يوم القيامة الجزء الخامس 4- حكاية عيسى بن مريم وإكرام الله تعالى له:

يوم القيامة الجزء الخامس – 4 حكاية عيسى بن مريم وإكرام الله تعالى له:

خلق الإنسان ضعيفا:

قال تعالى في سورة النساء: وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّهِ وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِّن دُونِ اللّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا (119). لنفكر في تهديد الشيطان بأنه سوف يأمرنا لنغير خلق الله فما هو ذلك التغيير الممكن لخلق الله تعالى؟ ليس هناك أمر بيد الأبوين عدا ما يرتبط بالجينات المشتركة التي تشكل النواة الأساسية للجنين. فكل واحد منا مصنوع من جينات أبويه دون أن تكون له يد في تلك الصناعة أو في الخيارات التي ارتضاها الأبوان لوليدهم المقبل. والنفس مصنوعة بالتناسب مع البدن كما وضحتها في بداية هذا البحث. فالشيطان يمكنه أن يتدخل في صناعة أبداننا عن طريق خداع أبوينا، ونفوسُنا ليست بعيدة عن صناعة أبداننا وإلا لما أحبت نفوسُنا أبدانَنا. والله تعالى يحب أن يصنع كل شيء على أحسن تقويم ولكن الشيطان يتدخل هنا فيلعب فيما هو بيد الأبوين بالضرورة. وهذا ما فعله في أبوينا الأولين فخلقنا جميعا في الواقع مصحوبين بنوع من الضعف، والعلم عند المولى.

حكاية عيسى بن مريم وإكرام الله تعالى له:

كان مثل عيسى عند الله تعالى كمثل آدم من حيث الخلق وسأختصر الموضوع في حدود الضرورة. إن الذي يهمنا هنا هو أن آدم لم يستجب لنداء ربه فأتى بما أفسد عليه تلك الحياة الفردوسية الشبيهة بحياة أهل الجنة. كان آدم يتهنا في تلك الحياة بالمتع غير الجنسية التي لا تحمل عيبا ولا تعقب ضررا ولا يحتاج معها إلى التنظيف والغسل. وقد أودعه الله تعالى مكانا يساعده على عدم التفكير في الجنس كما علَّمَه عدمَ الاقتراب من الشجرة فلم يشعر آدم بالجوع ولا بالعطش الجنسي حيث أن حواء لم تكن تعرف الجنس أيضا. لكن المسيح بقي بين الناس وهو يعلم كل مسائل الجنس ولم يُعلِّمه ربه كيفية الإمساك عن الجنس كما يبدو، ولكنه احترم الطاقة الإلهية المباشرة التي كان يحملها فلم يقترب من الجنس. نحن لو ننظر إلى أنفسنا من الأعماق، فإننا طبيعيا قادرون على الصبر على الحرمان الجنسي ولكننا في الواقع لا نستعين بالقوة النفسية للامتناع من الجنس خوفا من توقف التكاثر أو خوفا من الحرمان الأبدي من المتع الجنسية. ولولا ذلك التخوف الطبيعي المعهود في طبيعتنا كغريزة لا يسهل تجاهلها، فإن الكثير من المحترمين منا نحن البشر لما كانوا مستعدين للقيام بعمل يخشون معه أن يراهم أي إنسان غير من يساعدهم على بلوغ اللذة الجنسية. كأننا نشعر باقتراف ذنب أو بالإتيان بعمل قبيح في الواقع. هو عمل قبيح فعلا لأنه يقوي الحالة الحيوانية لدينا ويبعدنا عن الخصائص الإنسانية العليا. إن حالنا آنذاك شبيه جدا بحالنا حين التخلية حيث نختار مستراحا لا يرانا فيه أحد بل نسعى ألا يسمعنا أحد إن أمكن.

والله تعالى الذي يرى كل شيء فإنه يرانا فعلا في كل أحوالنا وأفعالنا، ولكن المسيح لم يقم بالعمل فأصبح وجيها عند الله تعالى في الآخرة. سوف نعرف آنذاك أو نرى في الواقع بأن كلما أتينا به من حركات جنسيةٍ كانت معيبةً في الدنيا ولكن المسيح سوف لا يستحي حينما يرى بأنه لم يقم بما لا يتلاءم مع رؤية الله تعالى والملائكة له في الدنيا فذلك هو سر الوجاهة له في الآخرة كما أظن. بالطبع فإننا بنص القرآن غير ملومين على ممارسة الجنس ولا أظن بأن عدم قيام المسيح يزيد من درجاته في الآخرة. فلو نفترض شخصين مؤمنين صالحين وقد رزقهما الله تعالى ولدين مؤمنين صالحين أيضا، ولكن أحدهما أكثر ذكاء وفراسة من الآخر فهو سوف يكسب ود الأبوين واحترامهما أكثر من أخيه ولكن الأبوين سوف يمنحان الاثنين فرصا متشابهة ويصرفان عليهما مالا متساويا كما أنهما سوف يرثان بأمر الله تعالى ميراثا متساويا أيضا. إنما كسبه المسيح هو فرصة لو سمح الله تعالى بها لإبراهيم فلعله كان أكثر من المسيح إمساكا. ولذلك فإن الوجاهة مذكورة قبل ميلاد المسيح ليعني بأنها ليس من باب الجزاء ولكنها فرصة ميسرة للمسيح فقط كما كانت ميسرة لأبيه آدم.

هي مشابهة لفرصة الإنفاق بالمال المتاح لأصحاب المال والتي حرم منها الفقراء ولكنهم جميعا متساوون أمام الله تعالى سوى أن الغني لو لم ينفق فسيكسب الإثم وأما الفقير فلا يملك شيئا ينفق ولن يكسب إثما في هذا الصدد. هذه المسألة تحتاج إلى تفصيل أكثر ويمكن لمن يريد المزيد أن يفكر في آيات الإنفاق بسورة البقرة.  وأما السر في أن الله تعالى منح تلك الفرصة للمسيح وذكرها له قبل ميلاده كما نراها في الآية التالية من سورة آل عمران: إِذْ قَالَتِ الْمَلآئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (45) وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ (46)؛ أظن بأن السر فيها هو أنه عليه السلام كان بالقوة قادرا على ذلك مع فقدان بقية أولاد آدم لتلك القدرة. والسبب في ذلك أنه ليس ابنا كاملا للأبوين العاصيين آدم وحواء في الواقع، وفعلية تلك القوة عائدة إلى المسيح نفسه وقد أدى المسيح كما يبدو اختباره ولم يتزوج حتى توفاه الله تعالى. هذا ما يبدو لي والعلم عند الله تعالى. 

… يبتع

أحمد المُهري

#يوم_القيامة

#تطوير_الفقه_الاسلامي 

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.