يوم القيامة الجزء الرابع – الحلقة الاخيرة-التمتع الجنسي في العالم الآخر

يوم القيامة الجزء الرابع – الحلقة الاخيرة-التمتع الجنسي في العالم الآخر

نسعى في هذا المقطع للاستدلال قرآنيا وبالآيات الكريمة على ما كتبناه حول التمتع الجنسي في العالم الآخر والمتع التي تجاري الجنس من حيث اللذة وانبساط النفس. وليكن واضحا بأن الله تعالى غير مهتم بالتمتع الجنسي كسبب لخلق الناس أزواجا حتى في الدنيا. قال تعالى في سورة الروم: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ َلآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21). فجعل سبحانه آية الألوهية أن خلق لنا من أنفسنا أزواجا لنسكن إليها وعمم بيننا المودة والرحمة. فالإناث والذكور مفطورون على الحب والتودد والتراحم وفقدانُ ذلك دليلٌ على محاربتهم مع الفطرة في الواقع. ولكن الجنس في الدنيا هو ضرورة التكاثر والتخلص من أعباء بعض التبعات البدنية الملازمة للتكاثر وخاصة بالنسبة للذكور.

1.             وكمقدمة فإننا نمد الطرف قليلا إلى قصة أبينا آدم في الكتاب الكريم ونمعن في توصيف القرآن الجنةَ والعنايةَ الخاصة لأبوينا آدم وحواء رحمهما الله تعالى. كما ننظر إلى النبي الكبير عيسى بن مريم عليه وعلى أمه السلام، وما صاحبَ حياتَه من تكريم خاص به كما سوف نشرحهما بعد تحليل الآيات التالية. سوف نرى بأن الجنة الدنيوية الخاصة بآدم تنطوي على حياة جميلة هادئة خالية من المتع الجنسية التي ألفها البشر وبمجرد أن يفيق الأبوان على ما ووري عنهما من سوآتهما فإن الله تعالى يطردهما من تلك الجنة كما طرد الشيطان من قبل ولكنهما والشيطان بقوا في الكرة الأرضية كما كانوا ولعل آدم وحواء لم يخرجا فعليا من جنتهما التي عاشا فيها قبل الأمر بالطرد. وسوف نرى تكريما غريبا للمسيح لأنه وكما يبدو لم يمارس الجنس بل بقي حصورا مثل يحيى. وسوف نشرح موضوع آدم وعيسى في الفصل التالي تحت عنوان: شواهد قرآنية أخرى على حالات الجنة وأهلها.

2.             قال تعالى في سورة الدخان: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ (51) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (52) يَلْبَسُونَ مِن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَقَابِلِينَ (53) كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ (54) يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ (55). المقام هو المسكن الذي يقيم فيه الإنسان بأمان وسلام وقد أكد الله تعالى على أمانه وبأنه تمثل الجنات وتعني الحدائق كما تمثل العيون والملابس الناعمة والجلوس قبالة بعضهم البعض وكذلك الزواج بالحور العين والتمتع بالفواكه في أمان أيضا. وقبل أن نشرح الأمان هنا فيجدر بنا أن نقرأ الآية التالية التي تعقب ذلك وهي: لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلاّ الْمَوْتَةَ الأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (56). عدم تذوق الموت ليس بيانا للدعوة بالفواكه بالطبع بل هو أمان آخر وإلا كان يقول: فلا يذوقون الموت. والأمان الأول في الآية 51 هو البيت الآمن من خطر اللصوص والفضوليين وكذلك السباع التي تكون منقرضة تماما وغائبة عن الجنة. والأمان الثاني هو الأمان من العيوب التي تساوق المشاهد المشابهة في الدنيا. فنحن هنا نخجل من أن نمارس المتع الجنسية بين ضيوفنا ولكن الحال مختلف في الجنة كما سنعرف.

3.             قال تعالى في سورة الطور: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ (17) فَاكِهِينَ بِمَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (18) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (19) مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَّصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ (20). ولقد ذكر الله تعالى الفواكه مع الأزواج والسرر التي يجلس فيها أهل الجنة معاً طيّات هذه الآيات الكريمة أيضا.

4.             أما سورة الرحمن وهي التي تتولى توصيف الحالات المشتركة بين الجن والإنس في الآخرة بما يتناسب مع المَعشَرَين في المفاهيم الدنيوية، فهي تعطي بيانا واضحا لحالة الناس مع أزواجهم في خيام التنزه في جنات النعيم. قال تعالى: فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ (70) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (71) حُورٌ مَّقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ (72) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (73) لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ (74) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (75) مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ (76) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (77). الطمث معناه المس الباكر. وقد ذكر صاحب لسان العرب مثلين لبيان المعنى، وهما: ما طمثه (أي ما طمث المرتعَ) قبلنا أحد وما طمَّث هذه الناقةَ حبلٌ قط. وذكر بأن العرب كانت تسمي الحيض الأول طمثا. وللجن لقاء جنسيٌ لا يمكن أن يكون على غرار الإنس لأنهم ليسوا في الفيزياء. ولكنهم في عالم الموجودات الطاقوية يمسُّ بعضُهم البعضَ. وأما المقصورات فليست بمعنى المحبوسات كما تصور المفسرون فلا سجن في الآخرة وليست الخيام مناسبا للحبس. لكنها تعني بأن عيونهن مقتصرة على رؤية أهل الجنة فلا يعرفون شيئا عن صفاتنا نحن والجن في الدنيا. والسبب في ذلك هو أن الإنس ممنوع تشريعيا من التلاقي الجنسي مع غير الإنس ولعل الجن كذلك، فكيف يجتمعان معا في الجنة ويتزوجان موجودا واحدا؟ فتعالج هذه السورة المسألة بأنهن لسن على غرار نساء الأرض وليست العملية عملية مشابهة لما نحن عليه في الأرض.

5.             ويقول سبحانه في نفس سورة الرحمن: فِيهِمَا مِن كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ (52) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (53) مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ (54) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (55) فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ (56) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (57) كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ (58). ونلاحظ بأن مسألة يطمثهن مذكورة مرتين في كل القرآن وكلاهما في هذه السورة الكريمة.  وفي هذه الآيات جاءت {لم يطمثهن} كمعنى لقاصرات الطرف للتأكيد على ما وضحته قبل هذا احتمالا. ونلاحظ الاتكاء والجلوس في كلتا الآيتين الكريمتين. وأما التفكه دون الأكل قد ذكر في هذه الآية لأن الجن كما يبدو يشمون الفواكه ولا يأكلونها لأنهم ليسوا في عالم الأبعاد الثلاثة. وسنعرف في التفسير كثيرا من خصائص الجن التي تشترك مع الإنس بطريقتهم الخاصة بإذن الله تعالى. وقد شبه الله تعالى الحور العين اللائي يمثلن دور الشريكات لأهل الجنة ومخصصات للتمتع وليس للعمل، شبههن باللؤلؤ والياقوت والمرجان كما شبه الولدان المخلدين الذين يمثلون دور المضيفين أو الخدم المباشر لأهل الجنة باللؤلؤ وكلها مجوهرات كريمة ثمينة غير متوفرة بكثرة في الدنيا لأسباب ترتبط ببقائهم وخلودهم على شكل وعمر واحد دون تغيير. ولم يشبه الله تعالى أهل الجنة أنفسهم بهذه المجوهرات الثمينة لأننا نحن بأنفسنا سوف نصنع أبدانَنا بإذن الله تعالى ولكن الله تعالى بتقديره هو دون تدَخُّلٍ مِنّا سوف يصنع الحور والخدم ليكونوا زينةً لمن يدخل الفردوس منا ومن الجن. ولو كان الخدم هم نفس أهل الدنيا حسب احتمال نذكره في التفسير فسيكونون بأبدانهم زينةً لأهل جنات النعيم.

6.             وأما سورة الواقعة فإنها وعند بيان ارتباطهم بالفردوسيات، توضح بشكل أكثر نشأتهن الأخروية وأنهن غرباء عن نشأتنا الفعلية. يقول الحكيم سبحانه: وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ (32) لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ (33) وَفُرُشٍ مَّرْفُوعَةٍ (34) إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاء (35) فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا (36) عُرُبًا أَتْرَابًا (37). والإنشاء تعبير عربي وقرآني بمعنى الخلق ولكن حينما تتدخل فيه الهندسة والتصميم أكثر من المواد المكونة. فتعني هنا الخلق البدائي أو كامل الخلق. والأبكار جمع للبكر وهو كلمة مشتقة من معنى البُكرة وهي أول النهار ويستعار بها لما يقابل الثيب باعتبار أن الثانية قد لامست رجلا. وهي هنا ليست بنفس المعنى المتداول عندنا فهي هناك ليست في مقابل الثيب ولكنها تعني باكورة حياتها التي تبقى عليها إلى الأبد. فهن بكيانهن تعُرِبْنَ عن أنهن أبكار غير ممسوسات مسا دنيويا كما هي عليه الناس كما أنهن مماثلات من حيث تفاعل خلقهن داخل أرض واحدة ومن تراب واحد. فالأتراب مشابه لقولنا: فلان وفلان من طينة واحدة، ونقصد بها وحدة الصفات أو وحدة الكيان أو وحدة اللون وما شابه ذلك. وفي ذكر الأتراب إشارة واضحة بأنهن مخلوقات من تراب الجنة كما أن البشر سوف يُخلقون من نفس التراب أيضا ولكن قبل أن تتحول إلى جنة نعيم والعلم عند الله تعالى.

7.             وأما الآيات التالية من سورة الواقعة فقد نقلناها كاملة في وصف جزاء السابقين وهم خلاصة أهل اليمين المقدمون على غيرهم في الجنة: وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (11) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (12) ثُلَّةٌ مِّنَ الأَوَّلِينَ (13) وَقَلِيلٌ مِّنَ الآخِرِينَ (14) عَلَى سُرُرٍ مَّوْضُونَةٍ (15) مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ (16) يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ (17) بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ (18) لا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلا يُنزِفُونَ (19) وَفَاكِهَةٍ مِّمَّا يَتَخَيَّرُونَ (20) وَلَحْمِ طَيْرٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ (21) وَحُورٌ عِينٌ (22) كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ (23) جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (24) لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلا تَأْثِيمًا (25) إِلاّ قِيلاً سَلامًا سَلامًا (26). ونلاحظ عدم وجود أي ذكر لنساء أهل الجنة كما تصوره المفسرون الكرام ولا النوم ولا العلاقات الخاصة بين الجنسين. وقد تكلف بعضهم لبيان سبب الرفع في الحور العين فقدَّرَ مثلا: لهم حور عين. والواقع أن الحور العين معطوف على الولدان ويعني: تطوف عليهم حور عين. وهكذا كل القرآن يتحدث عما ظنناه نساء أهل الجنة بأنهن مع أهل الجنة في جلساتهم المشتركة مع بعض وهن يمتعنهم وهم جالسون بين أحبابهم وإخوانهم. ومما لا شك فيه عدم وجود الحجاب على مفاتنهن لأنه يتنافى مع التمتع. وقد زوج الله تعالى أهل الجنة بالحور العين ولم يقل بالنساء. وأما استعمال صيغة الأنثى فليس للمؤنث الحقيقي حسب تعبير النحاة بل لأسباب أخرى أهمها قصور لغتنا نحن عن التعبير الكامل الشامل لنعيم الجنة. ونعرف أن معنى المؤنث الحقيقي حسب تعبير اللغويين هي من كانت له آلة الأنوثة المعروفة. ولكننا نعتبر الشمس مؤنثة ونعتبر العين والأذن واليد مؤنثة أيضا.

8.             وجاءت سورة يس الكريمة وهي السورة التي يوضح الله تعالى فيها جزاء الأنبياء الكرام على يقينهم بالله وبالآخرة وعلى سمعهم لربهم وبأنهم أنذروا الناس بالحق فكانوا يسيرون في مسار العهد الطبيعي بين الله تعالى وعبيده ألا يعبدوا إلا الله تعالى. هذه السورة توضح جزاء الرسل ومن اتبعهم هكذا: إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ (55) هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلالٍ عَلَى الأرَائِكِ مُتَّكِؤُونَ (56) لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُم مَّا يَدَّعُونَ (57) سَلامٌ قَوْلاً مِّن رَّبٍّ رَّحِيمٍ (58). فلا نوم ولا نساء ولا أماكن للنوم بل جالسون في ظلال متكئين على الأرائك مع أزواجهم فاكهين. فلا خبر عن علاقة خاصة يتستر بها كل إنسان ولا يبوح بها أمام أقرانه كما هو الحال في دنيانا.

9.             وفي سورتي الصافات وص يتبين لنا أن العلاقات ليست سرية وهم يتنَعمون ويتلذذون علنا على الأرائك. ولننظر إلى الصافات بداية: أُوْلَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَّعْلُومٌ (41) فَوَاكِهُ وَهُم مُّكْرَمُونَ (42) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (43) عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ (44) يُطَافُ عَلَيْهِم بِكَأْسٍ مِن مَّعِينٍ (45) بَيْضَاء لَذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ (46) لا فِيهَا غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ (47) وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ (48) كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَّكْنُونٌ (49). فنرى أن الخمور متاحة لأهل الجنة بشكل واسع فهم لا يُنزفون عنها كما أن مفاجئات الخمور التي تحيق بالإنسان الدنيوي أحيانا مثل فقدان العقل أو أي مقوم إنساني آخر فهي غير حاصلة في الجنة. والغول يعني الإهلاك دون أن يحس به الذي ابتلي به كما يستفاد من كلام الراغب في المفردات ومنها الاغتيال المعروف. وبالنسبة للخمور الفردوسية فسيكون معنى الغول هو إهلاكُ الخمرِ لِعقلِ الشاربِ دون مقدمات أو بوادر، فهو غير حاصل في الآخرة ولكنه يحصل لمن يكتسح الخمرة في الدنيا. فأهل الجنة يُكثرون من الخمور حين جلوسهم متقابلين على السرر وقد رافقتهم قاصرات الطرف الحسناوات. ولو أن الخمرة لم تسبب إزالة العقل فإنها بالتأكيد تزيد من نشوة الشاربين وغرامهم، فلو حصل ذلك في حالاتنا الدنيوية فالجنسان يلجئان إلى غرف النوم وليس الأمر كذلك في الآخرة. إنهم يمارسون المتع المشتركة بين الجنسين على الأرائك ودون التستر. فالعملية الجنسية المعروفة غير واردة هنا وليست من عمليات أهل الجنة.

10.        وأما سورة ص فإنها تزيد على أختها الصافات بأن الأبواب ستكون مفتحة: هَذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ (49) جَنَّاتِ عَدْنٍ مُّفَتَّحَةً لَّهُمُ الأَبْوَابُ (50) مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ (51) وَعِندَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ (52) هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسَابِ (53) إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِن نَّفَادٍ (54). ولا ضير في أن تبقى الأبواب مفتحة مادام التمتع خاليا من فضائح الجنس الدنيوي. ولو ننظر إلى الذين لا يحملون مواريث دينية مثل المتزمتين من أهل الديانات وكذلك الذين لا يخافون من التشريعات مثلنا نحن المؤمنین بربنا وبأحكامه؛ فالذين يتخلون عنا فهم يتبعون الطبيعة دون رادع. نراهم في الغرب يصرفون وقتا كثيرا في البارات والحانات والمطاعم الخمرية مع عشيقاتهم يفعلون كل شيء عدا ممارسة العمل الخاص. لو تأتى لهم أن يبقوا خمسين ساعة لبقوا دون أن يلجئوا إلى نهاية المطاف الجنسي. وحينما نسألهم فإنهم يتحدثون عن نشوةٍ ولذةٍ فوق الوصف وكثير منهم يكتفون بها ولا يسعون للمزيد من الاستنزاف الجنسي. وفتح الباب هنا على أنه يشير إلى إذن الدخول في الجنة ولكنه ينبئ عن الأمان والسلام الذي يحصنهم من كل خطر فلا يخافون أن يدخل عليهم عدو من الإنس والحيوان وكذلك الجن كما لا يخجلون مما يفعلون بأزواجهم أمام بعضهم البعض وبمرأى من كل الناس.

11.        ويؤكد سبحانه وتعالى في سورة الزخرف: الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ (69) ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ (70) يُطَافُ عَلَيْهِم بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأَنفُسُ وَتَلَذُّ الأَعْيُنُ وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (71) وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (72) لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا تَأْكُلُونَ (73).  هذه الآيات الكريمة تؤكد بأن أهل الجنة يتلذذون بالأكل والشرب مع أزواجهم وهم يتعرضون للطواف عليهم بصحاف الذهب والأكواب المليئة بالخمور. هي هذه التي تلذ الأعين وتشتهيها الأنفس وهم فيها خالدون. إنها جنات النعيم التي يورث الله تعالى بها عباده المسلمين الذين آمنوا بآياته.

12.        ونختم هذا الفصل بآيات من سورة آل عمران التي تعطي أمثلة ونماذج بشرية للذين آمنوا بما وضحه الله تعالى في سورة البقرة السابقة لهامن الإيمان بالله وباللقاء به والتمسك بهما: زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ (14) قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (15). في هذه الآيات نرى بوضوح أن ما وصفناه للمتع في النعيم الأخروي هي التي تحل محل ما يقابلها من المتع الدنيوية. هذه المتع التي تنتهي بزوال الدنيا. فمتع الجنة المعبرة عنها في الآية الثانية خير من المتع التي زُينت للناس في الحياة الدنيا. فالأزواج المطهرة مقابل الشهوات من النساء والجنات المفتوحة على ضفاف الأنهار مقابل الأموال التي يجمعها ويكدسها الدنيويون من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث. وآخر الآيتين تبين بأن الله تعالى بصير بعباده ويعلم كيف يمنحهم المتعة والنعمة. وطهارة الأزواج لا تعني أنهن لا يزنين، لأن الزنا محرمة في الدنيا صونا للعائلات ووقاية للنسل ولا نسل ولا عائلات في الآخرة. ولكنها مطهرة بأنها تمتع أهل الجنة بغير ما اعتادوا عليه من عضوي التبول لدى الجنسين في الواقع. فكل ما يخرج منهما سواء في التبول أو اللقاء الجنسي تمثل الأوساخ المقززة التي لا يرتاح إليها أصحابها ويسعون أن ينظفوا أنفسهم منها بأسرع وقت. ولا أوساخ في الجنة.

لاحظنا في الآيات السابقة بأن الحديث يكثر عن الأكل ويقل عن التمتع بالنساء وهناك المزيد من الحديث عن الأكل والشرب في الجنة ولكننا لم نر حاجة في ذكرها بهذا البحث المختصر. والسبب في ذلك بأن الأكل والشرب في الدنيا يتعلقان بمجموعة من أنواع الطعم المحسوس بواسطة اللسان والأسنان وما رافقهما ولكن التمتع الجنسي متعلق بحركة واحدة وطعم واحد ولو أنه لوحده كبير وممتع جدا. فنحن نشعر بالحموضة والملوحة والحلاوة والمرارة والحرارة الفلفلية بأفواهنا. ومآكلنا ومشاربنا التي تأخذ كل منها قسطا مما ذكرنا أو مزيجا منها بدرجات متفاوتة ويضاف إليها الحرارة والبرودة والسيولة والجفاف أو قسط متشكل من كل ذلك، فهي كثيرة الأنواع متضاربة في الطعم والرائحة وسهولة البلع والامتصاص وبقية الصفات. وفي الجنة كما يبدو حالات وصفات أكثر من الحموضة وأخواتها وأكثر من السيولة وأخواتها. والتفسير كفيل بشرح مبسط ومفصل لها عند بيان الآية 25 من سورة البقرة بإذن الله تعالى. وسوف نقوم بتحليل التمتع الجنسي بعد ذكر الشواهد القرآنية في الفصل التالي فسوف يقتنع المؤمنون بأن خُلُوَّ الجنة من اللقاء الجنسي الدنيوي حسنة تفوق لذة ما في الدنيا كلها.

نهاية القسم الرابع من الأقسام الخمسة ليوم القيامة ويليه القسم الخامس ويبدأ بشواهد قرآنية  على حالات الجنة وأهلها.

احمد المُهري

14/10/2017 

#تطوير_الفقه_الاسلامي

#يوم_القيامة

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.