أنا الجساسة وأنا المسيح الدجال

أنا الجساسة وأنا المسيح الدجال

monster.jpg

روى الإمام مسلم في صحيحه, في كتاب الفتن وأشراط الساعة, عن فاطمة بنت قيس أخت الضحاك بن قيس، قالت: نكحت ابن المغيرة, وهو من خيار شباب قريش يومئذ, فأصيب في أول الجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلما تأيمت خطبني عبدالرحمن بن عوف، في نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم, وخطبني رسول الله صلى الله عليه وسلم على مولاه أسامة بن زيد.   وكنت قد حدثت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال “من أحبني فليحب أسامة”.   فلما كلمني رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت: أمري بيدك, فأنكحني من شئت, فقال “انتقلي إلى أم شريك”.   وأم شريك امرأة غنية، من الأنصار, عظيمة النفقة في سبيل الله, ينزل عليها الضيفان.   فقلت: سأفعل, فقال “لا تفعلي. إن أم شريك امرأة كثيرة الضيفان فإني أكره أن يسقط عنك خمارك، أو ينكشف الثوب عن ساقيك، فيرى القوم منك بعض ما تكرهين. ولكن انتقلي إلى ابن عمك، عبد الله بن عمرو بن أم مكتوم” (وهو رجل من بني فهر، فهر قريش وهو من البطن الذي هي منه) فانتقلت إليه.   فلما انقضت عدتي سمعت نداء المنادي – منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم – ينادي: الصلاة جامعة. فخرجت إلى المسجد, فصليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم, فكنت في صف النساء التي تلي ظهور القوم.   فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته، جلس على المنبر وهو يضحك, فقال “ليلزم كل إنسان مصلاه”.  ثم قال “أتدرون لما جمعتكم؟” قالوا: الله ورسوله أعلم, قال “إني، والله, ما جمعتكم لرغبة ولا لرهبة, ولكن جمعتكم لأن تميما الداري كان رجلا نصرانيًا فجاء, فبايع, وأسلم.  وحدثني حديثا وافق الذي كنت أحدثكم عن مسيح الدجال.  حدثني أنه ركب في سفينة بحرية مع ثلاثين رجلا من لخم وجذام, فلعب بهم الموج شهرًا في البحر, ثم أرفؤا إلى جزيرة في البحر حتى مغرب الشمس, فجلسوا في أقرب السفينة, فدخلوا الجزيرة. فلقيتهم دابة أهلب كثير الشعر, لا يدرون ما قبله من دبره من كثرة الشعر.  فقالوا: ويلك! ما أنت؟   فقالت: أنا الجساسة. قالوا: وما الجساسة؟ قالت: أيها القوم, انطلقوا إلى هذا الرجل في الدير, فإنه إلى خبركم بالأشواق.  قال: لما سمت لنا رجلا فرقنا منها أن تكون شيطانة.  قال فانطلقنا سراعا حتى دخلنا الدير.  فإذا فيه أعظم إنسان رأيناه قط خلقا, وأشده وثاقا.  مجموعة يداه إلى عنقه ما بين ركبتيه إلى كعبيه بالحديد.   قلنا: ويلك! ما أنت؟ قال: قد قدرتم على خبري, فأخبروني ما أنتم؟   قالوا: نحن أناس من العرب ركبنا في سفينة بحرية فصادفنا البحر حين اغتلم, فلعب بنا الموج شهرا, ثم أرفأنا إلى جزيرتك هذه فجلسنا في أقربها, فدخلنا الجزيرة فلقيتنا دابة أهلب كثير الشعر, لا يدري ما قبله من دبره من كثرة الشعر, فقلنا: ويلك! ما أنت؟ فقالت: أنا الجساسة. قلنا وما الجساسة؟ قالت: اعمدوا إلى هذا الرجل في الدير, فإنه إلى خبركم بالأشواق, فأقبلنا إليك سراعا. وفزعنا منها, ولم نأمن أن تكون شيطانة, فقال: أخبروني عن نخل بيسان, قلنا: عن أي شأنها تستخبر؟  قال: أسألكم عن نخلها، هل يثمر؟  قلنا له: نعم. قال: أما إنه يوشك أن لا تثمر. قال: أخبروني عن بحيرة الطبرية. قلنا: عن أي شأنها تستخبر؟ قال: هل فيها ماء؟ قالوا: هي كثيرة الماء.  قال: أما إن ماءها يوشك أن يذهب. قال: أخبروني عن عين زغر. قالوا: عن أي شأنها تستخبر؟ قال: هل في العين ماء؟ وهل يزرع أهلها بماء العين؟  قلنا له: نعم, هي كثيرة الماء، وأهلها يزرعون من مائها.  قال: أخبروني عن نبي الأميين ما فعل؟ قالوا: قد خرج من مكة ونزل يثرب.  قال: أقاتله العرب؟ قلنا: نعم. قال: كيف صنع بهم؟  فأخبرناه أنه قد ظهر على من يليه من العرب وأطاعوه.  قال لهم: قد كان ذلك؟  قلنا: نعم. قال: أما إن ذلك خير لهم أن يطيعوه, وإني مخبركم عني. إني أنا المسيح, وإني أوشك أن يؤذن لي في الخروج, فأخرج فأسير في الأرض فلا أدع قرية إلا هبطتها في أربعين ليلة, غير مكة وطيبة, فهما محرمتان علي كلتاهما.  كلما أردت أن أدخل واحدة، أو واحدا منهما، استقبلني ملك بيده السيف صلتا يصدني عنها.   وإن على كل نقب منها ملائكة يحرسونها.   قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وطعن بمخصرته في المنبر “هذه طيبة. هذه طيبة. هذه طيبة” يعني المدينة “ألا هل كنت حدثتكم ذلك؟” فقال الناس: نعم. “فإنه أعجبني حديث تميم أنه وافق الذي كنت أحدثكم عنه وعن المدينة ومكة. ألا إنه في بحر الشام أو بحر اليمن. لا بل من قبل المشرق، ما هو. من قبل المشرق، ما هو. من قبل المشرق، ما هو” وأومأ بيده إلى المشرق. قالت: فحفظت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

 

سؤال: ما الذي أعجب رسول الله في حديث تميم الداري؟

جواب: أنه وافق حديث رسول الله إلى المؤمنين, أي أنه أكد صحة ما سبق أن أخبرهم به رسول الله.

سؤال: ما أهمية أن يوافق حديث تميم الداري حديث رسول الله؟

جواب: الله ورسوله أدرى.  بالنسبة إلى العبد لله فأنا لا أرى أي أهمية لحديث الأخ تميم.

سؤال: من أين عرف الأخ تميم الداري بهذه القصة؟

جواب: لأنه رأى الجساسة والسيد المسيح الدجال بنفسه.

سؤال: من أين عرف رسول الله هذه القصة التي أخبر المؤمنين بها من قبل أن يرى تميم الداري؟

جواب: إما عن طريق الوحي, وإما أخبره بها رحالة آخر من نوع الأخ تميم.

سؤال: إذا كان رسول الله قد عرف هذه القصة عن طريق الوحي, فما معنى السعادة بأن كلام تميم الداري يؤكد كلام الله؟

جواب: لا معنى على الإطلاق.

سؤال: إذا كان رسول الله قد عرف هذه القصة الجميلة عن طريق أحد الرحالة فما أهمية أن يؤكد الرحالة تميم الداري كلام الرحالة السابق, وما علاقة هذا الأمر برسول الله؟  ما الذي يسعد رسول الله في أن كلام الرحالة تميم الداري يوافق كلام الرحالة السابق؟

جواب: لا أهمية على الإطلاق, ولا علاقة على الإطلاق.  حقيقة الأمر, هذا الحديث يعني, بهذا الشكل, أن رسول الله كان يحدث الناس بما سمعه من الرحالة وليس بما سمعه من الوحي.

سؤال: ما معنى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم “ألا إنه في بحر الشام أو بحر اليمن. لا بل من قبل المشرق، ما هو. من قبل المشرق، ما هو. من قبل المشرق، ما هو”

جواب: الله ورسوله أعلم.

السؤال: يحدثنا رسول الله بأنه إما في بحر الشام, أو بحر اليمن, كلا, كلا, بل من قبل المشرق.  والسؤال كالتالي:

هل هو في بحر الشام؟

أم هو في بحر اليمن؟

أم هو من قبل المشرق؟

وإذا كان هو من قبل المشرق, وليس في بحر الشام ولا في بحر اليمن فلماذا قال رسول الله إنه في بحر الشام أو بحر اليمن؟ 

وأيضًا, أليست المسافة بين بحر الشام وبحر اليمن “واسعة” إلى حد ما؟

وأخيرًا, لماذا كرر رسول الله صلى الله عليه وسلم عبارة “ما هو” ثلاث مرات؟  ما الذي يؤكده الرسول هنا؟

وأخيرًا, فعلا, ما هو هذا الـ “ما هو”؟

وأخيرًا, بجد هذه المرة, كيف يقبل الإمام الأعظم مسلم, رضي الله جل وعلا عنه وأرضاه, أن يحتفظ في أصح كتاب بعد أصح كتاب بعد كتاب الله بحديث يدعو فيه رسول الله الناس إلى صلاة جامعة ليخبرهم بأنه سعيد لأن أحد الرحالة قد شاهد بأم عينيه ما سبق أن أخبره به الوحي, أو أخبره به أحد الرحالة.  الأولى مصيبة لأنها تعني أن رسول الله كان سعيدًا بأن كلام أحد الرحالة يوافق كلام الله.  والثانية مصيبة لأنها تعني أنه كان يحدث المؤمنين بقصص جميلة سمعها من رحالة.  الأولى مصيبة والثانية مصيبة.

 

 تعليقًا على حديث الجساسة, أرسل إلينا فضيلة الشيخ الطحاينة هذه الرسالة.  يقول فضيلته:

 “الأستاذ الفاضل,

طريقتكم في نقد الأحاديث غير علمية – أي لا تنطلق من الواقع المتحقق- وغير منهجية – أي لا تعود إلى معايير أو مقاييس واضحة منضبطة يمكن العودة إليها ومحاكمتكم إليها, فأنتم تنتقدون بطريقة هوائية, وعاطفية, ومزاجية, غير منضبطة, وتضعون استشكالات فقط, وإن استدللتم فإنكم تستدلون بعاداتكم, وتقاليدكم, وافكاركم, بل بعادات الغرب وتقاليده وأفكاره.  تمامًا مثل الطفل الذي اعتاد على شيء رآه من والده, فإذا رأى ما يخالفه أنكر, واستنكر, واستدل بأن والده يفعل بعكس ذلك أو يقول بعكس ذلك.

 

هل يمكن أيها الأستاذ الفاضل أن تذكر (حقيقة علمية) أكرر: (حقيقة علمية) أكرر: (حقيقة علمية) أكرر: (حقيقة علمية) تنقض أو تناقض أو تضاد حديث الجساسة؟   والتناقض, أي أنه لا يمكن أن يجتمع ما جاء في الحديث مع الواقع, ولا يمكن أن يرتفع الأمران من الواقع.   وأنا في انتظارك بشرط أن تنضبط بمنهج.

 

إنني أذكركم بالله تعالى وأذكركم بأن الأعمار أقصر من أن نضيعها في المعاندة والمكابرة.  ووالله إني لكم ناصح أمين, وواجبي الذي أمرني الله تعالى به, وهو أن أدعوكم بالتي هي أحسن, هو الذي يجعلني أكتب لكم وأراسلكم.   وإلا فإن بقيتم على الكفر فلن تضروني وإن أسلمتم فلن تنفعوني.

 

إن دين الله تعالى الحق هو (الإسلام) ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين.. والإسلام هو التسليم المطلق لله تعالى الحق وهو أن يرى أن كل شيء لله تعالى وأن له الخضوع المطلق.. ومن يسلم لله تعالى فهو الذي كتب الله تعالى له الهداية.

 

إن المسلم الذي أسلم لله تعالى لو اتبع حديثاً موضوعاً مسلماً بذلك لله مستسلماً له في حقه في أن يامر بما يشاء وينهى عما يشاء فإنه ناج عند الله تعالى.  أما المنافق الذي يرى أنه ليس لله تعالى عليه حق وأن من حقه أن يفعل على أرض الله تعالى ما يشاء وأن كل قوانين الدنيا نافذة وأنها نصوص محكمة تفهم على وجه واحد وملزمة لا يجوز الخروج عليها.   أما القرآن والسنة فهي موهمة مموهة وظنية.   فهذا مجرم في حق نفسه ولا يلومن إلا نفسه إذا مسه العذاب المهين يوم القيامة.”   انتهى كلام فضيلته

 

خالص الشكر لفضيلة الشيخ الطحاينة على كريم رسالته, ولي ملاحظة ثم تعليق.

أما الملاحظة فهي أننا نشكر الله على وجود فضيلته بيننا, يشاركنا فيما نتحاور فيه, منبهًا إيانا إلى ما قد نخطئ فيه, ومتفقًا معنا “أحيانا” فيما نذهب إليه.  يعلم كل واحد منا أن فضيلته أستاذ للحديث في معهد من معاهد العلم في قلب الجزيرة العربية, ويعلم بذلك أننا محظوظون لوجود عالم بهذا المستوى الرفيع بيننا.  تعود سعادتنا بوجود فضيلة الشيخ بيننا إلى أن لا أحد فينا “يتخيل” أنه على صواب فيما يذهب إليه, حيث إن ما نتحدث به إنما هو ما توصلنا “نحن” إليه, وبالتالي فاحتمال الخطأ دائما وارد.  يعني هذا الكلام أن الكشف عن خطأ أي منا لن يكون يوما مفاجأة لأي منا, فنحن “دوما” نتوقع ذلك.  يعني ذلك, كذلك, أننا سنكون جد شاكرين لمن يكشف لنا عن أخطائنا.  وكيف لا نكون شاكرين لمن يساعدنا على حسن فهم ديننا.  هذا هو السبب في أننا سعداء بوجود فضيلة الشيخ الطحاينة بيننا.  قد نختلف معه, بل نحن فعلا نختلف معه, إلا أنا نقدر فضله وعلمه.

 

يخبرنا فضيلة الشيخ الطحاينة بأن “طريقتنا في نقد الأحاديث غير علمية – أي لا تنطلق من الواقع المتحقق- وغير منهجية – أي لا تعود إلى معايير أو مقاييس واضحة منضبطة يمكن العودة إليها ومحاكمتنا إليها, فنحن ننقد بطريقة هوائية, وعاطفية, ومزاجية, غير منضبطة, ونضع استشكالات فقط, وإن استدللنا فإننا نستدل بعاداتنا, وتقاليدنا, وافكارنا, بل بعادات الغرب وتقاليده وافكاره.  تماماً مثل الطفل الذي اعتاد على شيء رآه من والده, فإذا رأى ما يخالفه أنكر, واستنكر, واستدل بأن والده يفعل بعكس ذلك أو يقول بعكس ذلك.”   يطالبنا فضيلته بأن “نذكر حقيقة علمية تنقض, أو تناقض, أو تضاد, حديث الجساسة”.  أيضًا, يبين لنا فضيلته ما المقصود بالتناقض موضحًا أنه “عدم إمكان أن يجتمع ما جاء في الحديث مع الواقع.”  وأخيرًا, يخبرنا بأنه في انتظارنا بشرط أن ننضبط بمنهج.   ما يطالبنا به فضيلة الشيخ هو أن نفصح عن منهجنا في نقد الحديث.  وعليه,

 

منهج نقد الحديث

بداية, مرة أخرى, خالص الشكر لفضيلة الشيخ الطحاينة على حسن حواره معنا, وعلى مساعدتنا على التبين من أمرنا, إذا أن مطالبته لنا ببيان منهجنا في نقد الحديث هي خير مساعدة يمكن أن يقدمها لنا في محاولتنا لفهم ما نسعى إليه.  وعليه, يمكنني أن أقول إن منهجنا في نقد الحديث هو التحقق من توفر ثلاثة شروط في أي حديث حتى يمكننا النظر إليه على أنه حديث صحيح.

الأول, عدم التعارض مع كتاب الله, و

الثاني, عدم التعارض مع السنن الإلهية, و

الثالث, عدم التعارض مع الخلق الكريم.

 

الشرط الأول: عدم التعارض مع كتاب الله

المقصود بهذا الشرط ألا يأتينا حديث يحرم ما أحل الله, أو يحلل ما حرم الله.  مثال على ذلك, لم يحرم الله علينا أكل أي حيوان سوى الخنزير.  يعني ذلك أننا لا نقبل أن يأتي حديث يحرم علينا أكل حيوان آخر, أو حتى حشرة أخرى, حتى لو كانت تعافها النفس.  يأكل الناس في جنوب شرق آسيا وفي أمريكا الجنوبية “الصراصير”.  أكل الصراصير حلال.  لم يحرم الله أكل الصراصير.  لم يحرم الله أكل أي حيوان سوى الخنزير.   ينبع هذا الشرط من “قناعتنا” بأن الله ما فرط في كتابه من شيئ, وبأن كتاب الله فيه بيان كل شيئ.

 

 الشرط الثاني: عدم التعارض مع السنن الإلهية

خلق الله كونا “لا حدود له”, يسير حسب سنن لا تبديل لها إذ هي سنن إلهية.  يستحيل أن نعيش في ظلام أكثر من ساعات محدودة, لا بد أن يتلو الليل النهار.  يستحيل أن يغلي الماء عند درجة حرارة 6 مئوية عند مستوى سطح البحر, الماء يغلي عند درجة حرارة 100 سلسيوس عند مستوى سطح البحر.  يستحيل أن ينفجر القمح في فمك وتموت, القمح لا ينفجر.  يستحيل أن ينام إنسان لمدة ثلاثمئة عام ثم يستيقظ ويمارس حياته بصورة طبيعية لمدة ألف عام أخرى, لا أحد ينام كل هذا الوقت, ولا أحد يعيش كل هذا الوقت.  يستحيل أن تمتد فترة الحمل لدى أنثى البشر لمدة أربع سنوات, حمل أنثى النوع البشري لا يزيد عن تسعة شهور وبضعة أيام.  الشمس لا يوجد بها آيس كريم.  القرود لا تقيم حد الزنا على القرود الزانية لأن القرود لا دين لها, ولم يحدث أن نزل الوحي إلى قرد نبي.  لا توجد فئران يهودية تماما مثلما لا توجد فئران ملحدة, الفئران لا دين لها لأن الفئران لا عقل لها.  لا توجد ذئاب عاقلة يمكنها الحديث باللغة العربية الفصحى – أو حتى بالعامية – ويمكنها الدفاع عن وجهة نظرها.  أيضًا, لا توجد أبقار عاقلة – أو حتى جواميس –  يمكنها الحديث بطلاقة باللغة العربية الفصحى والاحتجاج على سوء معاملتها, الجاموس والبقر بهائم, والبهائم حيوانات, والحيوانات لا عقل لها, وبالتالي لا تتكلم.  أيضا, السحالي ليست فاسقة, كما أنها ليست خلوقة.  الحيوانات ليست على خلق كريم, كما أنها ليست فاسقة.  هذه هي سنن الله في خلقه, ولن تجد لسنة الله تبديلا.  خلق الله عالما بديع النظام, يسير على سنن من خلق الله.  هذه هي مشيئة الله.  يعني ذلك أنه “يستحيل” أن يقوم طفل رضيع لا يزيد عمره عن ساعات بالحديث مع الناس والدخول معهم في حوار يستطيع فيه أن يبين بوضوح وجهة نظره.   هذا هو السبب في  أن حديث السيد المسيح وهو طفل كان معجزة.  كان معجزة لأنه “خرق للسنن الإلهية”.  هذا هو السبب في أن من المستحيل أن “نصدق” أي فتاة ولدت طفلا أنها لم يغشاها رجل, وأن هذا الحمل جاءها هكذا بفضل الله.  الحمل هكذا بفضل الله هو معجزة.  ونحن لا نصدق أحدًا سوى الله بقول فيه خرق لسنن الله في خلقه.  نحن نؤمن بأن سيدنا سليمان كان يستطيع فهم لغة الطير, إلا أن ذلك لا يعني أننا يمكننا أن نصدق كائنا من كان بأنه يفهم لغة الطير.  نحن نصدق خالق الكون فقط عندما يخبرنا بأنه “خرق” سنن الكون الذي خلقه.  نحن لا يمكننا أن نصدق كائنا من كان بأن الله قد خرق سنن الكون الذي خلقه, لأن ذلك قول يناقض السنن الإلهية.  نحن لا نصدق قولا يتناقض مع سنن الله في كونه.  كيف أصدق قولا يتناقض مع السنن الإلهية؟  يخبرنا الله أن سيدنا سليمان كان يفهم لغة النمل ويتفاهم مع الهدهد, ونحن نصدق ذلك لأن ذلك هو ما يخبرنا به خالق الكون.  أين تلك المحكمة في كوكب الأرض التي يمكنها أن تحكم بالسجن على لص بناءً على شهادة نملة وهدهد, “اعترفا” لضابط شرطة بأنهما ساعدا المتهم على القيام بجريمته؟

 

 الشرط الثالث: عدم التعارض مع حسن الخلق

بداية, أعلم تمام العلم أني هنا أشترط شرطا عسيرًا على التعريف.    يعود ذلك, بلا شك, إلى إدراكي التام إلى أن ما يعتبر حسن خلق في مجتمع, قد يعتبر سوء خلق في مجتمع آخر.  مثال على ذلك, إذا فتح الله على العبد لله بخير من فضله أتاح له البدء في مسلسل من الزواج بفتيات, صغيرات, جميلات, تتقاضى فيه الفتاة وأسرتها مليون دولار, ويتم طلاقها بعد شهر, لتحل فتاة جميلة أخرى محلها مقابل مليون دولار أخرى, ثم يتم طلاقها بعد شهر, وهكذا.   فتاة حلوة جميلة وراء فتاة حلوة جميلة.  إذا حدث ذلك فأنا على ثقة كاملة من أن أهالي مصر الجديدة والزمالك, والمعادي, والتجمع الخامس, والمهندسين, والدقي, وباقي أحياء الطبقة الوسطى في القاهرة سينظرون إلى على أني إنسان لا خلق له, يستخدم أمواله في إفساد المجتمع المصري.  حقيقة الأمر, كلي ثقة من أن كل من يعرفني ممن هو على خلق سوف يقطع علاقته بي لأني لست بإنسان على خلق.  كلي ثقة كذلك في أن هناك أحياء في القاهرة سوف ينظر إلى أهلها على أني رجل “صالح” يسير – كما يقولون – على سنة الله ورسوله, ولا يفعل أكثر مما أحله الله, إذ هو يتزوج ويطلق, ولا شئ غير ذلك, وبدلا من أن “يمشي في الحرام” – وهو لديه من الفلوس ما يساعده جدًا على ذلك – فإنه قرر أن يسير حسب شرع الله.  حقيقة الأمر, كلي ثقة من أنهم سيسعون إلى التعرف بي على أمل أن يصيبهم من الطيب نصيب.  مليون دولار!   وبالحلال!  والمسألة لن تطول عن شهر على أية حال

 

إذا كنت أعلم أن حسن الخلق هو شيء عسير على التعريف, فإني أعلم أيضا أنه ليس بعصي على التعريف – ولو إلى حد ما.  لتوضيح ذلك, دعني آخذ موقفًا متطرفا فيه مبالغة كبرى وذلك لتوضيح ما أقصد.  دعني أذهب إلى أن حسن الخلق هذا فكرة “وهمية”, وإلى أن الله عندما خلق الإنسان فإنه خلق مخلوقا لا خلق له.  مخلوقا يستوي عنده أن يتزوج كل يوم واحدة, أو لا يتزوج وإنما يزني فقط.  مخلوقا منحرفا يهوى الشذوذ الجنسي أحيانا, وعدم الشذوذ الجنسي أحيانا أخرى.  مخلوقا يعبد الله أحيانا, ويكفر به أحيانا.  مخلوقا يحسن معاملة أنثاه أحيانا, ويضربها بالسياط أحيانا آخرى.  مخلوقا يقع في غرام أنثاه ويخلص لها طيلة حياته ويعاملها أطيب معاملة وينظر إليها على أنها جزء من نفسه وأن زواجه بها تم ترتيبه من قبل خالق الكون قبل أن يخلق الكون.  هل هناك حب أكثر من ذلك؟  طبعا لا.  هذا أحيانا, أما أحيانا أخرى فهو ينظر إليها على أنها الشيء الذي يوجد به “البُضع” وهو لا يريد أكثر من “التلذذ”.  وإذا كان البُضع غير مكتمل النضج, وذلك في حالة زواجه من “امرأة” في الخامسة من العمر فيمكنه المفاخذة, كما يمكنها الاستمناء.  وفي حالة ما إذا “تثاقلت” في الاستجابة لرغباته الجنسية فيمكن جلدها, وإذا تلفت فيمكن إلقاؤها في الشارع.  من حسن الخلق, بهذا الشكل, قتل الناس ونهب أموالهم.  من سوء الخلق, أو من حسن الخلق أن تستعبد البشر.   الرهان على نوع الجنين الموجود في بطن النساء الحوامل, وبالتالي شق بطونهن وإخراج الأجنه لكسب الرهان أو خسارته.  لعق أحذية الحكام أو قتلهم.  أن تكون مستبدا, سفاحا, مستبيحًا لكل شيء أو أن تكون سافلاً, عربيدا, عند التمكن خنوعا, ذليلا عند الضعف.

 

 لكي لا أطيل أكثر مما هو ضروري, ضع قائمة لكل أنواع السلوك الإنساني, من قتل, وحب, وتعاون, ورحمة, وعدل, وسفالة, وظلم, وانحطاط, وحرية, وكرامة, وشذوذ, وخنق أطفال, واغتصاب نساء في الرابعة من العمر, ونساء في التسعين من العمر, ومضاجعة نساء ميتة, والنزهة على شاطئ البحر الأبيض في مارينا, وأكل لحوم البشر, وأكل السمك عند قدورة, والكلام بسفالة مع كل خلق الله, والنظر إلى لوحات بيكاسو معلقة أمامك على الحائط, وفقأ عيون من يحسدك.  ضع قائمة طويلة قدر ما تستطيع, ثم أشر على أنواع السلوك التي ترى فيها حسن الخلق.  عندما تنتهي من ذلك قدمها إلى أهلك وأصدقائك واطلب منهم أن يضعوا علامة أمام أنواع السلوك التي تدل على حسن الخلق.  عندما تنتهي من ذلك ترجمها إلى لغات أخرى واطلب من أشخاص أخرى من بلاد أخرى وديانات أخرى وأيضا ممن لا دين لهم نفس الشيء.   افعل ذلك وسوف تجد أن كل البشر قد اتفقوا على أن هناك أنواعا معينة من السلوك توصف بحسن الخلق.  لن تجد إطلاقا شخصا واحدًا وصف كل هذه الأنواع بأنها تدل على حسن الخلق.  يستحيل.  لم يخلق الله “إنسانا واحدًا” يرى أن كل سلوك يسلكه الإنسان هو سلوك يدل على حسن الخلق.

 

أعلم, بطبيعة الحال, أن من المستحيل كذلك أن تتطابق نتائج هذه “التجربة” الأخلاقية.  بمعنى أنه إذا كنت قد قدمت قائمة طويلة بالفعل من أنواع السلوك البشري, فمن المستبعد تماما أن يكون هناك تطابق بين إجابات المشتركين في التجربة.  كما سبق أن أشرنا على حين يرى بعض الناس أن مسلسل الزواج من فتيات صغيرات في السن لمدد قصيرة هو دليل على سوء الخلق, فإن هناك من يرى أنه قد يكون دليلا على حسن الخلق.  على الرغم من ذلك من المستبعد تماما أن تأتيك “استمارة”  كتب فيها صاحبها أن قتل الناس ونهب أموالهم من حسن الخلق, أو أن تدمير بيوت الناس على من فيها من حسن الخلق, أو أن استعباد البشر من حسن الخلق.

 

يعني ذلك أن هناك أنواع من السلوك نتوقع من أعضاء الجنس البشري أن يشيروا إليها على أنها ليست من حسن الخلق.  قد لا تكون كثيرة, إلا أنها تكفي.  أشياء مثل: القتل, السرقة, ممارسة الجنس بصورة لا يوافق عليها أعضاء المجتمع, الكذب.  وهي أشياء اتفقت عليها كل المجتمعات البشرية.  لا يوجد مجتمع بشري واحد ينظر أعضاؤه إلى السرقة على أنها سلوك يدل على حسن الخلق.  لا يوجد مجتمع بشري واحد ينظر أعضاؤه إلى الكذب على أنه سلوك يدل على حسن الخلق.

 

في اللحظة التي ننتهي فيها من تجربتنا الصغيرة هذه سوف نكتشف أن هناك مجموعة من “القيم الأخلاقية” التي تتفق عليها كل المجتمعات البشرية.  قيم مثل الحفاظ على الحياة الإنسانية, الحفاظ على الممتلكات, الصدق, الحرية, العدالة, الكرامة الإنسانية.  كذلك ستجد أن كل هذه القيم تهدف إلى الحفاظ على حياة خليفة الله في أرضه, في أمن, وسلام, وحرية, وكرامة, وسعادة, وأن كل ما يؤدي إلى هذا فهو من حسن الخلق.    ستلاحظ, أيضا, أن هناك فروق بين المجتمعات.  فقائمة السلوك سيء الخلق قد تكون طويلة في بعض المجتمعات, وقصيرة في البعض الآخر, ومجرد “أساسية”  “BASIC”في البعض الآخر.  قارن المجتمعات البدائية في بابوا وغينيا الجديد “أساسي” مع قبائل الكونغو “وسط” (قبائل بابوا غيينا الجديدة ما زالت تأكل لحوم البشر, على حين أقلعت قبائل الكونغو عن هذا الأمر منذ مطلع القرن الماضي تقريبا) مع مجتمعات أوربا الغربية.

 

هناك مجموعة من القيم العليا إذن التي تهدف إلى سعادة خليفة الله في دنيا الله.  يوصف السلوك الذي يتفق مع مجموعة القيم هذه بأنه سلوك على “خلق كريم”.  تمتاز قائمة الخلق السيئ بالقصر الشديد في المجتمات البدائية, وبالطول الشديد في المجتمعات المتحضرة.  أي يتناسب طول قائمة السلوك السيئ مع درجة تحضر المجتمع.  كلما كان المجتمع متحضرًا كلما زاد عدد أنواع السلوك سيئ الخلق, وكلما كان بدائيا كلما قل عددها.

 

يعني ذلك أننا إذا كنا لا نقبل حديث الحمر الأهلية الذي يحرم أكل الحمير لأنه يتعارض مع كتاب الله – حيث يحرم ما أحل الله.  وإذا كنا لا نقبل حديث الفئران اليهودية الملتزمة بتعاليم الديانة اليهودية بتحريم شرب حليب الخلائف لأنه يتعارض مع سنة الله في خلقه – حيث إنه سبحانه وتعالى لم يخلق فئرانا عاقلة لها دين تؤمن به وتلتزم بتعاليمه, بل لم يخلق حيوانات عاقل أصلا.  فإننا لا نقبل حديث السيف حيث أن قتل الناس ونهب أموالهم ليس من حسن الخلق.  يستحيل أن نؤمن بأن رسول الرحمة كان يعتاش على قتل الناس.  يستحيل.  من يقول بهذا فإنما يقول فحشا.  من يقول بهذا.  أعوذ بالله من القول بهذا.

 

 لا يحتاج الأمر  إلى التوكيد على أن ما قدمته هنا لا يزيد عن كونه “المخطط العام” لمنهج نقد الحديث.  آمل من الله أن يقوم أهلنا ممن تصلهم رسائلنا بتصويبنا إذا كنا قد أخطأنا, أو حتى باقتراح تعديل يجعل الفكرة أكثر وضوحًا.    مرة أخرى, وليست أخيرة إن شاء الله, خالص الشكر لفضيلة الشيخ الطحاينة على حسن توجيهه لنا, فلولا رسالته التي يطلب فيها أن نبين منهجنا في نقد الحديث لما كتبت منهجنا في نقد الحديث.  أثاب الله فضيلة الشيخ الطحاينة, ومنحه الصحة والعافية, وأطال عمره, ونفعنا بعلمه.

 لا يحتاج الأمر حتى إلى الإشارة إلى أن الحديث قد طال بحيث لم يعد هناك مجال للحديث عن حديث الجساسة.  عسى الله أن يرزقنا عمرًا يمكننا من الحديث عن حديث الجس

 

تابع مركز #تطوير_الفقه_الاسلامي

https://www.facebook.com/Islamijurisprudence/

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.