معاملة الاسرى في القرآن3 . قتل الأسرى والجرحى عمل صالح يثيب عليه الله

معاملة الاسرى في القرآن3 . قتل الأسرى والجرحى عمل صالح يثيب عليه الله

قدم لنا الطبري, إذن, موقف “أهل العلم” من الآية الكريمة 4 من سورة محمـد.  لا يختلف أحد من أهل العلم هؤلاء, كما يخبرنا الإمام الأعظم رضي الله سبحانه وتعالى عنه وأرضاه, على أن الآية الكريمة تفيد أن الله يطلب منا إطلاق سراح الأسرى وعدم الاحتفاظ بهم.  يبدأ الاختلاف, على أية حال, عندما يبدأ النظر فيما إذا كان هذا هو ما يريده الله منا “الآن” أم أن هذا هو ما كان يريده الله منا “فيما مضى”.  يذهب بعض أهل العلم إلى أن هذا هو ما كان يريده الله منا “فيما مضى” عند نزول الآية الكريمة وهو أيضًا ما يريده الله منا “الآن”.  أي لا فرق بين ما يريده الله “الآن” وما كان يريده “فيما مضى”.  يذهب بعض آخر من أهل العلم, على أية حال, إلى أن ما يريده الله منا “الآن” يختلف عما كان يريده منا “فيما مضى”.  إذا كان الله “فيما مضى” يريد منا إطلاق سراح الأسرى, فإن الله يريد منا “الآن” قتلهم.  يلفت أهل العلم “الآخرون” هؤلاء النظر إلى أن الآية الكريمة 4 من سورة محمـد تمثل ما كان عليه الوضع قبل أن ينزل سبحانه وتعالى الآية 57 من سورة الأنفال التي يطلب فيها منا أن نتوقف عن “أخذ الأسرى”.  أي ألا نبقي على أحد من الكفار الذين نلقاهم في ساحة المعركة.  إذا كان الفريق الأول من أهل العلم, بهذا الشكل, “يتخيل” أن الله يطلب منا إطلاق سراح الأسرى فإن الفريق الثاني “يؤكد” لنا أن موضوع إطلاق سراح الأسرى هذا قد انتهى من زمان حيث إننا الآن ممنوعون من أخذ أسرى من أساسه.  ما يطلبه الله منا الآن لم يعد “إطلاق سراح الأسرى” وإنما “تجفيف منابع الأسر”.  المطلوب الآن ألا يغادر الكفار أرض المعركة إلا وهم جثث.  المسألة, بهذا الشكل, واضحة كل الوضوح.  هناك فريق من “أهل العلم” يرى أن الله يأمرنا بإطلاق سراح الأسرى إما منا وإما فداء, وفريق آخر من “أهل العلم” كذلك يرى أن الله يأمرنا بعدم أخذ أسرى من أساسه.  نحن, بهذا الشكل, أمام موقفين متعارضين لا يمكن التوفيق بينهما.  موقف يرى أن الله سبحانه وتعالى يأمرنا بإطلاق سراح الأسرى, وموقف آخر يرى بأن الله يأمرنا بألا يكون لنا أسرى.  إلا أن الطبري له موقف خاص به.

يرى الطبري أن الآية الكريمة 4 من سورة محمـد لا “تطلب” منا أن نطلق سراح الأسرى كما “يتخيل” أهل العلم, وإنما “تأذن” لنا أن نفعل ذلك.  أي أن الله سبحانه وتعالى “لا يأمرنا” بإطلاق سراح الأسرى إما منا وإما فداء, وإنما “يخبرنا” بأن لنا الحق “إذا شئنا” أن نطلق سراحهم إما منا وإما فداء.   يرى الطبري كذلك أن نفس الشيء ينطبق أيضًا على الآية الكريمة 57 من سورة الأنفال.  مرة أخرى, “لا يأمرنا” سبحانه وتعالى بالقضاء على الكفار الذين نلقاهم في ساحة المعركة وإنما “يخبرنا” بأن لنا الحق, إذا شئنا, في القضاء عليهم.  وهكذا “يزيل” الإمام الأعظم التعارض بين الآية 4 من سورة محمـد وبين الآية 57 من سورة الأنفال.   نحن الآن لا نتعامل مع آيتين تأمرنا إحداهما بإطلاق سراح الأسرى على حين  تأمرنا الأخرى بعدم أخذ أسرى من أساسه – أي قتل كل من وجد على أرض المعركة من الكفار – وإنما نتعامل مع آيتين “تخبرنا” إحداهما بأن لنا الحق – إذا شئنا, وإذا رأينا أن هذا في مصلحتنا – في أن نطلق سراح الأسرى بأي طريقة نشاء على حين “تخبرنا” الأخرى بأن لنا الحق – إذا شئنا, وإذا رأينا أن هذا في مصلحتنا – أن نفني كل الكفار الذين لقيناهم على أرض المعركة.  ونحن أحرار. 

نحن الآن, حسب “تفسير” الطبري هذا, أحرار لنا الحق, إذا شئنا, في مبادلة أسرى الكفار مقابل أسرانا, كما أن لنا الحق في إطلاق سراح أسرى الكفار مقابل مبلغ من المال, بل إن لنا الحق في إطلاق سراحهم دون مقابل من أصله, كما أن لنا, إذا شئنا, أن نجهز عليهم جميعا.  ونحن أحرار.  نحن أحرار, لنا أن نكرم وفادة الأسرى وأن نفك أسرهم, كما أن لنا أن نقص رقابهم.  ونحن أحرار.  هل يحتاج الأمر إلى البرهنة على خطأ الإمام الأعظم فيما يذهب إليه من أن من حقنا أن نفعل ما يخطر ببالنا, ويتفق مع مصلحتنا, وأن الأمر مرجعه إلينا, إذا شئنا أكرمنا وفادتهم وفككنا أسرهم, وإذا شئنا قصصنا رقابهم ؟  أفكر أنه يحتاج.  إلا أني أفكر أن المسألة تحتاج أيضًا إلى أن نفكر.  تحتاج إلى أن نسأل أنفسنا عما إذا كان يمكننا النظر إلى قتل من وقعوا في أيدينا في أرض المعركة على أنه عمل صالح يرضى عنه الله.  يخبرنا الله أن كل ما يطلبه منا لكي ندخل جنته هو الإيمان والعمل الصالح.  والمطلوب منا الآن أن نقرر ما إذا كان من الممكن النظر إلى قتل الأسرى والجرحى في ميدان القتال على أنه عمل صالح يثيبنا الله عليه, فإذا ما قررنا أن قتل الأسرى والجرحى في ميدان القتال عمل صالح يثيب الله عليه فعلينا “التبليغ”.  أي علينا ألا نبخل على خلق الله من غير المسلمين بدعوتهم إلى الاقتداء بنا وقتل الأسرى والجرحى مثلنا, فهذه من صالح الأعمال.   علينا أن نخبرهم أن ديننا ينهانا عن الكذب, والسرقة, والزنا, ويدعونا إلى الصدق, والأمانة, وقتل الأسرى والجرحى.  علينا كذلك أن نبين لهم أن ديننا مثلما يدعونا إلى “إطعام الأسرى” و”إطلاق سراح الأسرى” فهو أيضًا يدعونا إلى “قتل الأسرى” فكلها “أعمال صالحة”.  وكأن المسألة, بهذا الشكل, هي أن “شيطان التناقض” يسكن قلب التفاسير القديمة للقرآن الكريم تمامًا مثلما يسكن قلب الفقه السني القديم.  يستحيل أن يبيح الله لنا قتل الأسرى والجرحى في ميادين القتال.  والإمام الأعظم الطبري, رضي الله جل ثناؤه عنه وأرضاه, قد أخطأ خطئا واضحًا, بينًا, جليًا عندما “تخيل” أن الله قد أباح لنا قتل الأسرى في ميادين القتال.   وللحديث بقية إن كان في العمر بقية.

كمال شاهين 

25 مايو 2015

#تطوير_الفقه_الاسلامي 

https://www.facebook.com/Islamijurisprudence/

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.