الإلحاد في آيات القرآن الكريم

الإلحاد في آيات القرآن الكريم

بسم الله الرحمن الرحيم

قال تعالى في سورة فصلت: حم (1) تَنزِيلٌ مِّنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (2) كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (3). الحاء في القرآن تشير إلى الحجة والميم تشير إلى التمسك بما قبلها بظني القاصر. فالقرآن الكريم هو حجة الله تعالى علينا ويجب التمسك به؛ ولا توجد في القرآن حجة بشرية إطلاقا. وهذا الكتاب ليس بحاجة إلى من يضيف إليه شيئا من عنده بأية ذريعة كما لا يجوز حذف شيء منه لأن كله صحيح منزل من عند الرحمن عز اسمه. فآياته مفصلة تفصيلا كاملا بكلام العرب وهو الكلام الواضح المبين لآبائنا ولنا. فأي مس بالقرآن الكريم يُعتبر تضليلا وتغطية لمفاهيمه وكفرا واضحا وهذا جزاؤه كما وضح سبحانه في نفس سورة فصلت: فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذَابًا شَدِيدًا وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ (27). الكفر يعني التغطية ويشير إلى الذين يسعون لتغطية حقائق القرآن ببيانات مضللة.

لكن هناك من يُلحد في آيات الله تعالى. والإلحاد لغويا تعني الميلان والحياد عن الصراط المستقيم.

واللحد عبارة عن شق مائل في طرف الجدث يجعلون فيه جنازة الميت حتى لا يرموا التراب على الميت مباشرة. كما أنهم يستفيدون من قبر واحد لمجموعة من الموتى ليقتصدوا في استعمال الأرض للأموات.

ولنتعرف قليلا على الفرق بين الرمس والقبر والجدث واللحد.

فالرمس عبارة عن مكان إخفاء الجثة في الأرض حتى لا يتألم الناس من رائحتها الكريهة. والله تعالى يعتبر جثة الميت سوأة. قال سبحانه في سورة المائدة: فَبَعَثَ اللّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ (31). وتلك هي جسد المؤمن الطيب وليس جسد الابن الفاسق. فلا فرق بين أجساد الناس بعد الموت. كلها سوأة ويجب التخلص منها بتسليمها للأرض لتأكلها التراب.

وأما القبر فهو باعتبار أن المقبور ينقطع عن التواصل مع أهله تماما. لا يمكن لأحد أن يتصل بمن في القبر إطلاقا. قال تعالى مخاطبا نبينا في سورة فاطر: وَمَا يَسْتَوِي الأحْيَاء وَلا الأمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَن يَشَاء وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ (22). وإذا كان رسول الله عليه السلام عاجزا عن إسماع من في القبور فهل نحن قادرون؟ وكلما نسمعه عن أخبار الموتى بعد موتهم فهي كلها لا تنطبق مع مفاهيم القرآن وكلها أوهام أو مفتريات.

لكن الجدث فحسب تحقيقاتي الشخصية أظن بأنه القبر بدون لحد. بمعنى أن يوضع الجسد في الحفرة ويرمى عليه التراب مباشرة. هذا ما أفهمه من آي الذكر الحكيم التي نرى فيها جذر الجدث في ثلاث آيات هن:

في سورة يس: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ الأجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ (51).

وفي سورة القمر: خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ (7).  

وفي سورة المعارج: يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ (43).

فلو عرفنا بأننا نخرج يوم القيامة خروجا نباتيا لقوله تعالى في سورة ق: وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ (10) رِزْقًا لِّلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ (11).

وقوله الكريم في سورة الزخرف: وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاء مَاء بِقَدَرٍ فَأَنشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتًا كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ (11). فإن نفوسنا سوف تودع في الأرض لتصنع لنفسها بدنا نباتيا ثم تخرج من الأرض بعيدا عن سيطرة الآباء والأمهات. سيكون كل فرد حرا بنفسه وتنتهي الأنساب كما وعد ربنا. وهناك آيات متعددة أخرى تدل على هذه الحقيقة. فالجدث إذن ليس قبرا في الواقع وليس لحدا ولا رمسا بل هو مستودع أرضي للنفوس في أيام البعث النهائي، والعلم عند المولى عز اسمه.

وكذلك قوله تعالى في سورة طه: الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّن نَّبَاتٍ شَتَّى (53) كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ ِلأُوْلِي النُّهَى (54) مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى (55). فنحن مخلوقون من الأرض ثم يعيدنا ربنا إلى الأرض الثانية وليست هذه الأرض ويخرجنا من الأرض الثانية طورا آخر. والعلم عند المولى.

والآن نريد أن نتوسع قليلا في معنى اللحد بغية فهم معنى الإلحاد بكل دقة.

قال تعالى في سورة الجن: وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا (18) وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا (19) قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا (20) قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَدًا (21) قُلْ إِنِّي لَن يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدًا (22) إِلاّ بَلاغًا مِّنَ اللَّهِ وَرِسَالاتِهِ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا (23).

بدون أي شرح يأخذ منكم الوقت فإن الآيات تدل دلالة واضحة بأن الرسل الكرام بمن فيهم رسولنا عليهم السلام لا يدعون إلى أنفسهم ولا إلى أي شيء غير الله تعالى. بمعنى أن ليس هناك رسول يقول: أحيوا أمرنا. ولذلك يأمر ربنا رسوله بأن يقول بأن لا مجير له من الله تعالى فهو يتبع حكم الله تعالى و تشريعاته وحده. إنه عليه السلام لا يجد من يميل إليه ويستنجد به غير الله تعالى. ونعلم بأن الميل إلى الله هو ميل متكافئ مع المقام الألوهي والله تعالى ليس كائنا فيزيائيا نتمسك بأذياله. فالرسول يميل إلى الله تعالى بقلبه النفسي وبكل عواطفه وأفكاره وعقائده ومستمسكاته فهو العروة الوثقى لا انفصام لها وهو السميع العليم جل جلاله. ولا يحتاج الرسول إلى غير الله تعالى حينما يلجأ إليه سبحانه. ولا أظن بأن اتباع الرسول في هذه العملية غير مسموح لنا. فنحن أيضا علينا بأن نتخذه عليه السلام أسوة بل هو خير أسوة علَّم البشرية من بعده كيف يلجؤون إلى الله تعالى وكيف يستعدون للقاء مع الله سبحانه.

ولعلكم لاحظتم من آيات سورة الجن بأن الله تعالى يمنع رسوله من أن يسكت حينما يجتمع حوله الناس وكأنهم يطلبون منه شيئا. وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا (19). لِبَدا يعني مجتمعين حوله عليه السلام. فيأمر رسوله بأن يتبرأ فورا من أي ادعاء لنفسه.

فالميل والتوجه الكامل هو معنى اللحود. والإذعان بحكم الله تعالى كما هو دون إضافة أو كشح وهو الالتحاد بالله تعالى. وأي ميل أو تحرك لا ينطبق مع تشريع السماء فهو إلحاد عن الله سبحانه. كما أن أي تبديل أو تحويل أو تحريف لأية آية من آيات القرآن فهو إلحاد في آيات القرآن الكريم وهو في غاية الخطورة.

فالإلحاد في آيات الله تعالى يعني أن يُميِّل الشخص معاني آيات الله تعالى أو يستعمل الآية الكريمة في غير ما تنادي به الآية. وتعلمون بأن القرآن الكريم هو الكتاب الوحيد الذي يثق به المسلمون جميعا بأنه الكتاب الحق الواضح المبين ولا عِدل له إطلاقا.

فنريد أن نعرف بالضبط كيف يمكن الإلحاد في آيات الله تعالى أولا.

كما نريد أن نعرف خطورة هذا العمل ثانيا.

أولا: الإلحاد في آيات الله تعالى:

نرى ونشعر واقعا قرآنيا وهو أن الآيات في واقعها جامعة مانعة. وبما أن القرآن الكريم موزع توزيعا سماويا على أساس المفاهيم التي يريد ربنا بيانه لنا على سور مختلفة. وكل سورة في واقعها تختص ببيان أمر مغاير للسورة الأخرى فنرى أحيانا موضوعا مرتبطا بحكاية مذكورة في سورة والله تعالى يكمل الحكاية في سورة بعدها لأن موضوعي السورة مختلفان والحكاية ذات شقين. مثال ذلك:

نقرأ في سورة العنكبوت حكاية يكملها ربنا في السورة التي تليها وهي سورة الروم: تلك هي:

أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ (67) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ (68) وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (69)

الروم

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4). بالطبع أن هم في سورة الروم يعود إلى الصحابة المذكورين في سورة العنكبوت، وليس إلى الروميين كما ظن المفسرون رضي الله عنهم أجمعين. فما السر؟

هناك عدة سورة في القرآن بدأت بـ ألم. فمثلا البقرة وآل عمران بدأتا بنفس الحروف. وهما تتحدثان عن تزكية النفس وتأثيرها في الإيمان بالله تعالى وباللقاء مع الله في عامة الحياة وخاصة في الآخرة كما أن آل عمران تأتي بالنماذج البشرية من المستفيدين. لكن السور المتوسطة الأربعة (العنكبوت والروم ولقمان والسجدة) فإنها تتحدث عن فوائد التمسك بالله تعالى وباللقاء معه سبحانه في الدنيا قبل الآخرة.

وخاصية السور الأربع هي كالتالي برأيي المتواضع:

العنكبوت: الفوائد العاجلة.

الروم: الفوائد الآجلة دنيويا أيضا.

لقمان: فهي توضح لنا بأن العلم والإيمان هما العنصران المساعدان الأساسيان لمعرفة الله تعالى وخشيته وكذلك للاهتمام باللقاء مع القدوس العزيز جل شأنه.

السجدة: أما سورة السجدة فهي تذكرنا بصورة كلية عما فعله ربنا من قبل أن نأتي ومن بعد ما أتينا ليمنحنا القدرة على التجاوب مع أوامره الكريمة التي تستحق الطاعة وبأن كل الكائنات غير المختارة مطيعة للقدوس العزيز بدليل ما نراه من انسجام بين الكائنات فأوامره قابلة للتنفيذ. واسم السورة الكريمة على مسمى فعلا.

فالسور التي ذكرناها مهتمة ببيان إمكانية التمسك بالله تعالى وحده والاهتمام باللقاء معه سبحانه ليسير المؤمن في طريق الهدى بعناية واطمئنان بل بدون خوف وحذر بأنه في الطريق الصحيح المؤدي إلى الرضوان. ونحن نحتاج إلى الهدى في الدنيا وأما الآخرة فهي دار الهدى.

فمسألة الحياة الآمنة للمتواجدين في مكة وما حولها كانت مهمة جدا لاستقبال رسول الإسلام على أن الأمم في البلاد المجاورة كانت تئن من الحرب. لكن المسلمين كانوا يتوقعون السيطرة على المشركين فوضح الله تعالى لهم في سورة الروم بأنهم سيغلبون المشركين في بضع سنين. باعتبار أن سورة العنكبوت مختصة بالفوائد العاجلة دنيويا والروم تتحدث عن الفوائد الآجلة دنيويا.

لنأخذ هذه المسألة فقط لنرى بأن المفسرين الكرام لم ينتبهوا لها فضاعوا في خضم الآراء غير المنسجمة في فهم القرآن ولم يستفد المسلمون من تعليمات السورتين الكريمتين في وسط القرآن.

هناك من يقوم بهذه التضليلات عمدا هم الملحدون. ولنتحدث عن مثالين دنيويين واضحين:

1.   

ما قام به عبد الملك بن مروان وهو أعلم سلاطين بني أمية وهو الذي زوج ابن أخيه المرحوم عمر بن عبد العزيز بن مروان ابنته رغم مخالفة أولاده أو بعض أولاده باعتبار علم عمر. ومما يرثى له بأن أسرة علمية تستحوذ عليهم السلطة بحيث تنسيهم ذكر الله تعالى.

ولننظر إلى عبد الملك وكيف يلحد في آيات الله تعالى من هذه الحكاية المؤلمة.

يقال:

نَصَبَ الحجاج المَنْجَنِيق على أَبي قُبَيْس وابنُ الزبير كان قد تَحَصَّنَ في هذا البيت، فجعَلَ يَرْميهِ بالحجارة والنِّيرانِ فاشْتَعَلَتِ النيرانُ في أَسْتارِ الكعبة حتى أَسرعت فيها، فجاءَت سَحابةٌ من نحو الجُدّةِ فيها رَعْد وبَرْق مرتفعة كأَنها مُلاءَة حتى استوت فوق البيت، فَمَطَرَتْ فما جاوز مطَرُها البيتَ ومواضِعَ الطوافِ حتى أَطفَأَتِ النارَ، وسالَ المِرْزابُ في الحِجْر ثم عَدَلَتْ إِلى أَبي قُبَيْس فرمت بالصاعقة فأَحرقت المَنْجَنِيق وما فيها.

كتب الحجاج بعد أن خاف مما رأى الحكاية كلها إلى سيده ابن مروان، فرد عليه عبد الملك:

أَما بعد فإِنّ بني إِسرائيل كانوا إِذا قَرَّبوا قُرْباناً فتقبل منهم بعث الله ناراً من السماء فأَكلته، وإِن الله قد رضي عملك وتقبل قُرْبانك، فَجِدَّ في أَمْرِكَ والسلام.

عبد الملك بن مروان الأموي اختلق حكاية من عنده أو نقل قصة إسرائيلية كتفسير كاذب لآية قرآنية ثم أضاف إلى تفسيره بأن الله تعالى رضي بعمل عامله المجرم الذي لم يحترم بيت الله وضربه بالمنجنيق وبأنه تعالى تقبل قربان الحجاج. الحجاج بنفسه لم يقل بأنه تقرب إلى الله تعالى أو قدم قربانا لكن الذين لا يخافون ربهم بل يهمهم السلطة لا غير، فيلجؤون إلى كل افتراء على ربهم وإلى كل عمل فاسد وشنيع بما في ذلك الإلحاد في آيات الرحمن ليبرروا جرائمهم.

والآية الكريمة هي هذه من سورة آل عمران: الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلاَّ نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّىَ يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جَاءكُمْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (183). خاطب بنو إسرائيل نبينا عليه السلام بأنهم ينتظرون منه قربانا ماديا قابلا لأن تأكله النار حتى يؤمنوا به. إنهم رأوا مثل تلك القربان عند رسلهم. فما هو ارتباط ضرب الحرم المكي المحرم بالمنجنيق بالقربان الذي انتظره بنو إسرائيل من نبينا؟ هكذا يُلحدون في آيات الله تعالى.

2.   

حينما قام بعض الانتحاريين بسرقة طائرات الناس وتفجير برجي التجارة العالمية ظلما وعلوا في الأرض فإن أتباعهم الذين لا يخافون الله تعالى أضافوا إلى إجرامهم نوعا آخر من الإلحاد في آيات الرحمن ليقولوا بأن الله تعالى أخبر بتلك الحادثة المؤلمة في القرآن تبريرا لما فعلوه في البشر وفي أموال البشر. قالوا: بأن برجي التجارة يقعان في جرف هار.

وبأن سورة التوبة في الجزء 11 من القرآن وهو يوم 11 سبتمبر.

وبأن رقم السورة 9 وهو رقم شهر سبتمبر شهر تفجير البرجين.

وبأن عدد أدوار طوابق كل برج هو 109 وهو الآية التي ذكر فيها الحكاية من سورة التوبة: أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىَ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (109).

وبأن عدد حروف السورة حتى الآية 109 هو 2001 حرف وهو تاريخ عام التفجير.

وبأن اسم الشارع الذي وقع فيه الهجوم بالطائرة هو جرف هار.

وكلها تقريبا كذب.

فسورة التوبة الكريمة هي في الجزءين العاشر والحادي عشر.

ورقم السورة طبعا هو 9 وهذا هو المعلومة الصحيحة الوحيدة.

وعدد أدوار طوابق كل برج هو 110 وليس 109.

وعدد حروف السورة الكريمة حتى الآية 109 أكثر 17000 وعدد كلماتها في حدود 2090 كلمة.

واسم الشارع هو (ًWall Street). ولا علاقة لها بـ جرف هار.

هذا أيضا نوع إلحاد في آيات الله تعالى يبتغون عن طريقه تضليل الناس وإقناعهم بأن ما فعلوه هو ما يُرضي الله تعالى. ولو فرضنا أن التطبيقات كانت صحيحة فكيف يمكن اعتبارها أمرا أخبر به الله تعالى من قبل. ولو فرضنا ذلك أيضا فكيف نستنج بأن الله تعالى أخبر بعمل صحيح مقبول عنده وليس بعمل شيطاني مرفوض عنده سبحانه. وهل هكذا يخبرنا الله تعالى الحقائق أم بالبيان الواضح غير القابل للعب؟ وهل مهد الله تعالى لذلك العمل قبل آلاف السنين؟ ولماذا وما فائدة ذلك للمسلمين وللبشرية؟ ولو أنه سبحانه أخبر بكل الأفعال المستقبلية للبشر فهذا يعني بأنه تعالى مهد لها فلا معنى للخيار.

نعم، يمكن أن يمهد الله تعالى للحركات الكونية والكوكبية وللتطور ولكن لا يمكن أن يمهد لأعمال البشر. وخير دليل أنه حينما يمهد للتطورات فإنه تعالى يبيح التطور العلمي لكل من سعى، أكان مسلما مؤمنا أو فاسقا كافرا كما نرى اليوم.

ثانيا: خطورة الإلحاد في آيات الله تعالى:

نحن كمسلمين نلجأ إلى القرآن الكريم بأنه يمثل آيات الله تعالى لهدايتنا ولنصلح بالقرآن أمورنا. فإذا استمر الإلحاد في آيات القرآن الكريم فإن الأمور سوف تشتبه علينا وهي اليوم مشكلتنا الحقيقية. لقد أدى فكرة الإلحاد في آيات الله تعالى إلى أن يتشبث اللاعبون وكذلك أصحاب الأهداف إلى التالي:

1.      السعي لإثبات آيات أو جمل أو كلمات اختفت وأكلها الداجن أو غيبها الرسول أو صحابته خوفا ولكنهم والحمد لله تعالى لم ينجحوا كثيرا. فالقرآن بقي محفوظا والمسلمون جميعا اليوم يطبعون كتابا واحدا لا اختلاف فيه.

2.      السعي لإثبات أن هناك أسبابا للنزول فيجب على المتتبع أو المفسر أن يطلع على آيات النزول ليعلم السبب في نزول الآية الكريمة. أراد كل فرقة بهذه العقيدة الفاسدة أن يفرض علينا خصوصية القرآن لبعض القضايا المؤقتة وعدم إمكانية الاستفادة من الكتاب كمنهج عام للحياة. إنهم نجحوا إلى حد كبير ولكن هناك صيحات اليوم هنا وهناك بأن القرآن لم ينزل لأسباب خاصة إلا في حالات معينة ذكرها الله تعالى مثل زواج النبي بأكثر من أربعة أو الإذن له بالقتال. لكن المسألة لا زالت باقية ويجب علينا السعي لتفنيده وإبطاله مستعينين برب القرآن نفسه جل وعلا.

3.      قالوا بأن هناك سور مكية وسور مدنية ليجعلوا القرآن خاصا بأزمنة وأماكن محددة فهو نوع آخر من الإلحاد في الآيات ليجروا الناس إلى رجال السلطة والقوة الدينية والسياسية ليمنعونا من اتباع الآيات المكية أحيانا والمدنية أحيانا أخر تبعا للضرورات السياسية لديهم. ونحن اليوم نسعى لتفنيد هذه العقيدة الفاسدة من أساسها وبيان عالمية القرآن لكل زمان ومكان.

4.      أضافوا العترة والحديث أو السنة إلى القرآن بدون أن نرى شيئا من ذلك في القرآن نفسه. القرآن يأمر رسولنا بأن يتبع القرآن وبأنه هو وقومه مسؤولون عن هذا القرآن. قال سبحانه في سورة الأعراف: المص (1) كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلاَ يَكُن فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (2) اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ (3). وقال سبحانه في سورة محمد: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ (2) ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِن رَّبِّهِمْ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ (3). وقال تعالى في سورة الزخرف: فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (43) وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ (44). فالقرآن يأمر الرسول نفسه بأن يتبع القرآن ولا ذكر للعترة ولا للسنة في كتاب الله تعالى.

5.      قالوا بأن من حق الرسول أن يشرع والله تعالى في آيتين في سورة النساء يقول عكس ذلك. تان هما: وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاء قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاء الَّلاتِي لاَ تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ وَأَن تَقُومُواْ لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا (127). و   يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلاَلَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَآ إِن لَّمْ يَكُن لَّهَا وَلَدٌ فَإِن كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِن كَانُواْ إِخْوَةً رِّجَالاً وَنِسَاء فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (176).

6.      قالوا بأن الآية التالية من سورة الحشر تدل على وجوب اتباع الرسول من خارج القرآن: مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاء مِنكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (7) لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (8). والغريب أنه سبحانه في نفس السورة يتحدث عن هذا القرآن: لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (21). ولم نجد هناك أي كتاب كتبه الصحابة أو التابعون أو من جاء بعدهم حتى بدأ المحدثون بعد عدة قرون بكتابة الأحاديث وأقنعوا المسلمين بأنها إكمال للقرآن ظلما وزورا.

لنقرأ سورة الحشر من البداية لنعلم بأنها سورة خاصة وغنائم تلك الحرب ليست عامة وبها نختم المحاضرة: بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

7.  سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1) هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ (2) وَلَوْلا أَن كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاء لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ (3) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَن يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (4) مَا قَطَعْتُم مِّن لِّينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ (5) وَمَا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَن يَشَاء وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (6) مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاء مِنكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (7) لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (8) وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالإيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9) وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ (10).

والخلاصة إخواني وأخواتي الأعزاء فإن الله تعالى لم يعين عِدلا للقرآن ولم يأمرنا باتباع كتب الحديث ولم يأمر بقتل المشركين عامة ولم يسمح لأحد بأن يجمع القرآن الكريم ولم يأذن للرسول بأن يشرع ولم يجعل القرآن كتاب طلاسم بل هو كتاب واضح مبين ونحتاج فقط إلى أن نعرف لغة العرب في الحجاز يوم نزول القرآن الكريم. والسلام عليكم

أحمد المُهري

27/8/2020

#تطوير_الفقه_الاسلامي

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.