نظرية ظهور العلم 10- كيف أنتج علمًا وسقف بيتي يسقط فوق رأسي؟

نظرية ظهور العلم 10 –

كيف أنتج علمًا وسقف بيتي يسقط فوق رأسي؟

انتهى بنا البحث في المقال السابق إلى عدد من “الحقائق” يمكن إيجازها بالشكل التالي:

1       بدأت الكتابة باللغة العربية في علم الفلك بداية فارسية, واستمرت فارسية, وانتهت فارسية.

2      مثل عدد العلماء الذين أنتجتهم الثقافة الفارسية ما تصل نسبته إلى 72% من إجمالي عدد العلماء الذين كتبوا في علم الفلك باللغة العربية, على حين لم يتجاوز عدد العلماء الذين أنتجتهم الثقافة العربية ما تصل نسبته إلى 18% فقط.

3      بدأت الكتابة في علم الفلك باللغة العربية على استحياء في أواخر القرن الثاني الهجري.  انفجر بركان العلم الفلكي في القرن الثالث الهجري واستمر على انفجاره خلال القرنين الرابع والخامس.  مع مقدم القرن السادس, على أية حال, بدأ البركان في الخمود, وبمجيء القرن العاشر كان قد خمد تماما.

4      لم يبدأ الإنتاج الثقافي العربي في حقل علم الفلك إلا في القرن الخامس الهجري, أي بعد مرور مائتين وخمسين عامًا على بدأ الإنتاج العلمي الفارسي باللغة العربية.  استمرت الثقافة العربية في إنتاج العلم في هذا الحقل في الفترة من القرن السادس إلى القرن الثامن.   مع حلول القرن التاسع, على أية حال, كانت الثقافة العربية قد توقفت عن الإنتاج في هذا الحقل تماما على حين استمرت الثقافة الفارسية في الإنتاج.

5      تركزت الغالبية العظمى من إنتاج العلم باللغة العربية في حقل علم الفلك في منطقتين اثنتين فقط هما فارس والأندلس.  تصل نسبة عدد العلماء الذين أنتجتهم الثقافة الفارسية إلى 72% على حين تصل نسبة عدد العلماء الذين أنتجتهم الأندلس إلى 10%.  لا تتعدى نسبة عدد العلماء الذين أنتجتهم الثقافة العربية في كل باقى أنحاء العالم العربي أكثر من 8%.

تتفق هذه “الحقائق” مع ما نعرفه عن الإنتاج الثقافي باللغة العربية في حقل العلوم الإنسانية.  أي في حقل علم اللغة, وعلم الفقه, وعلم الحديث, والتفسير, والقراءات القرآنية.  

1      بدأت الكتابة باللغة العربية في العلوم الإنسانية (علوم اللغة, والفقه, والحديث, والتفسير, والقراءات القرآنية) بداية فارسية, واستمرت فارسية, وانتهت فارسية.

2      مثل عدد العلماء الذين أنتجتهم الثقافة الفارسية غالبية عدد العلماء الذين كتبوا في العلوم الإنسانية باللغة العربية.

3      بدأت الكتابة في العلوم الإنسانية باللغة العربية على استحياء في أواخر القرن الثاني الهجري.  انفجر بركان العلوم الإنسانية في القرن الثالث الهجري واستمر على انفجاره خلال القرن الرابع الهجري ومع نهاية القرن الخامس كان قد خمد تماما.

4      تركزت الغالبية العظمى من إنتاج العلم باللغة العربية في حقل العلوم الإنسانية في مدينة واحدة فقط هي البصرة انتقل منها بعد ذلك إلى الكوفة ومنها إلى بغداد.

ولد العلم في الثقافة العربية, بهذا الشكل, فارسيا, وعاش فارسيًا, ومات فارسيا.  كان “الانفجار العلمي” الذي حدث في البصرة انفجارًا علميا باللغة العربية قام به أهل البصرة من أبناء الثقافة الفارسية مزدوجي اللغة (الناطقين باللغتين الفارسية والعربية).  لم يحدث من قبل, على الإطلاق, أن دار مثل هذا النشاط العلمي في حقل علم اللغة, أو علم الفقه, أو علم الحديث, في أي من المدن العربية في نجد والحجاز.   كذلك لم يحدث من بعد, على الإطلاق, أن كان هناك مثل هذا الإنتاج العلمي باللغة العربية.  حقيقة الأمر, وكما يعرف كل دارس للثقافة العربية, توقف “الإنتاج العلمي” باللغة العربية في حقل العلوم الإنسانية توقفا تاما بنهاية القرن الخامس الهجري, وبدأ عصر “الاجترار العلمي”.  

يحتاج الأمر إلى بيان أنه إذا كان عصر الاجترار العلمي قد بدأ في القرن الخامس الهجري, فإنه ما زال يعيش معنا في القرن الخامس عشر الهجري.  أي ما زال يعيش معنا إلى يوم الله هذا.  لم يحدث أن أقامت الشعوب الناطقة باللغة العربية “مصنعا للعلم” على غرار “مصنع أثينا”, أو “مصنع بيزنطة”, أو “مصنع جنديسابور”, أو “مصنع فلورنسا”, أو “مصنع لندن”, أو “مصنع باريس”, وأخيرًا, مصانع نيو يورك, وبوستون, ولوس أنجيليس.  حقًا, ظهر في حلب ذات يوم صانع علم إلا أنه ذهب ولم يعد.   ظهر أيضا ذات يوم صانع علم في تونس, إلا أنه ذهب أيضًا ولم يعد.    ظهر أيضًا ذات يوم صانع علم آخر في القاهرة إلا أنه أيضا ذهب ولم يعد.  لم يحدث يوما أن ظهر “مصنع علم” يحل فيه عالم مكان عالم, مكان عالم.  لم يكن ذلك نتيجة عجز الشعوب الناطقة بالعربية عجزًا بيولوجيا عن إنتاج العلم وإنما كان نتيجة عجز الجيوش العربية عن توفير الحماية اللازمة للعلماء الناطقين بالعربية.  

يظهر ذلك بصورة واضحة تمام الوضوح فيما حدث في الأندلس.  لم يتوقف إنتاج العلم في الأندلس عندما عجزت الجيوش العربية عن حمايتها وإنما توقف كل شيء.  سقطت غرناطة أمام الجيوش الإمبراطورية القسطلية والأراغونية في الثاني من يناير عام 1492 وخرج منها آخر أمير عربي في الأندلس.  لم يخرج أبو عبد الله محمد الثاني عشر بمفرده, وإنما خرجت معه اللغة العربية, والإسلام, والعلم, والعرب, والمسلمون.  حقيقة الأمر, لم يخرج أبو عبد الله محمد الثاني عشر من الأندلس وانتهى الأمر وإنما خرجت معه الأندلس.    في العالم الذي نعيش فيه لا يظهر العلم إلا تحت سنابك الجيوش الإمبراطورية ويختفي عندما تختفي الجيوش الإمبراطورية.   لم يحدث منذ أن سقطت الجيوش الإمبراطورية العراقية أمام الجيوش الإمبراطورية الفارسية عام 546 قبل الميلاد ومنذ أن سقطت الجيوش الإمبراطورية المصرية أمام نفس الجيوش الفارسية عام 525 قبل الميلاد, لم يحدث أن وفرت الجيوش الإمبراطورية للشعوب الناطقة بالعربية الحماية اللازمة لنشأة العلم.  كيف يمكنني أن أنتج علما وسقف بيتي يسقط فوق رأسي؟

كمال شاهين 

#نظرية_ظهور_العلم

#تطوير_الفقه_الاسلامي

facebook.com/Islamijurisprudence

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.