ثقافة القرآن للمبتدئين 8- التقوى

8 – التقوى

التقوى كلمة قرآنية معبرة نحتاج إلى معلومات كثيرة كي نفهم معناها. ولذلك سوف نتحدث عن المظاهر البسيطة لها ثم بعض فوائدها الدنيوية. ولا نقصد بمظاهر التقوى ما يظهر لنا من الآخرين فقد يكون رياء منهم أو كذبا وقد يكون صدقا. ولكننا نقصد ما يظهر لأنفسنا كي يتجلى للإنسان مدى تقواه. حينما نقوم صباحا من النوم ونفكر في يومنا وما نريد أن نفعله فإننا لا محالة نفكر فيما يمنعنا من الوصول إلى أهدافنا أيضا. فلو كنا مقبلين على الامتحان النهائي في المدرسة فسوف نفكر فيما لا نعلم قبل أن نفكر فيما نعلم لأننا نريد طمأنة نفوسنا بأننا قضينا على العوائق التي تحول دون نجاحنا في الاختبار.

قد يجول بخاطرنا بأن نخون وننظر إلى ما كتبه الغير وننقله كذبا كإجابة منا. هذا هو مجال الشيطان الذي يزين لنا ذلك فيجعلنا خاملين غير مهتمين بما عملناه بل نريد أن نسرق جناة الآخرين. سنشعر أيضا بأن هناك من يلومنا بداية ويدعو نفوسنا أن نبتعد عن الخيانة ونكتفي بما عندنا ونطلب من الله تعالى المزيد. ذلك هو من وحي ملائكة الرحمن الذين يسعون لهدايتنا. نحن آنذاك وبكامل اختيارنا سوف نختار الطريق المناسبة لتلبية طلبات النفس ولاستجابة رغبات النفس.

إن المتقين وحين الشعور بالحرية فإنهم سرعان ما يفكرون في ربهم العزيز المحيط بهم والذي يراهم والذي يعطيهم بعض الحريات ليختبرهم. هناك يشعر المتقون بأنهم أحرار في اختيار ما يشاؤون ولكنهم ضعفاء أمام النتائج. فالنتائج العاجلة في الدنيا والنتائج الآجلة في الآخرة كلها بيد الله تعالى. أما الدنيا فهو سبحانه يملك كل المتغيرات والذي بيده المتغيرات قادر على قلب النتائج المرجوة رأسا على عقب. فأنت تقوم بحركة تجارية كبيرة لتكسب وتربح ولكنك تخسر ويذهب تعبك وتفكيرك سدى أحيانا. وأما الآخرة فهناك حساب لإذعانك بما أمرك ربك في كتابه الكريم كما أن هناك محاسبة دقيقة لمخالفاتك وهناك حساب لظلمك على غيرك وعلى نفسك وهناك حساب للصدق والكذب في المعاملة.

ولو لم نشعر بالتقوى فنعمل بقوتنا دون مراعاة لغيرنا ولقانون ربنا، فنحن فاسقون مستهترون سوف نخسر عناية ربنا وهداه في الدنيا كما قد نخسر غفرانه ورضوانه يوم الحساب. وعلينا أن لا نغتر بما بيدنا من قدرات فإن الله تعالى بالمرصاد.

فالتقوى تعبير قرآني يدل على أن المتقين هم الذين يعطون الأولوية دائما لله في كل ما بيدهم من قدرات وحريات. الذي يفكر فيما سيعمله بأن حريته تحت المجهر وبأن اختباره الحقيقي ليس في المدرسة بل في نفسه حتى عندما يؤدي امتحانات آخر السنة فهو يتقي ربه. بكل بساطة هذه هي التقوى كمعنى أولي يمكننا جميعا أن ندركه. فلنذهب إلى بعض فوائد التقوى في الدنيا وبعض الفوائد في الآخرة. سأذكر ثلاث آيات تتحدث عن الذي يتق الله تعالى وهن جميعا في سورة الطلاق ولا توجد في القرآن آيات تبدأ بجملة “ومن يتق الله” غيرها.

قال تعالى في سورة الطلاق: فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا (3) وَاللاّئِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللاّئِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا (4) ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا (5).

فوائد التقوى من سورة الطلاق:

يجعل الله مخرجا لمن يتق الله فسوف يرى طريقه واضحة منتجة موصلة إلى هدفه. وقد ينجو من كل مؤامرة وسوء يقصده عدوه ضده.

يرزق الله من يتقيه من حيث لا يحتسب فهو يحسب ولكن الرزق يأتيه من حيث لم يتفطن ولم يفكر فيه.

يسهل الله تعالى مهمة من يتق الله ليشعر باليسر وليرتاح نفسيا بأنه موفق في أعماله وبأن أبواب النجاح مفتوحة أمامه.

يكفر الله تعالى سيئات من يتقيه فلو صدر منه بعض المخالفات فإن ربه سوف ينجيه من آثار تلك المخالفات في دنياه. أضف إلى ذلك بأنه سوف يكسب غفران الله تعالى يوم القيامة لأنه يخاف الله تعالى فلم يكن عصيانه عن تبجح وعناد مع ربه ومع من دونه في الحياة الدنيا.

يعظم الله تعالى أجر المتقين فسوف يستمر العطاء عليهم في الآخرة إلى ما لا نهاية فلا حساب لما يمنحه ربه من تعويضات من كرمه وعطائه العظيم للمتقين.

والآن دعنا نفكر لماذا اهتم الله تعالى بذكر مجموعة كبيرة من فوائد التقوى في سورة الطلاق. والطلاق يعني افتراق الزوجين عن بعضهما البعض وتحرير كل منهما الآخر من تعهداته. ولا سيما الذين دفعوا المال من الرجال فهم بالطلاق يحررون زوجاتهم كما يحررون أنفسهم. والطلاق ليس بيد أحد غير النظام لأن الله تعالى يخاطب النبي وهو رئيس النظام في السورة. أليس معنى ذلك بأن للأسرة أهمية عظيمة في الإسلام وبأنها قوام الأمة وقوام البشرية وبأن أكبر الاختبارات تتم في تلك المملكة الصغيرة؟ فليتق المتزوجون ربهم. 

أحمد المُهري

#تطوير_الفقه_الاسلامي

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.