يوم القيامة الجزء الخامس 7 – الفوارق الفيزيائية الأخرى وعدم المَلَل في الجنة 1/2

يوم القيامة الجزء الخامس 7 – الفوارق الفيزيائية الأخرى وعدم المَلَل في الجنة

بالطبع أن فيزياء الكون سوف تتغير قليلا في النشأة الثانية والأخيرة لأنها ستكون قادرة على الاستجابة لأمر ربها بالبقاء الأبدي. وستكون أبداننا من المكونات الجديدة للأرض الجديدة بالطبع لنسعد أو نشقى داخل الأرض الثانية. نحن هنا ننتظر الموت دائما وأبدا كما ننتظر الفقر والمرض والخوف وفقدان الفرص. ولهذا السبب فإن كُلاًّ منا يسعى للتمتع السريع بما يتأتى له من موارد البهجة والحبور الدنيوي من الأكل والملابس والسيارات الفاخرة والزواج والدراسة والبيوت الفاخرة وغير ذلك. ثم إن التمتع في الدنيا يكون عادة من دوافع الحاجة والضعف. فالرجال يشعرون بالضغط الجنسي عند امتلاء البروستات بالسائل المنوي والنساء يشعرن بالحاجة لنفس الشيء عند ما يفكرن في المستقبل والحاجة إلى من يؤنسهن من النسل أو الحاجة الجنسية حينما يسمعن عن الأخريات مثلا. والناس يتلهفون للأكل حين الشعور بالجوع ويسعون للطيبات من الطعام لأنهم يعرفون نفاد قدرتهم على أكل المزيد وهكذا يبحثون عن المشروبات عند العطش ثم يسعون لاختيار الأفضل لعلمهم بمحدودية باطنهم لاستيعاب الشراب. كما أنهم يختارون السيارة لحاجتهم للمركب ولكنهم يختارون الأفضل حتى لا يشعروا بالضعة أمام الذين يملكون مراكب جميلة وجديدة.  وهكذا بقية الملذات التي تفرض نفسها على الإنسان باعتبار الحاجة الشخصية أو الاجتماعية وكذلك الحاجات السياسية والأمنية والعلمية وغير ذلك من حوائج الدنيا. ولذلك فإن التمتع في النشأة الأولى مزيج من خوف الفوات وشعور بالحاجة إلى ذلك المجال الممتع.

وهناك بعض الظواهر التي هي ليست ممتعة بطبيعتها ولكنها ممتعة حين الشعور بالضد مثل الأمان والصحة. فأنت لا تشعر بلذة الأمان دون أن تعرف معنى الخوف وتراه أو تسمع عنه بشدة كما أنك لا تشعر بلذة الصحة إلا إذا عانيت من مرض عضال ثم عافاك الله تعالى من ذلك المرض. ولا يوجد في الجنة أي مظهر من مظاهر الجوع أو العطش الجنسي ولا الجوع والعطش للأكل والشرب ولا الشعور بالحاجة إلى اقتناء السيارة والمركب ولا الشعور بأي نوع من أنواع الخوف وليس هناك أي احتمال لأن يفاجئك الموت أو المرض أو الخسارة المالية أو خسارة المال والبيت أو أي نوع من أنواع المصائب الأخرى مثل فقدان الأحبة والزلازل والاحتلال والحكم الظالم والاغتيال وأي نوع من أنواع المنغصات التي تكدر صفو العيش وتقلص من الهناءة بالملذات.

وحتى نعرف حقيقة اللذة في الآخرة فإننا نتناول المفهوم من زاويتين مختلفتين:

الأولى:

إن الخوف والمرض وكثيرا من مظاهر الحزن والشقاء التي يراها المؤمنون حينما تُتوقد النار الكبرى في نهاية الحساب، أو في عالم البرزخ أو كانوا قد رأوها في الدنيا فهي تبقى في ذاكرتهم إلى الأبد. إن السبب في نسيان المصائب في الدنيا هو أن المرء لا يستعين بالذاكرة النفسية ولكنه مقهور بتصفح المخزونات الذهنية فقط. والخزانة الذهنية تتعرض للتجديد كلما نام المرء حيث تذهب الكثير من الآلام والآمال أدراج الرياح وكما يقوله الناس: كلام الليل يمحوه النهار. والواقع أن كلام ساعات النشاط يمحوه ساعات النوم. فمن الأفضل أن يقولوا: كلام النهار يمحوه الليل. لكن هذه المسائل برمتها مخزونة في مستودعات النفس التي ستكون في متناول يد الناس طيلة الحياة الأبدية التي لا ولن تنتهي. ألا نرى بأن الله تعالى يذكر لنا بأننا في يوم القيامة سوف نُسأل عن كل ما فعلناه في حياتنا الدنيا وذلك بعد أن مررنا على برزخ بطول بلايين السنين. ذلك دليل قرآني واضح بأن النفس تبقى محتفظة بكل ما صورته أو سجلت صوته إلى ما لا نهاية.  وسوف يمر المرء بيوم الحساب العظيم ويرى بأم عينه النار الكبرى ويرى المجرمين يساقون باتجاه النار وبما أنه يستعمل الخزانة النفسية فسوف يبقى دائما وأبدا متفطنا لحال أهل النار الظالمين المجرمين، فيشعر بالفرق ويذوق لذة السلام والأمان والكثير من مظاهر البهجة في الجنة.

قال تعالى في سورة الصافات: فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءلُونَ (50) قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ (51) يَقُولُ أَئِنَّكَ لَمِنْ الْمُصَدِّقِينَ (52) أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَدِينُونَ (53) قَالَ هَلْ أَنتُم مُّطَّلِعُونَ (54) فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاء الْجَحِيمِ (55) قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدتَّ لَتُرْدِينِ (56) وَلَوْلا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (57) أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ (58) إِلاّ مَوْتَتَنَا الأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (59) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (60) لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلْ الْعَامِلُونَ (61) أَذَلِكَ خَيْرٌ نُّزُلاً أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ (62. وقال في سورة الطور: وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءلُونَ (25) قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ (26) فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ (27) إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ (28). وقال في سورة القيامة: كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (38) إِلاّ أَصْحَابَ الْيَمِينِ (39) فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءلُونَ (40) عَنِ الْمُجْرِمِينَ (41) مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42). والتساؤل بظني يفيد تساؤل المرء مع نفسه، إذ لا يعقل أن يتركوا الارتباط متواصلا بين أهل الجنة والنار بعد يوم الفصل. حتى الارتباط بالهمس سوف ينقطع يوما ما لأن تفهمهم لآلام أهليهم السابقين في النار سوف لا يمتعهم ولذلك فإن يوم الفصل قد يكون يوم فصل فعلي بين أهل الجنة وأهل النار.

يتبع  …..

أحمد المُهري

#تطوير_الفقه_الاسلامي

#يوم_القيامة 

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.