مفهوم القرآن 4

مقدمة:

أمر الله تعالى نبيه في سورة المدثر السابقة لها بأن يترك الانعزال عن الناس (المدثر) في سبيل الاختلاء بربه والانفراد بعبادته مستزيدا من متعة الخطاب مع ملك السماوات والأرض ومستنقصا (ولا تمنن) من حق الناس في تعليمهم القرآن وإبلاغهم رسالة السماء. ثم استخلص سبحانه في السورة بأن الجميع ينتظرون صحفا منشرة تنزل عليهم فرادى ليؤمنوا وهم يكذبون. فقال بأن هذا القرآن ليس مفخرة للرسول فهو من الله تعالى ليذكر الرسول به عبيد ربه بمن فيهم نفسه ليتذكروا. فمن شاء منهم أن يذكر ربه ذكره. فصار لزاما أن يرد على المشركين الذين اشكلوا على رسول الله حول يوم القيامة تبعا لذلك الشخص العالم الذي فكر فقال إن القرآن سحر من قول البشر حيث أن الرسول كان ينذرهم بيوم القيامة في القرآن.  في هذه السورة الكريمة استدلالات علمية كثيرة في حقيقة قيام الناس لرب العالمين بأن الكائنات الفعلية من بشر وكواكب غازية وصلبة كلها محكومة بالفناء وبأن يدك بعضها بعضا لأن لها أعمارا طبيعية تنتهي وتموت بعدها. لكن النفس الإنسانية لا تموت كاملة إلا أنها تفقد إمكاناتها الجسمية وسوف ترى عودة كل شيء إلى الله تعالى. ذلك في الآيات الخمسة عشر الأولى.

ثم يعزي نبيه الذي كان يستعجل بأن تكون جميع الدلائل بيده حينما يمارس المشركون العلم الاستدلالي ضده. فيقول الله تعالى بأنه لا يحتاج إلى الاستدلال ليهديهم فهم يعلمون ما يقولون ولكن نفوسهم ترفض الحقائق. إنما بيدهم من القرآن كاف ليتذكر من يمكن أن يتذكر ولو يعود الإنسان إلى نفسه فيعلم بأنه غير نظيف وغير مستعد لقبول الحقيقة وهو السبب في رفضهم للدعوة فلا يحتاج النبي إلى القرآن دفعة واحدة.

يقول سبحانه ما يشابه ذلك في مكان آخر أيضا من سورة الحديد: أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ (16). ولذلك يستدرك سبحانه ما يجول بخاطر الرسول الذي يرى يديه ليستا مليئتين بكل ما يحتاج إليه من مفاهيم وحقائق للآخرين وليس لنفسه. فهو آنذاك كان قد استيقن بالقرآن وعلم بعد الآيات والسور المتكررة بأن ما ينطبع في قلبه هو من الله تعالى ولو كان من عند غير الله لأتى أعداؤه باختلاف فيه. يقول له الله سبحانه بلسان الإيجاب بأنه عاجز عن تجميع المسائل الضرورية بعلمه وبأن الله تعالى هو الذي يجمعه بالكيفية التي يراها مناسبة له ولمن بعده. ذلك يعني بأن الإسلام لم يتكامل بعد ولكن الدلائل الموجودة كافية للهدى. فالعلم قادم وسوف يرى الرسول القرآن بمجموعه فيكون في معرض اتباع القرآن. وهو بمثابة بشارة كريمة للنبي الأمين.

والقرآن يعني المجموعة المفيدة ولذلك لم يسمه الله تعالى المجموعة بل أراد أن يفسر بفضله ولطفه علي وعليك بأن المقصود من القرآن هو المجموعة وليس التلاوة كما يتراءى للكثيرين. ذلك لأن التجميع يتحقق بمجرد أن نضع شيئا بجوار شيء بغض النظر عن التناسب والنسق. ولكن القرآن يعني التجميع المفيد والمنظم ولذلك سمى الله الكتاب الكريم قرآنا. وقرأ في أصل معناها تعني جمع والقرآن مصدر من مصادر قرأ والعرب يسمون الكلام الصحيح قراءة باعتبار هذا المعنى ولكنهم لم يقولوا لما يصدر من الطفل الجاهل من كلمات غير منظمة قراءة.

يتبع..

احمد المُهري

#تطوير_الفقه_الاسلامي 

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.