما إذا كان الجلد, والتحميم (تسويد الوجه), والتجبية (ركوب الحمار بالمقلوب), والطواف بشوارع المدينة, هو حكم الله كما جاء في كتاب الله.  أجاب الحبر بهدوء أن هذا هو فعلاً حكم الله كما جاء في كتاب الله.  هنا زاد عجب رسول الله من أن يكون حكم الله في الزنا هو الجلد, والتحميم, والتجبية, وعليه طفق يناشد الحبر اليهودي أن يصدقه القول فيما إذا كان هذا هو حكم الله في الزنا أم أن في الأمر أمرًا آخر.    قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يخاطب الحبر اليهودي: “أنشدك بالذي أنزل التوراة على موسى, أهكذا تجدون حد الزنا فيكم؟”    ما أن سمع الحبر اليهودي رسول الله وهو ينشده أن يخبره بحكم الله في الزنا حتى تراجع عما قاله واعترف بأن حكم الزنا كما هو في كتاب الله الذي أنزله الله على نبيه موسى عليه السلام هو القتل وليس الجلد, قائلاً له أنه لولا أن “نشده” لما أخبره بحكم الله في الزنا.   ما أن سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم أن حكم الله في الزنا هو القتل وليس الجلد حتى قال: أنا أوّل من أحيي أمرك إذ أماتوه وأمر بقتل اليهودي الفاجر.  وهو ما حدث.  وهنا أنزل الله  لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر.   والقصة, مرة أخرى, مضطربة لا يمكن أن تكون قد حدثت, وحتى إذا حدثت فهي قصة لا علاقة لها بما تحدثنا عنه الآية 41 من سورة المائدة.   دعنا نبدأ بالنقطة الأولى أولاً.   أي دعنا نبدأ بالسؤال عما إذا كان من الممكن أن تقع مثل هذه القصة. 

 

يخبرنا الإمام الأعظم, كما رأينا, أن رسول الله قد تعجب من منظر الزفة مما دفعه للسؤال عن معناها.    يخبرنا الإمام الأعظم كذلك أنه ما إن “سَمِع” رسول الله صلى الله عليه وسلم أن هذه الزفة هي العقاب المقرر لدى اليهود لمن زنى وهو محصن حتى زاد عجبه.   يخبرنا الإمام الأعظم أيضا أنه ما أن “سَمِعَ” رسول الله أن حكم الله في الزنا هو القتل وليس الجلد حتى أمر بقتل اليهودي الفاجر.    وأخيرًا, يخبرنا الإمام الأعظم أن رسول الله ما فعل ما فعله إلا لإحياء حكم الله.     وفي ما يخبرنا به الإمام الأعظم العديد من المشاكل.  دعنا نتناول هذه المشاكل واحدة واحدة.

 

  1. عندما رأى رسول الله زفة الزنا لأول مرة

فيما يتعلق بأولاً, يمكن القول إن من الصعب للغاية قبول فكرة أن هذه كانت أول مرة يرى فيها رسول الله زفة التجبية.  حقًا, هناك احتمال كبير في أن هذه القصة قد دارت أحداثها في الأيام الأولى من هجرة الرسول الكريم إلى المدينة المنورة – أي أنه صلى الله عليه وسلم لم يسبق له أن رأى مثل هذه الزفة في المدينة المنورة – إلا أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يأت من خارج الحجاز, ولم يسبق له أن عاش ببلاد ليس بها يهود.  أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة قادمًا من مكة المكرمة.  أي أتى من مدينة يعيش بها يهود إلى مدينة يعيش بها يهود.   حقيقة الأمر, لا يحتاج الأمر إلى التوكيد على أن المعلومات المتاحة عن منطقة مكة والمدينة في تلك الفترة التاريخية تكشف عن وجود مكثف لليهود في تلك المنطقة.   موضوع أن الرسول الكريم لم يكن على علم بأن حكم الزنا هو الجلد, والتحميم, والتجبية, بهذا الشكل, هو موضوع مستبعد.

 

  1. عندما “تعجب” رسول الله من أن الجلد هو حكم الله في الزنا

يخبرنا الإمام الأعظم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أصابه العجب عندما “سَمِعَ” أن حكم الله في الزنا هو الجلد, والتحميم, والتجبية, وعليه أرسل في طلب أحد أحبار اليهود ليتأكد من صحة ما سمعه.    يخبرنا الإمام الأعظم كذلك أن عجب الرسول قد زاد عندما أخبره الحبر اليهودي بأن هذا هو حكم الله كما جاء في كتاب الله الذي أنزله على نبيه موسى عليه السلام.  لم يصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم ما سمعته أذناه من أن هذا هو حكم الله وعليه انطلق ينشد الحبر اليهودي أن يصدقه القول فيما إذا كان هذا هو حكم الله فعلاً أم لا.   يعني هذا الكلام, بدون أدنى شك, واحدًا من اثنين:

أ‌.        إما أن رسول الله لم يصدق أن حكم الله في الزنا كان بمثل هذا “التساهل”,

ب‌.    وإما أنه صلى الله عليه وسلم لم يصدق أنه كان بمثل هذا “التشدد”.    

دعنا ننظر إلى الاحتمال الأول أولا.

 

أ‌.        الاحتمال الأول:  حكم متساهل

يذهب الاحتمال الأول إلى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تعجب من ألا يزيد حكم الله في الزنا عن التحميم, والتجبية, والجلد, وأنه صلى الله عليه وسلم كان يتوقع ألا يقل حكم الله في الزنا عن القتل بأشنع الطرق الممكنة.    أي القتل “رجما”.

 

المشكلة في هذا الاحتمال, على أية حال, هو أنه لا يتفق مع ما نعرفه عن عقوبة الزنا قبل الإسلام, ولا مع ما نعرفه عن حكم الله في الزنا في الإسلام.   نحن نعلم أن الرايات الحمر كانت ترتفع, قبل الإسلام, على خيم العاهرات تدعو أهل مكة إلى ممارسة الزنا بكل راحة واطمئنان.    نحن نعلم كذلك أن حكم الله في الزنا, بعد الإسلام, هو الجلد.   فكرة أن التحميم, والتجبية, والجلد هي عقوبة “متهاونة” هي فكرة لا تتفق مع غياب أي عقوبة للزنا قبل الإسلام, ولا مع حكم الله في الزنا كما أنزله على رسول الله في كتاب الله.  حقيقة الأمر, الحكم بالجلد, والتحميم, والتجبية, هو حكم يزيد كثيرًا عن حكم الزنا في الإسلام.    حكم الزنا في الإسلام الجلد فقط.

 

ب‌.    الاحتمال الثاني:  حكم متشدد

واضح, إذن, أن فكرة أن الجلد عقوبة “متساهلة” هي فكرة لا تصلح.    وعليه, دعنا ننظر في احتمال أن يكون تعجب رسول الله من زفة الزنا يعود إلى نظرته إلى “شناعة” العقوبة.  أي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يصدق أن تكون هذه العقوبة “الشنيعة” هي حكم الله في الزنا.   المشكلة هنا أننا في اللحظة التي نتخذ فيها قرارًا بأن تعجب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحكم إنما يعود إلى شناعة الحكم فسوف نجد أن هذا القرار لا يتفق مع “تصديقه” صلى الله عليه وسلم الفوري لكلام الحبر اليهودي من أن حكم الله هو القتل, وإعلانه بأنه جاء “لإحياء” أحكامه, وقتله اليهودي بدون تأخير.

 

لا يتفق قتل اليهودي الفاجر بمثل السرعة التي قتل بها مع القول بأن رسول الله لم يصدق أن يكون هذا الحكم “الشنيع” هو ما أمر به الله.   لو كانت هذه هي نظرة الرسول الكريم إلى الأمر لأبدى تعجبه مما قاله الحبر ولأرسل في طلب أحبار آخرين ليتحقق فعلاً من أن هذا هو حكم الله كما جاء في كتاب الله الذي أنزله على نبي الله موسى عليه السلام.   وإذا حدث و”أجمع” أحبار اليهود على أن هذا هو حكم الله لسأل رسول الله ربه عما إذا كان هذا هو حكمه.   رجاء ملاحظة أنه لا يمكن أن يكون أحبار اليهود هم “المرجع النهائي” فيما يتعلق بأحكام الله.   كيف لرسول الله أن يسأل أحبار اليهود عن حكم الله ولا يسأل الله عن حكم الله؟    رجاء كذلك ملاحظة أن لا عجلة هناك في الأمر.   لم يرسل اليهود وفدًا – كما فعلوا في حالة القصص الأخرى – ليسأل الرسول عن حكم الله في الزنا.  لا أحد يقف بباب بيته ينتظر رده.  أضف إلى ذلك أن اليهودي الزاني قد أخذ عقابه وانتهى الأمر.   قام اليهود بجلده, وتحميمه, وتجبيته, والطواف به في شوارع المدينة وسط زفة من سفلة المدينة, وانتهى الأمر.      

 

وكأن القول بأن رسول الله قد تعجب من “تفاهة” الحكم بالجلد والتحميم لا يتفق مع  ما نعرفه من غياب أي حكم بإدانة الزنا في المجتمع الجاهلي ومن أن حكم الله في الزنا في كتاب الله الذي أنزله على رسول الله هو الجلد.   كما أن القول بأن رسول الله قد تعجب من “شناعة” الحكم بالجلد والتحميم لا يتفق مع قبوله الفوري للحكم بالقتل.    القول المعقول هو أن رسول الله لم يتعجب لا من “تفاهة الحكم” ولا من “شناعة الحكم” حيث إن القصة لم تحدث أصلاً.  القصة وهمية.

 

  1. عندما أصبح رسول الله مسؤولاً عن تطبيق أحكام التوراة

فيما يتعلق بثالثًا, أي فيما يتعلق بموضوع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يمكنه أن يأمر اليهود باتباع ما جاء في كتاب الله الذي أنزله الله على نبيه موسى عليه السلام, فيمكن القول, مرة أخرى, إن القول بأن رسول الله يمكنه أن يأمر اليهود باتباع حكم الله كما جاء في التوراة هو قول “خيالي” لا يستند إلى أي أساس في الواقع.  القصة هنا, كما توضحها القصة ذاتها, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن قد مضى طويل وقت على قدومه إلى المدينة.   لم يكن وضع الرسول الكريم في المدينة المنورة, إذن, قد اتضح بعد.  أي لم يكن قد اتضح ما إذا كان قد أتى “ملِكًا” أم “نبيًا مرسلاً”.   كان موقف اليهود – كما صرحوا به في القصة ذاتها – أنه إذا اتضح أنه “ملك” فسوف “يتبعونه”, أما إذا اتضح أنه نبي مرسل فسوف “يحذرونه”.  أي لن يتبعوه.   والسؤال الآن هو كالتالي: هل أصدر رسول الله صلى الله عليه وسلم حكمه بقتل اليهودي الزاني بصفته “ملك المدينة المنورة” أم بصفته “رسول الله”؟    في الأولى مشكلة, وفي الثانية مشكلة.

 

إذا كان القول بأن رسول الله قد أصدر حكمه هذا بقتل اليهودي الزاني بصفته “ملك المدينة المنورة” فالمشكلة هنا أن ليس من حق “الملك” التدخل في المعتقدات الدينية لطائفة من رعاياه.   ثم إنه حتى لو أصدر “الملك” قرارًا يتعارض مع ما يقول به “رجال الدين” فلن يتقبل المجتمع مثل هذا القرار حيث إنهم سيرون أنه قرار “غير شرعي” صدر من غير مختص.   ليس للملوك أن تتدخل في “أحكام الله”.   أضف إلى ذلك, في حالتنا هذه, أن السلطات المختصة كانت قد أصدرت حكمها بعقاب اليهودي الزاني وتم عقابه بالفعل.  أضف إلى ذلك, كذلك, أن “إلغاء” حكم بالجلد والتجبية وإصدار حكم بالقتل اعتمادًا على رأي حبر واحد هو أمر غير عادي حيث يتوجب في مثل هذه الحالة الرجوع إلى السلطات المختصة, والتأكد مما إذا كان هذا هو حكم الله فعلاً ومن ثم تعديل نظام العقوبات المستخدم من قبل اليهود في المدينة المنورة, إن لم يكن في كل العالم المعروف عندئذ.    لاحظ أيضًا أن القصة تحدثنا عن حبر كاذب كذب على رسول الله أول ما سأله عما إذا كان الجلد والتجبية هما حكم الله في الزنا, ولم يقر بأن حكم الله في مثل هذه الحالة هو القتل إلا بعد أن نشده رسول الله صلى الله عليه وسلم بقول الحق.    كيف يمكن “الثقة” بحبر كاذب؟  كيف يمكن إذهاق روح بشرية بناءً على كلام حبر كاذب؟   ثم من الذي “نفذ” حكم القتل؟  هل كان اليهود هم الذين قاموا بقتل اليهودي الفاجر, أم هم المسلمون؟   وكيف يمكن لليهود أن يتحولوا هكذا في لحظة من الإيمان بأن حكم الله هو الجلد والتجبية إلى الإيمان بأن حكم الله هو القتل ومن ثم يتسارعون إلى قتل اليهودي الزاني؟   ثم كيف يمكن اتخاذ قرار بالقتل هكذا بدون التأكد من “صحة الاتهام”؟   كيف يمكن لرسول الله صلى الله عليه وسلام أن يصدر قرارًا بإذهاق روح بشرية قبل التأكد “تمامًا” من سلامة الإجراءات التي تم اتباعها في إدانة اليهودي بالزنا؟   حقيقة الأمر, يستطيع القاريء أن يطمئن “تماما” إلى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يأمر بقتل أحد من اليهود بناءً على مشورة حبر يهودي كاذب.  القصة من أولها إلى آخرها قصة ملفقة.

 

  1. عندما أرسل الله رسول الله لإحياء أوامره كما جاءت في التوراة

وأخيرًا نأتي إلى رابعًا, أي نأتي إلى ما تخبرنا به قصة الزفة من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما “علم” بأن عقوبة الزنا هي القتل لا الجلد صاح فرحًا وأعلن أنه سيكون أول من يحيي أوامر الله.  والسؤال هنا هو كالتالي: هل أرسل الله جل ثناؤه محمدًا بن عبد الله لإحياء أوامر الله كما أنزلها على نبيه موسى عليه السلام أم أرسله من أجل إبلاغ البشرية برسالة خالق الكون النهائية؟  أي أرسله برسالة “تجب” كل ما سبقها.

يؤمن المسلمون أن رسالة محمّد بن عبد الله هي الرسالة “الخاتمة” التي تجب كل رسالة سبقتها.  يعني ذلك, أفكر, أن الله سبحانه وتعالى لم يرسل سيدنا محمّد صلى الله عليه وسلم لإحياء رسالات سابقة.   على الرغم من ذلك, دعنا نقبل الرأي القائل بأن الله سبحانه وتعالى لم يرسل محمدًا بن عبد الله بالرسالة التي تجب كل رسالة سبق أن أرسلها وإنما أرسله لإحياء “أوامره” التي سبق أن أنزلها في كتبه المقدسة على من سبق من أنبيائه المرسلين.   وعليه, ألا يحتاج ذلك إلى أن يعرف محمّد بن عبد الله ما هي تلك الأوامر التي أرسله الله من أجل إحيائها؟  كيف يرسل سبحانه وتعالى رسولا لإحياء أوامر سبق إرسالها إلى رسول آخر بدون أن يعرف هذا الرسول الأخير ما هي تلك الأوامر؟   ما معنى أن يضطر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سؤال “الناس” عن معنى الزفة التي شاهدها في شوارع المدينة حتى يخبروه بأنها زفة التجبية؟  ثم ما معنى أن يرسل في طلب حبر كاذب ليسأله عن معنى ما شاهده وما إذا كان هذا هو حكم الله فعلاً؟   كيف يعتمد قرار رسول الله على أن هذا هو حكم الله على مشورة حبر كاذب؟   إذا كان صحيحًا حقا – وهو أمر مستبعد – أن الله أرسل رسوله الكريم لإحياء أوامره التي سبق إرسالها مع رسل آخرين, فكيف لم يبيِّن له “بالضبط” ما هي هذه الأوامر؟   كيف يمكن لأي رسول أن يحيي أوامر لا يعلم عنها شيئا؟   ثم, إذا كانت المسألة مسألة “إحياء”, ألا يعني ذلك أن المسألة معناها “إعادة إنزال” التوراة مرة أخرى وإن كان هذه المرة على سيدنا محمّد عليه الصلاة والسلام بدلا من موسى عليه السلام؟   مرة أخرى, ثم مرة ثانية, ثم مرة بعد مرة, القصة وهمية. 

 

 

رواية لا علاقة لها بالآية

اللطيف في الأمر, على أية حال, أنه حتى ولو “أثبت” البحث التاريخي الدقيق أن “قصة الزفة” التي يحكيها لنا الإمام الطبري هي قصة واقعية حدثت فعلاً فإن ذلك لن يثبت وجود أي “علاقة” بين الآية وبين الرواية.   يعود ذلك إلى أن الآية تحدثنا عن حزن الرسول لرؤية من كان يظن أنهم من المؤمنين وهم يتسارعون إلى الكفر على حين تحدثنا الرواية عن  يهودي فاجر قام اليهود بجلده بدلاً من قتله وعن غضب رسول الله لعدم قيام اليهود بتنفيذ حكم الله القاضي بقتل الزاني كما هو وارد في التوراة.   نحن, بهذا الشكل, نتحدث عن  رواية لا يوجد بها مؤمنون يتسارعون إلى الكفر ولا يوجد بها أصلاً ما يمكن أن يسبب الحزن للنبي الكريم – إلا إذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أصابه الحزن لعدم تمسك اليهود بدينهم – أي أننا نتحدث عن قصة لا علاقة لها بما تخبرنا به الآية.    القصة, بهذا الشكل, ليست قصة وهمية وحسب, وإنما هي قصة, حتى لو كانت واقعية, فهي قصة لا علاقة لها بما تخبرنا به الآية الكريمة.  وكأن المسألة, بهذا الشكل, هي أنه سواء كانت الرواية وهمية أم واقعية, فهي رواية لا علاقة لها بالآية.

 

حكاية اليهودي الفاجر

يخبرنا الإمام الأعظم رضي الله جل وعلا عنه وأرضاه أن هناك رواية  تذهب إلى أن السبب الحقيقي في أن الله أنزل الآية 41 من سورة المائدة هو ما حدث عندما زنى يهودي فاجر أنعم الله عليه بنعمة الإحصان بيهودية فاجرة أنعم الله عليها هي الأخرى بنعمة الإحصان وبدلاً من أن يرضوا بعقوبة الجلد التي اصطلحوا عليها بدلاً من عقوبة القتل التي فرضها الله عليهم في التوراة ذهبوا يستفتون رسول الله صلى الله عليه وسلم في حكم الزنا كما أنزله الله عليه لعل وعسى أن يكون الله قد أنزل حكمًا جديدا يقضي بالجلد لا بالقتل.   لم يكتفِ اليهود بترك حكم الله في الزنا والذهاب إلى رسول الله لاستطلاع ما إذا كان الله قد أنزل حكمًا أخف من القتل وحسب بل اتفقوا فيما بينهم على ألا يطيعوا الله حتى لو أخبرهم رسول الله أن الله سبحانه وتعالى لم يغير حكمه في الزنا وأن حكم الزنا ما زال هو القتل.   كان الرأي أنهم لن يطيعوا حكما سبق لهم أن رفضوه, فقد جاء هذا الحكم في التوراة وقاموا برفضه على الرغم من أن التوراة أحق أن تطاع وتصدق.

 

 

ذهب اليهود, إذن, إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا له: يا أبا القاسم إنه زنى صاحبٌ لنا قد أحصن، فما ترى عليه من العقوبة؟  استمع رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم إلا أنه لم يرد عليهم بكلمة وإنما وقف وانطلق إلى مدراس اليهود ليسألهم عن حكم الله في الزنا.  هناك ناشد أحبار اليهود أن يخبروه عن حكم الله في الزنا كما جاء في كتاب الله الذي أنزله سبحانه وتعالى على نبيه موسى فأخبروه أنه الجلد والتحميم (صباغة الوجه بلون أسود), إلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لاحظ صمت كبيرهم في جانب البيت فذهب إليه ينشده أن يخبره بحقيقة حكم الله في الزنا.  عندها رق قلب الحبر الكبير له وأخبره أن حكم الله في الزنا هو القتل.  هنا وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: فإني أقضي بما في التوراة.  فأنـزل الله في ذلك “يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر” إلى قوله “وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْـزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ.”

 

الفكرة الأساسية التي يقدمها الإمام الأعظم هنا, إذن, هي أن يهوديا محصنا زنا بيهودية محصنة هي الأخرى فاستحق الإثنان الجلد, والتحميم (صباغة الوجه بلون أسود), والتجبية (ركوب حمار بالمقلوب).  لم يكن باستطاعة أسرة اليهودي الفاجر أن تتقبل هذا الحكم الشنيع وعليه بدأت في السعي عن حكم أخف يكتفي بجلده, وتحميمه, وتجبيته.   هكذا أسرعت الأسرة المنكوبة بالسعي لدى رسول الله لعل وعسى أن يكون الله قد أنزل على رسوله الجديد حكمًا في الزنا أخف من الحكم الذي أنزله في التوراة على رسوله موسى عليه السلام.   المشكلة فيما يخبرنا به الإمام الأعظم أنه يخبرنا بقصة لا يتفق أولها مع آخرها, كما لا تتفق أحداثها مع ما نعرفه عن الواقع.  دعني أوضح.

 

يخبرنا الإمام الأعظم, رضي الله تبارك وتعالى عنه وأرضاه, أن الله ابتلى أسرة يهودية بابن فاجر زنا بيهودية فاجرة على الرغم من أن الله أنعم عليه, وعليها هي الأخرى, بنعمة الإحصان.   وهكذا, فجأة, وجدت الأسرة الكريمة نفسها بمواجهة مصيبة أحاقت بابنها.  يعود ذلك إلى أن اليهود في المدينة المنورة كانوا قد اصطلحوا على عقاب الزاني المحصن بالجلد, والتحميم (صباغة الوجه بلون أسود), والتجبية (ركوب الحمار بالمقلوب).   وعليه, بدأت الأسرة الكريمة سعيها بالاتصال برسول الله لعل وعسى أن يكون الله سبحانه وتعالى قد خفف حكم الزنا – كما جاء في التوراة – من القتل إلى الجلد, وبذا يفلت ابنها من عقوبة القتل ولا يتعرض إلا للجلد وحسب.    هذا, باختصار, هو ما يخبرنا به الإمام الأعظم, وهو كلام غريب إن لم يكن شاذًا.   فكرة أن تسعى أسرة يواجه ابنها عقوبة الجلد إلى الاتصال برسول الله لعل وعسى أن يكون الله سبحانه وتعالى قد خفف حكم الزنا من القتل إلى الجلد وبذا يفلت ابنها من عقوبة القتل ولا يتعرض إلا لعقوبة الجلد هي فكرة “غير عادية”.  إذا كانت أسرة اليهودي الفاجر لا تريد أكثر من أن يعاقب ابنها بالجلد فالعقوبة متاحة ولا مشكلة هناك.  أما موضوع القتل هذا – وذلك كما يخبرنا الإمام الأعظم نفسه – فهو موضوع قديم لم يعد أحد يتبعه. 

 

لا يقتصر الخلل فيما يروية الإمام الأعظم على السعي إلى الحصول على حكم بالجلد في قضية عقابها المتوافر هو الحكم بالجلد, وإنما يمتد الخلل كذلك إلى فكرة قيام الأسرة اليهودية الكريمة باختيار العقوبة التي تعجبها.   لا يحتاج الأمر إلى بيان أنه لا يوجد مجتمع بشري واحد يُسمح فيه للأسرة أن “تختار” الحكم الذي يناسبها.  لا يوجد مجتمع متحضر واحد على ظهر الكرة الأرضية يقدم “تشكيلة” من القوانين يمكن لأعضائه أن “يختاروا” من بينها القانون الذي يميلون إليه.   لا يوجد, كذلك, مجتمع بدائي واحد من يوم أن خلق الله الأرض ومن عليها إلى يوم الله هذا يسمح هو الآخر لأعضائه بأن يختاروا “العرف الاجتماعي” الذي يناسبهم من بين “تشكيلة الأعراف الاجتماعية” التي تحكم تعاملات الأفراد داخل هذا المجتمع.  فكرة أن تذهب أسرة يهودية إلى النبي الجديد الذي لا تؤمن به, ولا بما جاء به, لاختيار حكم يناسبهم هي, ببساطة, فكرة وهمية.   وكأن المسألة هنا أننا لا نتحدث فقط عن قصة “لم تحدث” وإنما عن قصة “لا يمكن أن تحدث”.

 

حقيقة الأمر, لا يقتصر الخلل على أن الإمام الأعظم, رضي الله عز وعلا عنه وأرضاه, يحدثنا عن قصة لا يمكن أن تحدث وحسب, وإنما يمتد كذلك إلى أن الإمام الأعظم يحدثنا عن قصة لا علاقة بينها حتى لو حدثت – وهو ما يستحيل حدوثه – وبين الآية 41 من سورة المائدة.   تخاطب الآية 41 من سورة المائدة رسول الله طالبة منه ألا يحزن لرؤية من أعلنوا عن إيمانهم وهم يسارعون للإعلان عن كفرهم.  تبين الآية للرسول الكريم أن هؤلاء لم يكونوا مؤمنين أصلاً حين أعلنوا عن إيمانهم بالله وبأن محمدًا رسول الله, وعليه فلا مجال للحزن على كفر من لم يكن يومًا مؤمنا.  يخبر الله رسوله الكريم كذلك أن هناك أناسًا من اليهود سماعون للكذب يستمعون إلى ما يحدثهم به أناس آخرون لم يأتوا الرسول من أحاديث بها تحريف للكلام يخبرونهم فيها بما يتوجب عليهم أخذه, وما يتوجب عليهم البعد عنه والحذر منه.   وفي الختام تنتهي الآية بتوكيد أن ليس بيد رسول الله شيء إذا ما أراد الله أن يفتن إنسانا وأن من لم يرد الله أن يطهر قلوبهم لهم في الدنيا خزي وفي الآخرة عذاب عظيم. 

 

تخبرنا الرواية الخيالية أن الله ابتلى أسرة يهودية بابن فاجر زنا بيهودية فاجرة على الرغم من أن الله أنعم عليه, وعليها هي الأخرى, بنعمة الإحصان, وأن الأسرة الكريمة وجدت نفسها, بالتالي, بمواجهة مصيبة أحاقت بابنها حيث إنه يواجه الآن عقوبة الجلد, والتحميم, والتجبية.   وعليه, بدأت الأسرة الكريمة سعيها بالاتصال برسول الله لعل وعسى أن يكون الله سبحانه وتعالى قد خفف حكم الزنا – كما جاء في التوراة – من القتل إلى الجلد, وبذا يفلت ابنها من عقوبة القتل ولا يتعرض إلا للجلد وحسب.    لا علاقة, بالمرة, بين ما تخبرنا به الآية الكريمة وبين ما تخبرنا به الرواية الخيالية.  وكأن المسألة, بهذا الشكل, هي أن الإمام الأعظم لا يحدثنا عن قصة لا يمكن أن تحدث وحسب وإنما يحدثنا عن قصة حتى لو حدثت – وهو ما يستحيل حدوثه –  لا علاقة بينها وبين الآية 41 من سورة المائدة.  

 

وكأن السؤال هنا هو كالتالي: هل يحتاج الأمر إلى بيان بدائية التفكير المستخدم في إنتاج “الفقه” السني القديم أم أن البدائية واضحة لا تحتاج إلى بيان؟   كيف, بحق الله, تذهب أسرة يهودية إلى رسول الله من أجل البحث عن حكم بالجلد في حين أن الحكم المقرر لزنا المحصن لدى يهود المدينة هو الجلد؟

 

حكاية اليهودية الفاجرة

يخبرنا الإمام الأعظم رضي الله جل وعلا عنه وأرضاه أن هناك رواية أخرى تذهب إلى أن السبب الحقيقي في أن الله أنزل الآية 41 من سورة المائدة هو ما حدث عندما زنت يهودية فاجرة أنعم الله عليها بنعمة الإحصان بيهودي فاجر أنعم الله عليه هو الآخر بنعمة الإحصان فاستحقت بذلك القتل كما جاء في كتاب الله الذي أنزله على نبيه موسى عليه السلام, إلا أنه بدلا من أن تمتثل أسرتها لحكم الله قرروا الذهاب إلى رسول الله لعل وعسى أن يكون الله قد أنزل حكمًا آخر جديدًا أخف من حكم القتل هذا وبذا تفلت ابنتهم من عقوبة القتل الواردة في التوراة.

 

ذهبت أسرة اليهودية الفاجرة, إذن, إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالت له: يا أبا القاسم, زنت صاحبة لنا قد أحصنت، فما ترى عليها من العقوبة؟   استمع رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم وأجاب على سؤالهم بسؤال.  قال صلى الله عليه وسلم: وكيف حُكم الله في التوراة في الزاني؟   فقالوا: دعنا من التوراة، ولكن ما عندك في ذلك؟   فقال: ائتوني بأعلمكم بالتوراة التي أنـزلت على موسى.   وعليه, ذهبت أسرة اليهودية الفاجرة وأحضرت عددًا من أعلم أحبارهم لمقابلة رسول الله صلى الله عليه وسلم.  

 

ما أن رأى الرسول الكريم أحبار اليهود حتى طفق ينشدهم أن يخبروه بحقيقة حكم الله في الزنا.  قال عليه الصلاة والسلام: “بالذي نجاكم من آل فرعون، وبالذي فَلَق لكم البحر فأنجاكم وأغرق آل فرعون، إلا أخبرتموني ما حُكْم الله في التوراة في الزاني.”    لم يستطع أحبار اليهود أمام هذه المناشدة إلا أن يستجيبوا لطلبه ويخبروه بما يريد أن يعرفه.  وعليه, أخبروه بأن حكم الله هو القتل.  ما أن سمع رسول الله أن حكم الله هو القتل حتى أمر بالمرأة الفاجرة فقتلت.   فأنزل الله في ذلك “يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر” إلى قوله “وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْـزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ.”

 

 

الفكرة الأساسية التي يقدمها الإمام الأعظم هنا هي أن يهودية محصنة زنت بيهودي محصن هو الآخر فاستحق الإثنان القتل.  لم يكن باستطاعة أسرة اليهودية الفاجرة أن تتقبل هذا الحكم الشنيع وعليه بدأت في السعي عن حكم أخف يكتفي بجلدها.  هكذا أسرعت الأسرة المنكوبة إلى رسول الله لعل وعسى أن يكون الله قد أنزل على رسوله الجديد حكمًا في الزنا أخف من الحكم الذي أنزله في التوراة على نبيه موسى عليه السلام, إلا أن رسول الله سأل عن حكم الله في الزنا كما ورد في التوراة, ولما علم أنه القتل أمر بقتل اليهودية الفاجرة.

 

لا تختلف “قصة اليهودية الفاجرة” بذلك, إن في قليل أو كثير, عن “قصة اليهودي الفاجر”.   حقيقة الأمر, يكاد لا يعدو الفرق بينهما أن “البطل” في حالة قصة اليهودي الفاجر رجل بينما “البطل” في حالة قصة اليهودية الفاجرة امرأة.      يعني ذلك, طبعًا, أن المشاكل التي تعاني منها “قصة اليهودية الفاجرة” لا تختلف, إن في قليل أو كثير, عن المشاكل التي تعاني منها قصة اليهودي الفاجر.  سواء في حالة اليهودي الفاجر أم في حالة اليهودية الفاجرة نحن أمام قصة لا يمكن أن تكون قد حدثت فضلاً عن أنها حتى لو حدثت – وهو ما يستحيل حدوثه –  فهي قصة لا علاقة بينها وبين الآية 41 من سورة المائدة.

 

لا بد من الاعتراف, على أية حال, أن هناك فرقًا هامًا بين قصة اليهودي الفاجر وبين قصة اليهودية الفاجرة.  حقًا, قد يكون فرقًا غير ملحوظ إلا أنه فرق هام.  يتعلق ذلك الفرق بأن أسرة اليهودية الفاجرة لم تكن تسعى إلى التهرب من حكم الجلد من أجل الحصول على حكم بالجلد – وهي “الفكرة الأعجوبة” التي تعاني منها كل قصص الزنا السابقة بل واللاحقة – بل كانت تسعى إلى الهرب من حكم القتل إلى حكم الجلد.    لا توجد أي إشارة هنا إلى أن يهود المدينة قد اصطلحوا فيما بينهم على أن يكون حكم الزنا هو الجلد, كما لا توجد أي إشارة على أنهم يتكتمون على أن حكم الزنا “الحقيقي” هو القتل, بل يوجد اعتراف واضح بأن “حكم الله” في الزنا كما ورد في كتاب الله الذي أنزله على نبيه موسى عليه السلام هو القتل.  كل ما في الأمر أنهم كانوا يأملون أن يكون رسول الله قد أتى بجديد في الموضوع.

 

لا بد من الإشارة كذلك, إلى أن “وعي” أسرة اليهودية الفاجرة بأن حكم الله في الزنا هو القتل, وغياب أي إشارة إلى موضوع “اصطلاح يهود المدينة” على الجلد بدلاً من القتل, يتعارض مع ما يخبرنا به الإمام الأعظم الطبري في قصص الزنا السابقة واللاحقة في هذا الخصوص.  يعني ذلك, طبعًا, أنه إذا كان ما يخبرنا به الإمام الأعظم في قصة اليهودية الفاجرة صحيحًا, فإن ما يخبرنا به في قصص الزنا الأخرى غير صحيح.  أما إذا كان ما يخبرنا به في قصص الزنا الأخرى صحيحًا فإن ما يخبرنا به في قصة اليهودية الفاجرة غير صحيح.   هل يحتاج الأمر كذلك إلى الإشارة هنا إلى أننا أمام قصص لا يتناقض أول الواحدة منها مع آخر الواحدة منها وحسب بل أمام قصص تتناقض الواحدة منها مع كل واحدة أخرى منها؟ 

 

حكاية الفاجرة بسرة

في تفسيره للآية 41 من سورة المائدة, قدم لنا الإمام الأعظم أبو جعفر الطبري, رضي الله جل ثناؤه عنه وأرضاه, ثمان روايات تقدم كل واحدة منها نفسها على أنها “القصة الحقيقية للآية 41 من سورة المائدة”.   تتعلق الثلاث الأولى من هذه الروايات بالغدر, والقتل, والخزي,على حين تتعلق الخمس الأخريات بالزنا.  لا يحتاج الأمر إلى طويل بيان لبيان أن هذه القصص إنما هي قصص مختلَقة لا أساس لها من الواقع ولا يمكن لأي منها أن تمثل “القصة الحقيقية للآية 41 من سورة المائدة”.    سبق أن قدمت حكايات الغدر, والقتل, والخزي, كما سبق أن قدمت أربع حكايات من حكايات الزنا, والآن جاء وقت الحديث عن الحكاية الخامسة, والأخيرة.   أي جاء وقت الحديث عن حكاية الفاجرة بسرة. 

 

 

حكاية الفاجرة بسرة

يخبرنا الإمام الأعظم رضي الله جل وعلا عنه وأرضاه أن هناك رواية أخرى تذهب إلى أن السبب الحقيقي في أن الله أنزل الآية 41 من سورة المائدة هو ما حدث عندما زنت امرأة من أشراف اليهود اسمها بسرة, أنعم الله عليها بنعمة الإحصان, بيهودي فاجر أنعم الله عليه هو الآخر بنعمة الإحصان فاستحقت بذلك الجلد, كما اصطلح اليهود على ذلك بعد أن عطلوا حكم الله في الزنا القاضي بالقتل, إلا أن أهل اليهودية الفاجرة قرروا الذهاب إلى رسول الله صلى  الله عليه وسلم لسؤاله عن حكم الله في الزنا يحدوهم الأمل في أن يكون الله قد أنزل حكما جديدًا في موضوع الزنا يكتفي بالجلد ولا يقضي بالقتل.   كان الدافع, في حقيقة الأمر, وذلك كما يوضح الإمام الأعظم, هو تخوف أهل الفاجرة بسرة من أن يقوم رسول الله, إذا هم اكتفوا بجلد بسرة ولم يقتلوها, بفضح أمرهم وبيان كيف أنهم لم ينفذوا حكم الله فيها.  وعليه, بعث أبو بسرة ناسًا من أصحابه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليسألوه عن حكم الزنا وما نزل فيه.  نبه أهل المرأة الزانية, على أية حال, أعضاء الوفد الذي أرسلوه أن يقبلوا حكم الجلد إن أخبرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن هذا هو حكم الزنا الذي أنزله الله عليه, أما إذا أخبرهم أن حكم الزنا هو القتل فعليهم أن يحذروه وألا يطلبوا منه أن يكون حكمًا في أمر فجر ابنتهم.  ذهب الوفد لمقابلة رسول الله وسأله عن حكم الزنا الذي أنزله الله عليه فأخبرهم أنه القتل فأنزل الله في ذلك “يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر” إلى قوله “وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْـزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ.”

 

لا تختلف قصة الفاجرة بسرة, بهذا الشكل, عن قصة اليهودي الفاجر التي حكاها لنا الإمام الأعظم في حكاية اليهودي الفاجر.  إذا كان أهل الفاجرة بسرة قد أرسلوا وفدًا لسؤال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حكم الزنا, فإن أهل اليهودي الفاجر قد أرسلوا هم الآخرون رجلاً منهم لسؤاله كذلك عن حكم الزنا.    وإذا كان الدافع وراء إرسال أهل المرأة الفاجرة وفدًا لسؤال الرسول الكريم هو دافع “عجيب” مرجعه خوفهم من أن يفضحهم صلى الله عليه وسلم ويخبر الناس بما فعلوه من عدم قتل بسرة كما أمر الله, فإن الدافع وراء إرسال أهل اليهودي الفاجر وفدًا لسؤال رسول الله عن حكم الله في الزنا كان “أعجب” إذ أنهم ذهبوا يسألون رسول الله عن حكم الله في الزنا سعيًا وراء الحصول على حكم بالجلد.   أي سعيًا وراء ما اتفق عليه أحبارهم.  وأخيرًا, إذا كان أهل الفاجرة بسرة قد طلبوا من الوفد الذي أرسلوه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يستبينوا أولا ما إذا كان سبحانه وتعالى قد بعثه بالجلد أم بالقتل, فيحكموه في أمر بسرة إن كان قد بعثه بالجلد, ويحذروه وينصرفوا عنه إن كان قد بعثه بالقتل, فهذا عين ما فعله أهل اليهودي الفاجر إذ اتفقوا على أنه إن أفتاهم بما فرض عليهم في التوراة من القتل تركوه, فقد تركوا ذلك في التوراة وهي أحق أن تُطَاع وتصدَّق.   حقيقة الأمر, لا تختلف قصة المرأة الفاجرة عن قصة الرجل الفاجر إلا في أن رسول الله قد حكم في قصة الرجل الفاجر بما أنزل الله في التوراة على حين حكم في قصة الفاجرة بسرة بما أنزل الله في القرآن.

 

إذا كانت قصة الفاجرة بسرة لا تختلف في شيء عن قصة اليهودي الفاجر, فإن المشاكل التي تعاني منها قصة الفاجرة بسرة لا تختلف في شيء هي الأخرى عن المشاكل التي تعاني منها قصة اليهودي الفاجر.  من ذلك:

 

أولاً, غياب أي دافع لسؤال الرسول

لا يوجد أي دافع يمكنه أن يدفع اليهود إلى سؤال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حكم الزنا الذي أنزله عليه الله سبحانه وتعالى.   واضح تماما من القصة أن أهل الفاجرة بسرة لا يعرفون ما إذا كان حكم الزنا في الإسلام هو القتل أم الجلد.  هذا هو السبب في إرسالهم وفدًا ليسأل رسول الله عن حكم الزنا في الإسلام, فإذا كان جلدًا طلبوا منه أن يكون حكما فيما فعلته ابنتهم, أما إذا كان قتلاً حذروه ولم يرسلوا في طلبه ليكون حكمًا في المصيبة التي أوقعتهم فيها ابنتهم.

 

كما شرح لنا الإمام الأعظم نفسه, تعارف اليهود على عدم العمل بحكم الله الذي أنزله عليهم والقاضي بقتل الزاني والزانية والاكتفاء بجلدهما.   ما الذي يمكنه أن يدفع أسرة يهودية غير مضطربة عقليًا إلى ترك ما يعرفونه إلى ما لا يعرفونه؟  كيف تخاطر أسرة يهودية بحياة ابنتها أو ابنها ووضعهم موضعًا قد يودي بحياتهما؟  لمَ المخاطرة؟  إذا كان الهدف هو العثور على حكم يقضي بالجلد وليس القتل فالحكم موجود.   تعارف اليهود على جلد الزاني والزانية بدلاً من قتلهما.   

 

ثانيًا, استحالة أن يطلب اليهود تحكيم رسول الله

من “العجب” أن يطلب من لا يؤمن بأن محمدًا رسول الله ولا بأن القرآن كلام الله معرفة حكم الله كما أنزله على “رسول الله” فيما يتعلق بالزنا.   المسألة هنا لا تختلف عما لو قام أحد الإخوة المسيحيين بسؤال أصدقائه من المسلمين عن حكم الله الذي أنزله على “رسول الله” فيما يتعلق بتعدد الزوجات حيث إنه يفكر في الزواج بامرأة أخرى إضافة إلى زوجته الحالية حيث إنها كبرت في السن.

ثالثا, استحالة أن يحكم رسول الله بالقتل

يستحيل أن يحكم رسول الله بقتل يهودي زانٍ.  يعود ذلك إلى سببين.  يتعلق السبب الأول بـ”صلاحيات” الرسول الكريم.  يتعلق السبب الثاني بأن عقوبة الزنا في الإسلام هي الجلد لا القتل.

أ‌.        صلاحيات الرسول

يستطيع رسول الله صلى الله عليه وسلم – “الحاكم المدني” للمدينة المنورة – أن يحكم بالقتل على من زنى من اليهود بعد العودة, بالطبع, إلى القائمين على تطبيق شريعة موسى.  هذا, بالفعل, هو ما فعله الرسول الكريم في حالة قصة الحبر الأعور, وقصة الزفة, وقصة اليهودي الفاجر.   لا يستطيع رسول الله أن يحكم على “يهودي” بشريعة الله التي أنزلها على رسول الله.  يستحيل أن “يحكم” رسول الله بطلاق امرأة مسيحية من زوجها المسيحي.  لا تسمح الشريعة المسيحية بالطلاق.

 

ب‌.    حكم الزنا في الإسلام

لا يستطيع رسول الله أن يحكم على زانٍ بالقتل حيث إن حكم الزنا الذي أنزله الله على رسول الله في كتاب الله هو الجلد وليس القتل.   قال عز من قائل:

الزاني والزانية فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين النور:  2

 

الموضوع, إذن, هو أنه إذا كان الموضوع موضوع بحث عن حكم بالجلد لا بالقتل فلا داعٍ, على الإطلاق, لإرسال وفد لسؤال رسول الله عن حكم الله في موضوع الزنا.  ما الداعي للمخاطرة؟  ما الداعي لتعريض حياة “بسرة” للخطر خاصة وأن اليهود قد تركوا موضوع قتل النساء الفاجرة هذا منذ زمن بعيد وتعارفوا, بدلاً من ذلك, على الجلد؟   ثم, كيف يتبع “اليهود” حكم الله الذي أنزله على رسول الله في كتاب الله, وهم “لا يؤمنون” أصلاً بأن القرآن كلام الله ولا بأن محمدًا رسول الله؟   كيف يتزوج “مسيحي” من أكثر من زوجة لأن هذا هو ما أنزله الله على رسول الله في كتاب الله الذي لا يؤمن به هذا المسيحي من أصله؟    ثم, إذا كان الكلام هنا يدور, حقيقة, حول حكم الزنا الذي أنزله على رسول الله في كتاب الله, فمن أين أتى “اليهود” – أو الإمام الأعظم شخصيًا – بأن حكم الله, الذي أنزله على رسول الله, في كتاب الله, هو القتل؟   حكم الزنا الذي أنزله “الله” على “رسول الله” في “كتاب الله” هو الجلد لا القتل.   القصة, بهذا الشكل, وهمية.

 

قدم لنا الإمام الأعظم أبو جعفر الطبري, بهذا الشكل, ثلاث قصص في الزنا تكاد لا تختلف الواحدة منها عن الأخرى في شيء.  في كل قصة من هذه القصص يقوم يهودي محصن, أو يهودية محصنة, بالزنا مع يهودية محصنة, أو يهودي محصن, وتقوم أسرة اليهودي الفاجر, أو اليهودية الفاجرة, بالبحث عن مخرج من هذا المأزق حيث إن ابنهم, أو ابنتهم, يواجه, أو تواجه, حكمًا شنيعًا ينتهي إما بجلده, أو جلدها, وتحميمه, أو تحميمها, وتجبيته, أو تجبيتها, أو قتله, أو قتلها.      تسرع الأسرة المنكوبة بالسعي لدى رسول الله لعل وعسى أن يكون الله قد أنزل على رسوله الجديد حكمًا في الزنا أخف من الحكم الذي أنزله في التوراة على رسوله الكريم موسى عليه السلام إلا أن سعيهم دائمًا ما يفشل إذ دائمًا ما يخبرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن حكم الله في الزنا هو القتل.   سواء كان الحديث عن التوراة أو عن القرآن, فحكم الزنا هو القتل لا شيء غيره.    وروايات الإمام الأعظم روايات مختلقة, يختلط فيها الواقع بالخيال, لا يمكن أن تكون قد حدثت, وحتى لو حدثت – وهو أمر لا يمكن أن يحدث – فلا علاقة بينها وبين الآية 41 من سورة المائدة.  

8 أغسطس 2014

#تطويرالفقهالاسلامي

https://www.facebook.com/Islamijurisprudence

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.