ابو هريرة حقيقة أم خيال؟

ابو هريرة حقيقة أم خيال؟

 بقلم رشيد أيلال

كنت نشرت هذه المقالة قبل أربع سنوات، أعيد نشرها اليوم تعميما للفائدة، وتعميقا للنقاش الدائر حول التراث الإسلامي ومدى مصداقيته وصدقيته، فإلى المقالة:قبل أن أشرع في مناقشة موضوع اليوم ، أريد أن أنبه إلى أمور أراها هامة، في سياق ما أقوم به من نبش، في تراثنا الديني، الذي أرى انه: نتاج عقول بشرية تأثرت بالزمان والمكان، والظروف والملابسات السياسية والاقتصادية والشخصية والجغرافية والثقافية وغيرها، في كثير من الأحيان، وأنا هنا أفرق بين الدين وبين التراث الديني، لأن الدين هو ما أنزله الله لنا وما ارتضاه لنا، عبر بلاغ رسله عنه، وبه نتعبد الله وندين به له سبحانه، إلى أن تم هذا الأمر بختم النبوة، ليبدأ عصر الإنسان عصر العلم عصر العقل، عصر الأنبياء الجدد، لكن يبقى فهم هذا الدين ، من آراء نسبت للرسول والصحابة والتابعين وتابعي التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين غير ملزمة لنا ولسنا بها ندين لله، بل نأخذ منها ما نراه موافقا للوحي  والعلم والعقل والمنطق والإنسان، ونأخذ منها ما فيه خير لعصرنا ومصرنا وأحوالنا، وندع ما دون ذلك، فهم رجال أو نساء ، ونحن أيضا رجال أو نساء ، ولا عصمة لبشر ولا قداسة، ولم يأمرنا الله إلا بطاعته وطاعة الرسول في الرسالة، ولم نؤمر بطاعة أحد في أمور الدين خارج هذا الإطار، ولعل من الشخصيات التي أثير حولها جدل كبير بل الأكبر في تراثنا الإسلامي ، شخصية “إبي هريرة ” نظرا لكونه من كبار المكثرين للرواية عن الرسول، فقد حسب الحاسبون ليجدوا أن أبا هريرة روى في الكتب الستة 5374 حديثا مع عدم استبعاد المكرر طبعا، كما أثار الباحثون والمتتبعون أيضا روايته لغريب الحديث وانفراده ب 42 حديثا في الكتب التسعة، كما أن العديد من مروياته أيضا تخالف كتاب الله وتناقضه، وبعضها يعارض الثابت من العلم، كما أثير استغراب كبير حول كيف مكن أن يتفوق أبو هريرة -وهو الذي لم يصحب الرسول إلا ثلاث سنوات على أفضل تقدير حسب طبقات ابن سعد- على الكثير من الصحابة الذين صحبوا الرسول صلى الله عليه وسلم منذ فجر الدعوة؟  كأبي بكر وعلي و فاطمة الزهراء، وعثمان وزيد بن ثابت ، وأنس ، وعمار بن ياسر، وغيرهم من الصحابة الذين سبقوا أبا هريرة بردح كبير من الزمان، فوقف فريقان من أبي هريرة موقفين متناقضين، الفريق الأول ، وهو الفريق المقدس للصحابة والذي لا يجيز إخضاعهم لمنطق الجرح والتعديل، وبالتالي فكل ما صدر عنهم فهو العلم والحق، وان خالف كتاب الله المنزل إلى عباده ، وبالتالي فهم ينزهون أبا هريرة عن كل ما يمكن أن ينسب إليه من جرح أو شك أو رفض، وأما الفريق الثاني فقد اتهم أبا هريرة بالكذب على الرسول، واختلاق أحاديث لتزوير الإسلام ، و قد اتهمه الصحابة ومنهم عائشة وعمر بإكثار الرواية عن الرسول الأكرم، بل إن عمر بن الخطاب منعه من التحديث عن الرسول وهدده بالنفي من المدينة وإلحاقه بمسقط رأسه حسب تذكرة الحفاظ للذهبي، وبالتالي فهذا الفريق رفض رفضا قاطعا الأخذ عن أبي هريرة. والحقيقة أني كنت مع الفريق الثاني قبل أن يلمع في فكري سؤال:” هل كان أبو هريرة شخصية حقيقية فعلا؟ أم هو مجرد شخصية خيالية أسطورية ، صنعها آخرون كي ينسبوا إليها ما يريدون  وما يبتغون تحقيقه,  خصوصا أن وسائل الإعلام في ذلك العصر لم تكن كعصرنا، فيمكن أن تكذب الكذبة وتخترع شخصية ما، وتجعل من شخصية وهمية، شخصية حقيقية، في غياب وسائل النفي، أو الإثبات, ويتأتى لك ذلك”  وما جعلني اطرح هذه الفرضية، أو هذا الرأي ، هو عثوري على مجموعة من الأمور حول هذه الشخصية التي تعتبر الأكثر إثارة للجدل في تاريخ الإسلام ، وسأشركك ايها القارئ الكريم فيما وقع لدي من معلومات ، وما وصلت إليه من نتائجالاختلاف في اسمه واسم أبيه :لم يتم الاختلاف في اسم صحابي كما تم الاختلاف في اسم أبي هريرة واسم أبيه، فقيل اسمه عبد الرحمن بن صخر وقيل بن غنم وقيل عبد الله بن عائذ وقيل بن عامر وقيل بن عمرو وقيل سكين بن رزمة بن هانئ وقيل بن ثرمل وقيل بن صخر وقيل عامر بن عبد شمس وقيل بن عمير وقيل يزيد بن عشرقة وقيل عبد نهم وقيل عبد شمس وقيل غنم وقيل عبيد بن غنم وقيل عمرو بن غنم وقيل بن عامر وقيل سعيد بن الحارث و قيل غير ذلك من الأسماء ، وقد قال هشام بن الكلبي: اسمه عمير بن عامر بن ذي الشرى بن طريف بن عيان بن أبي صعب بن هنيد بن سعد بن ثعلبة بن سليم بن فهم بن غنم بن دوس وهكذا قال خليفة في نسبه إلا أنه قال عتاب بدل عيان ومنية بدل هنيد ويقال كان اسمه في الجاهلية عبد شمس وكنيته أبو الأسود، فمن هو إذن “ابو هريرة” الحقيقي من هذه العشرات من الأسماء؟ راجع سير أعلام النبلاء للذهبي الجزء الثاني، أما ابن حجر في الإصابة فقد قال:” وقال القطب الحلبي: اجتمع في اسمه واسم أبيه أربعة وأربعون قولا مذكورة في الكنى للحاكم، وفي الاستيعاب وفي تاريخ ابن عساكر. قلت ووجه تكثره أنه يجتمع في اسمه وحده نحو من عشرين قولا”  كيف إذن نقبل بوجود شخص حقيقة، مع الاختلاف في من يكون، إن كل اسم يحكي شخصية ما، فأين شخصية “أحفظ” الصحابة، من هذه التراكمات في الأسماء والشخصيات، وكيف يمكن أن نتصور بأن أحد أكثر المكثرين في الرواية عن الرسول لا يعرفه حتى من رووا عنه ؟ إذ لا يعرفون اسمه الحقيقي، لا اسم أبيه ولا اسم أمه، ولا يعرفون يقينا قبيلته، ولا أصله، فهل يمكن أن يرووا عنه حديث رسول الله دون أن يعرفوا اسمه الحقيقي أو اسم أبيه؟ إذ حسب علم حديثهم يعتبر هذا الشخص مجهول الحال، حقا إنها لمعضلة  تستفز ذكاءنا وتجعلنا نستغرب ونتساءل بدورنا “من يكون “أبو هريرة”؟”، وينسب إلى البخاري في الصحيح المنسوب اليه” انظر كتابنا :صحيح البخاري نهاية أسطورة” بأن أبا هريرة روى عنه الحديث حوالي ثمانمائة من الرواة، منهم صحابة وتابعون، غير أن أيا من هؤلاء لم يذكر الإسم الحقيقي لأبي هريرة ولا اتفقوا على اسم أبيه ولا اسم أمه،… وا عجبي! . أتعجب  كثيرا، لأن العرب اهتمت بالأنساب ، تفاخر بها وتناجز، حتى أنهم نسبوا للرسول أنه قال :”إن الله أذهب عنكم رجس الجاهلية وتفاخرها بالآباء … الحديث” فقد نبغ من بين العرب أشخاص متخصصون في الأنساب يطلق عليهم ” نسابة” وصلوا إلى معرفة أزيد من أربعين جدا، ومع ذلك فان هؤلاء العرب ، لم يستطيعوا معرفة نسب أهم شخصية في الرواية عن رسول الله عبر تاريخنا الإسلامي، وهذا أمر يحتاج إلى أكثر من وقفة، وأعجب كيف لنا أن لا نعجب من هذا الأمر الغريب.
الصحابة لا يعرفون أبا هريرة :إن الدارس للتراجم والسير التي اهتمت بترجمة أبي هريرة، يعرفون أنه لا يعرف عنه إلا ما تحدث به عن نفسه، لذلك لا نجد إلا معلومات شحيحة عن هذه الشخصية، فيما رواه عنه الرواة يرويه عن نفسه، فهو شاهد نفسه، وتلك أغرب شهادة في التاريخ، وبالتالي فإن الصحابة لم يذكروا أية معلومة هامة عن هذه الشخصية، وكأن الأرض قذفته من قلبها بدون سابق إنذار ولا إخبار، لتخرج لنا شخصية  غامضة، لا ملامح لها ولا منابت. وهنا يبرز السؤال: لو كانت شخصية أبي هريرة شخصية حقيقية، عاشرها الصحابة، وكان لها هذا التميز في حفظ أحاديث الرسول، وأنها شخصية باركها المصطفى فكانت لا تنسى أبدا، فكيف لم يتحدث عنها الصحابة بما يكفي وبما يتناسب وقيمتها “العظيمة”؟ وهنا أريد أن أشير إلى أن الرواة -كذبا -نسبوا إلى الرسول نسيان القرءان، بينما نزهوا أبا هريرة عن نسيان الحديث، فهو أكثر عصمة في هذا الأمر من الرسول. بل إن المؤرخين الذين تتبعوا أبا هريرة منذ إسلامه في السنة السابعة للهجرة ليسجلون غيابه عن أهم الأحداث التي عرفتها الدولة الإسلامية خلال السنوات الثلاث الأخيرة من حياة الرسول، وهي السنوات التي عاشها -كما يزعم الزاعمون- ابو هريرة مع الرسول، فقد غاب عن غزوة خيبر ، كما في سير أعلام النبلاء للذهبي، وغاب أيضا عن عمرة القضاء، وغزوة مؤتة، كما في البداية والنهاية لابن كثير، وبعدها انقطعت صحبته للرسول بعدما خرج إلى البحرين ومكث فيها إلى ما بعد وفاة الرسول، حتى أن الكثير من المؤرخين يعدون عدد الشهور التي قضاها أبو هريرة صحبة الرسول بستة عشر شهرا، أي أقل من سنة ونصف، وهنا يبرز سؤال آخر:كيف يكون أبو هريرة صحابيا ، ويكون شخصية حقيقية أسست للأحاديث النبوية؟ ، من حيث الحفظ الذي سهل عملية التدوين فيما بعد، وتغيب عن كل هذه المشاهد الهامة، فكل المؤشرات لحد الآن تشير إلى أننا أمام شخصية هلامية مطاطية يمكن أن نقول بشأنها ما شئنا، ونكيفها حسب الظروف والملابسات، والغريب أن شخصية أبي هريرة لم تظهر خلال خلافة أبي بكر، ولا زمن خلافة عمر إلا بعد مرور ثماني سنوات على هذه الخلافة، فأين كانت هذه الشخصية؟ ولماذا كانت خاملة غير نشيطة طيلة هاته السنوات ؟ وكيف برزت فجأة؟ ولماذا؟. ان ما أثرته اليوم حول شخصية أبي هريرة ليدعونا جميعا إلى القيام بدراسة عميقة ، حولها للتأكد من :” هل كانت فعلا  شخصية حقيقية أم هي مجرد شخصية وهمية أريد بصنعها الوصول إلى تزييف وتحريف الدين الإسلامي وقد تأتى لهم ذلك عبر وسائل عدة منها اختلاق شخصيات وهمية من جيل الصحابة ومن بعدهم؟ فالأمر جدير بالبحث والفحص أكثر، لتحري الحقيقة” أسئلة طرحناها لنخلص إلى أن هناك علامة غموض كبيرة تلف شخصية هذا الذي وصف بالحفظ الأسطوري، وتفوق على النبي في ذلك حسب اعتقاد بعضهم ، وروى روايات كثيرة منهما ما يحط من قدر النبي والنبوة، ومنها ما يتعارض مع القرآن نفسه، ومنها ما يتعارض مع العلم، ومنها ما يمتح من الإسرائيليات، ومنها ما يحتقر المرأة ويحط من قدرها.
#تطوير_الفقه_الاسلامي https://www.facebook.com/Islamijurisprudence/

تعليق واحد
  1. Brais Nacereddine :

    شكرا لك جزيل الشكر والتقدير والاحترام.
    والله قبل ما اسمع هذا التحقيق و الدليل القاطع قلت في نفسي كيف يكون لصحابي مثل ابو هريرة ان يتكلم عن الرسول عليه الصلاة والسلام بهذه الوقاحة ولم يتكلم عنه احد.

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.