اشكالات القبنجي- 14 الحقائق واحدة والطريق المستقيم إلى الله تعالى واحد:

اشكالات القبنجي- 14

الحقائق واحدة والطريق المستقيم إلى الله تعالى واحد:

هناك جدل لدى بعض الأوساط بأن الحقائق ليست في ماهياتها واحدة بل أراد الله تعالى لها أن تكون كذلك. ولقد ناقشني ابني وهو يعرف الرياضيات ذات مرة بأن 2+2= 4 لأن الله تعالى أراد ذلك. قلت له وهل يمكن أن يكون الناتج 5 أو 3 لو أراد الله تعالى ذلك. قال وما ضير ذلك؟ قلت يعني بأننا دمى لا يمكننا أن ندرك شيئا إلا بالتلقين. فالله يلقننا بأن الناتج 4 فنتقبلها ولو لقننا بأنه عدد آخر قبلناه. وإلا فإن الناتج في الحقيقة لا يمكن أن يتغير أبدا.

والواقع أننا بشر مدركون يمكننا تمييز الخطأ من الصواب ولا يمكن لأحد أن يخدعنا لو استعملنا عقولنا وتركنا التقليد. وربنا الكريم يعرف بأنه لا يفارق الحقيقة ولا يقول غير الحق ولذلك وبكل حرية يدعو محبيه من عبيده أن يقرؤوا ويطلعوا على كل قول فيتبعوا أحسنه. قال تعالى في سورة الزمر:

وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ (17) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الأَلْبَابِ (18).

وحينما يقول سبحانه بأن القرآن هو أحسن الحديث فهو ليس من باب التعالي والكبرياء ولكن من باب الحقيقة الممكن لنا فهمها واكتشافها. نحن نسعى لأن نكتشف ونتصيد الخطأ في القرآن فلم نفلح فعلا وليس من منطلق حبنا لربنا العظيم ولا من جراء خوفنا منه سبحانه. إنه لا يحب الذين يقبلون كلامه خوفا دون أن يطمئنوا إلى صحته بعقولهم. ولذلك يأمرنا بالتدبر والتعقل وبالاستماع إلى الغير ثم اختيار الصحيح بعقولنا.

والذين يظنون بأن الطرق إلى الله تعالى في حقيقتها متغايرة وهناك مجموعة من الطرق وكل منها صراط مستقيم لنفسها كما يدعيه أخونا الفاضل الدكتور سروش فهو غير مستدل برأيي. أظن بأن سروش والكثير من كبار علماء الأديان والفلسفة لم يعرفوا الله تعالى إلا قليلا. حينما أقرأ كتب الفلسفة وتقارير الشيخ المطهري لفلسفة الطباطبائي مفسر الميزان أشعر بأنه على دراية كبيرة في التحليلات الفلسفية. ولكني حينما أقرأ بيانه للمعراج وهو فرية لا أساس لها فعلا أتراجع إلى الوراء. فهل لله مكان يُزار فيه؟ أم هل الله يصلي كما نقله الطباطبائي دون أن يرد عليه ودون أن يعتبره كلاماً في غاية الحمق والجهل؟ إنه فوق ذلك يعتبر للبشر تدخلا في شؤون الربوبية ويدا في التقديرات أو التحولات الكونية. معاذ الله.

أليس هذا دليلا واضحا على أن الطباطبائي ومن اتبعه من تلاميذه لا يؤمنون بأن الله تعالى نور السماوات والأرض أو لا يعرفون معنى الجملة العظيمة؟ إنه – رحمه الله – كان يجهل فعلا بأن الله تعالى يمسك السماوات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده. وحينما نقرأ تحليل الطباطبائي لعصا موسى التي تحولت إلى ثعبان عدة مرات وبلعت أجساما أكبر منها بكثير، يصيبنا الإحباط في أن يأتي يومٌ يتعلم فيه الإخوة معنى الألوهية.

إنه يظن بأن الله تعالى أوقف الزمان في عودة العصا إلى إصالتها النباتية ثم أخذ مسيرة أخرى نحو الحيوانية والسير في طريق الثعابين. فكأنها مرت بكل المراحل التطورية الرجعية ثم التقدمية التي تحتاج إلى مئات الملايين من السنين في لمح البصر. إنه فعلا يجهل بأن الزمان جزء لا يمكن فكه عن الأبعاد الثلاثة أبدا. حتى الملائكة تحتاج إلى الزمان. والله تعالى قادر على كل شيء ممكن ولكن المستحيل بطبيعته مستحيل وليس ممكنا في ذاته حتى ننسب الضعف إلى الله تعالى في عدم حصول التغيير في ذات ذلك الشيء. معاذ الله.

إن قصة العصا بسيطة جدا وهي أن موسى قد حمل في كيانه طاقة إلهية حينما دخل في طور سيناء لحظات تشعشع تجليات الله تعالى فغُمر بتلك الطاقة بتقدير رب العالمين بصورة جزئية بسيطة طبعا. وقد أرى – فعل ماض من رأى والفاعل له هو موسى- فرعونَ ذلك حينما أخرج يده من جيبه فرآها فرعون ومَلأُهُ بيضاءَ من غير سوء بعكس حالتها الأولى. فعل موسى ذلك ليقول لفرعون أن الذي يقوم بالحركات هو موسى بكيانه الشخصي وليس للعصا أي دور عدا ما يرونها بعيونهم. هكذا تراءى لهم ولكن موسى هو الذي أحرق كل ما صنعته السحرة بأمر الله تعالى وبالطاقة المهيبة التي كان منطويا عليها وليس بأفعى حيواني كما تراءى للطباطبائي.

وقد ناقش صديق بريطاني مسيحي ذات يوم في نهايات الألفية الثانية بأن الله تعالى خلق السماوات والأرض فعلا في ستة أيام من أيامنا. قلت له هل أنت مصر على هذا الرأي؟ قال ولم لا. إن الله قادر على ما يريد. قلت له بأنك تعلم بأن الأجسام لو سارت بسرعة الضوء فإنها تفقد خاصيتها المادية وتتحول إلى طاقة وطول الكون اليوم يتأرجح بين 10 إلى 12 ألف مليون (بليون) سنة ضوئية. فكيف توفق بين هذه الحقائق وبين الأيام الستة التي لا تتجاوز 124 ساعة؟ نحن لا ننكر قدرة الله تعالى ولكن ننكر قدرة المادة أن تتجاوب مع إرادة الله تعالى في أن تصل إلى ما وصلت إليه خلال 124 ساعة. تلك أيام باعتبار آخر وليس أياما مثل أيامنا. وأطوال تلك الأيام بلايين السنين وليست كلها متماثلة من حيث الزمان.

إن الإخوة لا يقرؤون ما بين السطور فعلا ولكنهم ينظرون إلى النتائج ويسعون لفهم الأبعاد كلها من النتائج وهو عمل غير علمي أو أنه على الأقل غير موصل للحقيقة.

نعم إن النتائج  تمثل حافزا قويا للتفكير والتدبير وليست بظاهرها دليلا يتضمن كل مراحل الصناعة والتطوير. فلو ننظر إلى الإنسان مليون سنة فإن فهمَنا عنه لا يتجاوز صفاته الظاهرية وأعماله التي يأتي بها. ولكننا لو أردنا معرفة مراحله التطورية فإن الطريق مختلفة.

قال تعالى في سورة العنكبوت:

أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (19) قُلْ سِيرُوا فِي الأرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20).

فلا يمكن للإنسان أن يتعرف على الحالات التطورية قبل أن يسير في الأرض فيطلع على آثار التطور في البر والبحر وتحت التراب وفي أعماق المحيطات. هذا ما فعله الغربيون ونساه المسلمون فعرفوا التطور وهو أهم مسألة لكشف لغز الكون ولغز بداية الخلق في الواقع. ومنه يمكننا أن نعرف قليلا عن كيفية النشأة الثانية بأمر الله تعالى.

فليس هناك إمكانية نفي الزمان والله تعالى يؤكد عليه في العنكبوت ولكن عليه بأن يترك تراثه ويفكر في تطور الخلق ماديا ليعرف الأسرار. فالإخوة في الواقع لم يدركوا حقيقة الألوهية إلا قليلا جدا لا يكفي ليدرؤوا عن عقولهم الأساطير ويميزوا بين الإفك والصدق.

إن الطرق الكثيرة ليست طرقا مستقيمة بمعنى خلوها من الزوائد ولكنها موصلة بعد جهد وتعب إلى الحقيقة إلا أنها ليست كافية للتمتع بكل ما يمكن للسالك من مزايا الحقيقة. إنه يصرف وقتا أكثر من وقت التطورات ليصل إلى الحق فيصل إليه وقد حان موعد فهمٍ أكبرَ له. دعنا نتصور الذين أرادوا معرفة الله تعالى قبل 15 قرنا ففكروا بأن البعرة تدل على البعير وأثر الأقدام تدل على المسير فلا يمكن تصور الكون بلا إله ونحن نرى الكون كوجود فعلي.

والواقع أن الكون يحتاج إلى تفجير كبير لإدراك بدايته ولو لم نصل إلى التفجير لا يمكن لنا الوصول إلى الله تعالى. إن نظرة البدوي نظرة سطحية بسيطة لا تلائم تطور الإنسان وتقدمه الفكري ويمكن الرد عليه ولكنك لو وصلت للتفجير المناسب لصنع الكون فإنك تغلق أبواب الرد عليك. ذلك لأن التفجير الضخم المهيب يمكنه أن يصنع كل ما نراه قبل أن يزول الوقت وتفقد المادة حرارتها وقدرتها على التفاعل مع نفسها. قال تعالى في سورة إبراهيم:

قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى قَالُواْ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا تُرِيدُونَ أَن تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَآؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ (10).

وفاطر السماوات يعني مفجرها والتفجير في الحقيقة لا يمكن أن يتم في مادة مهما كانت صغيرة بل في شيء آخر لا مجال لذكره هنا في الواقع. لا نريد أن نخرج من الموضوع.

إن الله تعالى هو الذي يمد الكائنات بالطاقة وأنت عليك بأن تخلص نفسك وتتحرك باتجاه تلك الطاقة الوحيدة التي تمدك بكل شيء وهو قريب منك ولكنك أنت بعيد عنه بشوائبك واضطرابك النفسي وكثرة جهلك. فعليك بأن تخلص نفسك بتعقل وباتجاه ذلك النور لا باتجاه المخلوقات حتى تصل إلى ذلك النور المُمدّ فتتمسك بالصراط المستقيم الواحد غير المتعدد. هناك يقصر الطريق إلى الحق ولذلك يسمى تلك الطريق مستقيما. لكن بقية الطرق ليست قصيرة لأنها ليست مستقيمة بل تنطوي على اعوجاجات كثيرة تبعدك عن الحقيقة وقد لا توصلك إليها.

لكن المعروفين بأنهم أهل العلم يخلطون بين الطريق والوسيلة. وإذا تخلصوا من هذا المأزق فإنهم يخلطون بين الطريق المستقيم الموصل إلى الحق وبين الطرق البعيدة الملتوية التي قد توصلك إلى الحقيقة نسبيا ولكن بجهد وعناء كبيرين. ولا يمكن أن تأمن العثرات إن لم تسلك الطريق أو الصراط المستقيم.

وأظن بأن الكثير من الإخوة لا يدركون الهدف من سلوك الصراط المستقيم. أقول ذلك لأني أرى كثيرا منهم أو أغلب مشاهير العلم في الأديان الثلاثة يظنون بأن لله تعالى مكانا يزار فيه مثل فرية المعراج الحمقاء أو فرية البنوة لله تعالى. معاذ الله. فيظنون بأن المرء يجب أن يسير في طريق فيزيائي نحو الله تعالى. ولذلك فإنهم يتخذون الطرق الفيزيائية الأقل وعورة مثل الطرق إلى البَشر ولو إلى قبورهم. إنهم لا يدركون بأن مجرد التوجه إلى البشر في طريقك إلى الله تعالى يبعدك تماما عن الله مهما كان الذين تلتفت إليهم طيبين مؤمنين أو أنبياء مرسلين أو ملائكة مقربين. ولعل الكثيرين يجهلون معنى الذهاب إلى الله تعالى أو العودة والرجوع إليه. هذه مسائل عميقة لا يمكن بحثها هنا ولكني باختصار شديد أقول لهم ما يلي:

1.   المقصود من السلوك إلى الله تعالى هو معرفته في حدود الإمكان ولا شيء غيره. حتى الملائكة لا يطمعون في غير المزيد من التعرف على القدوس العظيم جلّ شأنه. ليس بمقدور أي ممكن أن يعرف الله تماما إذ أن المعرفة الكاملة تحتاج إلى الإحاطة بالشيء ولو علميا أو فكريا ويتعذر ذلك للمخلوقين بالنسبة للواجب الأحد. فالحقيقة بأن الأنبياء والملائكة والأرواح القدسية لم ولن يعرفوا حقيقة الله تعالى ولكنهم جميعا يسلكون سبيل المعرفة. والله تعالى حقيقة مجردة عن التركيب فكيف نسلك إليه طرقا متعددة. إنه مثل أصل الحساب وهو الجمع والطرح، بأنك لو أخطأت خطأ بسيطا في طريقه فإن النتيجة لا يمكن أن تكون صحيحة. وهو أدق بكثير من الحساب في الواقع فأشبه شيء به هو الطاقة أو النور حسب تعبيره سبحانه. ولكنه نور في غاية الرقة فهو أرق من أي إشعاع نتصوره ولذلك فهو بنوره مع كل شيء ويرى كل شيء ويسمع كل صوت ويشعر بكل همسة قلبية أو ما هو أخفى من الهمسة. لا فرق في ذلك بين ما نراه طيبا طاهرا أو مكروها قذرا. إنه سبحانه نور رقيق لا يمكن أن يتأثر بأي شيء غيره. وكل ما يريده الله تعالى من الخلق المدرك هو أن يُعرف جل وعلا ولو قليلا.

2.   وأما المقصود من العودة إليه فباعتبار أنه خلقنا بيده، بمعنى النور المباشر أو الطاقة المباشرة منه تعالى والتي أرسلها الله تعالى عن طريق الروح القدس إلى أم آدم ليخلق له نفسا بشرية. فحواء ونحن جميعا فيما عدا المسيح مخلوقون من تلك الطاقة. ثم أرسلنا سبحانه إلى عالم الحرية ليختبرنا ثم يعيدنا إليه بأن يسلب منا الإرادة فنصير عمليا غير مختارين كالملائكة. ولكننا باعتبار مرورنا بالاختبار وعدم توفقنا للانفراد بعبادته فإننا نكون غير خالصين. وحينما نعود إليه بمعنى فقداننا للإرادة فإننا سنكون تاركين كل وسائل التعديل والتصحيح في حياتنا الإختبارية فلا يمكننا بأية حيلة أن نصحح أخطاءنا. ليس لنا آنذاك إلا أن ننتظر حكم الله تعالى وحده فينا فإما العذاب وإما المغفرة إن كنا نستحق المغفرة.

3.   الطاقة الربوبية تجذب سالكيها ولا يمكن أن يكون هناك مجموعة مختلفة من الطرق وكلها متصفة بالصراط المستقيم كما صرح به الأخ الفاضل سروش. إن كل شيء وقع في طريق معرفة الله تعالى فهو يتأثر شيئا فشيئا بنور الله تعالى وينجذب باتجاهه ولا يمكن أن ينجذب لشيء آخر إلا إذا لم يستوف شروط السير إلى القدوس جل وعلا.

4.   إن كل كائن مدرك يتخذ لنفسه وسيلة للوصول إلى الله تعالى فالوسائل مختلفة ومتباينة ولكن الطريق المستقيم واحد. ذلك حسب تعبيرنا الدارج سيارات مختلفة بسرعات متباينة تسير في شارع واحد.

5.   إن تباين المذاهب والأديان لا يؤثر في الصراط المستقيم ولا يعدده. الله الذي أنزل أحسن الحديث يرفض مختلف المذاهب فعلا. قال تعالى في سورة الروم: بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَن يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ (29) فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (30) مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ(32). فحقيقة الدعوة إلى الله تعالى هو الدعوة إلى دين واحد هو التسليم لله وحده، بغض النظر عن وسائل النقل. ويحدد الله تعالى وحدة دينه مشيرا إلى توجه المحتاج حين الشدة، فهو لا يتوجه إلى غير الله تعالى. هذه هي الطريق الطبيعية، فيكمل الله الآيات المذكورة هكذا: وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُم مُّنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُم مِّنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (33) لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (34)فالصراط المختار هو الطريق الوحيدة إلى الله تعالى وهو نفس الطريق التي تسلكها عند الاضطرار وعندما تقفل عليك كل أبواب النجاة. هناك تعرف الله تعالى فاعرفه واسْعَ لمعرفته حينما تكون آمنا (غير مضطر) لتعرفه سبحانه معرفة علمية. فنحن مع الأخ سروش حينما يرفض قول أصحاب وأتباع المذاهب بإبطال غيرهم وتثبيت أنفسهم. نحن أيضا نرفض قولهم ولكن ذلك لا يعني بأن كل الطرق موصلة. أو أن الحقيقة أكثر من واحدة إن كنا نقصد الله تعالى حينما نطلق كلمة الحقيقة.

6.   عندما يأمر الله تعالى الناس بمن فيهم الأنبياء أنفسهم أن يتأسوا بهدى الأنبياء عامة فهو يقصد فعلا الصراط المستقيم ويوضحه. ذلك هو طريق التوحيد الحقيقي وطريق الدعوة إلى الله تعالى وحده لا إلى أي ممكن بمن فيهم الدعوة إلى أشخاص الأنبياء. لنقرأ بدقة هذه الآيات من سورة الجن:وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا (19) قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا (20) قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَدًا (21) قُلْ إِنِّي لَن يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدًا (22). فالذي يقول أحيوا أمرنا فهو ليس من الله في شيء ولا يدعو إلى الله تعالى. لا يمكن أن يجتمع الله تعالى مع أي شيء آخر. وحينما يأمرنا الله تعالى بأن نطيع الله ورسوله فإن ذلك باعتبار أن طاعة الرسول هي طاعة لله تعالى وليست طاعة لشخص النبي. ذلك لأن الله تعالى يحيط بالنبي ويهيمن على قوله سالبا منه الإرادة حينما يريد إبلاغ رسالة ربه فيكون حينها رسولا. سيكون الله تعالى في تلك الحالة حائلا بين شخص النبي وقلبه. هي حالة خاصة للأنبياء وحدهم دون غيرهم. ولو كانت مشتركة بين خاتم النبيين مثلا وبين أشخاص بقوا بعد وفاته فهو يعني بأن النبوة لم تنته. هذا كما قال الفاضل سروش رفضٌ صارخٌ للخاتمية. هو كلام صحيح فعلا. جزى الله تعالى أخينا سروش خيرا على مقولته تلك.

7.   فطريق الأنبياء التي يأمرنا الله تعالى باتباعها لا تمثل أعمال الأنبياء ولا نسكهم. إنها تمثل التوجه القلبي للأنبياء نحو الرحمان وحده لا شريك له فقط. نقلدهم فيها باعتبار ألا طريق غيرها إلى الأحد الصمد. تلك الطريق تُنسيك شخصيتك وأبوتك وبنوتك وصداقتك مع غير الله تعالى وتُعلِّمك كيف تركز كل اهتمامك على القدوس وحده لا شريك له. هي ليست طريق الأديان والمذاهب وليست طريق العلماء بل هي طريق الرسالات السماوية. إن الرسل جميعا كانوا يسعون لتخليص قومهم من شوائب الشرك بالله فقط ولذلك لم نجد أي رسول أرسله الله تعالى إلى قوم لا يؤمنون بالله تعالى. إنما أرسلهم إلى أقوام يخضعون لغير الله تعالى في عباداتهم. سواء منهم قوم نوح أو قوم هود أو قوم صالح أو قوم شعيب أو قوم موسى. حتى قوم لوط وإبراهيم – حينما كان في العراق- فهم كانوا جميعا مؤمنين بالله. فالأنبياء جاؤوا ليقولوا للمؤمنين بالله تعالى: أليس الله بكاف عبده؟ فلماذا تخافون من دونه؟ هذا هو الصراط المستقيم وهو طريق واحدة.

8.   إن الكثيرين يتحدثون عن النسك ووسائل الانتقال إلى الله تعالى أو إلى معرفة الله تعالى ويظنون بأنها هي الصراط المستقيم. وهي متعددة بالطبع ولكنها ليست المقصودة بالصراط المستقيم. ولذلك يحدد الله تعالى الصراط في سورة الحمد بأنه صراط الذين أنعم الله عليهم وهم الأنبياء في الواقع الذين أكرمهم بالعلم والمعرفة. ويتبعهم الصديقون والشهداء والصالحون من غير الأنبياء بعد أن تعلموا من النبيين أو ساروا في طريقهم التوحيدي.

9.   استدل البعض بالآية التالية من سورة المؤمنون: وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (73) وَإِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ (74). ليقول بأن الله تعالى لم يقل الصراط المستقيم بل استعمل لفظ النكرة. لكنه سبحانه في الآية التالية اعتبره طريقا واحدا حينما قال بأن نتيجة عدم الإيمان بالآخرة هي الانحراف عن الصراط. كان عليه أن يقول للنبي: عن صراطك لناكبون، حتى يصح كلام الأخ سروش.

لذلك أرجو من الإخوة إعادة النظر في أفكارهم تلك إن رأوا في حديثي رشدا.

.. يتبع ….

أحمد المُهري

#تطوير_الفقه_الاسلامي 

https://www.facebook.com/Islamijurisprudence/

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.