أشهر العبادة اثنا عشرية وليست سنوية

أشهر العبادة اثنا عشرية وليست سنوية

بسم الله الرحمن الرحيم

يوم ليلة.jpg

استمعت إلى تهاني سيادة المستشار أحمد ماهر برأس السنة الهجرية وتعليقه على السنة. إنه يتبع رأي سيادة الأستاذ الدكتور حسني المتعافي كما أظن في تطبيق السنوات الهجرية مع الشمسية كما أنه أتى بنفس الدليل. قال الأستاذ المتعافي بأن التقويم يعني التعديل أو التصحيح وأتى بالكلمة الإنجليزية (correction) لتأكيد مقصوده. وهذا ما كرره سيادة المستشار. بالطبع أن الأستاذ المتعافي قدم بحثا طيبا متكاملا يدل على اهتمامه وسعة معلوماته. أظن بأن البحث يجب أن يبقى بيننا ليزين مكتبتنا العربية باعتبار أنني مع تعدد الآراء. ولكن هل يمكن العمل بالنتائج التي وصل إليها الأستاذ؟ أشك في ذلك كما يشك هو أيضا. ولكنني من باب المناقشة العلمية تحريا للصحيح بحسب رأيي فقط سوف أتناول البحث باختصار معلقا عليه.

  1. من الذي قال بأن التقويم تعني التعديل أو التصحيح. التقويم تعني بيان قيمة الشيء والذين استعملوا الكلمة للتعديل فهم قصدوا تقويم الشيء المنحرف ليستقيم ولم يقصدوا تصحيح المسائل المعنوية كما تراءى لسيادة الأستاذ المتعافي. ولنفرض صحة ما ذهب إليه سيادته فهل قال الله تعالى لنا بأننا يجب أن نعدل السنوات. كلمة التقويم غير موجودة في القرآن الكريم إلا في سورة التين وهو حول تقويم الإنسان وليس الزمان أو الرزنامة. والغريب أن سيادته ذكر كلمة التقويم في رسالته الطيبة أكثر من 460 مرة دون أن نرى الكلمة في القرآن الكريم بهذا المعنى ولو مرة واحدة.

  2. آية سورة الكهف لا تدل على صحة ما تفضلتم به. لو كان الله سبحانه يريد تطبيق السنين القمرية الشهرية مع السنين الطبيعية الشمسية لرفض إضافة السنوات التسع. المشكلة بأن الكثيرين يظنون بأن السنة الهجرية سنة طبيعية وهي ليست طبيعية. هي سنة توافقية بأمر الله تعالى احتمالا.

  3. سعي الإخوة لجعل رمضان في الخريف سعي جميل ينسجم مع الضعف الإنساني ولكن الله تعالى لا يريد ذلك. تعلمون بأن الحرب أقسى على المرء من الصيام وقد طلب بعض المنافقين من الصحابة أن يعفيهم الله تعالى من الحرب في الصيف فجاء الجواب في سورة التوبة هكذا: فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلاَفَ رَسُولِ اللّهِ وَكَرِهُواْ أَن يُجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَقَالُواْ لاَ تَنفِرُواْ فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ (81). فالله تعالى يريد أن يختبرنا في كل حال وليس في الأجواء المعتدلة فقط كما أظن.

  4. قال سيادة الأستاذ المتعافي في الصفحة 6 ما نصه: وهذا يعني تميز كل شهر عن الآخر، وهذا لا يتحقق إلا في نظام يضمن ثبات الشهور مع الفصول المناخية، وهذا أيضًا ما أكده قول الرسول “إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ” والذي كان يقصد به رجوع شهر ذي الحجة إلى مكانه الطبيعي، فلا مكان طبيعي لشهر قمري إلا في نظام يربط الشهور بالفصول المناخية.         انتهى النقل.

على أي أساس قرآني أو عقلي يتحدث سيادته عن أن تميز كل شهر عن الآخر لا يتحقق إلا في نظام يربط الشهور بالفصول المناخية؟ وهل أحاديث البشر المنسوبة إلى رسول الله حجة علينا؟ هل كتَب الرسول عليه السلام شيئا وهل كتب أي من المهاجرين الأولين أو الصحابة أو التابعين كتابا خطيا وصلنا أم أننا ننقل ما افتراه بنو العباس على الرسول؟ ولو فرضنا صحة الحديث فإن استدارة الزمان لا تعني عودة ذي الحجة إلى شهر منطبق مع المناخ كما تفضلتم. المهم أن أساس ذلك الادعاء ليس قرآنيا. وأعظم دليل هو أن المسلمين في كل أرجاء المعمورة اعتبروا السنة الدينية 12 شهرا طبيعيا قمريا وليست هناك مشكلة. هل نريد خلق مشكلة للناس؛ أم نريد أن نعيد الناس إلى التقاويم الزراعية القديمة؟

  1. اهتم سيادة الأستاذ المتعافي والباقون بأسماء الشهور العربية. فهل هناك تأييد قرآني لأسماء الشهور لنقول بأن الربيع الأول يعين الشهر الأول من فصل الربيع مثلا؟ الشهر الوحيد المذكور بالاسم في القرآن هو شهر رمضان. ورمضان مشتقة من الرمض وتعني الحر الشديد. قال ابن فارس في مقاييس اللغة: وذكر قومٌ أن رمضانَ اشتقاقُه من شِدّة الحر؛ لأنَّهم لمَّا نقلوا اسمَ الشُّهور عن اللغة القديمة سَمَّوْها بالأزمنة، فوافق رمضانُ أيّامَ رمَضِ الحرّ.      انتهى النقل.

وقال الجوهري في الصحاح والفيروز آبادي في القاموس والزبيدي في تاج العروس والأفريقي في لسان العرب وابن دريد في الجمهرة؛ مثلما قاله المرحوم ابن فارس.

فرمضان القرآن هو رمضان العرب وهو رمضان الحر الشديد يوم غيروا أسماء الشهور ثم سار رمضان قمريا يعود مرة كل 12 شهرا دون مسايرة للفصول. ولكن رمضانكم هو رمضان الاعتدال الخريفي في كل الأزمان فأين التوافق مع الكتاب الكريم أو مع كتب اللغة العربية؟

  1. ظن سيادة الأستاذ المتعافي بأن الوزغ مروان هو الذي قام بتغيير الشهور القمرية التي سار عليها العرب يوم كانت التقاويم خاصة بالزراعة. لو قام مروان بهذا العمل فهو يعني بأنه وضع أسسا قرآنية للشهور، فهو فضيلة له؛ ولكنني لا أظن ذلك أبدا. وأنتم تعلمون بأن بني العباس هم الذين حكموا بعد الأمويين وحكومتهم قامت على السواعد الفارسية. كما أن المأمون العباسي استقر رسميا في خراسان الفارسية. وتعلمون بأن الإيرانيين كانوا مهتمين بعيد النيروز وهو يقع أحيانا في عاشوراء. كان من السهل على المأمون أن يرد بدعة مروان حتى يضمن عدم توافق عيد النيروز مع طقوس الشيعة في عاشوراء والمأمون كان شيعيا وهو في إيران وأمه فارسية. ولذلك أظن بأن الحكاية من أصلها غير صحيحة. ما نراه اليوم هو ما سار عليه رسول الله عليه السلام ولا دخل لمروان ولا لمعاوية فيه.

وأما المؤرخون الذين يعتقدون بأن الطقوس الفعلية في عاشوراء بدأت من حكومة البويهيين فقد يكون قولهم صحيحا. لكنه لا يتنافى مع قول القائلين بأن الشيعة كانوا يقيمون طقوسا حزينة بسيطة في عاشوراء كما يذكرون بأن الإمام علي بن موسى الرضا ولي عهد المأمون كان يقيم شعائر بسيطة في ذكرى مقتل جده الحسين بن علي عليهم جميعا السلام. ولذلك لا أظن بأن هناك أي يد لبني أمية في تغيير معالم الزمان لدى المسلمين.

  1. يخلو القرآن الكريم من أي حديث عن التقاويم أو التقويم الزراعي أو الاهتمام بالفصول في الحج والصيام أو السنة الشمسية القمرية كما يظن أستاذنا المتعافي حفظه الله تعالى. ولذلك فكل تلك المسائل تعتبر آراء شخصية من سيادته ومن غيره أيضا ولكنها ليست حجة علينا ولا يجوز لنا الالتزام بها كما نلتزم بشريعة الله تعالى سواء من القرآن الكريم أو من السنن العملية التي ورثناها عن رسول الله عليه السلام. والسنن العملية في واقعها مواريث إبراهيم عليه السلام ولكن رسولنا عدل بعض أذكارها ولعل بعض تفاصيلها لتتناسب مع القرآن المنزل على قلبه الشريف. فأين آراء علمائنا الكرام اليوم من مواريث رسل الله تعالى؟

  2. ما المانع أن يجعل الله تعالى للمسلمين تقويما عباديا خاصا باعتبار حركة القمر دون حركة الشمس؟ وما المانع أن يأمرنا سبحانه بأن نحسب كل 12 شهر قمري سنة قمرية لا دخل لها بالسنوات الطبيعية الشمسية؟ بل هي دورة سنوية وليست سنة في واقعها. ما هو ارتباط أيام الأسبوع بالحركات الكوكبية والله تعالى أمرنا بأن نلتزم بها ونعتبر يوم الجمعة يوم عطلة وخصص للجمعة صلاة عامة كما خصص لليهود يوم السبت عطلة رسمية؟ ولا ندري فلعل الله تعالى هو الذي خصص الأحد عطلة رسمية للمسيحيين.

  3. قال تعالى في سورة البقرة: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً ِلأزْوَاجِهِم مَّتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِيَ أَنفُسِهِنَّ مِن مَّعْرُوفٍ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (240). كيف نحسب الحول وهو سنة كاملة. لو قال سبحانه متاعا إلى السنة لكان ممكنا القول بأنه سبحانه يقصد السنة الشمسية الطبيعية. لكنه استعمل الحول وهو يعني عودة الزمان إلى نفس اليوم. فلو اعتبرنا الحول شمسيا وكانت السنة كبيسة فلا يمكننا ضبط اليوم الذي يحول فيه الزمان. والعرب لم يستعملوا الساعات والثواني آنذاك بل كانوا مهتمين بالأيام. لكننا لو اعتبرنا الحول هو 12 شهرا قمريا فيسهل علينا معرفة الحول. ذلك لأن الشهور القمرية موصوفة في القرآن وبداية الشهر هي بقاء الهلال بعد غروب الشمس. فالحول القمري واضح وضوح الشمس لكن الحول الشمسي قد يخطئ يوما أو بعضا من يوم.

  4. لنكن واقعيين. إن الله تعالى حينما يأمر البشرية أمرا في القرن السادس الميلادي فهو يلاحظ ما عليه الناس عموما من فهم للمسائل العلمية ولا سيما الكونية منها. كيف يحتسب الناس رأس السنة الشمسية؟ يحتاج المرء إلى أن يعرف منازل الشمس ليبدأ سنته إما من بداية الربيع أو من بداية أي فصل آخر من الفصول الأربعة وهو لم يكن باستطاعة الذين أنزل عليهم القرآن الكريم قبل أكثر من 14 قرنا. لكن الله تعالى أوضح لهم بأن يحتسبوا وقت بقاء الهلال بعد غروب الشمس بداية للشهر القمري الطبيعي ويعتبروا كل 12 شهر حولا كاملا؛ فكانت العملية سهلة بسيطة سار عليها جدودنا حتى يومنا هذا. ولم يكن الذين أنزل عليهم القرآن الكريم أمة زراعية تهتم بالفصول لتتعلم كيفية التعامل مع منازل الشمس.

  5. قال تعالى في سورة يونس: هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُمَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللّهُ ذَلِكَإِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (5). هذه الآية الكريمة تصرح بأنه سبحانه جعل القمر نورا وقدر القمر منازل لنعلم عدد السنين. الضمير بعد القمر مذكر والإشارة مذكرة لا يمكن أن يعودا إلى الشمس بل إلى القمر. فالله تعالى خلق القمر بالحق لنعلم عدد السنين والحساب. ولو نقرأ الآيات من بداية السورة فنراها تتحدث عن العبادة وعن جزاء الأعمال الصالحة وما بعد الآية تتحدث عن التقوى. فالآية تؤكد الظن بأن المقصود من السنوات العبادية هي حركات القمر دون الشمس. لو كان للشمس أثر في سني العبادات لكانت الضمائر مثناة لا مفردة مذكرة لا يمكن إعادتها إلى الشمس ولا إلى الشمس والقمر معا. وأعود فأكرر بأن الله تعالى صرح في الكتاب الكريم بأن الحول القمري 12 شهرا لا أكثر وهذا ما سار عليه المسلمون.

  6. قول سيادة الأستاذ المتعافي التالي: وفي رمضان يسقط المطر، واسمه بالفعل يشير إلى نهاية الصيف حيث يبدأ هطول امطار الخريف المسماة بـ(الرمض).    انتهى النقل.

ما رأيت قاموسا عربيا قديما يقول ذلك. إنهم قالوا بأن أمطار بداية الخريف تسمى الرَّمَضِي باعتبار أنها تهطل على أرض أحرقها حر القيظ. وأكدوا على أن الرمضي مطر ينزل في أول الخريف. وكلهم أكد بأن رمضان كان في حر القيظ حينما غيروا الأسماء من اللغة القديمة وليس دائما. فاستدلال سيادة الأستاذ المتعافي يمثل رأيا شخصيا لا علاقة له بكبار علماء اللغة. ولا علاقة لرمضان بهطول المطر بل لو نزل مطر في بداية الخريف يسمونه الرمضي وليس الرمض، فلا ارتباط أيضا بشهر رمضان.

  1. يقول البعض بأن حجة الوداع أو خطبة الرسول عليه السلام فيها كان يوم عرفة 9/12/10 هجرية الموافق لـ 6/3/632 ميلادية. لو كان احتسابهم صحيحا فهو يعني بأن رمضان ذلك العام كان في أواخر الشتاء وليس في أوائل الخريف.

  2. قول سيادته بأن الصيام في الصيف الحار يتنافى مع قوله تعالى ضمن آية الصيام 185 من سورة البقرة: يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ. والواقع أن إرادة اليسر هنا جاءت بعد الجملة الكريمة: وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ. فاليسر هنا للمريض وللمسافر وليس لكل المؤمنين. أذكر سيادته بأن الله تعالى يأمر بالقتال حتى في حر القيظ ويقول لمن يعترض بأن نار جهنم أشد حرا. وأتذكر قبل فترة طويلة بأنني كنت أناقش صديقا بريطانيا من شهداء اليهوه حول بعض الأحكام القاسية في التوراة فقال لي: كسب رضوان الله تعالى ليس سهلا.

  3. وأما موضوع الحرج الذي يقع فيه بعض ساكني المناطق القطبية حيث يكون نهار الصيف عندهم في حدود 22 ساعة بل أكثر؛ والذي سعى الأستاذ المتعافي أن يعالجه. بداية أشكره كمسلم وأشكر مشاعره نحو الذين يعيشون في تلك الأماكن. ولكن الحل الذي وجده العبد الفقير هو أن الله تعالى لم يعين نهاية نهار الصوم بمغرب الشمس كما ظن السلف. قال تعالى ضمن الآية 187: وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ. بداية الصيام معين فلكيا وهو أول ظهور الفجر ولكن نهايته هو الليل. والليل لا يعني غروب الشمس في الواقع ولكن غروب الشمس علامة مفيدة للذين يعيشون قريبا من خط الاستواء.

قال تعالى في سورة يونس: هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُواْ فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (67). وقال تعالى في سورة الفرقان: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا (47). وقال سبحانه في سورة النبأ: وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا (9) وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا (10) وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا (11). الليل هو وقت الراحة والسكون والنوم هو وقت السبات أي قطع العمل واللباس هو الساتر فالليل هو وقت الراحة ووقت ما يستر المرء نفسه عن الظهور بين الناس باعتبار عودته إلى المنزل. فمعنى آية الصيام بأن المرء يصوم من الفجر إلى لحظة انقطاعه عن العمل. ولكن دأب أهلنا في مناطقنا العربية القريبة من خط الاستواء أن ينقطعوا عن العمل مع مغرب الشمس ولذلك ظن الفقهاء بأن المقصود من الليل هو مغرب الشمس. لكننا في أوروبا نترك العمل أحيانا أربع أو خمس ساعات قبل غروب الشمس.

أما أوقات الصلاة فإن الله تعالى صرح بغسق الليل بمعنى ظلام الليل أو ما يقابل الفجر من غروب الشمس. فوقت صلاة المغرب في واقعه مغاير لوقت الإفطار ولكن شعوب المنطقة المتوسطة من الأرض يفطرون ويصلون المغرب في نفس الوقت. قال تعالى في سورة الإسراء: أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا (78). فالليل بالنسبة للناس هو وقت استراحتهم وهو غير الليل والنهار الطبيعيين الذين يتعاقبان، والعلم عند المولى عز اسمه.

ولا ننس بأن هناك تعادل كامل في ساعات الصيام في كل العالم من حيث المجموع. بمعنى أن الذي يصوم الصيف في النصف الشمالي من الكرة قريبا من القطب فإنه في الشتاء يصوم أقل بكثير وبالنتيجة فهو خلا ل ثلاث وثلاثين سنة يصوم مثل ما يصوم غيره في مكة مثلا بفروق بسيطة. تلك الفروق ترتبط بالفجر فقط. فلو عمل أحد بنفس الطريقة التقليدية فهو لن يكون مجحفا.

  1. مسألة عالمية الدين الإسلامي التي تعرض لها سيادة الأستاذ المتعافي حفظه الله تعالى وهي مسألة تهمنا جميعا. لكن ليس من حقنا كما أظن أن نجعل الدين الإسلامي دينا عالميا بعمل تغييرات فيه. يجب أن يكون الدين كما هو عالميا. من واجبنا أن نعيد أمتنا إلى القرآن الكريم فقط باعتبار أن القرآن هو المصدر الوحيد للتشريع وليس للسُّنة المكتوبة أي دور في التشريع؛ وهذا ما نقوم به ويقوم به الأستاذ المتعافي. عاش المسلمون أكثر من قرن بعد وفاة الرسول كما عاش الصحابة مع رسولهم بدون أي كتاب غير القرآن والتوراة. كل كتب الحديث كتبت فيما بعد فهي كلها مفتريات الخلفاء المجرمين وفاقدة لأية قيمة تشريعية وبجب علينا أن نضرب بها جميعا عرض الحائط. وأما قول الفقهاء الضعفاء بأنهم يصححون الأحاديث فيهملون الضعيفة منها فهو يعني بأننا مدعوون لاتباع الفقهاء الذين يقومون بالتصحيح ولسنا مدعوين لاتباع الأحاديث.

هناك مشكلة عامة بين كل أصحاب الديانات السماوية بما فيهم رسلهم. تلك هي الفرق الكبير بين أهداف القدوس العظيم جلاله وأهداف الرسل وخاصة المؤمنين. الرسل يريدون أن يروا كل الناس قد آمنوا بربهم باعتبار إنسانيتهم ومشاعرهم الطيبة تجاه كل البشر. ومثلهم صحابتهم الذين آمنوا بهم وبرسالاتهم. لكن الله تعالى لا يريد ذلك تكوينا. إنه يريد أن يختبر حقائق النفوس فيُدخل الطيبين جنات النعيم ويرمي بالظالمين والجاحدين والفاسقين في نار جهنم. كان الصحابة مثل الرسول ومثلنا يريدون أن يروا الناس جميعا قد أسلموا. قال تعالى في سورة الرعد: وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَل لِّلّهِ الأَمْرُ جَمِيعًا أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُواْ أَن لَّوْ يَشَاء اللّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا وَلاَ يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُواْ تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُواْ قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِّن دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللّهِ إِنَّ اللّهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ (31). ويقول سبحانه لرسوله في سورة القصص: إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (56).

ولذلك فما نراه اليوم من محاولات طيبة من إخواننا الذين يسعون لتيسير وتسهيل الأحكام العبادية ليست إلا اهتماما واضحا بتوسيع رقعة المتقبلين لهذا الدين العظيم ولهم أجرهم عند ربهم كما أن للصحابة وعلى رأسهم ورأسنا رسولنا العظيم أجرهم عند الله تعالى. لكنه سبحانه ما قال بأنه سوف يغير أمرا تشريعيا من أجلهم. أمر الأشهر الإثني عشر كامل الوضوح بأنها 12 شهرا قمريا فقط دون إضافة. وهذا ما أراده الله تعالى حين خلق السماوات والأرض. بمعنى أنه سبحانه حين برمج للحركات الكوكبية جعلها بحيث تنتج ما نراه اليوم من شهور قمرية ضمن ترتيب يخص زماننا ولم تكن كذلك قبل 10 ملايين من السنين كما لم تبق على ما هي عليها بعد ملايين السنين. ذلك لأن المسافة بيننا وبين القمر متغيرة فالقمر في ابتعاد مستمر.

  1. النسيء. لقد قام الأستاذ المتعافي بتوصيف النسيء في الآية والذي استنكره الله تعالى بالنسيء المذموم. نحن نشكره على ذلك لأنه سوف يجعل رمضان دائما في الخريف وفي نصف الكرة الجنوبي في الربيع. لكنني قرأت الآية مرات عديدة لعلي أرى في مقولة الأستاذ الفاضل مخرجا قرآنيا يؤيده، فلم أجد. النسيء كل النسيء مذموم عند الله تعالى لأنه سبحانه بدأ الآية بـ إنما. فكرت كثيرا في وجود معنى آخر للحصر فلم أعثر ولم يقم سيادته بمناقشة هذه الجزئية قبل كل شيء. ولنفرض بأنه سبحانه يريد كما نظن نحن بأن يحصر النسيء كله بالذم فسوف يقول نفس الشيء. فالذي يقول بأن الجملة تدل على رفض النسيء عموما فهو على حق لا يمكن رده. لا توجد في الجملة ولا في الآية ولا في أية آية أو سورة أخرى من القرآن أي استثناء لهذا الموضوع. فكيف نستدل على أنه سبحانه قصد النسيء المذموم وهناك نسيء ممدوح يجب العمل به؟

والنسيء مصدر نسأ ينسأ وتعني التأخير مثل بيع النسيئة. وقد وضح الله تعالى معنى النسيء في الآية الكريمة واسمحوا لي بأن أنقل الآيات كلها وهن في سورة التوبة لننظر إليها معا فنعرف المقصود من كل المجموعة: قال تعالى في سورة التوبة: إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ وَقَاتِلُواْ الْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَآفَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (36) إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُحِلِّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِّيُوَاطِؤُواْ عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللّهُ فَيُحِلُّواْ مَا حَرَّمَ اللّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (37) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ (38).

الآيات الكريمة لا تتحدث عن الصيام ولا عن الحج بل تتناول القتال فقط. وقد وضح سبحانه معنى النسيء في نفس الآية: يحلونه عاما ويحرمونه عاما ليواطئوا عدة ما حرم الله فيحلوا ما حرم الله. كانوا يحلون النسيء عاما ويؤخرون النسيء عاما ليوافقوا عدة ما حرم الله. فيعني بأنهم كانوا يلتزمون بالعدد ولا يلتزمون بالأشهر الحرم المحددة. هكذا يحلون ما حرم الله بمعنى أنهم يحلون القتال في شهر حرمه الله تعالى ويحرمونه في شهر لم يحرمه الله. هذا كل ما فعلوه. وسيادة الأستاذ المتعافي يعرف المعنى بدقة ولكنه يضيف من عنده نسيئا ممدوحا لم يقل به الله تعالى. ثم إنه يؤكد بأن الأشهر 12 لا أكثر ولا أقل ولكنه يضيف أياما من عنده ليوفق بين المجموعات الاثني عشرية القمرية مع السنة الشمسية والله تعالى لم يقل ذلك. إنه سبحانه قال 12 والمتعافي يقول 12 وثلث. هذه خلاصة القول فهل يجوز لنا أن نترك ما قاله الله تعالى ونتبع ما قاله أخونا الكريم، أعزه الله؟

أكد العزيز الحكيم بأن عدة الشهور عند الله 12 شهرا باعتبار مقدمة الآيات الكريمة. كان العرب كما يبدو يلعبون بالأشهر الحرم تقديما وتأخيرا فقط. والأشهر الحرم كانت في معتقد العرب قبل الإسلام، والإسلام أيدها. هذا معنى النسيء عندهم. فمثلا ينقل صاحب لسان العرب عن عمير بن قيس بن جذل الطعان وهو شاعر معاصر للرسول عليه السلام من قبل البعثة قوله:

ألسنا الناسئين على مَعَدٍّ        شهور الحل نجعلها حراما

هذا هو النسيء عندهم بكامل معناه. وهذا النسيء محرم في القرآن. لا يمكننا فهم نسيء مذموم ونسيء آخر ممدوح من القرآن الكريم بظني القاصر. والمفسرون ومنهم الزمخشري وهو محقق كبير ولغوي دقيق يؤيد مقولة الذين ظنوا بأن العرب فعلوا ذلك ليوافقوا عدة التحريم بدون الاهتمام بالأشهر الحرم بعينها. وذكر الزمخشري بأنهم كانوا يجعلون الأشهر 13 أو 14 شهرا أحيانا ليوسعوا على أنفسهم في مدة القتال ويقلصوا من الأشهر الحرم. ليس لي يد في التاريخ الذي لعبوا فيه ما لعبوا ولكن كلام الزمخشري معقول جدا فلماذا نخالفه؟

  1. يقول سيادة الأستاذ المتعافي بأن تحديد الشهور ب 12 شهرا يدل على أن السنة شمسية قمرية! وأقول: لا توجد أية إشارة في القرآن إلى السنة القمرية. نحن تسهيلا لحساباتنا نستعمل لفظة السنة، فأظن بأن الأمر تشابه على سيادته. إنه يعلم بأن الله تعالى هو ملك الطبيعة وهو خالق ما فيها والسنة الطبيعية شمسية لا قمرية فكيف يقول ربنا السنة الشمسية القمرية؟ الشهر الطبيعي قمري والسنة الطبيعية شمسية. لكن الذين يستعملون السنة الطبيعية فهم يتفقون على تقسيمها إلى 12 شهرا للتسهيل ولا دخل لذلك التقسيم بالحركات الفلكية. كما أن الذين يستعملون الشهر الطبيعي مثلنا نحن المسلمين فنحن نضرب الشهر في 12 ونعتبرها سنة اعتبارية وليست طبيعية. هات آية قرآنية تتحدث عن السنة القمرية أو أن العبادات غير اليومية وغير الأسبوعية مرتبطة بالسنوات.

وأما لمعاملاتنا فعلينا بأن نأخذ جانب الذين هم أقل قوة وأكثر ضعفا في المجتمع. من صالح العمال والكادحين أن تكون أشهرنا قمرية. سوف يأخذون مرتباتهم الشهرية بانتظام ولا يخسرون الفرق بين السنة الشمسية وما نسميها السنة القمرية وهو أكثر من ثلث شهر تقريبا. لعلمكم ففي بريطانيا ولعل كل أوروبا يدفعون مساعدات الفقراء أسبوعيا لا شهريا. لأن الأسابيع منتظمة ولا يخسر المحتاج شيئا. تنفيذ العملية كان مكلفا للدولة قبل تعميم النظام البنكي.

والله تعالى لم يعتبر السنة 12 شهرا بل اعتبر الدورة العبادية للحج ولرمضان دورة اثني عشرية. وسيادته وبقية الإخوة يضيفون إلى الدورة ما يشاؤون من عند أنفسهم لا من عند الله تعالى. فهل أنتم إخوتي مشرعون لنا أم أن مسؤوليتكم الأخلاقية تنحصر في تفسير آيات القرآن لنا؟

  1. يهتم الأستاذ الدكتور حسني المتعافي كثيرا بالمعروف بين العرب قبل الإسلام حسب ظنه طبعا وبالتقويم العبري وبأن العرب كانوا يستعملونه وبأن القرآن لم يلغه ولم يعدله. ولذلك أذكر لسيادته ملاحظة شخصية عندي. هي أن الله تعالى لا يحب السلبيات بل يحب الإيجابيات ولا سيما فيما أباحه وأحله للناس. بمعنى أنه جل جلاله يسعى لأن يقول ما يريد قوله بالإيجاب جهد الإمكان وقلما يمنع أو ينفي. مثال ذلك الصيام؛ فإنه سبحانه لا يقول لا تأكلوا ولا تشربوا بل يقول في سورة البقرة: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (187). فنلاحظ في الآية الكريمة أنه سبحانه:

ألف: أراد تحريم الارتباط الجنسي وكل المداعبات الجنسية في النهار فلم يقل ذلك بل أحله في الليل وذكر الحل لنعرف بأنه محرم في النهار.

باء: قال لنا كلوا واشربوا في الليل لنعلم بأن علينا ألا نأكل ولا نشرب في النهار. ثم أراد أن يسعفنا بنوع من التشجيع فقال: ثم أتموا الصيام إلى الليل. بمعنى أن ما فعلناه عمل عبادي لتحقيق الصيام.

ج. الآية لا تلوم الذين كانوا يختانون أنفسهم بل يذكرهم بكل لطف ويسمح لهم بالمباشرة ليلا ليقول بأن هناك تحديد فقط لا تحريم كامل.

د. العكوف في المساجد ليس واجبا بل هناك من يحب ذلك أو ينذر بالعكوف. فقال لهم سبحانه بأن الأكل والشرب مباح عند العكوف ويكفي عدم مباشرة النساء.

وأعطيكم مثالا آخر. قال تعالى في سورة البقرة مخاطبا بني إسرائيل: وَآمِنُواْ بِمَا أَنزَلْتُ مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَكُمْ وَلاَ تَكُونُواْ أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ (41). والموضوع مكرر كثيرا في القرآن. يريد أن يقول لهم بأن هذا القرآن يصدق ما بأيديهم من الكتب القديمة وليس جاحدا لها ولا لما فيها. هذا هو أدب القرآن الكريم وأدب منزله العظيم جل جلاله. فما هو الداعي لينفي سبحانه وتعالى تقاويم البشر. تلك التقاويم يحتاجونها لمسائلهم الدنيوية إلا أنهم ولعباداتهم يحتاجون إلى اثني عشر شهرا قمريا فقط دون زيادة. لكنه سبحانه لم يتحدث عن التقاويم ولم يشر إليها حتى لا نضيع في خضم الرزنامات البشرية. والعلم عنده سبحانه.

  1. يستشهد سيادته بالآية التالية من سورة الإسراء لإثبات أن الشمس والقمر كلاهما مهمان للحساب: وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً (12). بالطبع أن الليل والنهار لا تعنيان القمر والشمس. ولو فرضناها كذلك فإن الآية لا تتحدث عن الصيام والحج ولا عن العبادات الأخرى. يمكن تفسير الآية بأنها تتحدث عن التجارة والجهد الذي يتحمله الناس لكسب قوتهم فيحتاجون إلى الزيادة والبركة والفضل من ربهم. لا أحد ينكر أهمية الشمس والقمر كليهما للحساب ولكن سيادته بصدد إثبات وجوب التوفيق بين الأشهر القمرية والسنوات الشمسية. فالآية الكريمة لا تساعده كما أظن.

21: اهتم سيادة الأستاذ المتعافي بالدورة الميتونية واعتبرها دورة طبيعية. ما عرفت كيفية تسميته لها بالدورة الطبيعية وهي توافقية غير طبيعية. كيف نثبت طبيعيا بأن هناك حركة فلكية مرتبطة بالأرض ودورتها 19 يوما مثلا؟ والدورة الميتونية مرتبطة بالسنوات فحسب، والعدد 19 يخص السنوات وهي تساعد اليهود لأنهم يريدون التوفيق بين الدورات القمرية الإثني عشر وعيد الفصح عندهم ليكون العيد دائما في الربيع.

 ثم إن الدورة الميتونية ظهرت حوالي ألف سنة قبل نزول القرآن الكريم ولكن القرآن تجاهلها كاملة. فلم يتحدث عن أشهر تسعة عشرية ولا عن توافق بين الشهور القمرية الطبيعية والسنوات الشمسية الطبيعية. فلا يمكن لنا إثبات أية علاقة بين أحكام القرآن وبين الدورة الميتونية، والله العالم. ولا ننس بأن الدورة الميتونية أو ميتون نفسه ظهر بعد وفاة الرسول موسى عليه السلام فلا عبرة بها دينيا ولكن إخواننا اليهود قاموا بالكثير من التغييرات في دين الله ليتناسب مع أهوائهم. كما أننا لم نر أي اهتمام من المسيح عليه السلام بالدورة الميتونية بقدر اطلاعاتي المتواضعة.

وتبعا لتحرياتي البسيطة فإن الكتاب المقدس يخلو من عملية التوفيق بين الأشهر القمرية والسنوات الشمسية لكن اليهود يعملون بذلك. يظن البعض بأنهم بعد الخروج من مصر فكروا في التوفيق بين السنوات والأشهر ليجعلوا أعيادهم متناسبة مع الفصول. وقد يظن البعض بأن ميتون نفسه تعلم من البابليين الذين اشتهروا بتلك التقويم التوافقي قرنا قبل ميتون احتمالا. الخلاصة بأن التوافق الذي يتحدث عنه سيادة الأستاذ المتعافي شيء جميل ومعمول به لدى بعض الطوائف الأخرى المؤمنة بالديانات السماوية ولكن القرآن لم يذكرها إطلاقا. كما أننا نرى المسلمين ومنذ مدة طويلة بحسب ما دونه المؤرخون، لا يوفقون بين الشمسية والقمرية بل يصرون على الرزنامة المذكورة في القرآن وهي 12 شهرا قمريا. لم يسمها القرآن سنة ولكن المسلمين يعتبرونها سنة. المسلمون في إيران وأفغانستان وتركيا وبعض البلدان الأخرى يعتبرون السنوات الهجرية سنوات شمسية فمجموع السنوات عندهم أقل من السنة الهجرية المعروفة باعتبار أنهم يلاحظون السنة ابتداء من هجرة الرسول عليه السلام شمسيا دون الشهر القمري. أولئك مضطرون لأن يعملوا تقاويم سنوية يحددوا فيها الأشهر القمرية كما سار عليه المسلمون لعباداتهم ويوضحوا المقابل الشمسي لها لمناسباتهم الزراعية والقومية.

ولعلنا نواجه مشكلة كبيرة لو أردنا التوفيق بين السنة الطبيعية والقمر الطبيعي من حيث أن الاهتمام بالأمر موجود لدى اليهود بدون أن يتواجد في الكتاب المقدس. فسوف يتهمنا البعض بأننا اتبعنا اليهود ولم نتبع لا القرآن ولا التوراة والإنجيل الموجودين بين أيدينا مع علمنا بأنهما محرفان وليسا أصليين. ناهيك بأننا لا نملك أي دليل لتغيير الرزنامة الإسلامية إلى رزنامة شمسية قمرية مع أن الله تعالى لم يذكر أبدا فارق السنة الشمسية الطبيعية مع الدورة القمرية الإثني عشرية حينما عين عدد الأشهر أو دورة الأشهر كما أظن. ولذلك فنحن مضطرون لأن نرفض العمل باقتراح الإخوة التوافقيين جميعا كما لا ننتظر أن يحدث الله تعالى بعد ذلك أمرا. ذلك بسبب أن التشريع قد أنزل وانتهى ولا ننتظر تشريعا سماويا بعد وفاة الرسول محمد عليه السلام.

  1. يكرر سيادة الأستاذ حديثا مرفوعا عن رسول الله عليه السلام بأنه قال: إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض، السنة اثنا عشر شهراً، منها أربعة حرم، ثلاث متواليات ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان. انتهى الحديث بالكامل كما ورد.

الحديث لو صح فإنه لا يشير إلى التوافق مع الفصول كما ظن سيادة الأستاذ المتعافي. الحديث يؤكد تحريم ما فعله العرب من تأخير شهرٍ محرم ليقاتلوا فيه فقط. هذا الحديث يؤيد ما يسير عليه المسلمون اليوم ولا دخل له بالتوافق بين الشهور الوضعية والسنة الطبيعية ولا يفيد هدف الأستاذ إطلاقا. أعود فأؤكد بأن الإخوة الذين يسعون للتوفيق بين السنوات الطبيعية والأشهر الطبيعية لم يقدموا لنا أي دليل من القرآن كما لم يقدموا أي دليل من الكتب التي كتبها البشر باسم الأحاديث النبوية. دليلهم الوحيد هو ما فعله اليهود قرونا بعد وفاة موسى تبعا لميتون. لكنني إكراما لسيادة الأخ الكريم المتعافي سوف أسعى لبيان الحديث الاحتمالي وبكل إيجاز.

إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض:

لو قلنا بأن الزمان يوم خلق السماوات والأرض كان 12 شهرا قمريا فهو باطل بالتأكيد. الحركة القمرية التي نراها اليوم لم تبدأ يوم خلق القمر، بل لم يكن هناك قمر أصلا يوم خلق السماوات والأرض. كان القمر قريبا من الشمس حينما انفصلت أصول أرضية عن الشمس قبل بلايين السنين. الحركة التي نراها اليوم حديثة نسبيا وليست قديمة وسوف تتغير حينما يعود القمر إلى الشمس مرة أخرى ليموت. قال تعالى في سورة القيامة: فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ (7) وَخَسَفَ الْقَمَرُ (8) وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ (9) يَقُولُ الإنسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ (10). ولذلك فلو فرضنا بأن الرسول عليه السلام قال ذلك فهو لا يقصد فعلية الزمان آنذاك بل يقصد التشريع الذي ذكره الله تعالى في سورة التوبة بأن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض. فيكون المقصود من استدارة الزمان هو تحصل الإرادة الإلهية بالفعل فترة الحياة البشرية في الأرض وهي ليست قديمة.

السنة اثنا عشر شهراً، منها أربعة حرم، ثلاث متواليات ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان:

هذه السنة ليست طبيعية لأن السنة الطبيعية أكثر من 12 شهرا قمريا بل هي السنة التوافقية باحتساب كل 12 شهر قمري سنة واحدة كما هو متداول بين المسلمين حتى يومنا هذا. فهو عليه السلام لو قال ذلك فإنه أراد أن يبلغنا بأن هناك سنة عبادية عبارة عن 12 شهرا قمريا طبيعيا. ثم ذكر عليه السلام أسماء سبعة شهور قمرية ولم يذكر اسم ربيع ولا رمضان حتى لا نتوهم معنى فصل الربيع وحرارة رمضان. هذا هو ظني لو كان الحديث صحيحا، وأنا لا أظنه صحيحا. ويعلم الأستاذ الفاضل بأن مكتبتنا العربية تخلو من أية مخطوطة من أيام الرسول أو الخلفاء الراشدين أو أي من الصحابة رضي الله عنهم الذين بقوا بعد وفاة الخليفة الرابع عليه السلام أو أي من التابعين عدا القرآن الكريم. وأنا أحتمل وجود التوراة بيد المسلمين باعتبار قوله تعالى في سورة القصص: فَلَمَّا جَاءهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِندِنَا قَالُوا لَوْلا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِن قَبْلُ قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ (48) قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِّنْ عِندِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (49).     انتهى تعليقاتي على الحديث المنسوب إلى الرسول عليه السلام.

  1. استشهد سيادته بليلة القدر لدى بعض الصفوة حسب تعبيره وهو في غير رمضان. لو كان الأمر كذلك فعلا فهو يعني بأن ليلة القدر ليلة شمسية لا علاقة لها بالليالي القمرية. وليلة القدر هي مشكلة أخرى بين المسلمين. أين قال الله تعالى بأن نحيي ليلة القدر وبأنها تكرر كل سنة؟ كل ظني بأن ليلة القدر السنوي لا تفسر ليلة القدر في القرآن بل هي ليلة سوقها الحكام مثل تسويق كرة القدم اليوم ليملئوا الفراغ في أوقات الناس ويشغلوهم عن التفكير.

ليلة القدر في القرآن حقيقة ترتبط بتعامل ربنا مع تقديراته العامة للحياة الإنسانية ضمن النظام السماوي. تلك التقديرات لا تفرض ولا تدعونا لأعمال عبادية في رمضان كما قال المحدثون. أبلغنا الله تعالى ذلك وهي بينه وبين ملائكته ولكنها خير من ألف شهر رمضان. وشهر رمضان مهم سماويا باعتبار إنزال أمر سماوي في ذلك الشهر. ظن المفسرون بأن الله تعالى يقصد إنزال القرآن في ليلة القدر وليلة القدر من رمضان. لا يمكن إثبات ذلك قرآنيا بقدر سعيي المتواضع. أهمية ليلة القدر هي بأنه سبحانه يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ويبلغها ملائكته في ليلة القدر. نحن لا نعلم شيئا عن تلك الليلة ولم يفرض ربنا علينا أمر ا فيها.

هي تتحصل مرة كل ألف سنة بظني. نحن البشر نبرمج لعشرين سنة أو أكثر أحيانا ولكن الله تعالى يبرمج لألف سنة. قال تعالى في سورة السجدة: يُدَبِّرُ الأمْرَ مِنَ السَّمَاء إِلَى الأرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ (5). وقال تعالى في سورة القدر: إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5). وقال سبحانه في سورة الدخان: حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ (3) فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4) أَمْرًا مِّنْ عِندِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (5). تلك الليلة ليلة عمل كبرى للملائكة العلويين برئاسة الروح القدس جبريل مع الملائكة السفليين المأمورين بمراقبتنا ومساعدتنا. لكنها مرة كل ألف سنة. ولا ننس بأن أيام ربنا يعادل ألف سنة مما نعدها في حساباتنا. وقد كتبت مقالة مفصلة عن ليلة القدر وهي موجودة في مدونات مركز تطوير الفقه الإسلامي وفي فيسبوك المركز. فقول سيادته بأن:

شدة احتفاء القرءان بليلة القدر يتضمن إشارة إلى أنها مرتبطة بظاهرة طبيعية ثابتة، فلابد من ارتباط رمضان بظاهرة طبيعية لتضمنه ليلة القدر الثابتة.  انتهى النقل.

قوله ذلك أيضا بلا دليل بل هو قناعة شخصية لدى سيادته. فالقرآن لم يقل بأن ليلة القدر تكرر سنويا؛ ولم يقل بأنها مرتبطة بظاهرة طبيعية؛ ولم يقل بأنه أنزل القرآن الكريم في ليلة القدر. إنا أنزلناه لا يعني إنا أنزلنا القرآن. هناك آيات في بداية سورة الدخان قد يفسرها أحد بتنزيل القرآن وهن: حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ (3) فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4) أَمْرًا مِّنْ عِندِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (5) رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (6).

أقبل بأن حم في القرآن تشير إلى حجية القرآن ووجوب التمسك بتلك الحجة وذلك بمقتضى تفسيري لفواتح السور طبعا. لكن الآيات الكريمة الأولى لا تشير إلى تنزيل القرآن الكريم إطلاقا. الحديث عن تنزيل أمر آخر لا نريد أن نناقشه حفاظا على بقائنا في نفس البحث. والدليل هو أنه سبحانه يبدي اهتمامه في تلك الآيات بالليلة وليس بالقرآن. فيها يفرق؛ يعني في تلك الليلة يفرق كل أمر حكيم. لكن الحديث عن ليلة القدر فقط باعتبار أنه سبحانه يقول: فيها يفرق كل أمر حكيم. ويقول أيضا: إنا كنا مرسلين. فالحديث عن أمر آخر مرتبط بظهور خاتم النبيين عليه السلام ومقدمات بعثه رسولا إلى أهل مكة. فآية “إنا كنا مرسلين” تعني بأنه سبحانه أنزل ذلك الأمر لأنه كان يريد إرسال رحمة منه. فالقسم بالقرآن الكريم بأنه تعالى أنزل أمرا في ليلة مباركة وأظن بأنها فعلا ليلة القدر كمقدمة لإرسال رسول يريد ربنا إرساله.

فلا دليل من القرآن بأن الله تعالى أنزله ليلة القدر ولا دليل من القرآن بأن ليلة القدر في شهر رمضان. ولا دليل بأنها تكرر كل سنة. ولنقرأ آية أخرى لعلنا نتفق مع سيادة الأستاذ المتعافي بأن ليلة القدر غير مرتبطة بتنزيل القرآن الكريم. تلك هي الآية الأخيرة في سورة القدر: سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5). يمكن لسيادته أن يسأل الذين عاشوا الحروب الطويلة وقد عشت واحدة منها هي الحرب العراقية الإيرانية التي طالت ثمان سنوات. كنت منتبها لآية ليلة القدر ولكني لم أر ليلة في عدة سنوات وقد عم الله تعالى فيها السلام. ولو ننظر اليوم إلى عالمنا ككل فلن نجد ليلة عم فيها السلام. وليلة القدر هي ليلة تعم فيها السلام حتى مطلع الفجر. بالطبع ودفعا للارتباط فليلة القدر حسب تفسيري هي ليلة أرضية كاملة طولها 24 ساعة تقريبا. فالملائكة العلويين بقيادة الروح القدس يبدؤون من خط على طول الأرض ويسيرون في حدود 24 ساعة ليقوموا بأعمالهم المناطة بهم فينتهوا من عملهم في الليل الذي يسير مع الكرة الأرضية. والله تعالى يعم الأرض كله السلام ليقوم الملائكة بمهمتهم دون حروب لأن الحروب تُشغل الملائكة الموكلين بكل فرد منا والله تعالى كما يبدو لي يريد أن يرى الناس نائمين ليقوم الملائكة بتنفيذ ما أنيط بهم على خير ما يرام؛ والعلم عند المولى عز اسمه.

  1. قال سيادة الأستاذ حفظه الله تعالى: والرسول لم يحج إلا مرة واحدة كانت في شهر ذي الحجة، وهذا هو الْحَجِّ الأَكْبَرِ، وفي قوله تعالى “يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ” دليل وبرهان على أنه يوجد أكثر من حج، وأن أكبرها هو حج شهر ذي الحجة، فكلمة ” الْأَكْبَرِ” مجرورة، ذلك لأنها صفة للحج، وليست صفة لليوم، وإلا للزم نصبها، فحج شهر ذي الحجة هو الحج الأكبر، فالحج متعدد، ومن أشد الأمور ثبوتا في الإسلام أن الرسول حجَّ مرة واحدة في شهر ذي الحجة، هي حجة الوداع، وألقى على الناس خطبة أمام أكثر من مائة ألف.  انتهى النقل.

فأقول: قال تعالى في سورة الحج: فَسِيحُواْ فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُواْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللّهِ وَأَنَّ اللّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ (2) وَأَذَانٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِن تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (3) إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُواْ عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّواْ إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (4) فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (5).

بالطبع أنني أوافقه على أن الأكبر (يوم الحج الأكبر) متعلق بالحج وليس وصفا لليوم ولكن لا ذكر للشهر في الآية الكريمة. لذلك ما اهتديت إلى كيفية توصل سيادته إلى أن المقصود هو الحج في شهر ذي الحجة. كما أنني لا أدري بأي سبب يقول من يظن بأن الحج يمكن أن يؤتى به في عدة أشهر بأن هناك خصوصية لشهر ذي الحجة؟ فهناك بالتأكيد سبب آخر لتوصيف حج ذلك العام بالحج الأكبر. ولو يقرأ محقق غير مسلم ما كتبه سيادته وما يعرفه عن اهتمامنا برسولنا عليه السلام فيقول بأن حج ذلك العام حج أكبر لأن عدد الحاضرين كانوا أكثر من 100000 أو يقول بأن الحج أكبر باعتباره الحج الوحيد الذي حج فيه رسول الله من بعد البعثة أو من بعد الهجرة المباركتين. ولعل من يقول بأنه موصوف بالحج الأكبر باعتبار أن المشركين والمسلمين حجوا معا بدون أي منع باعتبار أن السلطة انتقلت إلى المسلمين وهم بطبيعة دينهم لم يمنعوا المشركين وغيرهم من أن يحجوا بكل حرية. فلذلك كان الحج ذلك العام أكبر حج بالنسبة لما قبله من مواسم الحج.

لم يقدم أستاذنا الكريم أي دليل جازم قاطع من كتاب الله تعالى بأن المقصود من الحج الأكبر هو حج ذي الحجة. ثم يضيف: فالحج متعدد. استنتاج مبني على فرضية غير قابلة للإثبات فيما عدا أنه كلام بشري جميل ولكن الله تعالى لم يقل ذلك. ولا أظن بأن سيادة الأستاذ يعتقد بجواز الفتوى الملزمة للعلماء. فالفتوى الملزمة غير متاحة حتى للرسول عليه السلام. الفتوى لو صدرت من الله تعالى كما أفتي سبحانه في مسألتين داخل سورة النساء فهي ملزمة وإلا فهي مجرد رأي غير ملزم.

  1. قال تعالى في سورة البقرة: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ (197)لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُواْ اللّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِن كُنتُم مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّآلِّينَ (198)

 

فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُواْ اللّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا فَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ (200) وِمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (201) أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّمَّا كَسَبُواْ وَاللّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (202) وَاذْكُرُواْ اللّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (203).

ذكر سيادته آية أشهر الحج وهي آية لم تنل نصيبها من البحث والتحري الدقيق بين مفسرينا الكرام رحمهم الله تعالى أحياء أو أمواتا. لا أظن بأن هناك ارتباطا ضروريا بين معرفة أشهر الحج وإثبات السنة الشمسي قمرية التي يسعى إليها الأخ الكبير المتعافي وبقية الإخوة المؤيدين لرأيه. لكنني أرى ضرورة معرفة السبب في ذكر أشهر الحج في القرآن ولذلك أقدم شرحي المتواضع لمن يريد.

يظن الكثير من المؤمنين بالديانات السماوية بأن الشعائر الدينية علامات مميزة لأهل ذلك الدين ولا ضرورة لأن تكون الشعائر مشيرة إلى علامات تؤثر في معرفتنا بالله تعالى أو إيماننا به أو تفيد الأمة وتغير سلوكها نحو الأفضل. ولعل البعض ممن يفكر يكتفي بالظن بأن الشعائر واجبة لتقييد الإنسان ببعض المظاهر المميزة ليعلم الناس بأنه مسلم أو مسيحي أو يهودي. هذا الظن مشابه تماما لما يظنه أصحاب الديانات غير السماوية حسب تعبيرنا نحن المؤمنين بالسماويات. وبما أنني مثل الكثير من المفكرين الكرام أعتقد بأن الله تعالى بأحكامه يريد بأن يعرفنا ويعلمنا طرق الوصول إليه سبحانه لنعود إليه أصحاء غير مصابين بالأدواء النفسية كما خلقنا أول مرة، فإنني أفكر مليا في أحكامه لأنها أحكام طبيعية ضرورية لنا في الواقع.

والحج على أنه من النسك التي تخص الأثرياء فإن ما فيه من أحكام تساعد الذين هم قريبون من الأنانية ليقتلوا نفوسهم ويعودوا إلى ما أراده لهم ربهم ليهتدوا ويحبوا البشر ويسعوا لإعمار أرض الله تعالى ولإسعاد المخلوقين كما أراده سبحانه. أما الفقراء فلا يحتاجون إلى الحج ويكفيهم أن يتحلوا بالصبر ويسلوا أنفسهم بأجر الآخرة ليتم بذلك تزكية نفوسهم. ولنعم ما نقلوه عن الإمام علي عليه السلام: يا أيها الأغنياء أكثروا من الحسنات فإن سيئاتكم كثيرة ويا أيها الفقراء أقلوا من السيئات فإن حسناتكم قليلة. فالحج كما نراه ينطوي على أعمال يصعب فهم فلسفته على الشخص العادي كما يصعب على المفكر إن لم يتعمق فيه. ولذلك سوف أذكر رأيي المتواضع في هذه الجزئية فقط لعله يفيد من يرنو إلى المزيد من الآراء ليتمكن من تنظيم عقيدته في المناسك المفروضة علينا كمسلمين.

الحج كغيره مدرسة كبيرة من الأخلاق بل معهد تدريبي لتزكية النفس الإنسانية المفطورة على الترفع النسبي المؤدي إلى الشراسة أحيانا وخاصة عند ذوي القدرات. هذا الترفع إحساس فطري حتى لا نتواضع للحيوانات بل نترفع عليهم ولكننا نتواضع مع البشر فقط. وسورة البقرة على أنها سورة تشريعية ولكنها مثل سورة النور تنطوي على أحكام كما تنطوي أيضا على أخلاقيات تنظم حياة أصحاب الرسل كما تنظم حياة من يريد أن يسير على هدي الرسالات السماوية.

أشهر الحج ليست لبيان وقت الحج في الواقع. لا يجوز مخالفة ما ورثناه من رسول الله عليه السلام وصحابته من سيرة طيبة إلا إذا رأينا فيها خللا يناقض مفاهيم القرآن الكريم. هناك نسعى لإعادته إلى حالته الأولى مستنجدين بصريح القرآن الكريم أو المنطق العقلي الدقيق فقط. ليس بيدنا دليل من القرآن الكريم بأن سيرة المسلمين في إقامة فريضة الحج في شهر ذي الحجة غير صحيح فكيف نخالفهم؟ وأما مسألة بلايين المسلمين التي أثارها سيادة الأخ المتعافي حفظه الله تعالى فهي تنطوي على نوع من المبالغة. علينا الانتباه بأن الحج مفروض على المقتدرين مرة واحدة في العمر. فلو تجاوز عدد الراغبين في الحج فإن النظام الحاكم سوف يمنع الحج على من يكرر الحج ليعطي الفرصة لمن وجب عليه فقط. ولو نفحص نسب الفقر في العالم سنرى بأن نسبة المقتدرين أقل من 1% من البشرية جمعاء. يقول البعض بأن نسبة المقتدرين في الدول المتقدمة مثل بريطانيا في حدود 5%، فلو أنهم جميعا أسلموا فإن عدد الذين يجب عليهم الحج أقل من الحجيج اليوم. سوف يتوزعون على ما يقارب من أربعين سنة ليحجوا في واحدة من تلك السنين.

هناك الكثيرون يكررون الحج ويجهلون بأن عملهم غير مطلوب بل قد يكون حراما لو أدى إلى الإضرار بالآخرين. كما أن هناك الكثير من الحج النيابي وهو ما لم يقل به الله تعالى فهو حج باطل فاقد لأية قيمة برأيي. نحتاج إلى تعديل هذه المسائل الدخيلة في الإسلام.

إن منطق الحج هو إظهار الخضوع لله تعالى ليتعلم أصحاب الثروات ويتدربوا على التواضع والشعور بالتساوي مع بقية خلق الله تعالى. والحج والصوم والصلاة اليومية كلها تدرب الناس في الواقع وأذكار الحج والصلاة تمثل الاعتراف بالعبودية للواحد الأحد الفرد الصمد لينسى المقتدر قدراته حينما يقارن بين ما بيده وبين مُلك مليك الكون العظيم جل جلاله فلا يظلم غيره بالنتيجة والعلم عند المولى عز وجل.

فالصلاة تدريب يومي خمس مرات ركوعا وسجودا واعترافا بالعبودية والصوم تدريب سنوي على الجوع والعطش والابتعاد عن الرفث في النهار والاكتفاء بالليل للمنح الثلاث. وأما الحج فهو تدريب للأثرياء والأقوياء فقط لعل الحج يحط من طغيانهم الطبيعي. فقوله تعالى: الحج أشهر معلومات؛ فهو لا يعني بأن أشهر الحج بحاجة إلى بيان سماوي فالكل يعرفها. هذا يعني بأننا لا يمكننا أبدا أن نعطي رأيا فيها بل علينا البحث عما سار عليه سلفنا كما أن صحابة الرسول أيضا ساروا على ما سار سلفهم. قال تعالى بعد الآيات الكريمة في نفس البقرة: ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (199). فما فائدة آرائنا مادام الأمر منحصراً باتباع ما سار عليه السلف الذين سبقوا مبعث الرسول حتى للرسول عليه السلام وصحابته الكرام؟ والله تعالى بنفسه كفيل بصيانة ما يريد صيانته من سنن كان هو سبحانه ورائها حين ما قام به الناس.

مثال ذلك مثال الحلف المعرف بين أهل الحجاز: أسألك بالله والرحم. قال تعالى في فاتحة النساء: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1). فهناك سنن طيبة كان الله تعالى رقيبا على الناس حينما أشهروها بينهم.

إن تدريب الذي انكسرت يده أو رجله فبقي العضو تحت الجص عدة أشهر يطول أشهرا أو أكثر من أشهر بعد أن تقوى عظامه. كما أن تدريب الذي تعلم على التكبر والسرقة والظلم يطول في السجون حتى يتعلم على ترك قبائح صفاته غير الطبيعية. والحج عملية تدريبية لمن انخدع بالثروة والمال. ولذلك فإن الله تعالى أوجب عليه ثلاثة إمساكات تدريبية، هن: الرفث والفسوق والجدال. هذه الصفات ممنوعة في كل أشهر الحج حتى يتعلم ويتدرب في الواقع.

الرفث لا تعني ما تؤدي إلى العملية الجنسية كما ظنوا بل يعني مجرد المداعبات بين الذكور والإناث حتى لو لم يكن بقصد تحريك شهوة الجنس. هناك مشكلة كبيرة لدى أصحاب القواميس اللغوية بأنهم أحيانا يخافون من التصريح برأيهم اللغوي إذا ما رأوه مختلفا مع المفسرين أو المحدثين؛ فكأنهم مأمورون بعدم مخالفة الذين هم أقرب إلى السلطة منهم، حتى لو لم تكن المسألة مختصة بالسلطة. ولذلك فإني مضطر لمناقشة الموضوع بعيدا عن آرائهم. سوف أراعي الاختصار أيضا. كلمة الرفث مذكورة مرتين في القرآن وهما في الحج وفي الصيام.

قال تعالى في سورة البقرة: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (187). وقال فيها أيضا: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ (197).

وأمامي شعران مساعدان استشهد بهما بعض علماء اللغة وهما: قال العجاج:

ورُبَّ أَسرابِ حَجيجٍ كُظَّمِ      عن اللَّغَا ورَفَثِ التَكَلُّم

و قال أَبو صخر الهذلي:

ولَلَيْلةٌ مِنها تَعُودُ لَنا    في غَيْرِ ما رَفْثٍ ولا إِثْمِ

أَهْوى إِلى نَفْسِي ولَوْ نَزَحَتْ    مِمَّا مَلَكْتُ ومِنْ بَني سَهْمِ

نعرف بصورة إجمالية من الآيتين والشعرين بأن الرفث مرتبط بحديث يدور بين النساء والرجال. فهو ليس حديثا علميا ولا اجتماعيا ولا سياسيا ولا ولا. إنه حديث مرتبط بالعلاقات الشهوانية بين الجنسين. لا يمكن أن يحرم الله تعالى أي حديث آخر في أي وقت من أوقات الحياة العادية. العلاقات الشهوانية قد تكون عابرة بمعنى أن شابا أو شابة يمازح الجنس الآخر بدون قصد خاص باعتبار أن تغيير الجنس عنوان للعلاقات المباحة ويجوز بعض المزاح مثلا. نفس هذا المزاح العابر لو تم بين الزوجين فهو ينم عن رغبة مباحة بينهما ولو تم بين غير الزوجين فهو مزاح لا أكثر. آية الصيام تؤكد حلية الرفث بين الأزواج ليلة الصيام. هي تعني بأن ما يتجاوز المزاح كالمداعبة الجنسية بكل أنواعها محرمة على الصائم في النهار.

وأما آية الحج فهي تتحدث عن الرفث دون إضافتها إلى نسائهم. لكن الله تعالى لم يستعمل لفظة التحريم بصورة واضحة. فهو سبحانه لم يقل: حرمت عليكم الرفث والفسوق والجدال. أما الفسوق فهو محرم دائما وأما الرفث فهو مباح بين الأزواج وأما الجدال فهو مكروه وليس من المحرمات القطعية. كل الظن بأنه سبحانه حرم تحريما أخلاقيا ثلاثة مسائل في أشهر الحج بالنسبة للذي فرض عليه فيهن الحج. شهر وأيام قبل الحج الرسمي وشهر وأيام أكثر غب الحج الرسمي. ذلك تدريب للأثرياء حتى يتعلموا التواضع ويتنفروا من التكبر والتعالي على خلق الله تعالى أو التبجح بالمعاصي أو حتى بإظهار الفوقية المالية على الغير أو الاستغناء أو الشعور بحاجة الغير إليهم.

والأثرياء يغازلون غير أزواجهم بكثرة باعتبار توفر المال لديهم كما أن هناك بعض القبول من قبل بعض النساء باعتبار شعور المرأة بالحاجة إلى الرجل ولا سيما لو كانت فقيرة أو شابة غير متزوجة. لا أجد هناك منعا من ذلك مع التقيد بالآداب العامة والدينية. هذا هو الرفث العام. وبما أن أهم مسألة في الحج هو التربية على الأخلاق والتدريب على التواضع لمن هم مثلهم في الإنسانية فإن المسائل الثلاث المذكورة في الآية ممنوعة أخلاقيا بظني في كل أشهر الحج الثلاثة. بمعنى أن من الخير للحاج أن يبتعد عن المغازلات والمداعبات الخفيفة مع الجنس الآخر ولو بدون شهوة كما يبتعد عن الفسوق والجدال في كل أشهر الحج إن كان مكلفا بالحج. ثلاثة أشهر من عمر الأثرياء يتدربون فيها على الأخلاق والاحترام عامة واحترام الجنس الآخر بما يليق بها كإنسانة غير مخلوقة لمجرد الشهوات بل هي عين الرجل واحترامها واجب مثل احترام الرجال. على الأثرياء أن يدربوا أنفسهم على احترام المرأة وعدم اعتبارها وسيلة لمحض التمتع الجنسي.

هي إنسانة مؤهلة لأعلى درجات التطور العلمي والإيماني حد الأنبياء، بدليل امرأة واحدة بلغت النبوة وهي مريم أم المسيح عليهما السلام. قال تعالى في سورة مريم بعد ذكر السيدة العذراء مع مجموعة من الأنبياء: أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا (58). فهي دون أدنى شك نبية والذين ظنوا بأنها ليست نبية باعتبار أنوثتها ولو أن الآية تدل على نبوتها مثل المرحوم الزمخشري فهم أخطأوا. لم يقل الله تعالى بأن المرأة محرومة من النبوة.

وفوق ذلك فإنهم يدربون أنفسهم أياما قبل الحج وعند الأعمال طبعا وأياما بعد الحج ليتعلموا على احترام المرأة أولا ثم يتعلموا الحياة الطبيعية بعيدة عن الفسوق المحرم والجدال غير المطلوب. الفسوق الذي نراه بكثرة بين المقتدرين دليل واضح على الحرب مع الله تعالى والتبجح بمعصيته كما أن الجدال دليل واضح على تكبر الفرد على أقرانه والسعي لفرض رأيه على الغير فهو غير صحيح أيضا. إذن يجب على المرء أن يهتم بالامتناع عن المسائل الثلاث ليدرب نفسه على الخلق الإسلامي الرفيع بإذن الله تعالى.

  1. قال تعالى في سورة البقرة: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوْاْ الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُواْ الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (189). أشار سيادة الأخ الكريم رعاه الله تعالى عدة مرات إلى هذه الآية الكريمة ولاحظتها جميعا لأرى كيفية تعامله مع الآية الواضحة والموضحة للأشهر القمرية فوجدته يشير إليها فقط دون أن يدقق في رسالة الآية الكريمة كما عهدناها منه في تحقيقاته الدقيقة الأخرى.

لقد أوجب علينا ربنا الكريم بأن نحسب بيوت القمر وهو ما يُعرف بمنازل القمر من يوم ظهور الهلال وهو باب المنزل أو باب البيت. ثم إنه سبحانه أمرنا بأن نحسب 12 شهرا ونعتبرها دورة دينية كاملة. قال تعالى في سورة التوبة: إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ وَقَاتِلُواْ الْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَآفَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (36). فحينما يقول سبحانه بأن عدة الشهور في منطقه هو 12 شهرا فهو يحرم علينا الشهر الثالث عشر الذي عمل به الأقدمون ويعمل به الأحباش اليوم كما يبدو. أو الأيام التي يضيفها الناس على بعض الأشهر لتصبح السنة الطبيعية 12 شهرا توافقيا غير طبيعي.

ثم إنه سبحانه مع كل هذا يعتبر الحساب السنوي حسابا شمسيا وليس حسابا قمريا ولكن المناسك الدينية تُقام حسب الشهور القمرية. ولقد صرح سبحانه في آية البقرة بأن الأهلة مواقيت للناس ولم يقل بأنها مواقيت طبيعية تتوافق مع السنة الطبيعية. فلم يذكر سبحانه اسم السنة لا في آية البقرة ولا في آية التوبة. فسعي الأخ العزيز لضم فكره إلى كتاب الله تعالى سعي غير ناجح برأيي. بمعنى أن ما نراه معمولا به في شرق الأرض وغربها من قبل جميع المسلمين تقريبا ليس منكرا نحتاج إلى تبديله. هناك الكثير من المسائل الشركية بين أهلنا سواء كانوا سنة أو شيعة أو صوفية أو غيرهم وسيادته من القائمين على دحضها. من الخير له ولنا أن نهتم بتلك المسائل الخطيرة التي تحبط أعمال المسلمين وتجعلهم معا في صف المشركين مع الأسف.

لقد صرف وقتا غير قليل لكتابة بحثه الجميل ولكنني أراه لم يكن موفقا ولم تكن لدينا حاجة للقيام بعمل يعرف وأعرف بأنه غير عملي ولا يمكن تغيير ما سار عليه المسلمون حتى يومنا هذا. هذا السير العظيم يؤكد لنا بأن ما يفعله أهلنا يمثل سنة عملية ورثوها من رسول الله عليه السلام ولا نملك دليلا على أن أهلنا خالفوا سنة الرسول عليه السلام. تلك سنة عملية، وليست سنة قولية أضل بها المحدثون سلفنا وأهلنا. كتب الحديث مليئة بالخزعبلات وبالمتناقضات وأفعال المسلمين شرقا وغربا عدا الصلاة والصيام والحج وبقية السنن العملية فهي أفعال ممقوتة أحيانا. يجب علينا السعي لتغييرها. أظن بأن الله تعالى سوف يساعدنا إذا نوينا التقرب إليه في إخراج المسلمين من الظلمات إلى النور في باطلهم المخالف للقرآن الكريم.

إنهم يصرحون ويعلمون بأن القرآن أمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى ونهى عن الفحشاء والمنكر والبغي وهم يسعون لمخالفة أمر الله تعالى. لقد أشعلوا الحروب الظالمة في الأرض فقتلوا الآمنين ظلما وعدونا واغتصبوا نساء الناس وبناتهم بكل قسوة واسترقوا أولادهم جميعا ونحن لم نلعنهم كما يجب بل نفتخر بالفتوحات التي أسموها جورا وعدوانا بالإسلامية. هذه الفتوحات البربرية الإجرامية التي خلقت لنا فيما بعد دينا جديدا على يد المجرمين من أمثال ابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب ومن سار على دربهم الدموي الظالم.

لا زال الرق والاستهانة بالإنسان متفشية في موريتانيا والسعودية وبعض البلدان الأخرى ولو بدون ذكر ما يعني الرق. لا زالت المرأة مهانة من بيننا ولا زال نساء اليمن والسعودية وأفغانستان وبعض بلاد العراق وإيران وباكستان وغيرها يلبسن النقاب. من أين أدخلوا تلك العادة اليهودية الفاسدة بين نسائنا الكريمات. أنا أفتخر كمسلم وعربي بنساء اليمن وبطولاتهن وأتألم من أنهن أسرى النقاب الأحمق. أين قال الله تعالى ذلك وأين أمر النساء بأن يكوين جلودهن بحرارة الغطاء الأسود الخطير والضار على البدن. إنهن محرومات من الفايتامين دي الشمسية الضرورية لعظامهن ظنا منهن بأن الله تعالى أمر بذلك. معاذ الله.

أين قال الله تعالى بأن يقتل الشيعة أنفسهم حزنا على شهادة الإمام الحسين عليه السلام متشبهين بما يفعله النصارى في حكاية كاذبة مرفوضة في القرآن حول مقتل المسيح عليه السلام؟ هل زار رسولنا قبور الأنبياء الصادقين الصالحين الذين مدحهم الله تعالى في القرآن حتى تتحول قبور الطيبين اليوم إلى مزارات فاخرة أشبه بمعابد عباد الأصنام؟ أتمنى أن تتحول أقلام أبطال القلم من أمثال الأستاذ المتعافي والمستشار أحمد ماهر وغيرهم من المصلحين إلى محاربة هذه السنن الخرافية التي تخالف قيم القرآن وهي نفسها قيم الإنسانية والعدالة والحرية واحترام خلق الله تعالى.

لازال الكثير من المسلمين يضاهئون اليهود والنصارى منتظرين المهدي المنتظر ليخلصهم من الظلم ويعم العدالة وكأن المهدي أو المسيح مأموران لإقامة يوم القيامة في الأرض. لقد تحول المسلمون إلى أحزاب معتمدين على كتبهم المذهبية تاركين القرآن وراءهم ومكتفين بالتغني به. قال تعالى في سورة المؤمنون: وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ (52) فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (53). أمتنا تغني بالقرآن وتعمل بخرافات البخاري والكافي ومكاشفات محيى الدين ابن العربي المضللة وأمثالهم من مؤلفي كتب الضلال. لازال أئمة المساجد ودون خوف أو وجل ينسبون ما يريدون إلى الله تعالى أو إلى رسول الله دون أن يروا ذلك في القرآن أو يشعروا بأي نوع من الحرج. هل يجوز لأحد أن يقول قال الله أو قال رسول الله اعتمادا على البخاري والكليني ومسلم والطوسي وغيرهم من علماء السلف؟ هل يجوز للنبي الأمين محمد عليه السلام أن يتحدث عن يوم القيامة ويبشر أحدا بالجنة ويدخل من يشاء النار؟ هل هو عالم بالغيب أم هو قسيم النار والجنة أم يفترون عليه الكذب؟ حاربوا هذه الشركيات التي تخرجنا من دين الله تعالى فهي أهم بكثير من صرف الوقت على أمر لا يمكن لأحد أن يغيره. أعتذر جدا من عدم مراعاتي للآداب وقيامي بالنصح وأنا دون ذلك علميا؛ لكنني أخ مخلص لكم ولدين الله تعالى كما أظن. قلبي مفتوح لتصححوا أخطائي وشاكر لكم جميعا.

أحمد المُهري

16/10/2018

ahmadalmohri@gmail.com

تابع مركز #تطوير_الفقه_الاسلامي

https://www.facebook.com/Islamijurisprudence/

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.