يوم القيامة الجزء الخامس 6 – حقيقة التمتع بالحور العين في جنات النعيم

يوم القيامة الجزء الخامس 6  حقيقة التمتع بالحور العين في جنات النعيم:

سنقوم بتحليل المتعة الجنسية الدنيوية كمقدمة لعلنا نتمكن من تصور اللذة الفردوسية مع الجنس الآخر. بالطبع أن مسألة التكاثر منتفية تماما في الجنة، فالحور العين لا يحملن الأرحام ولا مصانع الحليب. ولو لم يكن لديهن أرحام فأين يُصب المياه المتدفقة التي تصدر من الرجال؟ هذه مشكلة كبيرة تحتاج إلى حل، ولكن الأكبر منها هو أن المرأة الفردوسية لا تحب أن تكون سببا في استرخاء زوجها وضعفه وفقدان حيويته، فالجنة ليست مكانا لذلك. ناهيك عن أنها لم تشاهد معايب الدنيا فلا تتوقع أن يختلي بها زوجها وكأنه يريد أن يعمل عملا قبيحا معها فهي لن ترضى بذلك وسوف تخاف وتهرب إلى خارج القصر! هي فردوسية تعرف المداعبة والملاعبة أمام الملأ وبمشهد من أقرانها فقد قال تعالى في سورة الصافات: وَعِندَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ (52). فالماء المهين والخلوة ليستا من محاسن التمتع الجنسي. وأما النوم فهو من أتعس وأسوأ ِ المشاكل الدنيوية وهو ليس مناسبا للفردوس البهيج. فالنوم للكسالى المحبين للموت ولكن الجنة مكان للناشطين الذين يحبون الحياة.

وقد قال الحي القيوم في سورة آل عمران: قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (15). وقال سبحانه في سورة العنكبوت: وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاّ لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (64). فسوف يكون الناس عند الله تعالى في الدار الآخرة في الواقع. والسبب الحقيقي للأبدية هو أننا سنكون عند ربنا في الآخرة. وقد ذكر سبحانه بأن المتقين سيكونون عند الله في جنات مع أزواج مطهرة لتكن مناسبات لضيوف الله تعالى الذي يمنحهم رضوانه. والرضوان مغاير لعدم اللوم فيقول سبحانه حين إباحة اللقاء الجنسي الحيواني للبشر في سورة المعارج: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (29) إِلاّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (30). وواضح أن الله تعالى يحبذ حفظ الفروج ولكنه لا يلومنا فيما نفعله مع أزواجنا. ولذلك منح مريم روحه حينما أحصنت فرجها، كما قال سبحانه في سورة التحريم: وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ (12).

والإحصان هو عمل سلبي يتحقق في عدم ممارسة الجنس في الواقع، فكيف أصبح الأمر العدمي سببا يستتبع رحمة خاصة من الله تعالى؟ ولا يمكن تثبيت الإحصان إلا بعد وفاة الشخص ولكن الله تعالى في هذه الآية الكريمة يثبت الإحصان لأختنا الصالحة مريم ليستتبع ذلك النفخ في فرجها من روحه سبحانه؟ فإحصان مريم قد لا تكون فقط امتناعا عن ممارسة الجنس وإبرازا لعدم الرغبة في اللقاء الخاص مع الرجال، بل هو طلب خاص منها من ربها ليمنع عنها أي ارتباط جنسي ويمنع الآخرين من الاعتداء عليها أيضا، ثم تقبل الله تعالى دعاءها وحرم عليها أي اعتداء جنسي تكوينا. ولكن هناك احتمال أن مريم دعت فقط لمنع التجاوز الغصبي عليها باعتبار أنها كانت رافضة للجنس تماما ولذلك قالت للروح القدس حين رأته بشرا سويا أمامها: إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا. ذلك لأنه إن لم يكن تقيا فهو ممنوع من مسها تبعا لدعائها التي اطمأنت أنها قد استجيبت. فحق القول أن نقول بأنها أرادت أن تبلغه فقط بأنها غير راغبة في الزواج بأي حال حينما رأته داخلا على خدر فتاة متعبدة في بيت الله تعالى. وواضح أن من يفعل ذلك فهو يريد التحدث عن طلب اليد. واستعاذتها بالرحمن لتؤكد له بأنها نذرت العفة الدائمة مع ربها وتسميتُها لربها بالرحمن تُخفي نوعا من الدعاء له أن يوفقه لزوجة صالحة غيرها. فالعفة الحقيقية المثبتة بالدعاء والابتهال إلى الله تعالى خولت مريمَ لاستقبال الروح القدس ليمنحها الروح العظيم من خالق السماوات جل جلاله.

فالعملية الجنسية عائق حقيقي على أن يحمل الشخص روحا من الله تعالى وبدونه لا يمكن البقاء إلى الأبدية، كما أن الاستقرار في الجنة على ما عرفنا معناه في قصة آدم فهو مستحيل مع ممارسة الجنس. وبما أن الجنة ليست مكانا للاختبار فلا يمكن أن يكون هناك أي عضو جنسي حيواني مشابه لما في الدنيا موجود باختيار البشر في الدار الآخرة. ولننظر الآن إلى حقيقة ما يفعله العضو الجنسي لدى الرجل والمرأة والتي تسبب الكثير من المتعة لديهما تبعا لما يسمى بالحرارة الجنسية وعدم البرود الجنسي. فالحاصل هو أن بعض مناطق الجلد حساس جدا ويتحلى بالمزيد من الأوتار العصبية التي تبلغ المخ أو النفس بحصول الاحتكاك والملامسة بين الرجل والمرأة. هذا النوع من الحساسية ليس حكرا على العضوين المعروفين ولكنه متوفر في اللسان وبقية مناطق البدن وخاصة المقاطع الناعمة من الجلدة الخاصة بمناطق الاستشعار والمناطق الناعمة التي تكثر تغطيتها عادة من بين أعضاء البدن.

ولو أن الله تعالى أعطى مزيدا من الحساسية في هذه المناطق فإن المتعة الجنسية سوف تتحقق كاملة مع المزيد دون الحاجة إلى الخلوة والإتيان بما يتنافى مع جمال الجنة ونظافتها. هذه الحركات يمارسها غير المؤمنين وغير الملتزمين في الدنيا ويُظهرون المزيد من المتعة أمام الناس ودون الالتجاء إلى غرف النوم المقفولة. نحن نرى في الغرب كيف يستمتعون معا في الحدائق العامة والخاصة وعلى مقاعد الطائرات والسيارات وعلى ظهور البواخر الماخرة عباب المياه وفي المطاعم والمشارب والمنتزهات وفي المسابح والبلاجات المشتركة وفي كثير من موارد الشركة والترف العام في مرأى من كل البشر. فلو أن هؤلاء كانوا غير واقعين تحت وطأة طبيعة التكاثر الدنيوي التي تضغط عليهم لترك البهجة الممتعة في الحوانيت واللجوء أحيانا إلى الخلوات لما مارسوا اللقاء الجنسي. ولو أن النوم وضغوط العمل لم تعصرهم لبقوا في متعتهم عشرات الساعات بل عشرات الأيام جالسين على الأرائك يكتسحون الخمور اللذيذة ويداعبون الجنس الآخر مع أقران الجنسين وبمرأى من الجميع. هي محرمة على المؤمنين لأسباب أخرى ولكنهم موعودون بها في الجنة بإذن الله تعالى. وسوف يرى المؤمنون متعة غامرة لم يكن يحلم بها الذين يستعجلون الإتيان بها في هذه الدار الفانية بطبيعتها. لكن ما يأتون بها دليل على وجود المتعة المشتركة الطاهرة غير الخفية والتي تناسب جنات الخلود مع الشعور بأن الله تعالى وملائكته يرونهم دون أن يشعروا بأي نوع من الخجل أو الانفعال.

هذا هو الحد الذي نعلم ولدى الله تعالى المزيد من المتع التي لا يمكن لنا تصورها اليوم لعدم وجود نماذج دنيوية منها وكلها نظيفة وجميلة ولا تحتاج إلى الإخفاء والخوف والابتعاد عن عيون الناظرين. وهناك الأسفار الطويلة المبهجة التي تفوق كل ما في الدنيا. نحن كما قلنا في عالم البرزخ وحين الفزع الأكبر أو بعده، فسوف نلتقي بالكثيرين من أبناء الكواكب الأخرى الذين لا يُحشرون معنا ولا يُحاسبون معنا ولكن يمكننا الارتباط بهم بالهمس احتمالا. إن الهمس متاح لأهل الجنة مع أهل الجنات المقدرة لغيرِ مَن في كوكبنا. فسوف يتفق أهل الجنة على الزيارات ويستقلون المراكب الفضائية السريعة لزيارة الكواكب البعيدة والتنزه عند الغير والتعرف على الحضارات المختلفة. أتصور بأن كل واحد من أهل الجنة سوف يتعرف على الملايين ممن يشعر بالود تجاهه في البرزخ فيسعى لزيارتهم أو دعوتهم لزيارته في جنات الأرض. سوف يكون هناك استقبال فردوسي ممتع للذين يزورونهم من أهل الكواكب البعيدة. حفلات الاستقبال ومجالس الرقص والخمور والجلسات المشتركة الممتعة والحديث عن أهل السماوات والأرض والمزيد من التعرف على الجبار العظيم ملك السماوات والأرض وحبيب المؤمنين الصالحين الذين سيخلدون في رضوانه ونعيمه وضيافته الربوبية التي تفوق الوصف. سبحانه وتعالى. سيقول المؤمنون جميعا آنذاك من كل قلبهم وداعا للقاءات الجنسية المعيبة غير الطاهرة في الدنيا وسوف يكرهونها ويضحكون على أهل النار الذين فضلوها على النعيم الخالد. 

.. يتبع …

أحمد المُهري 

#يوم_القيامة

#تطوير_الفقه_الاسلامي 

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.