المؤمنة كاترين – 18- حجاب عند الحاجة 2

المؤمنة كاترين 

المقطع الثامن عشر 

حجاب عند الحاجة (2) 

كانت كاترين منهمكة في تصحيح الاعتمادات المستندية وإذا بسارا وساترين تدخلان عليها لتخبرانها بما حصل بينهما وبين علوي. وقفت كاترين إكبارا لعلوي وأبلغتهما بأن بينهم وبين التعرف على أعماق علوي بون شاسع.

كاترين:

لا غرو فعلوي مجموعة من الشخصيات الفذة تحت كساء واحد. إنني أحبه من كل قلبي وأتمنى أن أبقى تحت قيادته ما دمت أعمل فهو رئيسي الذي أتباهى به وأعتز، كما أتلذذ وأستقل مصاحبته ومزاملته فيا ليت ساعات العمل في البنك تطول أكثر مما هي عليها.

ساترين:

بالله عليك يا كاترين هل لعلوي دور في اقتنائك الحجاب هذا الصباح وهل أنت مصرّة على اتخاذها زيا دائما؟

كاترين:

لا يا ساترين فعلوي ما أشار علي شيئا قط بشأن الحجاب ولعل أول مرة أتحدث معه في هذا الموضوع هو هذا الصباح حيث تكلمنا دون تحريك اللسان. كلما في الأمر أنني لاحظت بأن الحجاب وقاية للمرأة ودرع حصين تدخل الرعب في قلوب المستهترين والطائشين الذين لا يعرفون قيمة للإنسان إذا ما هاجت شهواتهم وانبرت غرائزهم الحيوانية. عزمت بعد أن مررت على حكم الحجاب في الاسلام وأنا في سيارة الفكر. كان ذلك في الأمس حيث توجهت بعد الاقتناع إلى السوق لشراء ما يرضي ضميري ويعذرني أمام الديان إذا ما وقفنا في مجلس قضائه وحكمه يوم الحساب.

كبرت كاترين في عيني سارا وساترين وارتفع شأنها لديهما وعادتا إلى بقية الزملاء والزميلات لتحدثانهم في نهاية الدوام بقصة المدرسة الفكرية التي صنعتها كاترين لنفسها وكيف تطيعها غير عابئة بما يلقى عليها من الآخرين، ذكرتا لهم عمق إيمان كاترين بعلوي وهو إيمان فكري واضح لا دخل له بمغريات الحب والهوى الشهواني فهي على كل حال مهتمة بالحقيقة تدور معها أينما دارت ولا ترضى بغير فكرها الشخصي عبّارة تغوص بها في أعماق الواقعيات والمعنويات المحضة.

توم:

كلما تقولانه صحيح ولكن الحب الشهواني تعني الكثير لدينا فأنا مسيحي ألتقي يوميا بأعداد من شبابنا وشاباتنا وهم يتحدثون في العلوم والفلسفة لكن الهوى تملك قلوبهم وتعصر أوردتهم وهم متعطشون إلى لحظة من الأنس والمدام. سترون أن كاترين تحب علوي وهو يحبها وسينكشف الأمر غدا. سيتزوجان على الأقل إن لم يكونا اليوم في صبابة خفية. وإنني أرجوكما أن تتركا العاطفة حينما تتحدثان عن الحقائق. إن كاترين اليوم برأيي ضمنت زوج المستقبل فهي ليست بحاجة إلى أن تُظهر جمالها وتسرح شعرها ولذلك لبست الحجاب. إنها تعرف بأن حبيبها تحب الحجاب فلبسته.

ساترين:

يحسب الممطور أن الكل تحت المطر، توم يتحدث عن نفسه وعمن في شاكلته من المراهقين والمراهقات، لكن علوي وكاترين يغوصان في خضم الوجدانيات السرمدية الباقية ولا يعبآن بالمقولات الفضولية الحمقاء. هب أنهما تزوجا يوما فهو اقتران كفو بكفو آخر. ليس ذلك إلا امتثالا لإرادة ربنا الحكيم الذي اختار أنبياءه كلهم من الازواج ما عدا المسيح الذي أراد له أن يكون آية تدل على ملكوته فوق السير الطبيعي والعادي.

توم:

لست عارفا بالدين ولكن المسيح هو أقرب الناس إلى الله وهو سيد الانبياء وسيد البشر جميعا بل هو خالق الكون نيابة عن الله.

ساترين:

-وهي تضحك بسخرية- رضيع تلعب به السيدة مريم عاريا وتغسله من الدرن مثل سائر الأطفال، كان خالقا للكون قبل بلايين السنين. كان المسيح عليه السلام مثل بقية الأنبياء طفلا ضعيفا ولما كبر أتى ببعض ما يصعب علينا الاتيان به بأمر الله تعالى ليكون دليلا على نبوته، لكنه بشر مخلوق مات كما يقول المسلمون أو قتل كما يدعيه المسيحيون واندرج مع بقية الأنبياء الذين هم أكثر من بلايين البلايين في أراضي الله تعالى التي لا تعد ولا تحصى داخل الأنظمة الشمسية المحيطة ببلايين البلايين من النجوم في واسع الفضاء. سيعود المسيح وسيعود الأنبياء أمام المحكمة الإلهية. شأنه شأن سائر الناس. هذا الكون كان قبل المسيح ببلايين السنين وسيبقى بعد وفاته بلايين من السنين -كما يدعيه العلماء- قبل أن يندك في بعضها البعض ثم ينشئ الله سبحانه النشأة الآخرة وتقام القيامة. أنى لإنسان من اللحم والعظم أن يخلق الشمس يا توم؟

ثم إن آدم هو أبونا وأبو المسيح وقد أخطأ قبل أن يأتي إلى الأرض ثم تاب وعفا الله عنه فلماذا تخصونه بهذا الهجوم الظالم. إنه أكل من شجرة منع منه فحسب وهناك بين البشر من يفعل القبائح وأنتم تسكتون عنه إلا أباكم آدم الذي لم ينج من سبابكم وشتمكم إلى يوم القيامة.

توم:

آدم قد سبب لنا المشاكل بتسببه للطرد من الجنة فنحن اليوم ضعفاء بسببه وقد أتينا إلى هذه الأرض محفوفين بالمصاعب والشدائد.

ساترين:

-وهي تضحك باستهزاء- من أية جنة طرد آدم يا توم؟

توم:

من الجنة التي وعد الله الطيبين من البشر أن يدخلوها بعد أن يحيوا من جديد.

ساترين:

يعني أن جنات النعيم كانت موجودة منذ خلق آدم؟ فأين كانت؟

توم:

في هذه الأرض، في جبال لبنان واسمها “عدن” وسوف يبدل الله هذه الأرض جنة بعد سنوات فيبقى الطيبون فيها أحياء إلى الأبد ويحيي الله المحسنين الذين ماتوا ليعيشوا فيها بسلام وأمان إلى الأبد.

ساترين:

هذه الأرض لها عمر ينتهي وإن بقي البشر فيها لما بعد اثني عشر ألف سنة من اليوم فإن الحياة ستكون صعبة بسبب انحراف الأرض من تحت نجمة القطب Polaris إلى تحت نجمة فيغاVega في حركتها المخروطية التي تطول 28000 سنة وبسبب انحراف الأرض أكثر من 23,4 درجة بالنسبة لسطح دورانها في حركتها الميلانية التي تتكامل مرة كل 40000 سنة. هذه الحركة التي تحرف الأرض ما بين 21,8 إلى 24,4 من سطح فلكها الدوراني حول سطح الثقل فيها. إثر الحركة المخروطية كان محور أرضنا باتجاه نجمة ثوبان أو الثعبان Thuban قبل5000 سنة وفي بدايات انحرافها باتجاه ثوبان قبل حوالي عشرة آلاف سنة فإن الأرض كانت مغطاة بالجليد.

ثم إن البشر ليس معدا للحياة الأبدية يا توم. إن الله خلق هذا الكون بنجومها -شموسها- وأراضيها لتدور دورة معينة إلى أجل معلوم ثم تموت وتنتهي وخلق الفضاء في حالة اتساع مستمر فالمجرات بنجومها تبتعد عن بعضها البعض شيئا فشيئا حتى تفقد الجاذبية مداها في الكواكب فتنهار الكون وتتحطم وتندك في بعضها البعض ليعود الخلق إلى ما كان عليه قبل الانفجار الكوني. ولعل ربنا أن يبعدها عن بعضها البعض قبل الموعد الطبيعي ليدكها دكة واحدة. كل هذه المسائل العلمية مذكورة في القرآن الكريم ويمكنك التعرف على آياتها عن طريق كاترين التي علمتني بعض ذلك. بعد ذلك يعيد الله الخلق مرة أخرى في نشأتها الثانية بشكل يؤهلها للبقاء الأبدي ويعيد خلق الانسان للحياة الباقية. بالتأكيد سوف نحمل أبدانا -غير ما نحن عليها اليوم- قادرة على البقاء إلى الأبد.

دعني أقول لك يا توم بأن خلق السماوات والأرض ليس أمرا هينا يتم بنفخة كما تراءى للذين كتبوا الأناجيل غير المنزلة من الله تعالى والتي بيدكم الآن. إن الله سبحانه لا يمكن أن يمسه التعب ولم يتعب فعلا في خلقها ولكن خلقها تمت وتطورت في أدوار زمانية في منتهى الطول. لعل كلا منها بلايين السنين من سني الأرض. ذلك لن يتأتى لأحد غير الله أن يحدثه ثم خلق البشر من السماوات والأرض وخلق الأنبياء من البشر ولكنكم بتشجيع من الذين يعيشون على اسم المسيح عليه السلام تغلون في دينكم وعقائدكم التي لا تحمل أساسا علميا. إن الكنيسة المسيحية قتلت أو سجنت بعض كبار العلماء في القرون الوسطى لأنهم اكتشفوا خطأ الكتاب المقدس في ادعائه وسعيه لإثبات مركزية الأرض في الكون وأنها أكبر وأهم كوكب. لقد غالى الكتاب في البشر حينما ذكر بأن الله خلق البشر مشابها لذاته!

يعني أن الله -والعياذ به- ذو عينين وشفتين وأذنين ويدين مثل البشر. ثم كتب حزقيل في الكتاب المقدس بأن الله زاره عدة مرات وكان مشابها للبشر، كان روحا، كان فوقه نور وأسفله نار، كان جالسا على شيء مثل العرش…

إن حزقيل يهذر في الواقع ولا يدري ماذا يقول في تعريف الوجود الذي نسجه فكره وسماه “يهوه” خالق الكون. حزقيل يصف الملائكة الذين يحملون الله حينما زاره الله في بيته بأن لكل منهم أربعة وجوه: وجه إنسان ووجه أسد في اليمين ووجه نسر ووجه ثور في اليسار!! مثل هذا الكتاب مثل الجاهل الذي يفرط أو يفرّط. هكذا يفرط الكتاب المقدس في مدح السيد المسيح ويفرّط في هجو أبينا آدم.

توم:

وما هي جنات عدن يا ساترين؟

ساترين:

عدن في اللغة العربية معناه الاقامة والاستيطان وجنات عدن مثل جنات الخلد وبمعنى واحد تقريبا وهي التي وعد الله عباده المؤمنين وهي لم تخلق بعد.

توم:

كيف تستدلين على قولك هذا؟

ساترين:

لماذا يخلق الله الجنة ولم يأت أوان الدخول فيها؟ لا معنى لخلق الجنة وإحيائها والناس لا زالوا في اختبار. البشر الذين في الأرض يمرون بامتحان منذ آلاف السنين وهناك بشر في الكواكب الأخرى قبلنا وبعدنا ومعنا. ثم إن هذه الكواكب غير قابلة للبقاء الأبدي وسيخلق الله من رفات هذا الكون عالما آخر معدا للبقاء الأبدي وأجساما أخرى للطيبين بل للبشر جميعا ومثلهم للجن معدةً للبقاء الأبدي. سوف لن يكون هناك زوال واضمحلال أو تناقص. لا يشيب الانسان في العالم الآخر وهو عالم الحياة كما لا يمرض ولا يموت.

توم:

وهل في القرآن ما يؤيدك يا ساترين؟

ساترين:

بالطبع ولكني أفضل أن نسأل كاترين فهي ملمة بهذه المسائل.

تخرج كاترين من غرفتها وقد مضى نصف ساعة على الدوام الرسمي كعادتها كل يوم فترى الموظفين والموظفات متجمعين يتحدثون وسط الباحة الداخلية للبنك المدني. ظنت كاترين بأن الدوام لم ينته فنظرت إلى ساعتها مرة أخرى ثم إلى ساعة البنك حتى أيقنت بانتهاء الدوام ثم ذهبت باتجاه الجمع لتحيي الحاضرين وتستكشف أخبارهم.

كاترين:

مرحبا يا شباب البنك وشابّاته.

الحاضرون:

أهلا وسهلا.

توم:

كاترين … هل نذرتي العفة؟

كاترين:

معاذ الله أن أنذر ما يخالف الطبيعة التي خلقنا الله عليها. نحن بشر، ولدنا ويجب علينا أن نستعد للتوليد متى ما سنح لنا. بغير هذا سينتهي الوجود البشري أو يتقلص. لماذا لا يكون للطيبين دور في تكاثر البشر وهو سنة الله في خلقه.

توم:

إذن كيف نذرت العذراء مريم العفة يا كاترين؟

كاترين:

العذراء مريم لم تنذر العفة بالمعنى المتداول بيننا نحن المسيحيين الذين نناقض أنفسنا إذ نعتقد بأن مريم كانت متزوجة من يوسف النجار وأنجبت أخوين لعيسى لكن عيسى لم يكن من نطفة رجل. العذراء مريم نذرتها أمها لله فأودعتها المعبد وكفلها زكريا. العذراء مريم عفت وحفظت شرفها كما تفعل النساء الشريفات وليس في القرآن أو الكتاب المقدس ما يوحي برفض مريم للزواج رفضا كاملا بعكس ما تفعله ناذرات العفة لدينا. العفة الحقيقية بأن تحفظ المرأة نفسها من الفوضى الجنسية كما يحفظ الرجل العفيف نفسه من النهم الحيواني، ولا معنى للعفة عن الزواج الذي أمر به الله ورسله. لكن السيدة مريم عليها السلام ما كانت تبغي الزواج إلا أنها تحب أن تكون أما. أظن بأن هذا ما كان الله تعالى يريده. إنه سبحانه أراد أن يخلق طفلا لامرأة طيبة تحب أن تكون مثل بقية النساء ولكنها لا تحب أو تستحي من الزواج. كان ضروريا أن تكون مريم محبة للأطفال وإلا كان منحها طفلا غير حكيم. هناك الكثير من البنات يستحين أو لا يبغين الجنس لأسباب غير واضحة لنا.

توم:

وكيف تثبتين ما قلتيه بشأن السيدة من القرآن الكريم؟

كاترين:

قال تعالى في سورة مريم: قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا (20) إلى أن يقول القدوس بعدها: فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا (26). بغيا هنا لا يمكن أن تعني البغاء المعروفة لأنها قالت بأن لم يمسسها بشر؛ فالكلمة تعني بأنها لم تكن طالبة الزواج من بغى بمعنى طلب. وقوله تعالى في الآية 26: وقري عينا؛ تفيد بأنها كانت تحب أن يكون لها طفل. بمعنى أنها تحب أن تكون أما ولكنها لا تبغي الزواج؛ وهذا ما أراده الله تعالى الذي يريد امرأة ليثبت سبحانه بها أن المرأة قادرة على الإنجاب بدون أن تمر بالمراحل الجنسية المعروفة كما أظن. ولنكن واقعيين فلا جنس في الجنة إذ لا تكاثر هناك؛ ولذلك كانت مريم العظيمة عليها السلام نموذجا رائعا للحياة الفردوسية وكذلك نموذجا قويا للحياة الدنيوية.

فما هو سر أخواتنا في الكنائس؟

كاترين:

إنهن مضللات. هل هن أفضل من أمهات إسحاق ويعقوب وموسى ومريم اللائي تزوجن وأنجبن؟ بل لا فضل لمن يخالف قانون الطبيعة الذي وضعه الله تعالى أو تقبله وسيّر به سماواته وأراضيه.

يسكت توم ويحدق الأرضَ بعينيه كأنه في دوار وذهول.

ساترين:

كيف تستدلين يا كاترين بآية قرآنية في إثبات أن النشأة الآخرة ستقام على رفات هذا الكون؟

كاترين:

في سورة ق: “أفعيينا بالخلق الأول بل هم في لبس من خلق جديد“.

ساترين:

وهل من آية تذكر عدم توفير الطاقة من الشمس في العالم الثاني؟

كاترين:

يقول ربنا في سورة الإنسان: مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأَرَائِكِ لا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلا زَمْهَرِيرًا (13)، وفي سورة الزمر: وَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاء وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (69). فقد يدل ذلك على عدم توفر السطوع المباشر للشمس. إلا أنها بالطبع ستكون موجودة. لكنني أظن بأن هناك أقمارا تحيط بالأرض المستقبلية لتحول دون أن تسطع الشمس علينا مباشرة. قال تعالى في سورة المدثر: كَلاّ وَالْقَمَرِ (32) وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ (33) وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ (34). فقد تعني الآيات الكريمة بأن القمر سيكون سببا لزوال الليل وبقاء الأرض بحالة الصباح الجميلة دائما وأبدا. وقال تعالى في سورة الصافات: أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ (176) فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ فَسَاء صَبَاحُ الْمُنذَرِينَ (177). بمعنى أن العذاب حينما يحل في الآخرة على المجرمين فإن صباحهم يسوء. هذا يعني بأن لا ليل في المستقبل بل كله صباح.

ساترين:

وكيف نعرف بأن الجنة والنار غير مخلوقتين بعد؟

كاترين:

تريدين أن تعرفي ذلك من القرآن؟

ساترين:

بالطبع.

كاترين:

انظري إلى سورة العنكبوت: أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (19) قُلْ سِيرُوا فِي الأرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20). ويقول تعالى في سورة الروم: اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (11).

ساترين:

المفسرون يقولون بان إعادة الخلق يعني أن الله يخلق ويخلق.

كاترين:

ليس هذا معنى خاطئا ولكنه ليس معنى دقيقا وكاملا للآيات الكريمة. إن إعادة الخلق يمكن أن تعني عودة الكون إلى مكانه أو وضعه قبل الانفجار الكوني وهو ما يحتمله بعض العلماء ويسمونه الانهيار الكوني. إنني واثقة من الانهيار الكوني لقوله تعالى في سورة الأنبياء: لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الأكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ (103) يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاء كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ (104).

        إعادة الخلق هنا يعني انطواء السماء كطي السجل للكتب. نحن اليوم بمساعدة الاكتشافات العلمية نعرف بأن النجوم حينما تنتهي طاقاتها تتكور وتتحول إلى مادة متماسكة لا حراك فيها وفي أجزائها وإلكتروناتها. يقدر بعض العلماء وزن سنتيمتر مكعب من تلك المادة بمئات الآلاف من الأطنان! قد تكون هي المادة التي انفجرت قبل بلايين السنين وانتثرت إثرها النجوم في الفضاء وستعود هذه المواد في انهيار كوني إلى حالتها الأولى ليخلق الله منها النشأة الآخرة. بالتأكيد أن يوم الفزع الأكبر والذي أحتمله يوم الانهيار الكوني ليس هو يوم القيامة. لكنه مقدمة للقيامة ولذلك تُصبِّر الملائكةُ الطيبين وهم في حالة نفسية طبعا، وتطمئنهم بأن هذا هو مقدمة يومكم الذي توعدون. مما لا شك فيه بأن اختيار البشر ينتهي قبل ذلك اليوم فلا يبقى حكم إلا لله وحده وهو من معاني القيامة. هو اليوم الذي ينتهي فيه حكم الظالمين وينتهي فيه دور الشياطين ويقوم الناس لرب العالمين، لكنه يوم طويل يصعب علينا احتساب طول ذلك اليوم بل يستحيل.

ساترين:

ما معنى بدأ الخلق؟ هل هو الانفجار الكوني؟

كاترين:

يتحدث القرآن في هذه الآيات عن البدء الذي يمكن أن يصل إليه البشر         لقوله “أو لم ير” أو “ألم تروا” وما شابه ذلك. البداية التي يؤكدها كثير من الفيزيائيين هي الانفجار الكوني. وبعض المحققين الإسلاميين يظنون بأن الله تعالى قام بتفجير نوري مهيب دون أن تكون هناك مادة لأن المادة مهما كانت صغيرة فهي بحاجة إلى مكان وإلى حرارة شديدة تفجرها؛ فلا مكان قبل ذلك التفجير ولا حرارة في الفيزياء المنظور أو المعلوم لدى البشر. قد يكون من الصعب التفكير بأن يصل الإنسان إلى اكتشاف حقيقة التفجير الأول، كما وصل إلى الانفجار الكوني وأرخ له بعقله ولكن قد يأتي اليوم الذي يؤكد فيه العلماء الانهيار الكوني بل يوقتونه.

ساترين:

لماذا لا يفصل الله سبحانه بين مقاطع هذا اليوم فيسمي كلا منها يوما ليسهل علينا فهمه؟

كاترين:

لا جدوى في ذلك. إن الله تعالى يتحدث عن المقاطع الزمنية بأيامه الخاصة أحيانا وبأيامنا نحن أحيانا أخر. فيوم كان ولم يكن هناك خلق، ويوم خلق الكائنات وملأ السماوات والأرض بالموجودات العاقلة يعتبرهما يومين فقط. يقول الله في سورة الرحمن: يَسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ (29). العناية هنا في أفهام الناس بأن هناك يوم كان الله تعالى فيه وحيدا ثم خلق فتغير شأنه من حيث أنه كان وحيدا لا يُسأل ولا يُدعى -بضم الياء- ثم خلق والخلق كله محتاج إلى الله يسأله ويلح عليه فصار الله تعالى يُسأل ويُدعى -بضم الياء-. أراد الله تعالى أن يعطينا المعنى لتغيير الشأن دون إعلامنا بزمان ومدة كل حالة. لا يمكن للبشر أن يدرك زمان الشأن الأول حيث أنه بلا بداية فالشأن الأول غير محدد بالزمان كما أن الشأن الثاني أيضا غير محاط بالزمان لأن الخلق أتوا ليبقوا ويخلدوا فلا نهاية لهذا اليوم الثاني. ولذلك سماهما الله تعالى باليوم دون تحديد معناه كما أظن.

وبما أن المنطق البشري الذي أرسل القرآن الكريم بلغته عاجز عن إدراك حقيقة الأزل والأبد فإن الله تعالى يكتفي بذكر كلمة “يوم” ليفصل بينهما فالأول فترة زمنية لا بداية لها والثاني فترة زمنية لا نهاية لها وكل منهما يوم. يوم غير ممكن التحديد بآلة الزمان.

يوم القيامة هو بالأحرى اليوم الذي ينتهي فيه الامتحان وتنتهي معه خلافة البشر لله سبحانه في الأرض وتنتهي بذلك الإرادة غير الربانية وتقفل أبواب الحكومات البشرية والجنية وتبدأ معه سلسلة الترتيبات الطبيعية للجزاء. هذه السلسلة تشمل تغيير الطابع المصرفي للطاقة التي تحرقها الشموس الفعلية حتى تنتهي بطابع أبدي بلا نهاية. فيقوم من يقوم لرب العالمين منذ اللحظة التي تنتهي فيها الحياة الدنيوية. تتكور الشموس -النجوم- وتندك المواد وتنطوي السماء بكاملها ثم يعيد الله الخلق لإنشاء الحياة الباقية الأبدية وبعد أن تتكامل الأرض الجديدة أو الأراضي الجديدة وتخلق الطاقة غير المتناهية والأبدية ينتشر البشر مرة أخرى في الأرض ويحاكمون ثم يساقون إلى الجنة مسرورين أو إلى النار والعياذ بالله بعد صدور أحكام الرحمن لكل فرد من عبيده.  فيوم القيامة وحدة زمنية سماها الله سبحانه باليوم دون تحديد زمانه لأنه لا ينتهي تفريقا بينه وبين اليوم الذي كان فيه حكم جزئي غير إلهي تبعا لقوة الإرادة التي منحها الله تعالى لبعض عباده حتى يختبرهم.

ساترين :

هل في القرآن ما يدل على تغيير السماوات والأرض؟

كاترين:

في سورة إبراهيم: يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُواْ للّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (48).

سارا:

ألا تذهبون إلى بيوتكم قبل أن يمنعنا حرس البنك من البقاء هنا.

أحد الحرس:

لا مانع من بقائكم إن شئتم؟

كاترين:

شكرا يا عم مشعان ولكننا سنذهب. هيا بنا يا بنات ويا شباب لنذهب إلى بيوتنا فإن لأنفسنا علينا حقا أو لأبداننا بالأحرى.

انفض الجمع وخرجوا باتجاه بيوتهم.

يتبع

جلسة الإثنين (1)

أحمد المُهري

4/5/2019

#تطوير_الفقه_الاسلامي

ادعموا صفحتكم بالنشر و المشاركة https://www.facebook.com/Islamijurisprudence/

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.