النفس والروح في القرآن الكريم 6-صناعة نفوس الناس عامة بروح من الله تعالى

النفس والروح في القرآن الكريم

قسم 6 من 6

صناعة نفوس الناس عامة بروح من الله تعالى:

7,

قال تعالى في سورة ص:

إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِن طِينٍ (71) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (72). ليس الحديث عن أبينا آدم بل الحديث عن بداية خلق الإنسان وآدم مصداق أولي للإنسان. إنه كان في الخلية الأولى وكان مستعدا ليصير إنسانا فوجب على الملائكة أن يسجدوا له. فهل هذا سجود خضوع كما ظن البعض أم سجود تكريم كما ظن المرحوم الطباطبائي في الميزان أم سجود من نوع آخر. لم يكن أمام الملائكة شخص كامل بل هناك خلية مستعدة لصناعة شخص هو آدم ثم زوجه التي أسميناها حواء في نفس الخلية كما أظن. قال تعالى في سورة الأعراف: وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ (11) قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ (12). لقد أمر الله تعالى الملائكة أن يسجدوا وإبليس لم يكن من الملائكة. نعم إنه من الملإ الأعلى ولكنه ليس من الملائكة. إبليس وبقية الشياطين والجن جميعا مكلفون مثلنا نحن البشر والملائكة غير مكلفة مثلنا. إن الملائكة لا تملك الإرادة كما نملكها في الدنيا، نحن والجن. إنها لن تدخل الجنة ولا النار ولكن الشيطان يدخل الجنة والنار مثلنا وهكذا بقية الجن. والأمر تم مباشرة بعد التصوير الخلوي أو تكامل الخلية البشرية الأولى قبل التكاثر الخلوي.

إذن لم يأمر الله تعالى الملائكة بالخضوع لآدم بدليل أنه لم يكن موجوداً بكامل خلقته ولم يكن الأمر شاملا الجن لأنه تعالى صرح بأنه قال للملائكة وإبليس ليس من الملائكة وليس الأمر لملائكة يعيشون معنا كما ظن بعض الإخوة فلا يمكن أن يأمر الله تعالى من يعيش معنا داخل كياننا ليسجد لنا. كيف يسجد لنا وهو داخل فينا. السجود عمل يأتي به الساجد من بعيد وليس بداخل المسجود له.

وليس السجود للخضوع فلا يجوز الخضوع لغير الله تعالى بنص القرآن الكريم. وليس السجود للتكريم كما ظن المرحوم الطباطبائي إذ لا يوجد المكرَّم في الحكاية. كل ما يوجد هو خلية حيوانية تحتوي على بعض الجينات محملة على الكروموسومات وبعض الغذاء وسنتريول وغيرها. هي ليست إنسانا بل مقدمات صناعة إنسان. فالسجود لغرض آخر نعرفه من القرآن نفسه. قال تعالى في سورة طه: وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ أَبَى (116) فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى (117). فما أراد أن يقوم به إبليس يبرهن لنا عداوة إبليس للإنسان. فعدم السجود كان ضارا بالخلية الناشئة ودليلا على كراهية شديدة من إبليس للكائن الجديد الذي لم يأت بعد.

ولنعرف بأن الإنسان ضعيف جدا في الخلية الأولى وقد يتأثر بأية حركة طاقوية مضادة ولكنه بعد أن يتكامل فإن تلك الطاقات قد لا تؤذيه أو على الأقل لا تؤذيه كثيرا. سمعتم كثيرا عن أطفال الأنابيب فهم يحمونها كثيرا من التعرض لأي إشعاع وإلا فإن التركيب الجديد يتلاشى. على هذا الأساس فإن الله تعالى أمر الملائكة أن يسجدوا فيزيائيا لحماية آدم وزوجه. إنها تعني الانكماش كما ننكمش حين السجود حتى لا تتأثر الخلية الجديدة بإشعاعات الملائكة. وحينما يأمر ربنا الملائكة فإن كل كائن طاقوي مختار سيكون مأمورا بالتنفيذ أيضا. وإذا أمر ربنا الملائكة بأمر تجاهنا فإنها سوف تدافع عنا ولن تسمح لأي كائن آخر بعمل ما يتنافى مع حمايتنا.

فالشيطان كان ممنوعا لكن إباءه تدل على رفضه لحكم ربه فقط ولذلك طرده الله تعالى من نعمة الهدى. ولعل السبب في ذلك هو أنه كان يشعر مع بقية الجن بأن الأرض لهم يفعلون فيها ما يشاؤون وإذا بربهم يقول بأن الأرض للبشر وهم يستفيدون من الأرض في حدود حاجتهم لا أكثر. قال تعالى في سورة البقرة: هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (29) وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (30). وسر الخلافة برأيي هو تمكيننا من الإرادة في الحياة الدنيا لغرض الاختبار طبعا. والإرادة قوة خاصة بالله تعالى. لكنه منحنا إرادة مشابهة ضعيفة طبعا فأصبحنا نريد كما أن ربنا يريد. وحينما نريد فإننا بحاجة إلى سبق إرادة الله تعالى ليسمح لنا فنحن نكون حينئذ مريدين بعده سبحانه فنحن عمليا نخلفه بإذن منه تعالى؛ وهكذا فنحن جميعا خلفاء الله في أرضه، والعلم عند المولى جل ثناؤه.

ولذلك عاد الشيطان إلى بذرته الأولى محتجا بأنه أساسا من الطاقة والطاقة أفضل من الأجسام الفيزيائية ذوات الأبعاد. هذا معنى قوله تعالى في سورة الإسراء: وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا (26) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا (27). فكلمة التبذير لا تعني الإسراف كما ظن غالبية علماء التفسير رضي الله تعالى عنهم وعنا، ولكنها تعني عودة الشخص إلى بذرته الأولى. وهذا ما فعل الشيطان. ولذلك منع ربُّنا رسولَنا عليه السلام بأن يهتم بأسرته وأقاربه أكثر من المسكين وابن السبيل. عليه بأن يساعد المحتاج ويجعل الحاجة سببا للإنفاق وليست القرابة حتى لا يكون تابعا للشياطين. والتبذير في اللغة العربية لا تعني الإسراف كما ظنوا.

فالروح في آيات سورة ص يشير إلى طاقة أو نور سماوي لصناعة نفوسنا. ولولا ذلك النور لما آن لنا أن ندرك ونتعقل فتتحقق خلافتنا لله تعالى في أرضه.

8.

وقال تعالى في سورة السجدة: الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإنسَانِ مِن طِينٍ (7) ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلالَةٍ مِّن مَّاء مَّهِينٍ (8) ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأبْصَارَ وَالأفْئِدَةَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ (9). فحينما سوى ربُّنا نفوسَنا مع أبداننا فإنه نفخ فيها من روحه لنتمكن من السمع والإبصار كمقدمة للإدراك. والفؤاد ليس ضمن كياننا البدني لأن كياناتنا البدنية الحيوانية مشابهة للحيوانات التي لا تدرك مثلنا ولا تستفيد من سمعها وبصرها للتمييز الكامل مثل البشر. الفؤاد حقيقة جزء من كياننا النفسي المركب من الطاقة الخالصة.

والواقع أننا بسمعنا وبصرنا وفؤادنا مميزون عن الحيوانات. بمعنى أن سمعنا وبصرنا سمع وبصر يساعدنا على الإدراك والتفكير والقدرة على الإرادة بدقة. وأن الفؤاد الذي لا نرى في الخارج عضوا يمثله هو مساعد لهما. فنحن لنا آذان نراها ولنا ألسنة نراها ولكننا لا نرى أفئدتنا. وبعد أن تمكن الإنسان من الدخول في أعماق البدن بمختلف الإشعاعات مثل أشعة إكس (X-Ray) وغيرها فإنها لم تتمكن حتى يومنا هذا من الوصول إلى عضو يمكن تسميته بالفؤاد وهو يساعد على الإدراك. وقول بعض الإخوة الكرام بأن الفؤاد قد يكون مجموعة من الأعضاء فهو لا ينسجم مع الآية الكريمة التي ذكرت الفؤاد مفردا.

قال تعالى في سورة الأعراف: وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (179). الحديث في الآية الكريمة لا تختص بالإنس بل تشمل الجن أيضا. وهل للجن آذان وأعين مثلنا؟ لو كانوا كذلك لأمكن النظر إليهم باعتبار الأبعاد الثلاثية. ليست بيننا وبين الجن مشاركة إلا في الأبعاد الطاقوية. وليست بيننا وبين الأنعام مشاركة كاملة في كل شيء كما يبدو ولو أننا متقاربون من بعض الحيثيات البدنية. فالآية تخبرنا عن كائن آخر يمثل كل فرد منا ومن الجن وذلك الكائن يمثل الأنعام أيضا ولكن بصورة ناقصة. فلو كانت قوة ذلك الشيء لدى الأنعام بقوتنا لكانت الأنعام مدركة مثلنا. بدأت الآية الكريمة بذكر القلوب التي لا تفقه وهي لا يمكن أن تكون القلوب التي تضخ الدم. إنما أهميتها في تكويننا غير المادي هي مثل أهمية القلب للبدن حيث يعيش البدن على الدم المتدفق منه. فقلوبنا الثانية ترتبط بكل ذلك الكائن كما ترتبط بأبداننا. فالأسماع مشتركة عضويا بيننا وبين الأنعام لكنها لا تدرك بها ونحن ندرك بها. وهكذا الأبصار. ومركز الإدراك هو قلب موجود مع تلك الأسماع والأبصار لقوله تعالى: لا يفقهون بها. والتفقه تعني الإدراك الدقيق.

فالآية من سورة الأعراف تدل على أن الله تعالى خلق بيده خلقا ليدرك ويسمع ويبصر ولكنهم ليسوا كذلك إلا قليلا. فكأنه سبحانه خلق لجهنم ولم يخلق للجنات. فهي تتضمن نوعاً من الحسرة السماوية. إنها قريبة من قوله تعالى في سورة يس: يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُون (30). نعم الرب ربنا وما أجمله وما أحسنه جل جلاله.

9.

الروح القدس:

هو الملك المسمى جبريل. قال تعالى في سورة البقرة: قُلْ مَن كَانَ عَدُوًّا لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللّهِ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (97). وقال تعالى في سورة المائدة: وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُواْ إِنَّمَا أَنتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ (101) قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (102). فالذي نزَّل القرآن هو الروح القدس وهو نفسه جبريل. والملك (سواء كان مشتقا من ألك يألك أو لأك يلأك) يعني الرسول ولكنه رسول غير بشري. والروح أو الروح القدس هو نوع من الملائكة والمختص بنظامنا الشمسي كما يبدو وهو معروف بجبريل. إنه كما أظن يدير ملائكة نظامنا الشمسي فقط وهو ليس مسؤولا عن إدارة كل الكون كما ظن المتكلمون وبعض الفلاسفة. وكان أحد أصدقائي من أساتذة الفلسفة في مدينة النجف يقول لنا بأنه كتخدا عالم الطبيعة. والكتخدا كلمة فارسية أو تركية تعني رب الدار. وقد تكون الآية 4 من سورة المعارج والآية 38 من سورة النبأ والآية 4 من سورة القدر دليلا على أن هناك مسؤولية مهمة للروح القدس في نظامنا الشمسي.

10.

والروح القدس هو معلم الرسل ومساعدهم لتسهيل مهمتهم. قال تعالى في سورة البقرة: وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِن بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ (87)؛ وجاء مثل ذلك في الآية 253 منها. وهكذا في الآية 110 من سورة المائدة.

11.

وأخيرا فإن الروح هو نفس الروح القدس الذي يمكنه أن يتمثل بشرا سويا كما أنه هو الذي ينزل القرآن على قلب بعض الرسل كما ينزل الطاقة السماوية أو النور السماوي لخلق نفس إنسانية. لقد خلق نفس إنسان لآدم كما خلق نفس المسيح. لكنه في نفس الوقت يقوم بأعمال أخرى غير متاحة للإنسان. فهو الذي انتقل إلى كيان مريم ليبدل إحدى خلاياها الأنثوية إلى خلية ذكورية لتصير مريم عليها السلام أما وأبا للمسيح. هذا يعني بأن الذي باشر عملا فوق بشري هين على الله تعالى لعملية صناعة المسيح هو الروح القدس وهو نفس جبريل.

قال تعالى في سورة مريم: وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا (16) فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا (17) قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَن مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا (18).

وقال تعالى في سورة الشعراء: وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ (195).

فلماذا يسمى الروح القدس?

مما لا ريب فيه عندنا بأن الله تعالى ليس مركبا بل هو بسيط كامل البساطة وما يصدر منه سبحانه ليس جزء من كيانه الكريم. ونحن كمسلمين لا نشك بأن الله تعالى كان قبل كل شيء وهو الذي بدأ الخلق. فهو بدأ الخلق من قوته إذن. بالطبع أنه تعالى حوَّل القوة إلى طاقة وأنا أجهل كيفية ذلك. لكن الطاقة ضرورية لعمل الثنائية وللتركيب لبداية الخلق. وحدات الطاقة قد تكون معلومة إلى حد ما ولكن وحدات القوة غير واضحة لنا. ولم نجد في القرآن الكريم أي تسمية لما يصدر من الله تعالى إلا تسمية الروح. ولا يوجد تفصيل كامل للروح ولكننا نظن ظنا قويا بأن الروح هو النور المباشر من رب العالمين والذي به خلق الخلق الأول وبه ملأ الكون بالطاقة وبه يخلق النفوس. هناك بعض الأوصاف الممكن ذكرها للروح وأهمها هو أن الروح باعتباره نوراً مباشر من الله تعالى فهو يمكن أن يتضاعف بلا حدود وأقوى دليل على ذلك هو أنه سبحانه خلق نفس آدم فقط من روحه ثم خلق كل الأنفس من نفس آدم. والاستثناء الوحيد هو نفس المسيح التي خلقها من روح مباشر أيضا كما وضحت أعلاه. والروح ليس هو الكلمة التي تخلق الكائنات المادية كلها وبعض الكائنات الطاقوية. لكن الكلمة بحاجة إلى أمر من الله تعالى والأمر يجب أن يكون مقرونا بالقدرة على الإيجاد. فالكلمة تحمل روحا من الله تعالى للإيجاد.

والذي حصل للمسيح هو أن الله تعالى خلق الخلية الأولى له عن طريق الروح القدس وبمساعدة روح الله احتمالا كما خلق نفس المسيح من روح الله أيضا. فالذي حمل الروح من السماء إلى رحم مريم وإلى الخلية التي صنع فيها المسيح هو الروح القدس. لا يمكن للخلية الأولى ولا لنفس المسيح أن يستقبلا النور المباشر من الله تعالى لشدته وقوته المهيبة. فقد تمت العملية قطعا بواسطة الروح القدس. ولذلك أظن ظنا قويا بأن الروح القدس يسمى روحا باعتبار أنه هو بنفسه أيضا مصنوع من روح الله تعالى وأضاف ربنا صفة القدس إليه باعتبار أنه عديم الإرادة وأمين الله تعالى على ما في حوزته من قوة ونور. ولا إراديَّتُه وهو مدرك يجعله يسير وفق إرادة السماء مباشرة. والعلم عند المولى.

والخلاصة أن الروح غير النفس، والروح شريف لا يشوبه أي فساد لأنه من الله تعالى مباشرة بدون التفاعل مع أي كائن آخر. الروح في واقعه يمثل نورا إلهيا نحيا تحت ظلاله ولولاه لما كنا مدركين ولا كنا نحيا حياة إنسانية رفيعة المستوى. نحن لا نملك الروح ولكننا نملك نفوسنا فقط. هناك تعابير خاطئة كثيرة لدينا تنسب الروح إلى الإنسان، ويجب تغييرها.

ولكن النفس هو أصل وجودنا كبشر. هو أنا الحقيقي وهو غير مركب من الأبوين ولا من أية مادة من مواد الحياة الدنيا. إن في قصة خلق الإنسان نور علوي إلهي قوي يخلق لنا نفوسنا. ونفوسُنا أيضا ليست مادية بدليل أن بدننا بكامله يموت ولكن نفسَنا تبقى. والفلاسفة الذين قالوا بأن شيئا من البدن يبقى بعد الموت فهم لم يأتوا بدليل على قولهم ولذلك لا عبرة بقولهم. والذين قالوا بأن بعض البشر هم أصل الخلق كما قال المسيحيون ذلك عن المسيح وقال بعض المسلمين عن رسولنا وقال البعض الآخر عن الرسول وبعض من يحبونهم من أهل بيته، فكلها أقوال غيبية لا قيمة لها إطلاقا لأنها من خارج القرآن الكريم. لا يعلم الغيب إلا الله تعالى ولم يظهر الله تعالى أحدا على غيبه؛ إلا أنه ارتضى بعض الرسل ليحملوا حقائق غيبية للإنس والجن فقط. وبالنسبة للمسلمين فإن القرآن هو الجامع لتلك الحقائق.

والله أسأل أن يصحح اخطاءنا ويجعلنا من المتقين.

أحمد المُهري

11/7/2020

#تطوير_الفقه_الاسلامي

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.