النفس والروح في القرآن الكريم 4/6

النفس والروح في القرآن الكريم 

قسم 4 من 6

التعامل مع الصدر النفسي: 

قال سبحانه في سورة الشعراء: قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ (12) وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلا يَنطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ (13). فصدر موسى عليه السلام ينطوي على المعلومات التي قد تكون كافية ولكنه يتأثر ويضيق حينما يكذبه الحاضرون جميعا. ولذلك طلب من ربه أن يرسل معه أخاه هارون ليصدقه. قال تعالى في سورة القصص موضحا نفس الحكاية: وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ (34). فالصدر ليس كائنا ماديا ولا عضوا بدنيا يتأثر ويضيق حينما يرى الجميع يكذبونه. إنه كيان طاقوي، فضيقه لا يكسر عظام الإنسان وانفتاحه لا يحتاج إلى عملية جراحية لترميم العظام وإعادة الصدر إلى سعته الأولى. 

وقال تعالى في سورة الحشر: لأنتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِم مِّنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (13). فالصدر هو مركز المعلومات وبها الصور التي نتصورها للكائنات وكذلك تصويرنا لربنا أيضا. تلك التصورات الذهنية توضح حقائق الأشياء وليست تصاوير فوتوغرافية. قد تكون هناك بعض الصور للأناسي ولكنها ليست مقتصرة على الفوتوغراف. 

وقال تعالى في سورة الأنعام: فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ (125). الإسلام في حقيقة معناه يعني التسليم إلى الله تعالى وترك المواريث. والرجس يعني البقاء على المواريث والتخلف عن الركب الحضاري والركب العلمي الذي لم ولن يتوقف. فالرجس يشير إلى توقف الحركة التطورية فعلا وليس إلى القذارة كما تصور البعض قديما وحديثا. فنحن نحتاج إلى أن نشرح صدرنا للإسلام حتى نتطور ونتعرف على الحقائق. والذي يقوم بذلك هو الله تعالى ولكن علينا أن نفتح له قلوبنا ولا نفرض على قلوبنا ما ورثناه ولا ما تعلمناه ولا ما حققنا فيه فلعلنا كنا مخطئين. بمعنى أن المرء لا يمكن أن يشرح الله تعالى صدره إذا لم يفرغ ذهنه من كل ما عرفه من قبل. فيذهب إلى ربه تلميذا يلتمس المعرفة ولا يذهب إلى سيد الوجود عز اسمه معلما يريد أن يعلِّم ربه ما اعتمد عليه من مواريث!! 

المعلومات مخزونة في الصدر النفسي، وإذا ضاق الصدر فإن الإنسان لا يمكنه الوصول إلى المعلومات المخزنة التي تسعفه بالدلائل والشواهد لتثبيت ما فكر فيه أو تغييره. فالصدر كائن غير مادي يمكن أن يضيق أو يتوسع بكل سرعة ولا يمكن أن يكون الصدر عضوا بدنيا جامدا إطلاقا. الصدر العضوي هو هذا الذي يضم القلب العضلي وليس ممكنا تضييقه أو توسيعه إلا بعملية جراحية. لكن الصدر النفسي مخلوق طاقوي لا يصعب تضييقه وتوسيعه. قال تعالى في سورة الحج: وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الأنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ (34) الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (35). الخبت هو ما اتسع من بطون الأرض. والمخبت كما أظن يعني الذي يبحث بسعة ولا يكتفي بالموجود فهو يريد التوسع ويكره الضيق والانكفاء على ما في جعبته. والوجل من الله تعالى يتحقق حينما تتوسع في التفكير فيه وفي خلقه سبحانه فتنبهر بسعة ملكه وترى بصرك يعود إليك خاسئا وهو حسير. هكذا تخبت لربك صدرَك وتسلم له أمرَك دون توقف. 

قال تعالى في سورة الزمر: اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاء وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (23). تقشعر الجلود من الانبهار والخشية من العظمة الفائقة ثم يأتي دور ذكره سبحانه ليعيد الطمأنينة إلى النفس. هذا ما يفعله القرآن العظيم في قلوب الخاشعين الذين يخشون ربهم بالغيب. فالعظمة غير المحدودة تخبت صدر الإنسان وتملأه بالمعلومات المعرفية عن ربه وتبهره ثم يُطمئِنُ قلبَه الذكرَ الجميل لربه حيث يمنحه المعرفة والعلم والهدى.  

فالمؤمن الذي يريد التوسع في معرفة ربه يحتاج إلى تنشيط صدره وفؤاده. الصدر يمنحك المعلومات واحدة تلو الأخرى بسرعة والفؤاد ينقل المعلومات إلى القلب كما أنه يرتبط بالسمع والبصر ليأتي إليك بكل جديد. 

ويجب أن يكون الصدر أكبر عنصر من عناصر الكيان النفسي ليخزن المعلومات التي يجب أن تبقى مع الإنسان حتى يوم القيامة. وحتى يكون ظني معقولا قلت بأن القلب كرة مركزية في النفس للقيام بالمعالجات تماماً مثل مركز الكمبيوتر حيث نعلم بأنه مكان صغير نسبيا للقيام بالمعالجات الكمبيوترية وهو يستعين بالذاكرة الإضافية أو بذاكرة القرص الصلب عن طريق وسيلة تسمى الباص المتحرك وهو مثل الفؤاد عند الإنسان. وبما أن القلب مكان مقفول نسبيا اعتبرته كرة واعتبرت الفؤاد محيطا بها واعتبرت الصدر محيطا بالفؤاد. فأغلب ظني بأنها كرات طاقوية تحيط ببعضها البعض. ولكن الفؤاد يبعث بالإشعاعات هنا وهناك داخل مخازن صاحبه ليأتي بالمعلومات عن طريق الأذن والعين وحتى بقية الحواس الشاعرة مثل الشم واللمس ويرتبط بخزانة الصدر. لكنني أظن ظنا قويا بأن المعلومات مخزونة أيضاً في خلايا الدماغ؛ والفؤادُ يرتبط بها غالبا لإحضار المعلومات المناسبة للقضية المراد معالجتها وقليلا ما يرتبط بالصدر النفسي. وأحتمل بأن الفؤاد يرتبط بالصدر النفسي وهو مثل القرص السريع نسبيا فقط حين مواجهة الخطر والحاجة إلى أخذ القرارات السريعة لحماية الإنسان حين الحوادث. والعلم عند المولى. 

القلب النفسي: 

القلب النفسي هو مركز المعالجات وفي ذلك المركز يحصل المفكر على أعلى درجات العلوم الاكتسابية. إنه عضو طاقوي مهم نتميز به من الحيوانات ولا سيما الأنعام التي خلقت أبدانها مشابهة لأبداننا إلى حد كبير لنستمتع بلحومها ولا نحتاج إلى غيرها من الحيوانات. إن عمله مشابه إلى حد كبير مع عمل مركز المعالجات في الكمبيوتر CPU. لقد أسموه العقل الإلكتروني لأنه أشبه آلة بالعقل البشري. فكما أن الإنسان وخاصة العباقرة يتعاملون مع ملايين المعلومات خلال لحظات فإن قلب الكمبيوتر يقوم بنفس الشيء ولكن بدون إدراك. هناك كمبيوترات حديثة تتعامل مع مئات الملايين من التعليمات خلال ثانية واحدة. فلنستعرض الآيات القرآنية التي تتحدث عن التفقه القلبي لعلنا نزداد علما بعظمة قلوبنا النفسية ونزداد معها خوفا ورهبة من الذي خلق لكل منا تلك المكونات النفسية الباهرة. 

نبدأ بآية من سورة الأنعام حيث تتحدث عن الموضوع بصورة إيجابية ولكن بقية الآيات تشير إليها سلبيا ليلوم بها الذين لا يفقهون. قال تعالى في سورة الأنعام: وَهُوَ الَّذِيَ أَنشَأَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ (98). إن كل نفس إنسانية تستقر في الأرض ثم تُستودع بعد الموت في مكان لا نعلمه، ولكنها لا تفسد بل تبقى كما هي إلى يوم الحساب. قال تعالى في سورة الأعراف: قَالَ اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (24). بالطبع أن المستقر الأساسي الدائم هو في الآخرة ولكننا نستقر في الدنيا أيضا. والمستودع هو حالتنا النفسية بعد الموت بانتظار يوم القيامة. 

وأما الآيات التي تتحدث عن تفقه القلب بصورة سلبية: 

1. 

قال تعالى في سورة الأنعام: وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا حَتَّى إِذَا جَآؤُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَذَآ إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ (25). الكن يعني الساتر واستعمله القرآن الكريم هنا لبيان تغطية الله تعالى لبعض القلوب الزنخة والقاسية. فبمجرد أن يغطي الله تعالى القلب فإن الشخص لا يفقه الحقائق. فالقلب هنا ليس عضوا بدنيا قطعيا حيث التعامل مع الأعضاء البدنية يحتاج إلى زمان أكبر من التعامل مع الطاقويات. ولذلك يمكن تغطية القلب بلمح البصر ثم إزالة الغطاء عنه. إنه سبحانه يكره أن يُدخل الكافرين الجنة كما أظن. ولذلك يجعل كِنًّا على قلوبهم حتى لايفقهوا حقائق السماء الغيبية. لكنهم كما نرى بعضهم يفقهون حقائق الشهود الدنيوية ويكسب بعضهم أعلى الشهادات الدراسية. 

2. 

وقال تعالى في سورة التوبة: رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ (87). فالمنافقون وكل من رضي بأن يتخلف عن الرسول عليه السلام ولا يجاهد معه فإن الله تعالى يطرده من رحمته ويمنع عنه الهدى. طبع على القلب يعني أوقف حركة القلب الطبيعية. فهذا هو القلب النفسي الذي يتحرك ليتفقه فلو لم ينشط فلا فقه ولا إدراك للحقيقة. وقال سبحانه مثلها في سورة المنافقون: ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ (3)

3. 

وقال تعالى في سورة التوبة أيضاً: وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ نَّظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُم مِّنْ أَحَدٍ ثُمَّ انصَرَفُواْ صَرَفَ اللّهُ قُلُوبَهُم بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُون (127). صرف قلبه يعني حوَّل قلبه عن الموضوع حتى لا يتفقه لأنه لا يستحق فهم الحقيقة. إنهم بنفاقهم مطرودون من رحمة الهدى من ربهم فيدعو اللهُ تعالى ضدهم لتحريك النظام الألوهي عليه سلبا. 

4. 

وقال تعالى في سورة الإسراء: وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ حِجَابًا مَّسْتُورًا (45) وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْاْ عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا (46). الذين يحبون أن يذكروا عبيد الله تعالى معه سبحانه ولا يكتفون بذكر الرحمن فإنه سبحانه يجعل على قلوبهم الأكنة أيضا حتى يوقف عليهم التفقه وإدراك الحقائق. فالطريق الوحيدة لفهم حقائق القرآن وحقائق الآخرة أن تعتبر وتكتفي بالله تعالى. حسبنا الله تعالى والباقون كائنا من كانوا فهم إخوان لنا إن كانوا مؤمنين مثل الرسل الكرام والأولياء الصالحين. 

5. 

1.      وقال تعالى في سورة الكهف: وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاّ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنذِرُوا هُزُوًا (56) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِن تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَن يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا (57). لا يمكن للرسل أن يتجاوزوا التبشير والإنذار؛ والحق هو الله تعالى فمن ظلم نفسه بالإعراض عن آيات ربه وتناسي ما ظلم به نفسه من جهله فإن الله تعالى سوف يعاقبه ونظائره في الدنيا بتغطية قلوبهم حتى لا يفقهوا القرآن. ويجعل سبحانه ثقلا في آذانهم حتى لا يسمعوا القرآن بوضوح ثم يرى الرسولُ نفسَه عاجزة عن تقديم الهدى لهم. ذلك لأن الهدى من الله تعالى وهو يغطي قلوب الظالمين حتى لا يهتدوا. 

2.      نستنتج من كل هذه الآيات أهمية التفقه في القرآن الكريم وبأن القلب هو مكان التفقه. وليس معقولا أن يكون القلب العضلي مكانا للتفقه. كما أنه ليس معقولا أن تكون الأعضاء البدنية مكانا للتفقه. ذلك لأن التفقه بالنسبة للإنسان يمثل أعلى مراتب الإدراك وهو خاص بالنفس الإنسانية المدركة. البدن بكامله آلة بيد النفس ولذلك فإن الإنسان يبقى موجودا بعد أن يموت البدن بالكامل ويُدفن في التراب. 

هناك إدراك للنفوس المنقطعة عن الدنيا والتي فقدت كل أجهزتها البدنية. قال تعالى في سورة آل عمران: وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (170) يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ (171). بالطبع فإن إثبات الشيء لا ينفي ما عداها. فالكل يبقون أحياء ولكن الذين قتلوا في سبيل الله يعرفون بأنهم من أهل الجنة بعد الموت. فهم يدركون مع أن أبدانهم مفقودة. الآيات تدل دلالة واضحة بأن الإنسان بنفسه لا ببدنه كما أنها تدل على أن لا علاقة للبدن بمنحنا الإدراك. نعم، فإن البدن المريض يؤذي صاحبه ويجعل التفكير النفسي وكذلك الإدراك صعبا عليه لأنه مبتلى بالمرض المؤذي. 

ذات الصدور: 

أضاف أخونا الدكتور صادق شيئا جديدا إلى أبداننا وأسماه ذات الصدور. ولا أدري من أين أتى بهذا العضو أو مجموعة الأعضاء حسب وصفه. أما ذات الصدور في القرآن فهي تعني الموجودات في الصدور النفسية. 

1. 

قال تعالى في الآية 154 من سورة آل عمران: وَلِيَبْتَلِيَ اللّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحَّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ. فهناك أشياء في صدورنا يمحصها الله تعالى اختبارا لنا وهو سبحانه عليم بها. فذات الصدور هنا تعني ما في الصدور. 

2. 

قال تعالى في سورة الزمر: إِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (7). إن كل ما فعلناه مخزون في صدورنا النفسية  فالصدور تحمل صورا أو أرقاما (Digits) تشير إلى كل ما فعلناه والله تعالى عليم بما في صدورنا. فذات الصدور هنا تعني ما في الصدور. 

3. 

قال سبحانه في سورة الملك: وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (13) أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (14). إنه تعالى خلقنا ويمكنه أن ينظر إلى ما في صدورنا ليرى ما أخفيناه هناك بل هو يراها دائماً وأبداً إذ لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء. 

4. 

قال تعالى في سورة هود: أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُواْ مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (5). فكلما يخفونه موجود في صدورهم التي لا تخفى على الله تعالى. والثياب تعني القلب عربيا فهم حينما يريدون إخفاء أمر في صدورهم فإن قلوبهم على علم بها ولكنهم يمنعون القلب من التفاعل مع الحقائق ظانين أن بإمكانهم إخفاءَ ما علموا به وسترَ ما أرادوه إلى الأبد. 

فذات هي مؤنث ذو وتعني صاحب أو مالك. ولذلك يعبر الله تعالى عما في الصدور أحيانا بما في الصدور وأحيانا بذات الصدور. وأما ما اشتهر بيننا أن الذات تعبر عن ذات الشيء بأنها تعني حقيقة الشيء فهي حينذاك ليست كلمة عربية. لعلها فارسية أو تركية ولكن اشتهرت بين العرب. وأنا أستعمل الكلمة بهذا المعنى أحيانا فأقول الذات القدسية مشيرا إلى الخالق العظيم عز اسمه. والكثير من العرب يستعملون كلمة الذات غير العربية أيضا. 

فنحن في الواقع لا يمكننا السيطرة على القلب النفسي وهو فعلا بيد الله تعالى وحده ولكننا قادرون على التعامل مع الفؤاد النفسي الذي بيدنا جزئيا. نحن الذين نحرك الفؤاد ونحن الذين نمنحه المعلومات ونحن ننتقل إلى الأماكن وإلى الكتب وإلى البرامج وإلى التحقيقات المكتوبة التي تمنحنا الكثير من المعلومات ثم ننقلها إلى القلب للمعالجة. نحن بإمكاننا أن نفرغ الفؤاد من المعلومات فنوقف قلبنا من التحرك للمعالجة لأن المعلومات باختيارنا. 

كما أننا عاجزون عن تفريغ صدرونا النفسية من مخزوناتها لكننا قادرون على التعامل مع مراكز المعلومات سواء في أسماعنا وأبصارنا أو في مراكز المعلومات أو في المناظر التي يمكننا مشاهدتها والأصوات التي يمكننا الاستماع إليها. فلو يغمض أحد عينيه وينام ولا يفكر لمدة عشر سنوات فإن صدرنا النفسي سوف يكون فارغا من المعلومات المتجددة لمدة عشر سنوات. هكذا نساير الركب الحضاري والعلمي أو نبقى متأخرين عشر سنوات عن سير الحضارة وعن المعرفة بمعناها العام. 

تم القسم 4 من 6 ويتلوه القسم 5 من 6 وأوله: وأما الروح.

أحمد المُهري

1/11/2020

#تطوير_الفقه_الاسلامي

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.