مفهوم القرآن-2

مفهوم القرآن-2  

وهناك الكثير من أمثال ذلك في القرآن الكريم. واعلم بأني لست صوفيا ولا أؤمن بتفاسيرهم ولست من الذين اشتهروا بالقرآنيين ولهم مراكز في أمريكا. بالطبع أنا أشترك معهم في رفض الاعتماد على الحديث جملة وتفصيلا كما أرفض الاعتماد على التاريخ أيضا. فأنا لا أعتمد على أي منهما في عقيدتي وفهمي للكتاب المنزل. وأعرف بأن القرآن فعلا تبيان لكل شيء مما فيه من مواضيع طبعا.

كذلك وددت ان انبهكم الى ثلاث قضايا مهمة يبدو انكم غفلتم عنها و هن كما يلي:

 1.    يقولون بأن الله تعالى وضع فواتح السور قبل بعض السور وهو الذي يعرف معناها فمن الذي يعرف أين يضع هذه الأحرف غيره سبحانه؟ إذ ليس بأيدينا أية مدونة من الصحابة أو التابعين أو من بعدهم تشير الى أنهم كانوا يعرفون معاني هذه الأحرف ولو أن السورة لم تأت كاملة بل مقطعة فكيف نزلت هذه الأحرف؟ هل يمكن أن نتصور الروح القدس يأتي إلى الرسول وينزل عليه مثلا ” ألم” وما سيكون موقف الرسول والمشركين من هذه الأحرف حينها؟ ثم كيف لك ان تتخيل بان جبريل يأتي ثانية وينزل على الرسول بنفس الأحرف من جديد؟ فلنتدبر موقف الرسول والمؤمنين من هذه الأحرف التي لا معنى لها إلا أن تأتي مع سورة كاملة.

2.    نرى ونعلم بأن البشر لا يقوم بأي تأليف إلا ويغيره هو أو خلَفه. فلو كان جمع القرآن مجهوداً بشرياً فلماذا لا نرى روايات مختلفة بعضها تقول أن الحمد مثلا في نهاية القرآن وبعضها الآخر تذكر آل عمران قبل البقرة؟

3- لم يرد في القرآن الكريم اية آية تشير الى حث الصحابة على جمع القرآن وترتيبه وانما وردت العديد من الآيات التي تتعامل مع القرآن على انه وحدة خاصة وكيان مستقل له مواصفاته المميزة.

والآن دعنا نتحدث عن تفسيركم الكريم للآيات الكريمة ونبدأ بالقرء:

قلتم بأن قرآنه من القرء ومعناه:

قوله: (فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ)، والقرء لا يعني التلاوة (ترديد الكلمات) للقرآن أو غيره، فمحض ترديد كلمات القرءان أو غيره من الكتب تعني التلاوة لا القرء ولا القراءة كما يجري على ألسنة الناس خطئاً، أما القرء فهو أمر وراء ذلك، فالقرء هو علامات تخرج من شيء غير متاح الولوج إليه لتُظْهِر وتُبِين حقيقة ما بداخله، ويدل على ذلك خروج دم الحيض من رحم الأنثى، ففي خروج دم الحيض من رحم الأنثى قرء للرحم يُظْهِر ويُبِين خلو الرحم من الحمل، (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ) (228_ البقرة)، والقرء يكون لشيء واحد، والقروء تكون لعدد من الأشياء، أما القرآن فيكون قرء لكل شيء، لذلك أسمى الله كتابه بالقرءان لأنه قرءان لكل شيء، فالقرء بهذا المفهوم هو ما تكفل الله به ليوم القيامة، فأخبر الله رسوله أنه هو من تكفل بالجمع ليوم القيامة وتكفل بقرءانه أي إخراج ما به من علامات تُظْهِر وتُبِين اقتراب ذلك اليوم، فإذا قرءه الله فعلى رسوله وعلى كل إنسان أن يتبع قرآنه، وقد ذكر القرآن الكريم بعض هذه العلامات، فعلى سبيل المثال لا الحصر قول الحق:

(إِنَّمَا مَثَلُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (24_ يونس).    انتهى النقل

فكيف تسنى لكم القول بأن القرآن من القرء وليس من قرأ بمعنى جمع ثم من أين أتيتم بمعنى القرء على أنه علامات تخرج من شيئ غير متاح الولوج فيه لتظهر وتبين حقيقة ما بداخله؟ لقد راجعت أهم القواميس المعروفة فلم أجد أحدا من مؤلفيها يقول ذلك وهي: مفردات ألفاظ القرآن للراغب الإصفهاني، لسان العرب، العباب الزاخر، الصحاح في اللغة، القاموس المحيط. اكتفيت بها من قواميس ولم أر في مقالتكم استدلالا علميا على هذا المعنى أو على هذا التصريف الغريب.

ولقد قرأت تعبيرك التالي مرتين دون أن أعرف مقصودك:

أما القرآن فيكون قرء لكل شيء، لذلك أسمى الله كتابه بالقرءان لأنه قرءان لكل شيء، فالقرء بهذا المفهوم هو ما تكفل الله به ليوم القيامة، فأخبر الله رسوله أنه هو من تكفل بالجمع ليوم القيامة وتكفل بقرءانه أي إخراج ما به من علامات تُظْهِر وتُبِين اقتراب ذلك اليوم، فإذا قرءه الله فعلى رسوله وعلى كل إنسان أن يتبع قرآنه.   انتهى النقل

فحسب تفسيرك يكون القرآن قرءً لكل شيء، وهو يعني: (علامات تخرج من شيء غير متاح الولوج فيه لتظهر وتبين حقيقة ما بداخله). فلو كان القرآن غير متاح الولوج فيه فليس من حق الصحابة أن يجمعوه حسب رأيهم لأنه ولوج غير متاح في سور القرآن بالنسبة للآيات الكريمة أو في مجموع القرآن بالنسبة للسور. أرجوك أخي أن تقرأ تفسيرك للجذر الذي اشتقت منه لفظة القرء ثم تطبقه على قولك بأن الصحابة جمعوا آياته وسوره

.يتبع..
أحمد المُهري

#مفهوم_القرآن

#تطوير_الفقه_الاسلامي 

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.