معاملة الاسير في الاسلام
تابع مركز #تطوير_الفقه_الاسلامي
https://www.facebook.com/Islamijurisprudence
معاملة الأسير في الإسلام
لماذا؟
لماذا قال الشافعي بجواز استرقاق الأسرى؟ ولماذا أجاز أبو حنيفة والشافعي قتلهم؟ ولماذا قال مجاهد بالإجهاز عليهم جميعًا؟ ولماذا قال قتادة إنما نحن مخيرون إذا شئنا فككنا أسرهم, وإذا شئنا قطعنا رؤوسهم, وفي كل خير؟ لماذا انتهى الفقه الشافعي إلى جواز فقأ عيني الأسير، أو فقأ عينيه مع قطع يديه ورجليه، أو قطع يدٍ واحدة ورجل واحدة؟ ولماذا أجاز الفقه الحنفي أن نضع النساء والأطفال في أرض مضبعة حتى يموتوا جوعًا وعطشًا إذا لم يستطيعوا السير حتى دار الإسلام؟ من أين جاء الفقيه السني القديم, والمفسر السني القديم, بفكرة أن هذا هو ما قاله الله؟ ولماذا حدثنا الفقيه السني القديم, والمفسر السني القديم, وكأن المتحدث هو الله؟ ولماذا ذهب تيار من أهل الفضل, والعلم, والنظر من أهل السنة والجماعة إلى جواز قتل الأسرى وأكل لحومهم؟ ولماذا يتم تدريس هذا بالأزهر الشريف حتى اليوم؟
أحمد عبده ماهر
15 يونيو 2015
أمضيت ليلة أمس وقتًا طويلاً في التحاور مع صديق عزيز من أعضاء مركز تطوير الفقه الإسلامي. شن سيادته هجومًا عنيفًا على ما يقوم به المركز من بيان عوار الفقه السني القديم. كان ردي على سيادته أن الهدف مما يقوم به المركز هو التعرف على ما يريده الله منا لا ما يريده الأئمة العظام منا. قلت له إن رسالة الأمس المتعلقة بزواج المسلمين من غير المسلمين قد أوضحت تمامًا, أن أئمتنا العظام كانوا يقرأون ما يخبرنا به الله في كتابه الكريم ويخبروننا بعكسه تماما. يخبرنا الله بأنه أحل لنا أن نتزوج من الكتابيات, يقرأ الأئمة العظام ذلك فيخبروننا بأن الله قد حرم علينا الزواج من الكتابيات. والمسألة, بهذا الشكل, بالشقلوب. قلت له إن هذا واضح تمام الوضوح في موضوع معاملة الأسير. يخبرنا الله بأن من أراد دخول الجنة فعليه بالإحسان إلى الأسير الكافر عدو الإسلام والمسلمين. يقرأ الأئمة العظام ذلك فيخبروننا بأن لنا أن نطلق سراحهم لوجه الله, أو مقابل بعض المال, أو أن نستعبدهم, أو أن نقتلهم, وفي كل خير وعلى كل وثواب. والمسألة, بهذا الشكل, مرة أخرى, بالمقلوب. والفكرة الأساسية من وراء هذا البحث هو بيان أن الأئمة العظام عندما قاموا بتفسير القرآن إنما كانوا يفسرونه على ضوء الأعراف, والتقاليد, والعادات العربية القديمة. وكأن المسألة, بهذا الشكل, أن التفسير الذي قدموه لنا لا يتفق مع ما يريده الله وإنما مع ما تريده الثقافة العربية القديمة.
- معاملة الأسير في القرآن الكريم
عرض القرآن الكريم في عدة مواقع إلى طريقة معاملة الأسرى. تبيِّن الآيات التي جاءت في هذه المواقع, بوضوح, طريقة معاملة الأسرى التي ترضي الله. يظهر هذا بوضوح كامل في الآيات الكريمة التي جاءت في سورة الإنسان. يقول عز من قائل:
هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً (1) إِنَّا خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً (2) إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً (3) إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلاسِلاً وَأَغْلالاً وَسَعِيراً (4) إِنَّ الأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً (5) عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيراً (6) يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً (7) وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً (8) إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً (9) إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً (10) فَوَقَاهُمْ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً (11) وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً (12) مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأَرَائِكِ لا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلا زَمْهَرِيراً (13) وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً (14) وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَ (15) قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيراً (16) وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْساً كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلاً (17) عَيْناً فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً (18) وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَنثُوراً (19) وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً (20) عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً (21) إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً (22) إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلاً (23) فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً (24) وَاذْكُرْ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (25) وَمِنْ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً (26) إِنَّ هَؤُلاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً (27) نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلاً (28) إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً (29) وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً (30) يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً (31)
تبيّن الآيات الكريمة كيف أن من كانوا يخافون يومًا كان شره مستطيرًا, كانوا يطعمون الطعام على حبه مسكينًا, ويتيمًا, وأسيرًا, ويقولون لمن يطعمونهم إنهم إنما يطعمونهم لوجه الله لا يريدون منهم جزاءً ولا شكورًا, ذلك أنهم يخافون من ربهم يومًا عبوسًا قمطريرًا. تبين الآيات, أيضًا, كيف أن الله يقي من يفعل ذلك شر هذا اليوم ويلقاهم نضرة وسرورًا, ويجزيهم بما صبروا جنة وحريرًا, جالسين على الأرائك لا يرون شمسًا ولا زمهريرًا, دانية عليهم ظلالها وذللت لهم قطوفها, يطاف عليهم عليهم بآنية من فضة وأكواب كانت قواريرًا, إلى آخر الآيات الكريمة. والرسالة واضحة: على من كان يرجو جنة ربه أن يحسن معاملة الأسرى في غير انتظار لجزاء, أو مكافأة, أو حتى شكر, وإنما لوجه الله, ولوجه الله فقط.
يهدف هذا المقال إلى دراسة الطريقة التي “فهم” بها أهل الفضل, والعلم, والنظر من أهل السنة والجماعة هذه “الرسالة”. أي كيف فهموا الآيات الكريمة التي عرضت لمعاملة الأسرى في سورة الإنسان.
أولاً: أسباب التنزيل
بداية, وكما هي عادة أهل العلم, والفضل, والنظر من أهل السنة والجماعة – رضي الله عنهم جميعًا وأرضاهم أجمعين – في تفسير آيات الله, يورد المفسرون ما يطلقون عليه اسم “أسباب التنزيل”. أي يوردون الأحداث التاريخية التي وقعت في مكة أو المدينة والتي بسببها نزلت آيات الله. يخبرنا البغوي, في حالتنا هذه, بأن المفسرين قد اختلفوا في سبب نزول الآيات الخاصة بمعاملة الأسرى. على حين قال مقاتل إنها نزلت في رجل من الأنصار أطعم في يوم واحد مسكينًا, ويتيمًا, وأسيرًا, روى مجاهد وعطاء عن ابن عباس أنها نزلت في علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وذلك أنه عمل ليهودي بشيء من شعير، فقبض الشعير فطحن ثلثه فجعلوا منه شيئاً ليأكلوه، فلما تم إنضاجه أتى مسكين فسأل فأخرجوا إليه الطعام، ثم عمل الثلث الثاني فلما تم إنضاجه أتى يتيم فسأل فأطعموه، ثم عمل الثلث الباقي فلما تم إنضاجه أتى أسير من المشركين فسأل فأطعموه، وطووا يومهم ذلك. ذكر الحسن وقتادة, إضافة إلى ذلك, أن الأسير كان من أهل الشرك، وفي هذا دليل على أن إطعام الأسرى – وإن كانوا من أهل الشرك – حسن يرجى ثوابه.
المسألة, إذن, وباختصار, أن رجلاً من الأنصار – أو عليًا بن أبي طالب – قد أطعم في يوم واحد مسكينًا, ويتيمًا, وأسيرًا, فنزلت الآيات الكريمة لبيان كيف أن من فعل ذلك إنما فعله لوجه الله سبحانه وتعالى وكيف أن الله جل ثناؤه يجزي على ذلك خير الجزاء. أكثر من ذلك, تبيّن الخلفية التاريخية كيف أن الأسير كان من أهل الشرك وهو ما يبيِّن بوضوح ليس بعده وضوح أن “إطعام الأسرى – وإن كانوا من أهل الشرك – عمل حسن يرجى ثوابه.”
من هو “الأسير” الذي تتحدث عنه الآية الكريمة ؟
لا يوجد لدي أدنى شك في أن قاريء الآية الكريمة وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً لا يوجد لديه أدنى شك عند قراءته لها أول مرة – إن لم يكن كل مرة – في أن كلمة “أسير” هنا تشير إلى “الحربي من أهل دار الحرب الذي أخذ قهرًا بالغلبة”. لا يحتاج الأمر, على أية حال, إلى أكثر من قراءة “سريعة” لكتب التفسير لإدراك أن الأمر ليس كما كنا نظن.
بداية, يخبرنا الطبري أن أهل العلم قد اختلفوا في معنى كلمة “أسير”.
- ذهب البعض إلى أن كلمة الأسير هنا تشير إلى الحربيّ من أهل دار الحرب يُؤخذ قهرا بالغلبة, على حين
- ذهب البعض الآخر إلى أنها تشير إلى العبد, على حين
- ذهب بعض آخر إلى أنها تشير إلى المسجون من أهل القبلة يُؤخذ فيُحبس بحقّ. قال أبو سعيد الخدري في هذا السياق إن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قرأ *ويطعمون الطعام على حبه مسكينًا, ويتيمًا, وأسيرا* فقال “المسكين الفقير، واليتيم الذي لا أب له، والأسير المملوك والمسجون.”, على حين
- ذهب بعض رابع إلى أنه يحتمل أن يراد بالأسير الناقص العقل لأنه في أسر خبله وجنونه, على حين
- ذهب بعض خامس إلى أن الكلمة قد تشير إلى المرأة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم “اتقوا الله في النساء فإنهن عندكم عوان”. أي أسرى.
لا يشير مصطلح “الأسير”, بهذا الشكل, إلى “الحربي من أهل دار الحرب يؤخذ قهرًا بالغلبة” وحسب, كما كنا نتخيل, وإنما يشير كذلك إلى العبيد, والمساجين من أهل الإسلام, بل والمجانين والنساء كذلك. يمكن لمصطلح الأسير, بهذا الشكل, أن يشير إلى أي من هؤلاء أو إلى كل هؤلاء. في قرائتنا للآية الكريمة, بهذا الشكل, علينا أن نتبيّن أولاً ما إذا كانت الإشارة هنا إلى “أسرى الحرب” أم إلى العبيد, أم إلى المساجين, أم إلى النساء, أم إلى المجانين, أم إلى كل هؤلاء. في أي محاولة “لتبين” ذلك يمكننا, إذا أردنا, أن نأخذ هذه الإشارات واحدة وراء الأخرى لاستكشاف ما إذا كان من الممكن للمصطلح فعلاً أن يشير إليها. مثال على ذلك, هل يمكن للمصطلح أن يشير إلى المساجين؟ ثم هل يمكن للمصطلح أن يشير إلى النساء؟ ثم هل يمكن للمصطلح أن يشير إلى العبيد؟ دعنا نرى. ثم هل يمكن للمصطلح أن يشير إلى المجانين؟ دعنا نبدأ بالمساجين.
فكرة أن تطوف المساجين على البيوت باحثة عما تأكله فكرة من الصعب قبولها كما أن من الصعب رفضها. يعود ذلك إلى أن المساجين تعيش “في العادة” في أماكن مغلقة لا يسمح لهم بمغادرتها. المشكلة أنه لا تتوفر “لدي” أي معلومات عن أنظمة السجون في الحجاز في الجاهلية أو القرن الأول من الهجرة. يمكن, مثلا, في حالة ما إذا أثبت البحث التاريخي أن “المساجين” كانت حرة طليقة تخرج في أوقات معينة بحثا عن الطعام ثم تعود بعد ذلك إلى السجن لقضاء العقوبة, يمكن قبول فكرة أن الآية تشير إلى المساجين. يمكن كذلك إذا أثبت البحث التاريخي أن السجون كانت تقبل الصدقة على شكل أطعمة, يمكن تقبل فكرة أن الناس كانت ترسل الطعام إلى هؤلاء المساجين. في ظل المعلومات المتاحة لنا حاليًا عن أنظمة السجون في الحجاز في الجاهلية والقرن الأول الهجري لا يمكن قبول أو رفض فكرة أن مصطلح “الأسير” يشير إلى المساجين.
إذا كان من الصعب رفض أو قبول فكرة أن مصطلح “أسير” يشير إلى المساجين لعدم توفر المعلومات اللازمة للحكم بالرفض أو القبول, فإن من السهل رفض فكرة أن مصطلح “أسير” يشير إلى النساء. فكرة أن النساء تجوز عليهن “الصدقة” لمجرد أنهن نساء فكرة لا يمكن قبولها. نحن نعلم أن نساء الطبقة الثرية في أي بلد كن يعشن لا تجوز عليهن الصدقة. ينطبق ذلك على الحجاز كما ينطبق على روما. حقيقة الأمر, نحن نعلم أن كثيرًا من نساء مكة والمدينة كن على قدر كبير من الثراء. لا يقدم الناس الطعام “للنساء” وإنما لمن لا يجد ما يأكل. القول بأن الله يثيب من يقدم الطعام للنساء لمجرد أنهن نساء قول غير مستقيم.
ويبقى العبيد والمجانين. والسؤال هنا هو كالتالي: هل كان العرف اللغوي وقت نزول الآية الكريمة هو الإشارة إلى العبيد والمجانين باستخدام مصطلح “أسير”. عندما كان الرجل يسأل عما يفعله عبده هل كان يقول “ماذا يفعل أسيري؟”, أم كان يقول “ماذا يفعل عبدي؟” والإجابة أن العرف اللغوي لا يستخدم كلمة “أسير” للإشارة إلى العبيد والمجانين.
يعني ما سبق أن ذهاب المفسرين إلى أن مصطلح “أسير” يشير إلى العبيد, أو المساجين, أو النساء, أو المجانين, أو أسرى الحروب, أو يشير إلى كل هؤلاء بما في في ذلك أسرى الحروب, هو أمر غير مستقيم. لا يستخدم مصطلح “أسير” في اللغة العربية للإشارة إلى العبيد, أو المساجين, أو النساء, أو المجانين, وإنما للإشارة إلى أسرى الحروب.
ما هو ثواب من أطعم أسيرا؟
يذكر الطبري أن سليمان بن قيس قد قال إن “الله جلّ ثناؤه يعني بقوله مسكينا ذوي الحاجة الذين قد أذلتهم الحاجة،ويَتِيمًا وهو الطفل الذي قد مات أبوه ولا شيء له, وأسِيرًا وهو الحربيّ من أهل دار الحرب يُؤخذ قهرا بالغلبة، أو من أهل القبلة يُؤخذ فيُحبس بحقّ. فأثنى الله على هؤلاء الأبرار بإطعامهم هؤلاء تقرّبا بذلك إلى الله وطلب رضاه، ورحمة منهم لهم.” كذلك ذكر البغوي, في معرض حديثه عن أسباب النزول, أن الحسن وقتادة قد قالا إن الأسير كان من أهل الشرك وفيه دليل على أن إطعام الأسارى، وإن كانوا من أهل الشرك، حسن يرجى ثوابه. يشير القرطبي, على أية حال, إلى أن سعيد بن جبير قد ذكر أن آية السيف قد نسخت إطعام الأسير وإن كان قد قيل كذلك أن إطعام الأسير لم ينسخ بل هو ثابت الحكم. أوضح القرطبي, على أية حال, أن من ذهبوا إلى أن إطعام الأسير هو حكم ثابت قد بينوا أن:
“إطعام الأسير لحفظ نفسه إلى أن يتخير فيه الإمام, وأسر المشرك انتقام يقف على رأي الإمام, وهذا بر وإحسان.”
يذهب سليمان بن قيس إلى أن الله يثني على هؤلاء الأبرار الذين يطعمون الأسِير الحربيّ من أهل دار الحرب تقرّبا بذلك إلى الله وطلب رضاه، ورحمة منهم لهم. كذلك يؤكد على أن إطعام الأسارى – وإن كانوا من أهل الشرك – حسن يرجى ثوابه. المشكلة أن سعيد بن جبير قد ذكر أن آية السيف قد نسخت آية إطعام الأسير. حقًا, كان هناك من أكد أن آية إطعام الأسير لم تنسخ بل هي ثابتة الحكم, إلا أن من أكد هذا قد أكد أيضًا أن “أسر المشرك انتقام يقف على رأي الإمام”. أي أن للإمام أن “يتخير” فيه. إن شاء أن يطلق سراحه بلا مقابل أطلقه, وإن شاء أن يقبل فيه الفدية قبل, وإن شاء أن يستعبده استعبده, وإن شاء أن يقتله قتله. وإلى أن يأخذ الإمام قراره فإطعام الأسير لحفظ نفسه. وهذا بر وإحسان.
هذا هو التفسيرالسني القديم. يخبرنا الله في كتاب الله بأن الله يثيبنا على إطعام الأسير. يقرأ ذلك أهل الفضل, والعلم, والنظر من أهل السنة والجماعة – رضي الله تبارك وتعالى عنهم جميعًا وأرضاهم أجمعين – فيخبروننا بأن الله يثيبنا على إطعام الأسير إلى أن يحين وقت قتله.وسبحان الله الذي لا إله إلا هو.
وإن الحمد لله, والشكر لله, على ما آتانا وما لم يؤتِنا, وما أعطانا وما لم يعطِنا.
19 مايو 2015
سورة الإنسان
*هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً (1) إِنَّا خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً (2) إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً (3) إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلاسِلاً وَأَغْلالاً وَسَعِيراً (4) إِنَّ الأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً (5) عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيراً (6) يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً (7) وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً (8) إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً (9) إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً (10) فَوَقَاهُمْ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً (11) وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً (12) مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأَرَائِكِ لا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلا زَمْهَرِيراً (13) وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً (14) وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَ (15) قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيراً (16) وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْساً كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلاً (17) عَيْناً فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً (18) وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَنثُوراً (19) وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً (20) عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً (21) إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً (22) إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلاً (23) فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً (24) وَاذْكُرْ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (25) وَمِنْ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً (26) إِنَّ هَؤُلاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً (27) نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلاً (28) إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً (29) وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً (30) يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً (31)
تفسير الطبري
وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا
وقوله وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا يقول تعالى ذكره: كان هؤلاء الأبرار يطعمون الطعام على حبهم إياه، وشهوتهم له. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا يحيى بن طلحة اليربوعي، قال: ثنا فضيل بن عياض، عن منصور، عن مجاهد، في قوله يطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ قال: وهم يشتهونه. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا أبو العريان، قال: سألت سليمان بن قيس أبا مقاتل بن سليمان عن قوله وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا قال: على حبهم للطعام. وقوله مِسْكينًا يعني جلّ ثناؤه بقوله مسكينا ذوي الحاجة الذين قد أذلتهم الحاجة، ويَتِيمًا وهو الطفل الذي قد مات أبوه ولا شيء له, وأسِيرًا وهو الحربيّ من أهل دار الحرب يُؤخذ قهرا بالغلبة، أو من أهل القبلة يُؤخذ فيُحبس بحقّ. فأثنى الله على هؤلاء الأبرار بإطعامهم هؤلاء تقرّبا بذلك إلى الله وطلب رضاه، ورحمة منهم لهم.
واختلف أهل العلم في الأسير الذي ذكره الله في هذا الموضع، فقال بعضهم: بما حدثنا به بشر، قال: ثنا يزيد، قال ثنا سعيد، عن قتادة، قوله وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا قال: لقد أمر الله بالأسراء أن يحسن إليهم، وإن أسراهم يومئذ لأهل الشرك. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة وأسِيرًا قال: كان أسراهم يومئذ المشرك، وأخوك المسلم أحقّ أن تطعمه. قال: ثنا المعتمر، عن أبيه، عن أبي عمرو أن عكرِمة قال في قول وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا زعم أنه قال: كان الأسرى في ذلك الزمان المشرك. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا حماد بن مسعدة، قال: ثنا أشعث، عن الحسن وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا قال: ما كان أسراهم إلا المشركين. وقال آخرون: عني بذلك: المسجون من أهل القبلة. ذكر من قال ذلك حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: الأسير: المسجون. حدثني أبو شيبة بن أبي شيبة، قال: ثنا عمر بن حفص، قال: ثني أبي عن حجاج، قال: ثني عمرو بن مرّة، عن سعيد بن جُبير في قوله الله مسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا من أهل القبلة وغيرهم، فسألت عطاء، فقال مثل ذلك. حدثني علي بن سهل الرملي، قال: ثنا يحيى – يعني: ابن عيسى – عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد وأسِيرًا قال: الأسير هو المحبوس.
حدثنا ابن حميد قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. والصواب من القول في ذلك أن يقال إن الله وصف هؤلاء الأبرار بأنهم كانوا في الدنيا يطعمون الأسير، والأسير الذي قد وصفت صفته؛ واسم الأسير قد يشتمل على الفريقين، وقد عمّ الخبر عنهم أنهم يطعمونهم فالخبر على عمومه حتى يخصه ما يجب التسليم له. وأما قول من قال: لم يكن لهم أسير يومئذ إلا أهل الشرك، فإن ذلك وإن كان كذلك، فلم يخصص بالخبر الموفون بالنذر يومئذ، وإنما هو خبر من الله عن كلّ من كانت هذه صفته يومئذ وبعده إلى يوم القيامة، وكذلك الأسير معنيّ به أسير المشركين والمسلمين يومئذ، وبعد ذلك إلى قيام الساعة.
تفسير القرطبي
قوله تعالى : ويطعمون الطعام على حبه قال ابن عباس ومجاهد : على قلته وحبهم إياه وشهوتهم له . وقال الداراني : على حب الله . وقال الفضيل بن عياض : على حب إطعام الطعام . وكان الربيع بن خثيم إذا جاءه السائل قال : أطعموه سكرا فإن الربيع يحب السكر . مسكينا أي ذا مسكنة. وروى أبو صالح عن ابن عباس قال : هو الطواف يسألك مالك ويتيما أي من يتامى المسلمين. وروى منصور عن الحسن : أن يتيما كان يحضر طعام ابن عمر، فدعا ذات يوم بطعامه، وطلب اليتيم فلم يجده، وجاءه بعدما فرغ ابن عمر من طعامه فلم يجد الطعام، فدعا له بسويق وعسل; فقال : دونك هذا، فوالله ما غبنت. قال الحسن وابن عمر : والله ما غبن. وأسيرا أي الذي يؤسر فيحبس. فروى أبو صالح عن ابن عباس قال : الأسير من أهل الشرك يكون في أيديهم. وقال قتادة. وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال : الأسير هو المحبوس. وكذا قال سعيد بن جبير وعطاء : هو المسلم يحبس بحق. وعن سعيد بن جبير مثل قول قتادة وابن عباس. قال قتادة : لقد أمر الله بالأسرى أن يحسن إليهم، وإن أسراهم يومئذ لأهل الشرك، وأخوك المسلم أحق أن تطعمه. وقال عكرمة : الأسير العبد. وقال أبو حمزة الثمالي : الأسير المرأة ، يدل عليه قوله – عليه السلام – : استوصوا بالنساء خيرا فإنهن عوان عندكم أي أسيرات. وقال أبو سعيد الخدري : قرأ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا فقال : “المسكين الفقير، واليتيم الذي لا أب له، والأسير المملوك والمسجون ذكره الثعلبي. وقيل : نسخ إطعام المسكين آية الصدقات; وإطعام الأسير آية السيف; قاله سعيد بن جبير. وقال غيره : بل هو ثابت الحكم، وإطعام اليتيم والمسكين على التطوع، وإطعام الأسير لحفظ نفسه إلا أن يتخير فيه الإمام. الماوردي : ويحتمل أن يريد بالأسير الناقص العقل; لأنه في أسر خبله وجنونه، وأسر المشرك انتقام يقف على رأي الإمام ; وهذا بر وإحسان. وعن عطاء قال : الأسير من أهل القبلة وغيرهم . قلت : وكأن هذا القول عام يجمع جميع الأقوال، ويكون إطعام الأسير المشرك قربة إلى الله تعالى، غير أنه من صدقة التطوع، فأما المفروضة فلا. والله أعلم. ومضى القول في المسكين واليتيم والأسير، واشتقاق ذلك من اللغة في “البقرة” مستوفى والحمد لله .
تفسير ابن كثير
” عَلَى حُبّه ” قِيلَ عَلَى حُبّ اللَّه تَعَالَى وَجَعَلُوا الضَّمِير عَائِدًا إِلَى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ لِدَلَالَةِ السِّيَاق عَلَيْهِ وَالْأَظْهَر أَنَّ الضَّمِير عَائِد عَلَى الطَّعَام أَيْ وَيُطْعِمُونَ الطَّعَام فِي حَال مَحَبَّتهمْ وَشَهْوَتهمْ لَهُ قَالَهُ مُجَاهِد وَمُقَاتِل وَاخْتَارَهُ اِبْن جَرِير كَقَوْلِهِ تَعَالَى ” وَآتَى الْمَال عَلَى حُبّه ” وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى ” لَنْ تَنَالُوا الْبِرّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ” . وَرَوَى الْبَيْهَقِيّ مِنْ طَرِيق الْأَعْمَش عَنْ نَافِع قَالَ : مَرِضَ اِبْن عُمَر فَاشْتَهَى عِنَبًا أَوَّل مَا جَاءَ الْعِنَب فَأَرْسَلَتْ صَفِيَّة يَعْنِي اِمْرَأَته فَاشْتَرَتْ عُنْقُودًا بِدِرْهَمٍ فَاتَّبَعَ الرَّسُول سَائِل فَلَمَّا دَخَلَ بِهِ قَالَ السَّائِل : السَّائِل فَقَالَ اِبْن عُمَر : أَعْطُوهُ إِيَّاهُ فَأَعْطَوْهُ إِيَّاهُ فَأَرْسَلَتْ بِدِرْهَمٍ آخَر فَاشْتَرَتْ عُنْقُودًا فَاتَّبَعَ الرَّسُول السَّائِل فَلَمَّا دَخَلَ قَالَ السَّائِل : السَّائِل فَقَالَ اِبْن عُمَر : أَعْطُوهُ إِيَّاهُ فَأَعْطَوْهُ إِيَّاهُ فَأَرْسَلَتْ صَفِيَّة إِلَى السَّائِل فَقَالَ وَاَللَّه إِنْ عُدْت لَا تُصِيب مِنْهُ خَيْرًا أَبَدًا ثُمَّ أَرْسَلَتْ بِدِرْهَمٍ آخَر فَاشْتَرَتْ بِهِ . وَفِي الصَّحِيح ” أَفْضَل الصَّدَقَة أَنْ تَصَدَّق وَأَنْتَ صَحِيح شَحِيح تَأْمُل الْغِنَى وَتَخْشَى الْفَقْر” أَيْ فِي حَال مَحَبَّتك لِلْمَالِ وَحِرْصك عَلَيْهِ وَحَاجَتك إِلَيْهِ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى ” وَيُطْعِمُونَ الطَّعَام عَلَى حُبّه مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا ” أَمَّا الْمِسْكِين وَالْيَتِيم فَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانهمَا وَصِفَتهمَا وَأَمَّا الْأَسِير فَقَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر وَالْحَسَن وَالضَّحَّاك : الْأَسِير مِنْ أَهْل الْقِبْلَة وَقَالَ اِبْن عَبَّاس كَانَ أُسَرَاؤُهُمْ يَوْمئِذٍ مُشْرِكِينَ وَيَشْهَد لِهَذَا أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ أَصْحَابه يَوْم بَدْر أَنْ يُكْرِمُوا الْأُسَارَى فَكَانُوا يُقَدِّمُونَهُمْ عَلَى أَنْفُسهمْ عِنْد الْغَدَاء وَقَالَ عِكْرِمَة هُمْ الْعَبِيد وَاخْتَارَهُ اِبْن جَرِير لِعُمُومِ الْآيَة لِلْمُسْلِمِ وَالْمُشْرِك وَهَكَذَا قَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر وَعَطَاء وَالْحَسَن وَقَتَادَة وَقَدْ وَصَّى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْإِحْسَانِ إِلَى الْأَرِقَّاء فِي غَيْر مَا حَدِيث حَتَّى إِنَّهُ كَانَ آخَر مَا أَوْصَى أَنْ جَعَلَ يَقُول ” الصَّلَاة وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانكُمْ” قَالَ مُجَاهِد هُوَ الْمَحْبُوس أَيْ يُطْعِمُونَ الطَّعَام لِهَؤُلَاءِ وَهُمْ يَشْتَهُونَهُ وَيُحِبُّونَهُ .
تفسير البغوي
“يطعمون الطعام على حبه“، أي على حب الطعام, وقلته, وشهوتهم له, وحاجتهم إليه. وقيل: على حب الله عز وجل، “مسكيناً“، فقيراً لا مال له، و”يتيمًا“، صغيرًا لا أب له “أسيراً“، قال مجاهد, وسعيد بن جبير, وعطاء: هو المسجون من أهل القبلة. وقال قتادة: أمر الله بالأسراء أن يحسن إليهم، وإن أسراهم يومئذ لأهل الشرك. وقيل: الأسير المملوك. وقيل: المرأة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: “اتقوا الله في النساء فإنهن عندكم عوان” أي أسراء. واختلفوا في سبب نزول هذه الآية، قال مقاتل: نزلت في رجل من الأنصار أطعم في يوم واحد مسكيناً ويتيماً وأسيراً. وروى مجاهد وعطاء عن ابن عباس: أنها نزلت في علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وذلك أنه عمل ليهودي بشيء من شعير، فقبض الشعير فطحن ثلثه فجعلوا منه شيئاً ليأكلوه، فلما تم إنضاجه أتى مسكين فسأل فأخرجوا إليه الطعام، ثم عمل الثلث الثاني فلما تم إنضاجه أتى يتيم فسأل فأطعموه، ثم عمل الثلث الباقي فلما تم إنضاجه أتى أسير من المشركين، فسأل فأطعموه، وطووا يومهم ذلك: وهذا قول الحسن وقتادة، أن الأسير كان من أهل الشرك، وفيه دليل على أن إطعام الأسارى، وإن كانوا من أهل الشرك، حسن يرجى ثوابه.
#كمال_شاهين