فكرة قتل المخالف إيمانيًا دعوة شريرة تتناقض مع طبيعة تغير الأشياء في الطبيعة

فكرة قتل المخالف إيمانيًا دعوة شريرة تتناقض مع طبيعة تغير الأشياء في الطبيعة

 

 قتل.jpg

دعنا نفترض أن حدوث الأمر – أي أمر كان –  يتعلق بتغير خواص المنظومة عما كانت عليه قبل ذلك الأمر.   واقعيًا, لا يمكن أن  يحدث أي أمر في عالم الطبيعة دفعة واحدة ولا بشكل متصل كما يظن بعض المنظرين.  يحدث  التغير في عالم الطبيعة وفي أي منطومة على شكل دفعات, أو كمات, صغيرة جدًا ومتساوية.  الواقع أن تغيرات الطبيعة, ومن ضمنها تغيرات التكوين النفسي للإنسان من الناحية الفيزيائية, هي عبارة عن منظومات مكممة (نسبة إلى الكم أو التكميم quantisation).  والحديث هنا ليس عن جوهر النفس الذي نجهله وإنما عن الواقع الفيزيائي لأثر النفس في سلوكنا وتكويننا البايولوجي.  فعندما يحدث أمر ما  قابل للقياس فهو إنما نتاج حدث تراكمي لـ “كمات” صغيرة جدًا متساوية ويمكن علميًا ادراك هذه الحقيقة في أي منظومة فيزيائية.  كما أن التغير في الطبيعة ليس بمقدورنا وصفه من  خلال دالة رياضية متصلة.  فلا وجود للدوال المتصلةcontinuous functions) في عالم الطبيعة  عند وصف التغير بالطبيعة.   التغير المستمر في الطبيعة فكرة وهمية وهي عبارة عن مفهوم نظري فقط.  إن الله سبحانه وتعالى لا يحدث التغيرات بدفعة واحدة  كما يظن البعض وانما بالتدرج وفق نظام دقيق ومتساوٍ بين جميع ما خلق, والإنسان أحد هذه المخلوقات, وهنا يدخل أثر خيار الانسان نفسه.  طبعًا, هذا موضوع آخر. 

 

 إن التغير الفجائي الكبير دفعة واحدة ليس واردًا  في نظام الطبيعة وإنما لا بد من تفاعل محتويات المنظومات فيما بينها وعندها تحصل التغيرات فيها عن طريق التكميم فقط فيحصل التغير قليلاً أو كثيرا.  حجم التغير شيء يعتمد على سرعة التغير أو الحدث ولكن كل التغيرات في الطبيعة تحصل بكمات صغيرة جدًا, ومتساوية, وبسرعات مختلفة طبعا.   قضية تحول إيمان الإنسان  من حالة إيمانية إلى اخرى لا تأتي لحظيًا كما يخيل للبعض  وإنما من خلال التدرج الغير قابل للقياس بشكل دقيق حتى لو شعرنا بذلك التغير أو التقلب.  نعم قد تأخذ عملية تغير الإيمان بشيء ما وقتًا مختلفًا من شخص لآخر أو قد لا يحدث ذلك مطلقا, فالله سبحانه هو وحده يعلم تفاصيل أثر تلك التغيرات على النفس وأين سينتهي موضوع صفة تغير ذلك الإيمان بشكله الدقيق، ذلك  باعتباره  سبحانه هو المحيط بكل شيء والقادر على كل شيء. 

 

إذن تفاصيل دقة وطبيعة كيفية تشكيل ما نؤمن به وكيف نغير ذلك  الإيمان قضية معقدة جدًا ومستحيلة علينا لأنها خارج حدود ما نقدر عليه.  إنها أمر من اختصاص الله وحده.  إذن فإن فكرة الدعوة لحصول التغير الإيماني للناس من خلال أي دعوة مسالمة هي دعوة منسجمة مع حركة التغير بالطبيعة والتي يقوم عليها نظام الطبيعة نفسه. لا يمكن لنبي الله أن يدعو الناس بطريقة تخالف نظام الطبيعة نفسه والذي هو نظام الله. 

 

هذه, إذن, هي دعوة  نبينا محمّد  بن عبد الله وغيره من أنبياء الله ورسله الكرام عليهم جميعًا سلام الله. الدعوة إلى الإيمان بالله دعوة سلمية بالمقام الاول.  إن أي دعوة إيمانية مهما كانت لا بد أن تكون دعوة سلمية وإلا ستفشل.  ستفشل لأنها غير منسجمة مع نظام الطبيعة.  فكيف بالدعوة إلى الإيمان بالله العظيم، الدعوة المفتوحة لكل الناس.  قطعًا ستكون هذه الدعوة خالية تمامًا من أي مظهر من مظاهر الإكراه, ولا تحمل, ولا يمكن أن تحمل أي صفة من صفات العنف أو ما قد يتصل بذلك من إرهاب أو تخويف.  الإكراه أو الإرهاب عند الدعوة إلى الإيمان بالله حالة متناقضة مع واقع الطبيعة عندما يحدث التغيير, أي تغير كان.  كل ما عليك هو التبليغ والباقي على الله جلت قدرته.   فكرة قتل المخالف إيمانيًا دعوة شريرة تتناقض مع طبيعة تغير الأشياء في الطبيعة.  تحياتي.

 

عبد السلام الميّاحي

24 مايو 2018 

 

 

يناقش سيادة الأستاذ الدكتور عبد السلام الميّاحي في الرسالة أعلاه فكرة “تغيّر” الإيمان.  أي التحول من دين إلى دين, أو من دين إلى لا دين, أو من لا دين إلى دين.  يبيّن سيادته استحالة أن يتم التغير – سواء كان ذلك على مستوى الفكر أو مستوى المادة – بشكل فجائي, وإنما يحدث دومًا على شكل تغيرات صغيرة.   تتعلق القضية التي تتم مناقشتها هنا بموقف الفقه السني القديم مما يسمى بالفتوحات الإسلامية حيث شرّع الفقه السني القديم إرسال الجيوش لدعوة الناس إلى الدخول في دين الله, فإذا دخلوا صاروا إخواننا, لهم ما لنا وعليهم ما علينا, أما إذا رفضوا فطالبناهم بدفع مبلغ بسيط من المال مقابل السماح لهم بالاستمرار في كفرهم, فإذا ما دفعوا دخلوا في ذمتنا ووجبت علينا حمايتهم, أما إذا لم يدفعوا قتلناهم.  يبيّن مفكرنا الإسلامي الكبير, بهذا الشكل, استحالة أن يتم التغير من الكفر إلى الإسلام تحدت التهديد بالقتل. 

 

تابع مركز #تطوير_الفقه_الاسلامي

https://www.facebook.com/Islamijurisprudence/

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.