عدة الأرملة

بسم الله الرحمن الرحيم
عدة الأرملة


هناك بعض المقالات تُنشر في مركزنا وفي بعض المراكز التي أزورها وأنا أراها دون أن أتلوها على مسمعي. ولي ثقة كبيرة بفهم أخي المهندس الفاضل عزت هلال فقلما أقرأ مقالاته البديعة. لكن الموضوع الذي نشر في مركز تطوير الفقه الإسلامي حول عدة الأرملة واهتمام إحدى أخواتنا المكرمات بها وإعادة النشر من قبل أخي الدكتور أحمد مبارك بشير أثار انتباهي فقرأتها. بالطبع أن أخي عزت لم يكن موفقا في فهم العدة وقد تجاوز على حكم الله تعالى دون أن يقصد ولذلك أعتذر منه وأبدي رأيي المتواضع لعلنا نناقش الموضوع في المركز مناقشة علنية. وسوف أرقم إشكالاتي المتواضعة على سيادته لتسهيل الرجوع إليها لمن يروم المشاركة معنا. وسأذكر رسالة سيادته في نهاية المقال.
أولا: بيانه لإثبات عدم صلاحية الحكم القرآني لكل العصور.
ادعاء غير مستدل إطلاقا وإهانة للقرآن الكريم الذي أنزله الله تعالى ليحل محل الرسل الذين اقتضت عدالته سبحانه أن يوقف بعثهم بعد رسولنا عليه وعليهم السلام. القرآن لو لم يكن صالحا لكل العصور فما قيمته لنا نحن اليوم؟ هل المسلمون بحاجة إلى أخي عزت ليتبينوا الصالح من غير الصالح من كتاب ربنا الذي خلقنا؟ ما شأن سيادته وما شأن كل أمم السماوات والأراضي في تثبيت صلاحية القرآن أو عدمه؟
قد نحتاج إلى سيادته لفهم ما يستعصي على العامة من مفاهيم الآية على أن يكون دقيقا ومحتاطا وتاركا الفهم الشاذ لآية كريمة استعصى فهمها على سلفنا. لكن ذلك لا يعني بأن القرآن ليس صالحا لكل العصور.
وقد تكون حياة زمان أو مكان خالية من مصاديق للآية الكريمة. مثل الآية التي ذكرها سيادته من سورة البقرة حول القصاص في القتلى. نحن اليوم ليس بيننا من يصدق عليه المفهوم ولو وجد فستكون الآية واجبة التنفيذ. لنفهم مصاديق الآية.
قال تعالى في سورة البقرة:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ (178).

لحن الآية يدل على أن مصاديق الآية كانت موجودة آنذاك وهم الذين آمنوا بالرسالة الجديدة وكان بينهم دماء مطلوبة. فسيادته على حق في هذه الجزئية. لكن الآية ممكنة التحقق في زمان آخر.
دعنا نفترض اليوم وفي ظل التوسع الإعلامي بأن الشعب الرواندي شعروا بأن الإسلام كدين يحميهم من تكرار المجازر فاعتنق جميعهم أو أكثرهم الإسلام، تماما كما حصل يوم نزول القرآن الكريم. نحن نعرف بأن هناك الكثير من الدماء التي سالت في تلك المنطقة المنكوبة بين الروانديين أنفسهم. صاروا مسلمين وعليهم المؤاخاة وتناسي مطالبات الدم. هناك سوف تحيا الآية الكريمة مرة أخرى لتحميهم من تكرار القتل. فماذا نفهم من الآية القرآنية؟

فهم آية القصاص :


ألف:
إذا كان قد قتل حر حرا فمن حق أهل المقتول أن يقتلوه. ولكن لو قتل عبد حرا أو قتلت امرأة رجلا فلا يجوز قتل القاتل.
ب:
إذا كان قد قتل عبد حرا سواء ذكرا أو أنثى فلا يعاقَب بالقتل. ولكنه لو قتل عبدا فيُقتل.
ج:
إذا كانت امرأة قد قتلت رجلا فلا تُقتل؛ إلا أنها لو أنها قتلت امرأة فتُقتل.
لكن المفسرين الكرام لم يراعوا الآية الكريمة بدقة كما فعل أخي عزت فقال بعضهم: لا يُمكن أن نعفى قاتلةً من قتلِها رجلا فالآية بينت بعض الحالات وليس كلها. هذا يعني بأن الله تعالى والعياذ به نسي كل الحالات أو تركها للسادة المفسرين ليوضحوها لنا. وعاش أكثرهم في أزمان وأماكن لم تكن فيها مصاديق للحكم السماوي. واستدل بعضهم على أن الرجل أفضل من المرأة والحر أفضل من العبد بصورة واضحة. هذا فهم المفسر الذي يجهل بأن نسبتنا إلى الله تعالى الذي يصدر التشريعات متساوية. نحن جميعا نساء ورجالا، أنبياء وأتباع أنبياء، مملوكين أو أحرارا، فنحن عبيد لله تعالى متساوون أمامه في العبودية والرق بل الذل.
د.
يعرف القدوس جل جلاله بأن الذي سوف يطبق الآية قد يجول في خاطره غرابة الحكم. كيف لا نقتل عبدا مملوكا قليل القيمة في المجتمع جزاء قتله رجلا حرا كامل الشخصية في المجتمع؟ ولذلك أعقب سبحانه الحكم هكذا: فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ. الكل إخوان عند ربنا. فالرجل أخ المرأة والحر أخ العبد. لا فرق بين الحر والعبد ولا بين الذكر والأنثى في منطق الرحمن جل جلاله. لا يمكن لنا القول بأن المقطع خاص بالرجال. إنه سبحانه ذكر الرجال والنساء والعبيد والأحرار في بداية الآية. فكيف يقول بأنهم جميعا إخوان؟ وحق الأخ على أخيه أن يعفو عنه. نعرف من المقطع الكريم بأن الله تعالى يحبذ العفو وترك القصاص لربهم يوم القيامة. هكذا أراد القدوس أن يوقف أخذ الثأر ويوقف التفريق بين عبيد رب واحد. إنه تعالى لم يوقف المعروف بين الناس عدا الدم مقابل الدم. اتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان. على القاتل وكذلك الحكومة أن لا ينسوا أهل القتيل ليساعدوهم لو كانوا محتاجين فهو عرف إنساني لا يمكن تجاهله وعليهم فوق ذلك أن يحسنوا إليهم أكثر من غيرهم لأنهم لم يفقدوا معيلا فقط بل فقدوا عزيزا عليهم.
هاء.
ثم أراد ربنا أن يعيد كل المسألة إلى نفسه فهو أكرم من أن ينسى تنازلات عبيده من أجله. ولذلك قال سبحانه في نهاية الآية: ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ. تعني الجملة الكريمة بأن الحكم يمثل تخفيفا من ربهم. لم يقل سبحانه تخفيف من الله تعالى. لأن الله اسم خطير له سبحانه يدل على نظام الألوهية الذي لا ينسى أي حق. فالله تعالى سوف يتعامل مع تلك القضايا يوم الحساب. لكنه سبحانه نسب الأمر إلى ربوبيته التي تعني التساهل مع عبيده ومع كل الكائنات ليتجاوبوا مع أمر ربهم بما يسع لهم. فهو رب السماوات؛ والسماوات تتجاوب معه بما تتسنى لها. وهو ربنا؛ ونحن نتجاوب معه بما يتسنى لنا.
واو.
وأما معنى المقطع الأخير من الآية الكريمة: فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ. يقول ربنا بأن الحالة التي عاشها المسلمون بعد أن تقبلوا دين الله تعالى هي حالة شاذة ليست معتادة ولذلك هددهم سبحانه بأن هذا الحكم الخاص لا يمكن أن يشملهم بعد ذلك اليوم.
ز.
الحكم تشريع لحالة شاذة قد يتكرر كما قلت فلو تكرر فحكمه تماما ما قاله تعالى. لولا ذلك إخواني وأخواتي الأكارم لا يمكن إيقاف الثأر بين الناس حينما يقووا عليه. أتمنى أن يقتنع سيادة الأخ الكريم بتفسيري المتواضع أو يمن علي بتصحيح ما قلته باستدلال أكثر عقلانية. وأما ما ذكره سيادته من عادات الجاهلية فأنى له ولغيره إثبات ذلك؟ ولو تمكنا من إثباتها تاريخيا فكيف نتعرف على سياسة الله تعالى في تشريعاته؟


ثانيا: بناء على تصوره الشخصي حكم حكما آخر غير صحيح أيضا في آية أخرى.


تلك هي الآية التالية من سورة البقرة:


وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (234).


فبناء على فهم سيادته الخاطئ في آية الثأر فإنه أباح لنفسه أن يوقف حكم الله تعالى ولم يكتف بذلك بل فسر الجملة الكريمة التالية تفسيرا شاذا من عنده: يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا.
قال أخي عزت: والمعنى الا يخرجن من بيوتهن اربعة أشهر وعشرة ايام. وهذا معنى يتربصن. انتهى النقل.
فسر سيادته التربص بعدم الخروج من البيت! من أين أتى بهذا التفسير للكلمة العربية التي استعملها القرآن الكريم في عدة سور كريمة؟ التربص في كل الكتب اللغوية المعروفة تعني الانتظار سواء بقصد طيب أو بنية فاسدة. وما رأيت مفسرا للقرآن يفسر كلمة ربص بالمعنى الشاذ الذي دونه سيادة الأخ العزيز عزت هلال في مقالته الكريمة.
نعم هناك عدة للوفاة قال فيها سبحانه في سورة البقرة: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (234).
وقد ذكر سيادته الآية الكريمة للاستشهاد وخلط في فهمها خلطا غريبا يدل على أنه وهو كاتب محقق ودقيق؛ يدل على أنه استعجل حتى لم يفهم معنى كلمة الزوج هناك.

ودعنا نفصل ما تفضل به في مراحل:


ألف:
استشهد بالآية التالية من سورة البقرة لبيان الفرق بين العدة حين الوفاة والعدة حين الطلاق: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً ِلأزْوَاجِهِم مَّتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِيَ أَنفُسِهِنَّ مِن مَّعْرُوفٍ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (240). ظن بأن كلمة الأزواج في بداية الآية تدل على الرجال الذين ماتوا. فلينتبه الإخوة والأخوات بأن كلمة الزوجة غير موجودة في القرآن إطلاقا وكذلك الزوجات. لا يفرق الله تعالى بين الزوج والزوجة. نحن نعرف المقصود من الضمائر أحيانا. فقال سبحانه في الآية أعلاه: أزواجهم. نعرف منها بأن سبحانه يقصد زوجات الذين توفوا من الرجال. لأن “هم” تشير إلى الذكور مقابل “هن” التي تشير إلى الإناث. إذن الآية تقول بأنه سبحانه أوصى لصالح زوجة المتوفى أن تتمتع بمصروف الإقامة حتى سنة كاملة دون أن تُخرج من البيت حتى لو كان المقصود تقسيم الميراث مثلا.
هذه الوصية خاصة بالزوجة ولا تخص الزوج الذي توفت زوجته إطلاقا. وليعلم الذين استمعوا إلى نظريات فقهاء الفريقين الشيعة والسنة البائسة بأن القرآن الكريم يعطي حقوقا كثيرة للنساء دون الرجال لكن الفقهاء الكرام لم يدركوا عمق الآيات القرآنية أو اتبع بعضهم أهواءهم لا سمح الله. ولا ننس بأنه تعالى خصص سورة للنساء بصورة عامة ولم يخصص سورة للرجال.
وحينما يقول سبحانه التالي في سورة البقرة فإنه يريد تخصيص حكم لهن ولا يروم النيل من كرامة المرأة:
وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِن كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُواْ إِصْلاَحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكُيمٌ (228).
لسان حال الآية بأن هناك درجة من الراحة وعدم المسؤولية للرجال على النساء فهم لا يحملون والنساء يحملن وهم لا يرون الدم والنساء مبتليات بالدم. ولا تعني الآية بأن الرجل أفضل من المرأة، معاذ الله.
والوصية التي ذكرها الله تعالى في الآية 240 أعلاه هي لصالح المرأة وتثبت حقا من حقوقها ولا تفرض عليها أمراً آخر. وفي الآية 228 أعلاه أكد سبحانه بأن حقوقهن متساوية مع مسؤولياتهن وهو أمر إداري مهم لمن يعرف العلوم الإدارية. تلك هي الجملة الكريمة: ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف.


ثالثا: تصور سيادته أمرا خطيرا آخر وهو نسخ القرآن لنفسه.


ماكنت أتوقع من سيادته أن يؤمن بنسخ القرآن نفسَه. فلو أن القرآن الكريم عجز عن أن يستقر 23 عاما، واحتاج إلى تصحيح فكيف يمكن العمل به بعد أكثر من 14 قرنا؟ آية النسخ في القرآن جاءت لتجويز نسخ حكم توراتي لله تعالى فقط. وقد ذكر سبحانه بأن المسيح نسخ حكم تحريم شحوم الأنعام بأمر ربه طبعا، باعتبار أنه لم يكن حكما تشريعيا بل كان حكما عقابيا. ولو نفكر قليلا بأن الحكم العقابي لله تعالى استمر حوالي ألف عام، هناك نعرف أهمية أحكام الله تعالى!


رابعا: إشكال سيادته على أمر الله تعالى حول تخصيص عدة الوفاة للمرأة دون الرجل.


لنبدأ بالطلاق.


قال تعالى في سورة الطلاق: أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِن كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُم بِمَعْرُوفٍ وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى (6).


ما معنى لا تضاروهن؟ ألا تعني الجملة بأن لا يأتي الزوج بضرة لزوجته المطلقة قبل أن تتم عدة الطلاق؟ والمسألة المهمة فيها بأن على الزوج أن يخرج من المسكن المشترك بينهما وتسكن الزوجة من حيث سكنا معا! أليس ذلك لأن هناك أحكاما قاسية على المرأة باعتبار طبيعة الحياة فهي تحمل وتلد وتتحمل كل تبعات الحمل تتلوها تبعات الرضاعة؟ إذا حَكَم الفقهاء بغير ما أنزل الله تعالى واتبع الناس فقهاءهم ولم يسعوا لفهم كتاب ربهم فالمقصر هم وليس القرآن الكريم. ومعالجات الإخوة مثل أخي عزت ليست صائبة دائما.
ثم مسألة وفاة أحد الزوجين.
ليس للرجل بصورة طبيعية أية مشكلة لو تزوج مباشرة بعد وفاة زوجته من حيث الاستبراء والحمل. لكن المشكلة لدى المرأة. وأما إشكال أخي عزت وهو في محله طبعا هو لماذا فرق الله تعالى بين نوعي الاستبراء للمطلقة والمتوفى زوجها؛ ثم لماذا لم يمنع الزوج من الزواج إذا ماتت زوجته كما منع سبحانه الزوجة؟ نحن في واقع الأمر نجهل سياسة ربنا كما نجهل الطبيعة إلا قليلا. هناك أمراض نفسية مثل الكآبة وأنا وأخي عزت نعلم عنها قليلا كما يبدو. يقول المختصون بأن الزوج يمكن أن يُصاب بالكآبة إذا حملت زوجته! ومن يدري لعله يُصاب بالكآبة إذا ماتت زوجته ولا يمكن علاجه إلا بإلهائه بزوجة أخرى. من حق أخي عزت أن يعترض على هذا الحل الضعيف بأن هناك من تزوج بأكثر من واحدة بصورة شرعية وهي قليلة طبعا فقد يكون في عهدة الزوج امرأة أخرى حتى لا يُصاب بالكآبة.
أما التي مات عنها زوجها فهي أكثر عرضة للكآبة من الزوج الذي فقد زوجته كما أحتمل. ذلك لأنها تعلم بأنها فقدت شخصا مهما في حياتها وليس سهلا أن تحصل على زوج آخر بسرعة. تبدو المسألة في ظاهرها غير منصفة للمرأة. لكن المشكلة هي أن البشرية تعلم القليل جدا من الأمراض النفسية التي قد تصيب أحد الزوجين عند فقده للآخر. رأيت قبل سنوات رجلا متزوجا من زوجتين وقد مرضت زوجته الأولى. سعى بكل إخلاص في علاجها وأنفق عليها مالا كثيرا نسبيا دون جدوى. ماتت زوجته فنقل لي أهله بأنه بكى كثيرا مما يدل على شدة الألم لديه. بالطبع أنه لم يتزوج بأخرى وبقي مع زوجته الثانية ولا زال منذ عشرين عاما.
أشعر فعلا بالجهل في حكمة أمر الله تعالى وليس بمقدوري اليوم أن أجد السبب المحتمل لعدم منع الزوج من الزواج أسوة بزوجته. لكن ما يتفضل به أخي عزت ليس صحيحا إذا أردنا أن نطيع ربنا من واقع فهمنا للقرآن الكريم. هناك سبب طبيعي على الأغلب ولكن الله تعالى لم يوضحه للذين أنزل عليهم القرآن الكريم أو لم أهتد إليه. أما أن نفعل ما نراه صحيحا بعقولنا ولو خالفنا القرآن فهذا يعني إبطال القرآن وتثبيت آراء غير الله تعالى في الدين. إن الذي يسألنا ويغفر لنا يوم الدين ويكافئنا أو يعذبنا هو الله تعالى وليس الفقهاء ولا أخي عزت هلال الذي تقمص جلباب الفقهاء هذه الأيام. أسأل الله تعالى له ولي الهداية وفهم الصراط المستقيم إليه سبحانه.
خامسا: فهم سيادته غير الدقيق بأن الله تعالى نسخ آية في الموضوع مكان آية.
بالطبع أعوذ بالله تعالى من أن ينسخ آية قرآنية بآية أخرى كما وضحت. قال فضيلة الأخ العزيز بأن الآية 240 من سورة البقرة قد نسخت الآية 234 منها. هذا غير ممكن وغير صحيح دون أي شك عندي.

وليسمح لي القارئ الكريم أن أضع الآيتين بجوار بعضهما لنرى صحة احتمال أخي عزت من عدمه.


قال تعالى في سورة البقرة: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (234).
وقال سبحانه فيها: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً ِلأزْوَاجِهِم مَّتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِيَ أَنفُسِهِنَّ مِن مَّعْرُوفٍ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (240).
مرة أخرى يعود الأخ العزيز إلى فهمه غير العربي لكلمة تربص إضافة إلى الفرق بين لأزواجهم المذكورة فعلا وبين على أزواجهن التي ظن سيادته ليستعين بفرية نسخ القرآن الكريم، معاذ الله. الآية الأولى تأمرهن بعدم الزواج إلا بعد عدة الوفاة وهي 130 يوما. والآية الثانية تعطيهن الحق أن يبقين في بيت الزوجية سنة كاملة دون إخراج. وإذا خرجت من تلقاء نفسها لتتزوج أو تفعل بنفسها معروفا آخر كالعمل في بلد آخر مثلا فهي حرة في ذلك. تان مسألتان مختلفتان ولا يوجد نسخ أخي العزيز. نسخ القرآن فرية افتراها الحكام عن طريق مفسريهم المأجورين احتمالا ليلعبوا في القرآن الكريم، واتبعهم المفسرون فيما بعد كالببغاوات مع الأسف دون أن يحتملوا بطلان ما وصلتهم من تفسيرات.
أتحدى أي إنسان يقوى على أن يثبت لي جملة منسوخة في القرآن الكريم. سوف أرد عليه بإذن الله تعالى وأوضح للناس بأنه ومن قال بالنسخ إما مخطئون أو مغرضون.
أعود إلى حكم المتوفى زوجها وأمره سبحانه بأن تتربص بنفسها 130 يوما في مقابل حكم المطلقة التي تتربص بنفسها ثلاثة قروء فقط؛ فنحن ليس في مقدورنا اليوم وبقدر معلوماتي القليلة أن نعرف عمق الحكم السماوي. لدي احتمالات أفضل ألا أبوح بها خوفا من أن أكون مخطئا ثم يظن بعض الإخوة الكرام صحةَ ما أقوله. فمما لا شك فيه بأن مدة القروء الثلاثة حتى لو طالت سوف لا تتجاوز 82 يوما كما نفهمه من الأطباء. ومما لا ريب فيه بأن الله تعالى لا يصدر حكما تشريعيا إلا على أساس قانون الطبيعة وهو قانونه تعالى. لكننا نفهم القليل اليسير من قوانين الطبيعة مع الأسف. فمن الخير لنا أن نعمل بالحكم القرآني بناء على أمره تعالى ولا نخرص تخريصات غير صحيحة من عندنا.
أخي العزيز عزت وضع نفسه موضع الله تعالى حينما قال بأن “براءة الرحم ليس لها مكان في ظل العلم الحديث”. فهل قال سبحانه بأن المقصود من عدة الوفاة هو براءة الرحم؟ فكيف بمن لا تحيض أصلا أو لا تلد أو التي أزيل رحمها صحيا؟ حكمها في شريعة عزت هلال أن تتزوج في اليوم التالي لوفاة زوجها!!!


وختاما

أعتذر من أخي عزت هلال حفظه الله تعالى لنا ذخرا، ومن كل من يطلع على رقيمتي هذه وأقدم لي ولهم آيات من سورة فصلت لعلنا نتعرف على خطورة التفسير على أساس أفكارنا الشخصية:
إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَن يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَم مَّن يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (40) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (41) لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (42) مَا يُقَالُ لَكَ إِلاّ مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِن قَبْلِكَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ (43).
والآية الأخيرة تؤكد بأن حكم الله تعالى لن يتغير أبدا، فكل ما قيل لرسولنا هو ما قيل لمن قبله من الرسل.
ليس من حق أي كائن في الكون أن يقول بأن حكم القرآن كان لزمان غير زماننا. ذلك من حقوق الله تعالى وحده لا شريك له. ولمن يريد المزيد فإن الله تعالى هو مالك كل ما في الطبيعة وأحكامه طبيعية تناسب طبيعة الكائنات ولذلك لا يمكن أن تتغير أبدا. أما الأحكام المؤقتة فإنه سبحانه يوضح لمن يقرأ القرآن بأنها مؤقتة. مثال ذلك حكم القتال وحكم تعدد الزوجات الذي اختص بخاتم النبيين. القتال محرم دون ريب إلا دفاعا. يحرم القتال من أجل نشر الدين فالناس أحرار في أديانهم كما أن حكم تعدد الزوجات خاصة بالرسول محمد عليه السلام. هناك مسألة تخص زمانه وسوف أشرحها حينما يتسنى لي ذلك. أما تعدد الزوجات لغير الرسول فهو لعلاج مشكلة اجتماعية وتحتاج إلى موافقة الزوجة الموجودة كما وضحت سابقا، وليس لمجرد الوناسة.
أكتفي بهذا الحد ومن أراد المزيد فليكتب لي لعلي أتمكن من أن أرد على طلبه.

أحمد المُهري

28/6/2019

#تطوير_الفقه_الاسلامي


نص ما كتبه الأخ العزيز المهندس عزت هلال:


عدة الأرملة
جاء الخطاب في القرآن الكريم الى الذين آمنوا اكثر من 200 مرة. وقد جاء عن المؤمنين الذين اتبعوا آخر الأنبياء وجاء الى كل المؤمنين في كل عصر وفي كل مكان. فمثلا الآية التالية تخص المؤمنون في عصر الرسول وقد تستمر بعض الوقت ولكنها لا تستمر في عصر الدولة الحديثة. الآية تقول:
《يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان ذلك تخفيف من ربكم ورحمة فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم. [البقرة: ١٧٨]》
اولا الخطاب موجه للناس وليس ولي الأمر (القاضي الذي يبت في القصاص والسلطة التنفيذية التي تنفذ القصاص وليس كل الناس)
ثانيا لم يعد الآن عبيد وقد كان في عصر النبي يقدم العبد مكان الحر للقصاص منه. وسمي ذلك بالنكايل فكان يقاس دم الحر بإثنين او ثلاثة او اكثر من العبيد ليقتل عن المقتول الحر حتى وإن لم يقتله عبد. وكذلك الأنثى فقد جرت عادتهم الا يعتد بجريمة الأنثى واعتبارها غير مؤاخذة بجريمتها. وكان الآية قصد بها ابطال حكم الجاهلية وابداله بالمساواة بين الأصناف. هذه الآيات الخاصة بعصر الرسول لنا أن نأخذ منها ما يصلح لعصرنا ونترك ما لا يناسبها. ومن الآيات التي جاءت لكل المؤمنون في كل العصور والأماكن قوله تعالى:
《يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين. [البقرة: ١٥٣]》
فهي أمر عام يصلح لكل زمان وكل مكان. في ظل هذا التصور تأتي عدة الأرملة.
يقول تعالى:
《والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا. فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف والله بما تعملون خبير. [البقرة: ٢٣٤]》
والمعنى الا يخرجن من بيوتهن اربعة أشهر وعشرة ايام. وهذا معنى يتربصن. وفي ظل هذا الحكم لا يمكن للأرملة أن تظل في منزلها كل هذا الوقت فعملها لا يسمح لها بذلك. فليس المقصود ألا تتزوج خلال هذه المدة. وقد اتفقوا في العصر الحديث أن يكتفوا بعدم الزواج فقط. و براءة الرحم لم يعد لها مكان في ظل العلم الحديث. وإعالة المرأة في بيت زوجها المفروض أن تنتهي ويكون للزوجة عمل او نفقة على حساب الدولة فليس الزوج هو الوصي على زوجته. وقد نسخت هذه الآية قوله تعالى:
《والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج. فإن خرجن فلا جناح عليكم في ما فعلن في أنفسهن من معروف والله عزيز حكيم. [البقرة: ٢٤٠]》
اي على الزوج المتوفى (او أهله ) النفقة على الأرملة لمدة عام. فما الحكمة لجعلها اربعة أشهر وعشرة ايام بدلا من سنة كاملة. ونسخ الانفاق عليها بحق الميراث بالربع والثمن. وهذا التحول في الأحكام ناتج عن تحرك المجتمع لحالة افضل فلم يعد الحكم السابق له جدوى فيأتي حكم جديد. فما بالك والحكم قد تغير خلال 23 سنة هي فترة الرسالة فماذا نحن فاعلون بعد مرور قرون. الا نتغير ويتغير معنا مجتمعاتنا. وتأتي مدة أخرى للمطلقات والأرامل بقوله تعالى:
《وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن. [الطلاق: ٤]》.
اذا كانت عدة المرأة تحمل الوفاء لعشرة الزوج المتوفي فلماذا لا يكون هناك عدة للرجل الذي توفت عنه زوجته. مما لا شك فيه فهناك تفريق بين الرجل والمرأة وهذا لا يجوز في شرع دائم الا اذا كان حلا مؤقتا في بيئة جاهلية كانت تورث زوجة الأب لابنه.
عزت هلال

19 شوال 144022

يونيو 2019

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.