الجنة ليست سبهللة – حلقة 2

الجنة ليست سبهللة – ح 2

إشكال جديد في فهم الدكتور كمال للعمل الصالح:

وهناك إشكال جديد في تقسيمات أخي العزيز الأستاذ الدكتور كمال شاهين. لقد كرر ذكر آية البر التي استندت إليها في مقالتي السابقة ثم قسم الشروط إلى مجموعتين إيمانية وعملية. ثم ضم الصلاة إلى المجموعة الإيمانية. ليست الصلاة إيمانية بل هي عملية فعلا. لا يمكن أخي كمال القول بأن كل المسلمين والمسيحيين واليهود مخطئون في بناء المساجد والكنائس والصلوات، إلا الدكتور كمال الذي يعتقد بأن الصلاة إيمان وعقيدة وليست عملا يجب القيام بها يوميا. ولعل خطأ حصل لسيادته عند التقسيم فأنا لا أرد على الدكتور كمال بل أرد على ما قرأته في المقال.

قال تعالى في سورة الحج: الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاّ أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ (41). وقال سبحانه في سورة النساء: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ وَلاَ جُنُبًا إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىَ تَغْتَسِلُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مِّنكُم مِّن الْغَآئِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا (43). فهل الصلاة إيمان قلبي ولكننا نغتسل ونتوضأ أو نتيمم لنذكرها في قلوبنا؟ لا يجوز دخول الجنب إلى المسجد إلا إذا كان مضطرا لعبور الطريق. فأرجو أن تتقبل بأن الصلاة التي ذكرها أخونا في الملفات المحايدة وقد قمتُ بالرد عليه عدة مرات، لهو صلاة خيالية لا قيمة لها عند كل معتنقي الأديان السماوية الثلاث.

بعض شروط العمل الصالح:

أما بعد هذا فإن فهم العمل الصالح أمر يحتاج إلى المزيد من البحث والتحقيق لسبب واحد. هو أن مصطلح العمل الصالح مصطلح سماوي أنزله الله تعالى ولا يكفي لفهمه ما يدور بخلد كل منا من تعاريف. وأما قولي بأن العمل الصالح هو ما قاله الله تعالى فهو لا يعني بأن الله سبحانه ذكر بيانا تعريفيا للعمل الصالح. لو كان هناك تعريف سماوي لما اختلفنا. لكنني أقصد بأن العمل الصالح يعني كل عمل صرح الله تعالى بأنه عمل صالح وليس كل عمل يفيدني ويفيد غيري كتعريف أخي الفاضل الأستاذ كمال شاهين. لكنني أذكر بعض مصاديق العمل الصالح من القرآن الكريم لعل الإخوة والأخوات يشعرون بالتباين الكبير بين الأعمال الصالحة فيعلموا بأن تقديم تعريف له ليس سهلا حتى لو أردنا تقديم تعريف لمجموعتنا فقط.

1. قال تعالى في سورة الأعراف حول بني إسرائيل: وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ (170). المصلح هو الذي يمسِّك بالكتاب ويقيم الصلاة. التمسك بالتوراة طبعا يشمل كلما ذكر في التوراة من أحكام ومنهيات يجب العمل بها جميعا. بالطبع أن لا تؤذي غيرك وأن تسعى لمساعدة جارك ولحمايته وكل الوصايا التوراتية مشمولة بالتمسك بالتوراة. ولكن إقامة الصلاة شرط لا يفارقها. فلا الصلاة وبقية العبادات لوحدها مفيدة ولا التقيد بالوصايا بلا صلاة مفيدة.

2. قال تعالى في سورة الإسراء: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا (9) وأَنَّ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (10). القرآن يهدي للتي هي أقوم؛ يعني بأن المسلم يجب أن يهتدي بهدي القرآن أولا وقبل كل شيء. وبعد ذلك يبشره القرآن نفسه بأنه لو عمل الصالحات سيدخل الجنة. كما ينذره بأنه لو لم يؤمن بالآخرة فإن النار بانتظاره. أهمية الإيمان بالآخرة هي أن ترى الله تعالى دائما أمام عينيك فلا تقوم بعمل لا يرضيه حتى تتوقى النار. أليس هذا هو من آثار الإيمان بالآخرة التي بدونها ننتظر عذاب النار.

3. قال تعالى في سورة الكهف: وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدًا (27) وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا (28) وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقًا (29) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً (30).

ألا تستوحون من هذه الآيات أن الذي يعمل الصالحات هو الذي يعمل بكتاب الله تعالى ويريد بعمله رضوان ربه وليس كل من يفيد الناس؟ والواقع أن الذي يعمل بالقرآن ويفيد الناس فإنه يفيد الناس في الدنيا والآخرة. إنه خير ممن يهتم فقط بالدنيا وبالأعمال الدنيوية التي يمكن أن تفيد الآخرة أو لا تفيد.

4. قال تعالى في سورة الكهف أيضا: قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأخْسَرِينَ أَعْمَالاً (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104) أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا (105) ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا (106) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً (107). هناك تخيلات كبيرة للمصلحين الاجتماعيين ولكن ليس لهم نصيب في الآخرة مع الأسف. فالإيمان والعمل الصالح لا يعني أن تفيد الناس بل يعني أن تعمل بما أمرك به القرآن الكريم والكتب السماوية. بالطبع أن الله تعالى هو رب الناس جميعا وهو يأمر بأن نبر ونساعد وننصح ونخدم الذين صنعهم بيده. يقوم المؤمن بخدمة الناس إكراما لربهم ولذلك لا ينظر إلى معتقدات الآخرين وأديانهم ولا إلى علاقاتهم معه ومع قومه.

يتبع…

أحمد المُهري

#تطوير_الفقه_الاسلامي

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.