نظرية ظهور العلام ح 24 – بدون التفكير العلمي لا يمكن أن نفهم لا دنيا ولا دين

نظرية ظهور العلام ح 24 – بدون التفكير العلمي لا يمكن أن نفهم لا دنيا ولا دين 

تعليقًا على رسالة “هجرة الكبابيش”, كتب الدكتور محمد أبو المكارم الرسالة التالية.  يقول سيادته:

“الأستاذ الدكتور كمال شاهين,

لا أدري ما سر هجومك المستمر على من يعيش مستمتعاً بملذات الدنيا.   هل لأنكم تفتقدون لهذه اللذة والمتعة؟   أرجو من سيادتكم أن تجربوا ولو مرة واحدة لذة التطنيش, والعيش في الوهم والخيال, بعدها تأكد أنكم لن تعودوا لما أنتم عليه أبدا.  لا تحسبن الذين” يعملون دماغ” هم سذج أو بسطاء, بل هم فلاسفة ومبدعون.   هم الذين يضيفون كل يوم إلى مصطلحات لغتنا العربية الكثير والكثير.   هل هناك شعب يدهن الهوا دوكو, أو يعبئ الهوا في أزايز(زجاجات)؟   هم فقط الذين يفعلون ذلك بفضل فلسفة التطنيش والعيش في الوهم. 

أحياناً أقف عاجزاً عند بعض مصطلحاتهم البديعة.   هل يمكنكم الإحاطة بمعنى كلمة الهابوللي؟  مجرد مثال على عجزنا عن الرقي لما وصلوا إليه.  أنصحكم أن تدرسوا أصول مخاطبة شعب يجيد استهلاك البانجو, والحشيش, والترامادول, هذا فضلاً عن حسن توظيف أدوية المهدئات, والمنومات, ومشتقات الأفيون.  أرجو أن تدخل تجربة (عمل دماغ), وبعدها أنا متأكد أنكم سترون أننا منبع وسر حضارة البشرية, بل وأملها القادم.”

خالص الشكر لسيادة الدكتور محمد أبو المكارم على كريم رسالته.  خالص الشكر على نصيحته بأن “أعمل دماغ” كي أرى أننا منبع وسر حضارة البشرية بل وأملها القادم.  لا يوجد لدي أدني شك – لا يوجد لدي شك إطلاقا – في صحة ما يخبرنا به سيادة الدكتور محمد أبو المكارم من أنني إذا “عملت دماغ” فسوف أغير رأيي تماما في موضوع “إسهام الحضارة العربية في تقدم المعرفة البشرية في حقل العلوم الطبيعية والإنسانية”.  مع كل هذا البانجو, والحشيش, والترامادول, ومشتقات الأفيون سوف نكون نحن أمل البشرية, ولن تعود قصة إنتاج الثقافات الرعوية لعلوم نووية تمثل أي مشكلة.  وسوف يمكننا جميعا الذهاب إلى النوم في نهاية اليوم لنستيقظ في الصباح من أجل صنع الأنفاق الفضائية اللازمة من أجل هجرة الكبابيش والمنايفة إلى خارج درب التبانة.  وسوف نصنع عالمًا جميلا لم يرَ أحد مثله من قبل.  ولن نحتاج في صنع عالمنا هذا إلا إلى سيجارة أو سيجارتين بني.

المشكلة, وهي مشكلة حقيقية, أن هذا ليس من حسن الخلق.  والمصيبة هي أننا لا نحتاج إلى كل هذا الترامادول.   ما أهمية أننا أسهمنا في تقدم المعرفة البشرية في حقل العلوم الطبيعية والإنسانية في القرن الأول الهجري, أو الثاني, أو حتى الثالث؟   فعلا, ما أهمية هذه القصة؟  لم تسهم سنغافورة في تقدم المعرفة البشرية في قطاع العلوم الطبيعية والإنسانية في القرن الأول من الهجرة ولا حتى في القرن العشرين من الميلاد وهي الآن, والحمد لله, بخير.  ومعها في ذلك, ماليزيا, وكوريا, والصين, واليابان, بل والبرازيل.  حقيقة الأمر, حتى إنجلترا بجلالة قدرها لم تسهم بمليم أحمر في تقدم المعرفة البشرية في القرن الأول من الهجرة في أي قطاع.  حقيقة الأمر, كانت القبائل الإنجليزية قد هاجرت لتوها من شمال ألمانيا إلى انجلترا (وليس من كردفان إلى المريخ) ولا يوجد في رأس أي رجل إنجليزي أي فكرة عن موضوع قطاعات العلوم الطبيعية والإنسانية هذه.  ويقف وراء انجلترا صف طويل من المجتمعات “المحترمة” التي لم يسهم مجتمع واحد منها بسحتوت أحمر في تقدم المعرفة البشرية في أي شيء.  وكلها والحمد لله بخير.  فرنسا بخير, وألمانيا بخير, وهولندا بخير, والنرويج بخير, والسويد بخير, وفنلندا بخير, وروسيا بخير, والقائمة والحمد لله طويلة.  وكلهم, والحمد لله, بخير. 

بجد, ما أهمية أن تكون الثقافة العربية القديمة في القرون الأولى من الهجرة قد أسهمت في تقدم المعرفة البشرية؟  دعنا نبالغ ونقول إننا لم نساهم وحسب بل إننا “اخترعنا العلم”.  حسن (كما يقولون في المسرحيات المترجمة).  ثم ماذا؟  ما الذي استفدناه من اختراعنا للعلم؟  ما هي الفائدة التي عادت علينا في المنوفية من اختراعنا للعلم في القرون الأولى من الهجرة؟  ما الفائدة التي يمكن أن تعود على أهلنا في الصعيد من هذا العمل المجيد؟ 

دعنا من ذلك.  في محاولتنا لأن تكون جامعاتنا على مستوى جامعات ماليزيا ماذا تفيدنا فكرة الإسهام العربي في تقدم المعرفة البشرية في جميع قطاعات العلوم الطبيعية والإنسانية؟  دعني أؤكد لسيادتك أنها لن تفيدنا بشيء على الإطلاق وإنما ستضرنا ضررًا بليغا.  سوف تضرنا لأنها لن تساعدنا على “حل مشكلة غياب التفكير العلمي في الثقافة المصرية”.   كيف يمكننا حل “مشكلة غياب التفكير العلمي من الثقافة المصرية” إذا كنا واقعين في وهم “أكبر قوة ضاربة في التفكير العلمي”؟  تماما مثلما كانت فكرة “أكبر قوة ضاربة في الشرق الأوسط” مصيبة دفعنا ثمنها عام 1967 وما زلنا ندفع ثمنها إلى اليوم, فإن فكرة “أكبر قوة ضاربة في التفكير العلمي” هي مصيبة ندفع ثمنها كل يوم. 

نحن لا نحتاج إلى هذه الفكرة.  هذه فكرة لا تدفعنا إلى العمل وإنما تعفينا من العمل.  كنا ذات يوم سادة العالم في العلم واليوم يوم غيرنا.  قمنا بما يتوجب علينا القيام به وعلى الآخرين الآن أن يتحملوا عبء العمل على تقدم المعرفة البشرية.  نحن قمنا بدورنا  “وتلك الأيام نداولها بين الناس” وهذه سنة الله في كونه.   لا علينا الآن من شيء.  يمكننا الآن أن “ندلف إلى مخادعنا, وأن نلقي برؤوسنا المتعبة بعد كل هذا العمل الشاق على تقدم المعرفة البشرية في جميع قطاعات العلوم الطبيعية والإنسانية, وأن نأخذ حقنا من النوم.” 

الفكرة مضرة.  التفكير العلمي غائب من الثقافة المصرية.  علينا تغيير الطريقة التي ندرس أطفالنا بها.  لا بد من أن تكون جميع الاختبارات اختبارات معيارية  standardised tests   تختبر قدرة طلابنا على حل المشاكل وليس قدرتهم على الحفظ.  لا  بد من تدريب طلابنا على ألا يأخذوا أي شيء – أي شيء على الإطلاق – على أنه أمر مسلم به.  لا بد من الدليل.  لا بد من إعطاء أطفالنا الحق في أن يخطئوا في محاولتهم للفهم.  كيف يمكنك أن تفهم إذا لم يكن من حقك سوء الفهم؟  إذا كان المطلوب منك باستمرار أن تقول الكلام “الصح” فلا حل هناك سوى أن “تحفظ” الكلام الصح.  لا بد من تدريب طلابنا على أن موضوع قال أبوك الحاج أحمد لاشين هذا هو موضوع فاسد.  حتى لو كان الكلام الذي سمعته قد جاءك عن طريق أبوك العمدة فإن هذا لا يعني أنه صح.  حتى لو قاله الدكتور محمد مرسي رئيس الجمهورية فإن هذا لا يعني أنه صح.  لا بد من الدليل.  لا بد أن يبين لك الدكتور محمد مرسي “بالضبط” ما هو الدليل على صحة ما يقوله.  لا سلطة في العلم لمخلوق ولا سلطة في الدين لمخلوق.  نحن نؤمن فقط بما جاء على لسان رسول الله كما أودعه الله كتاب الله.  لم يكن أبوك الحاج محمد اسماعيل يوما رسول الله ولا كان أبوك الحاج أبو حسين.  محمد بن عبد الله ولا أحد غير محمد بن عبد الله هو رسول الله.

وهكذا تتضح الصورة.  بغير التفكير العلمي لا يمكن أن نفهم دين الله.  وبغير التفكير العلمي لا يمكن أن نفهم دنيا الله.    والسؤال الآن هو هل يفهم المصريون دنيا الله؟  وما هو الدليل على هذا الفهم؟  أعطني “معهدًا” علميا واحدًا قام في مصر وأضاف سطرًا واحدًا ساهم في تقدم المعرفة البشرية في أي من قطاعات العلوم الطبيعية والإنسانية.  هل يفهم المصريون دين الله؟  أعطني “معهدا” واحدًا قام في مصر وأصدر كتابًا واحدًا يدل على حسن فهم لدين الله.  أعطني معهدًا واحدا.  أعطني كتابا واحدا.  وأتركك في رعاية الله مع كتب الفقه الاسلامي القديم التي يقوم أكبر معهد ديني في العالم على تدريسها في مدينتي منذ ألف عام.  بدون التفكير العلمي لا يمكن أن نفهم لا دنيا الله ولا دين الله.        

يبتع..

كمال شاهين 

#تطوير_الفقه_الاسلامي

#نظرية_ظهور_العلم 

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.