النفس والروح في القرآن الكريم-1

النفس والروح في القرآن الكريم 1/6

رجاء:

هذا الموضوع معقد قليلا فأرجو ممن لا يملك الوقت الكافي للإمعان فيه وقراءته بتأنٍّ أن يتركه فقد يضره ولا ينفعه.

سوف أرسل الموضوع على 6 حلقات بإذن الرحمن حتى لا يسأم أحد من القراءة. فهرس المواضيع للعلم:

النفس والروح في القرآن الكريم

فماهو البدن النباتي بداية؟

ثم ما هو البدن الحيواني؟

وأما البدن الإنساني

التعديل الجيني

1.   خلق الخلية الأولى

2.   خلق النفس الإنسانية

الذي خلقك

فسواك

3.   هندسة البدن الإنساني (فعدلك)

الذات

4.   تعيين الجنسية

كيف نُخلق في الخلايا الأولية

حقيقة النفس الإنسانية

التركيبة النفسية في القرآن الكريم

أهمية السرعة في الإدراك وأخذ القرار

كيف نسيطر على النفس؟

التعامل مع الصدر النفسي

القلب النفسي

ذات الصدور

وأما الروح

القرآن روح منه تعالى

المسيح أيضا روح منه تعالى

الروح في الكتاب الكريم

آدم أيضا روح منه تعالى مثل المسيح

صناعة نفوس الناس عامة بروح من الله تعالى

الروح القدس.

كتبت هذا الموجز بعد اطلاعي على فيديو مختصر للأخ الكيالي المعروف وأخ معمم لم يذكر الفيديو اسمه حول الفرق بين النفس والروح.

الأخ الدكتور الكيالي والأخ المعمم تعرضا لمسألة قرآنية مهمة بكل احترام ويستحقان منا كل التقدير. سعيا وسعي المؤمن مشكور عند ربه. وهكذا الشيخ المفيد رحمه الله تعالى الذي نقل عنه السيد المعمم فهو أيضا سعى وسعيه مشكور. ولو أنني خالفتهم بعض الشيء فهذا لا يعني بأنني على حق وبأنهم على باطل. الذي يفصل في هذه الاختلافات هو الله تعالى يوم القيامة. ذلك لأن الموضوع ليس من المحكمات الواضحة في القرآن الكريم بل هو قطعا من المتشابهات. فأنقل للطالبين رأيي راجيا أن يكون قريبا من الصحة. وأظن بأن الأخ الكيالي كان موفقا في فهم التغاير بين النفس والروح.

كما أنني استمعت إلى عدة محاضرات قدمها الأخ الفاضل الدكتور صادق العبد الوهاب في واحة الحوار القرآني، حول فهمه للقلب والصدر والفؤاد وشيء آخر أسماه ذات الصدور. هو أيضا سعى لفهم المسائل وكان موفقا في العرض بصورة لائقة ولكن تحقيقاته برأيي المتواضع لم تكن دقيقة ولا شاملة لكل جوانب الموضوع الهام. ففي هذا المختصر أوضح رأيي بنوع من الاستدلال وهو معلوم لدى غالبية أعضاء جلستي التفسير اللتين كنت أخدمهما محاضِرا فترة غير قصيرة من الزمان. لكنني أوصيهم أيضا بدراسة هذا الموجز ليكتشفوا أخطائي وينبهوني عليها أولا، ولعلهم يزدادوا علما بالنفس والروح بإذن الرحمن عز اسمه.

بالطبع لدي معلومات قرآنية غير قليلة في فهم الروح والنفس وسوف أختصر جهد الإمكان وأترك التفصيل لمن يسألني أو يكتفي القارئ بهذا القدر.

نبدأ بالإنسان في بداية خلقه. إنه بلا شك عبارة عن اجتماع خليتين أحاديتين من الأب والأم الطبيعيين. فلا توجد نفس ولا يوجد شيء اسمه الروح في البداية. لكن أهل العلم رأوا بأن بويضة الأم غير متحركة والمتحرك هو الحيمن الذكري القادم من الأب. الحيمن عبارة عن خلية إنسانية لكن الكروموسومات وهكذا الجينات الملتصقة بها يُمثلن إما خلية ذكورية أو خلية أنثوية. بمعنى أن الحيوان المنوي الغازي للبويضة لا يحمل الكروموسومين الجنسيين معا كما هو الحال في بقية خلايا صاحبه.

فهناك بويضة لا تتحرك وحيمن يتحرك في الحكاية. ولكن كلاهما يتمتعان بالحياة. البويضة تتمتع بالحياة النباتية وأما الحيمن فيتمتع بالحياة الحيوانية التي تزداد على حياة البويضة بقدرتها على التحرك أو ما نسميها الحياة الحيوانية. لازال الإنسان يجهل علميا سر الحياة إن في النبات أو في الحيوان. لكن القرآن الكريم يعلمنا بأن الحياة إضافة سماوية إلى المادة وليست طبيعية للكائنات. فنحن عمليا نرى بأن البذرة ميتة تماما ولا تتحرك ولكن بمجرد أن توضع في المكان المناسب ويضاف إليها الماء فإنها هي التي تتحرك دون الماء والأرض. قال تعالى في سورة يس: وَآيَةٌ لَّهُمُ الأرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ (33) وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنْ الْعُيُونِ (34) لِيَأْكُلُوا مِن ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلا يَشْكُرُونَ (35) سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الأزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ الأرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ (36).

وقال سبحانه في سورة الأنعام: إِنَّ اللّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (95). فهو سبحانه يخرج النباتات الحية من الحبة الميتة؛ وهو سبحانه قد سبق وأن أخرج الحبة الميتة من النبات الحي. والعملية إلهية من الجانب التقديري أو التدبيري، بمعنى أنها ليست مما عملت أيدينا. أو ليست مما استقللنا في إنتاجه مما أورثنا الله تعالى إياها. ولذلك قال سبحانه في سورة يس بأنه خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض ومن أنفسنا ومما لا نعلم. والمقصود بالأزواج هنا هي الأزواج البشرية طبعا لقوله الكريم: ومن أنفسهم. إنه ضمير خاص بالمدركين وإلا كان يقول سبحانه ومن أنفسها. وضمير المؤنث عام للجنسين.

فهناك ثلاثة أشياء حين صناعة الإنسان:

1. البدن النباتي المصنوع من الأرض أو من نبات الأرض.

2. النفس الإنسانية للإنسان المشابهة لبعضها البعض بصورة جزئية طبعا وإلا كنا عين آبائنا أو عين أمهاتنا.

3. شيء آخر لا نعلمه. لعل بعضنا يتحدث عن ذلك الشيء الآخر ولكنني أفضل عدم الإفصاح عن أمر يصعب علينا إدراكه واحتمال الخطأ في فهمنا له أكبر بكثير من احتمال الخطأ في فهمنا للنفس وللبدن.

فما هو البدن النباتي بداية؟

قال تعالى في سورة الأنعام: وَهُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُّتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِن طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِّنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انظُرُواْ إِلِى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (99). هناك تركيب ضوئي حصل بين الماء والأرض كما نظن مصحوبا بعناية خاصة منه تعالى لقوله الكريم: وهو الذي أنزل، وقوله: أخرجنا.

وقال تعالى في سورة عبس: فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ (24) أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاء صَبًّا (25) ثُمَّ شَقَقْنَا الأَرْضَ شَقًّا (26) فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبًّا (27). فالحب المتراكب المذكور في سورة الأنعام أعلاه لا يتحقق إلا في شقوق الأرض حتى تأخذ من الشمس ما تحتاج إليه دون أن تحترق بإشعاعاتها. هناك تتحصل الطحالب بداية ومنها تتكون النباتات الثنائية التي تنتج البذرة الميتة او الحبة. والمتراكب يشير برأيي المتواضع إلى الخلايا الثنائية بعد أن كان الخضر البدائي أو الطحلب أحادي الكروموسومات عاجزا عن التكاثر الخلوي.

ثم ما هو البدن الحيواني؟

البدن الحيواني عبارة عن كائن مؤلف من مجموعة من الخلايا الثنائية التي تتكاثر بطرق مختلفة لتصنع للبدن الحيواني ما يحتاج إليه من أعضاء وأجهزة ودم وعظم ولحم وشحم وجلد وغيرها. هناك خلايا أحادية لدى كلا الجنسين وهذه لا علاقة لها بالتكاثر الخلوي للبدن الذي يستضيف تلك الخلايا. كل هذه التفاعلات تحتاج إلى عناية ربانية خاصة ولن تأتي بصورة طبيعية محضة. قال تعالى في سورة يس: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ (71). والفرق بين التركيبة النباتية وأختها المتطورة الحيوانية كما نشاهد وجدانا هو أن النباتات لا تمتلك مركزية حيث تأخذ المعلومات من مختلف مقاطع الشجرة أو أية نبتة لتتبلغ بأن هناك خطرا محدقا بها لتدافع عن نفسها، لكن الحيوان يملك مركزية تحرك قدراته ليدافع عن نفسه. تلك هي النفس بصورة مصغرة.

فالنباتات كلها عبارة عن خلايا ثنائية وبعض البدائية منها أحادية ولكنها لا تملك نفسا مركزية أو ما تشابه النفس. ولذلك ليس لنا إلا أن ننسب التنوعات التي نراها في الشجرة الواحدة من ورق وورد وفاكهة وأغصان وجذور وغيرها إلى الذي يحرك الكائنات بطرق مختلفة لتنتج أشياء مختلفة، وهو الله سبحانه وتعالى. فالعناصر الأصلية التي لا نعلم منها إلا قليلا تتحرك بصور متباينة لتخلق لنا العناصر التي نعرفها وهي اليوم في حدود 120 عنصراً. وتلك العناصر تتحرك بصور متباينة لتخلق لنا الكواكب والمياه والأشجار والهواء والفضاء وكل شيء مما نراه أو نشعر به دون أن نراه.

وأما البدن الإنساني:

فهو كائن حيواني مصنوع من الأجسام النامية المختلفة ولكنه يحمل نفسا مركزية قوية تدير البدن كما تدير أعمال المرء. فالنفس الإنسانية أقوى من النفس الحيوانية بل هي النفس حقيقة؛ ولكن الحيوان يحمل شيئا مشابها للنفس الإنسانية لتحمي البدن وتساعده على الحياة الطيبة. ولا ننس بأننا نتحدث عن البدن الإنساني وليس عن النفس الإنسانية في هذه الجزئية. ذلك لأن الله تعالى يعتبرنا أناسي حتى بعد أن نفقد أبداننا الحيوانية. قال تعالى في سورة القيامة: فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ (7) وَخَسَفَ الْقَمَرُ (8) وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ (9) يَقُولُ الإنسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ (10). سنكون آنذاك نفوسا مجردة عن المادة أو عن الحيوانية والله تعالى يعتبرنا أناسا. فالإنسان ليس حيوانا ناطقا كما هو معروف لدى المناطقة.

التعديل الجيني:

نستنتج بأن ما نراه من فوارق كبيرة بيننا وبين الأنعام الأربعة المخلوقة لنا هي بسبب النفس التي سواها الله تعالى مع أبداننا المنحدرة من أبوينا ولكنها في النهاية متميزة تميزا واضحا. فما الذي تفعله النفس في صناعة البدن. البدن الذي يبدأ بالتشكل إثر التعديل الجيني في الخلايا. هذا التعديل الجيني هو الذي يحدد صورة الإنسان.

لنعد إلى آيات سورة الانفطار: الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (7) فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاء رَكَّبَكَ (8). التركيبات الكروموسومية بل الجينية داخل الخلية الأولى هي التي تحدد صورة كل واحد منا؛ كما أنها هي التي تحدد جنسيتنا ذكرانا أو إناثا.

صحيح أن الحيمن الذكوري لا يمكن أن ينتج إنسانا أنثى ولكن الحيمن الأنثوي يمكن أن ينتج الذكر أو الأنثى. وهناك أنثيان في التاريخ الإنساني هما آدم والمسيح وقد حولهما الروح القدس إلى ذكرين. فقوله تعالى بأن الذكر والأنثى يتحققان بعد التعديل الجيني قد يكون بهذا الاعتبار. لكنه سبحانه قال أيضا في سورة القيامة: أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى (34) ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى (35) أَيَحْسَبُ الإنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى (36) أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَى (37) ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى (38) فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنثَى (39). أولى لك تعني أنعم عليك ولصالحك ولا تعني خير لك أو أنسب لك كما ظن البعض. فالله تعالى في هذه الآيات يتحدث عن أربعة نعم متتالية حين خلقنا جميعا. تلك النعم السماوية هي التي ميزتنا عن بقية الحيوانات وأعطتنا الشخصية الفردية ليحاسبنا ربنا مستقلين يوم الحساب. والنعم الأربعة هن:

تعلق حيمن الأب ببويضة الأم

الخلق أو اختلاطهما ببعضهما البعض

صناعة النفس

ثم التعديل الجيني حيث يصير الكائن الجديد ذكرا أو أنثى.

إنهن نعم باعتبار أن المخلوق الجديد يكتسب أحسن صفات إنسانين هما أبواه فيكون أكثر تطورا من كل منهما، والعلم عند المولى عز اسمه.

انتهى القسم 1 من 6 ويتلوه القسم 2 ويبدأ ببيان النعم الأربعة.

أحمد المُهري 

#تطوير_الفقه_الاسلامي

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.