عهد الناس لربهم قبل أن يصورهم الله سبحانه

عهد الناس لربهم قبل أن يصورهم الله سبحانه

خلية جسم الإنسان السليم مؤلفة من 23 زوجا من الكروموسومات. وكل خلية تحتوي على ما يقرب من مائة ألف جين موزعة على 23 كروموزوم في كل مجموعة من مجموعتيها. والجين هو وحدة الوراثة التي ترمز إلى خاصية من خواص عضـــو من أعضاء البدن سواء في ذلك الأجهزة أو العظام والجلود وغيرها. والسر في زوجية الكروموسومات هو أن كروموسومات الأب والأم أو بالأحرى كروموسومات آدم وحواء التي ورثناها نحن، تتراءى للناظر إليها بالمايكروسكوب على شكل عصوين ملتصقتين ببعضهما البعض. هذا الشكل العصوي البارز لا يظهر إلا حينما تبدأ الخلية عملية التكاثر والانفصال. كل عصا من هاتين العصوين تحتوي على نفس الجينات ولكن الأولى جينات آدم والأخرى جينات حواء. بالتأكيد أن كروموسومات آدم وحواء المتكاثرة المتواجدة في بدن كل رجل ليس هي عينا كروموسومات الأبوين الأكبرين. لقد طرأ عليها الكثير من التغييرات الخَلقية على مر السنين ولكن الأصول الإنسانية لم تتغير.

ولدفع أي التباس فإن الرجل يحمل كروموسومات أبيه آدم و أمه حواء وهو ينقل كروموسومات أمه حواء إلى زوجته لتُكَوِّن مع كروموسوماتها المتوارثة من حواء أيضا بنتا جديدة. أو ينقل إليها كروموسوماته الذكرية ليكون معها صبيا جديدا. فالرجال يحملون كروموسومات أنثوية وذكرية كما أن نصف حيواناتهم المنوية إناث والنصف الآخر ذكور ولذلك فإن احتمال تكون الجنين الجديد من حيث الجنس هو 50%. وبالنتيجة فإن جينات كل امرأة تتكون من الجينات الأنثوية لأبيها مع الجينات الأنثوية لأمها. وجينات كل رجل تتألف من الجينات الذكرية لأبيها مع الجينات الأنثوية لأمها. وبما أن جينات النساء مؤلفة من الجينات الأنثوية لآبائهم والجينات الأنثوية لأمهاتهم فالله وحده يعلم ماهية جينات الموجود الجديد، هل هي من جينات الأبوة أو الأمومة لدى كل من الأبوين ليحمل الجنين الجديد صفات اثنين من أخواله أو أعمامه أو خالاته وأحيانا عماته.

هذه الجينات تحمل الأوامر الخاصة بصنع عضو أو تأليف لون أو أية خاصية أخرى. فالجينات الأبوية تعمل نفس عمل الجينات الأموية، لكن كل عمل من الأعمال اللازمة لتركيب الجسم تتولاه إحدى الجينين بالصدفة كما يبدو. فلعل لون البشرة تتولاه جين الأم وتتولى جين الأب عملا آخر في نفس الحقل فيتبلور لون جديد للشخص الجديد. حتى الأمراض الوراثية يمكن أن تنتقل من أحد الأبوين بنفس الطريقة. والقرآن يقول بأن الله تعالى ينشط الجين الأقوى  أو الأنسب كما أظن في سورة السجدة: الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإنسَانِ مِن طِينٍ (7). فهو يُحسن الخلق بمعنى أنه يختار الأقوى والأنسب من مقومات الخلق الجديد كما أظن.

ولعل القارئ الكريم يعرف بأن كل خلية بمفردها و بجيناتها قادرة على بناء إنسان كامل هو صاحب هذه الخلايا. ولذلك فإن الخلايا تتكاثر بشكل مميز يجعل كل خلية جديدة تحمل كل خواص وشكل الخلية الســـابقة. حينما يقترب وقت التكاثر فإن مركز الخلية الذي يستضيف الجينات يتنشط بقوة و الكروموسومات تجمع أجزاءها ليأخذ كل مجموعة كروموسومات شكل عصا متحد مع نظيره الذي هو بمثابة عصا أخرى ولعل هناك رابطا ما يربط العصوين كما يتظننه علماء الأحياء. ثمت تقوم كل زوج بصنع زوج آخر مشابه لهما وتقوم الخلية بتزويج بقية أجزائها فالجزء الذي يحمل هوية الخلية والذي تُعرف بالسنتريول تقوم بصنع سنتريول[a1]  مشابه لنفسها أيضا. تأخذ السنتريول الجديد مكانها في القطب المقابل للسنتريول القديم داخل الخلية. ثم تصطف الجينات لتتحرك كل مجموعة باتجاه السنتريول المتبوعة لها.

عملية صناعة الزوج المشابه هي بمثابة استنساخ تصويري كامل لكل خصوصيات الجينات المودعة في الخلية لتحمل الخلية الجديدة جميــــع صفات وخصوصيات الخلية التي انتصفت إلى خليتين. وهكذا فإن الخصوصيات المميزة لكل شخص لا تتغير أبدا مهما بلغ عمره. وجدير بالذكر أن خلية الإنسان صغيرة جدا ولا يمكن رؤيتها بالعين المجردة، وأزواج الكروموسومات التي تضم حوالي مائة ألف جين لكل مجموعة منها تقع في المركز الذي يأخذ أقل من نصف بالمائة من الخلية. سبحان الخالق البديع. والعصوان مشار إليهما قرآنيا بالعظمة. قال تعالى في سورة المؤمنون أيضا: ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14). أرجو من القارئ الكريم ألا يفسر هذه الآيات العلمية  على مزاجه فإننا نحتاج إلى إمعان وتدبير كبير لنعرف معاني مقاطعها. العظام هنا برأيي المتواضع هي عظام الخلايا الجديدة أو عصوا كل خلية واللحم هو الكروموسومات المصنوعة من البروتين. ونعلم بأن الله تعالى بعد أن يتم تقسيم الخلايا الجديدة المصنوعة في الأكياس الثلاثة المعروفة قرآنيا بالظلمات الثلاث، فإنه يصنع منها إنسانا جديدا يمثل خلايا متطورة تطورا غريبا مغايرا تماما لأشكالها الأساسية فتبارك الله أحسن الخالقين.

وحتى نعرف معنى العهد علينا بأن نتعرف على نوع آخر من الانقسام الخلوي. لنعلم بأن مجموعة الكروموسومات التي تحتوي على 23 زوج كروموزوم، فإن 22 زوجا منها تمثل الكروموسومات البنائية التي تبني مختلف أعضاء الجسم غير الأعضاء الجنسية وأما الزوج الثالث والعشرون فهي مسوؤلة عن تركيب المستلزمات الجنسية ولذلك فهي ليست على شكل الأزواج الأخرى كما تختلف تكاثرها عنها أيضا. من الواضح أن الكروموزوم الجنسي عبارة عن كروموزوم لآدم وأخرى لحواء.

فالكروموزوم الأنثوي يكون على شكل علامة الضرب أو

X

أما الكروموزوم الذكري فتكون على شكل حرف

Y

فالرجال يحملون الكروموسومين (أنثوي من مواريث حواء والآخر ذكوري من آدم)

X,Y

وأما النساء فيحملن كروموسومين أنثويين أحداها من آدم والآخر من مواريث السيدة حواء فهما

X,X

وجدير بأن نعرف أن ازدواجية الكروموسومات البنائية هي بدليل توارث كروموسومات آدم وحواء البنائية مع ما طرأ عليها من تغييرات على مر الزمن وتحت مختلف الظروف.

وبما أن الكروموسوم الذي يحمل النفس الإنسانية هو كروموسوم

Y

المختص بالرجال، فإن إمكانية قيام الأنثى لوحدها بعملية الجنين دون التلاقي مع كروموزوم رجل محال تقريبا. هناك حالة شاذة واحدة ذكرها القرآن وهي حالة مريم العذراء وسوف نتحدث عنها مستقبلا بمشيئة الرحمان. وبما أن الأنثى لا تحمل كروموزوم

Y

في خلاياها فإن الحيوانات المنوية الأبوية الأولى بشكليها

X,Y

كانت تحمل النفس الإنسانية دون أدنى شك. كما أن الرجل غير قادر على إنجاب مثله لعدم وجود رحم بداخله. وقد أشار تعالى إلى ذلك الأب الأول الغريب الذي نقل حيوانين منويين كلاهما قادران على استلام النفس الإنسانية لمرة واحدة فقط في رحم والدة أبوينا آدم وحواء كما أظن في سورة البلد: وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ (3) لَقَدْ خَلَقْنَا الإنسَانَ فِي كَبَدٍ (4). إن ذلك الأب الحيواني الغريب يستحق أن يقسم الله تعالى به. فالواو على رأس الآية هي واو القسم كما أحتمل والعلم عند مولانا العزيز عز اسمه.

وانقسام الخلايا الجنسية مختلف لدى الجنسين فخلية الأنثى الجنسية تنقسم مرة واحدة وهي جنين في رحم أمها لتنتج مجموعة كبيرة من الخلايا ذات الكروموسومات الأحادية. يقوم جنين الأنثى بهذه العملية الغريبة لفترة قصيرة فيخزن حوالي 40 ألف خلية أحادية غير متكاملة في المبيض. ثم تقوم الأنثى في سن البلوغ بصنع بويضة واحدة كل شهر تقريبا من إحدى مخزوناتها من الخلايا الناقصة. تستمر هذه العملية حوالي أربعين سنة تتشكل فيها حوالي خمسمائة بويضة. أما الذكر فإنه يبدأ بعمل الحيوانات المنوية من سن البلوغ. إن الخلايا العادية تقوم يوميا بعمل أعداد كبيرة من الخلايا الأحادية التي تتحول إلى حيوانات منوية بعد تكامل الخلية. هذه الخلايا غير قابلة للتكاثر، لأن كروموسوماتها أحادية. إنها تعني بأن الكروموزوم الفعال هو الكروموزوم الثنائي المشترك (مواريث آدم وحواء مع بعض).

ولذلك فإن هذه الخلايا الأحادية تحمل جينات الأب أو الأم وغير قادرة على التكاثر. وبما أنها لا تتكاثر فهي لا تحمل كل الصفات النفسية للرجل صاحب الخلايا. وبتعبير علمي بما أن أوامر التكاثر مفقودة في تركيب الكروموسومات الأحادية فإن احتمال عدم انطوائها على الكثير من الأوامر الأخرى واردة وصحيحة. اعتادت الخلايا طوال سني ما قبل البلوغ بتكثير نفسها بصورة كاملة وبمجرد البلوغ فإن بعضها غيرت المسيرة المعتادة وأضحت تعمل خلايا أحادية لا تحمل كل الأوامر. ولعل الآيات التالية من سورة الواقعة تشير إلى أهمية تغيير المسيرة وتسميها خلقا:

نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلا تُصَدِّقُونَ (57) أَفَرَأَيْتُم مَّا تُمْنُونَ (58) أَأَنتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ (59) نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (60) عَلَى أَن نُّبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنشِئَكُمْ فِي مَا لا تَعْلَمُونَ (61) وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الأُولَى فَلَوْلا تَذكَّرُونَ (62) أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ (63) أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ (64) لَوْ نَشَاء لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ (65) إِنَّا لَمُغْرَمُونَ (66) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (67). خلقنا الله تعالى بأن خلق في رجالنا السائل المنوي الحامل للحيامن. يخلقنا من ارتباط الحيمن الذكري بالبويضة الأنثوية. الخلق في العملية ليس بأهمية الإنشاء. الخلق يعني ما تكون المادة فيه أهم من الهندسة والإنشاء تعني ما تكون الهندسة فيه أهم من المادة. فهو سبحانه يخلقنا من حيامن حيوانية حتى يقدر فينا الموت السريع نسبيا. فكما يبدو بأنه تعالى لو  خلقنا من الخلايا النباتية فستكون الحياة لدينا أطول من الحياة الحيوانية. ونحن نرى وجدانا بأن بعض الأشجار تعمر آلاف السنين في حين أن أكثر الأناسي عمرا كما نحتمل هو نوح وقد عمر في حدود ألف سنة.

ونعرف من الكتاب العظيم بأننا سوف نُخلق من خلايا نباتية في النشأة الثانية. فآيات الزراعة قد تشير إلى الزراعات التي نراها لنعلم منها كيفية خلقنا في النشأة الثانية. فالأشجار عادة ما تزول بجعلها حطاما لأن موتها بطيء جدا. فلو عاملنا معاملة الشجر بأن جعل زرعنا البشري حطاما أيضا فسنقول بأنا مغرمون بل نحن محرومون.

الغرم كما يقول الراغب في المفردات: ما ينوبُ الإنسانَ في ماله من ضرر لغير جناية منه، أو خيانة. والحرمان تعني هنا الحرمان من النتيجة المطلوبة فلو زرعنا عز اسمه شجرا حرمنا من الثمر ولو زرعنا بشرا حرمنا من الخلف واعتبرنا أنفسنا مُغرمين خاسرين. والعلم عند أحسن الخالقين. نعود إلى التوارث الجيني.

فنقول بأن الحيامن أحادية الخلايا لا تحمل كل الأوامر لأنها بمجرد التلاقي مع البويضة فهي تنقل بعض صفات الأب إلى الخلية الجديدة للإنسان الجديد وتبدأ بالنشاط المعتاد. إنها تحمل بعض أوامر الخلايا الأبوية ولكنها تفقد بعض الأوامر التي أفقدتها خاصية التكاثر. وقبل أن نخوض في الموضوع القرآني فإننا نحتاج إلى التعرف على مقدمة أخرى.

كلنا نشعر بأن الإنسان يتطور من حيث المعلومات والقدرات العلمية والفكرية على مر العمر باتجاه النضج والخبرة حتى في سني الكهولة والشيخوخة بالنسبة للذين يشغلون عقولهم باستمرار. ولقد ثبت علميا في العصر الحديث أن خلايا الإنسان تتجدد باستمرار. هذا يدل على أن الخلايا الجديدة تحتفظ بكل الصفات الوراثية مضافا إليها الصفات التي اكتسبها صاحب الخلية بإرادته وقدرته ومثابرته واجتهاده. إن خلايا المخ التي تحتفظ بالمعلومات متشكلة من نفس خلايا بقية الأعضاء ولكنها تتنشط من جهات خاصة غير الجهات والاعتبـارات الموجودة في بقية الخلايا. لعل خلايا الحيوانات المنوية والتي تتجدد دائما تحمل الكثير من صفات وقدرات صاحب الخلايا وتنقلها إلى الإنسان الجديد في رحم الأم. حتى القدرات الفكرية والعلمية والبدنية المتطورة تتواجد في خلية الحيوان المنوي الأحادية.

أظن بأن عقائد الناس ومذاهبهم الفكرية لا تتأثر بتجدد الخلايا فالخلايا الجديدة تتطور مع التطور الفكري لصاحبها. فلو كانت الخلية الأحادية الأبوية تحمل جميع صفات الأب وتنقلها إلى بويضة الأم لكان الإنسان الجديد متأثرا تماما بعقائد الأبوين. لكن الله سبحانه ينفي بقاء العقائد المكتسبة مع القسم المنشطر من كروموسومات الخلية المولدة للحيوان المنوي. إنه سبحانه يعزو شخصية الإنسان الجديد ومؤثراته الوراثية العقائدية إلى التركيبة الجديدة دون أن يكون لخلية الأب أي دخل في ذلك. إن الحيوان المنوي بانفصاله عن كروموسوماته المشتركة تفقد أوامر العقيدة المكتسبـة كما تفقد أوامر صنع المثل أو التكاثر. ولعل أقوى شاهد على عدم انتقال جميع الصفات الوراثية في الكروموزوم الأحادي هو أن خلايا الإنسان، تتغيرُ بعضُ أوامر جيناته مع كبر السن، فخلية الشاب تصنع خلايا شابة وهي نفسها عند كبر سن صاحبه تعطي الأوامر بصنع خلايا الشيخوخة. نفس هذه الخلايا حينما تتوحد وتنتقل إلى بويضة امرأة كبيرة في السن مثله فإنهما بعد التزاوج تعطيان الأوامر بصنع خلايا طفل صغير و ليس خلايا عجوز مثلهما.

لا غرو إن قلنا: إن هذه المجموعة من التشكيلة الكروموسومية تحمل الصفات المفيدة معها بدليل أن الإنسان الجديد عادة ما يكون أقوى وأوسع فهما من الأب أو الأم. وهي تترك الصفات والأوامر الضارة التي تؤثر في شخصيتها وفرديتها وتكتفي بحمل ما تفيد من الأوامر التي تساعد الإنسان الجديد على بناء شخص أقوى عقليا من سلفه على الأغلب. هذا هو قسم من أسرار التطور العام في بني الإنسان على مر الزمان حسب ظني القاصر. ولما تشكلت الخلية الأحادية منفصلة عن شركائها الكروموسومية فإنها تترك عقائدها الوراثية وتعود إلى الفطرة الطبيعية التي تؤمن بالله تعالى وتسبح له وتعبده بصورة طبيعية. إن كل واحد من هذه الخلايا الأحادية الجديدة كانت جزءا من خلية إنسان يحمل معتقدا دينيا مكتسبا معينا ولكنها اليوم قد فقدت كل العقائد الدينية المكتسبة فأصبحت حرة لتعود إلى الفطرة التي خلقها الله عليها مؤمنة بربها. إنها قسم من وجود إنسان يحمل عقيدة خاصة به فأصبح اليوم حرا يستمد العقيدة من فطرة الله تعالى ورحمته فهو يقوم بعهد جديد مع ربه كما يقوم كل موجود بذلك العهد بمجرد حدوثه.

كل ذلك حتى لا نعود إلى الله في يوم الحساب فنتشبث بأننا كنا أجزاء من آبائنا وقد أورثونا عقائدهم بصورة وراثية أو جينية خارجة عن إرادتنا. لعل هذا ما يريد الله سبحانه وتعالى بيانه في الآيتين التاليتين من سورة الأعراف:

وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ (172) أَوْ تَقُولُواْ إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ (173)

وإذ أخذ ربك:

هذه السورة المباركة تتحدث عن أحوال صحابة الرسل ولا سيما صحابة نبينا بعد موتهم. إذ ظرف للزمان الماضي بمعنى وقت، وأخذ يعني انتزع الشيء من الشيء بمعنى واذكر أو وأخبرهم عن وقت أن انتزع ربك.

من بني آدم:

من الذكور من أولاد آدم وهو كما يبدو يشمل جميع الأبناء من أولاد آدم.

من ظهورهم:

يعني من أصلابهم فهو سبحانه وتعالى يستثني بهذه الكلمة من لم يصل سن البلوغ.

ذريتهم:

نسلهم وقد اتضح علميا أن التكاثر تتم بواسطة التصوير وليس كما اعتقده المتكلمون من سلفنا بأن كل الناس كانوا جزيئات صغيرة جدا في عقب أبينا آدم وقد انقسمت الجزيئات بعلم الله تعالى بين أولاده ومنهم انحدرت الجزيئات شيئا فشيئا إلى الذراري نسلا بعد نسل. ولازم قولهم أن تعاقب النسل جبر لا خيار لأحد فيه، وهو مخالف للوجدان كما هو مخالف للقرآن. المتكلمون هم الذين أسسوا الفلسفة الإسلامية للبحث عن جذور العقائد.

وأشهدهم:

هو الإشهاد الطبيعي كما هو الحال مع كل ذي كيان في الكون العظيم، فالسماوات والأرضون والجبال والنباتات والحيوانات وكل جزيئاتهن تتجاوب مع وحي الله تعالى لها بأن تسبح لله وتطيعه وتخضع لإرادته الكريمة. معرفة هذا التسبيح تحتاج إلى شرح  توضيحي فلعلي أقوم بذلك في المستقبل بمشيئة الله تعالى. هناك سنتحدث عن أنواع أخرى من التجاوب الطبيعي مع الله تعالى.

على أنفسهم:

يستعمل سبحانه ضمير العقلاء لهذه الحيوانات المنوية باعتبار أن كلا منها تحمل أثرا من النفخة الإلهية التي نفخها جل وعلا في الخلية الأحادية لأبينا آدم فتحولت نفسه إلى نفس إنسانية ثم انتقلت الحالة إلى أمنا حواء. هذا الموضوع يحتاج إلى شرح أيضا ولعلنا نقوم به مستقبلا لنتعرف على الطريقة الطبيعية التي أجراها الله تعالى احتمالا لخلق نفس حواء من نفس آدم حينما نتحدث عن خلق آدم بإذن الله تعالى. فكل حيوان منوي، هو إنسان يحمل نفسا إنسانية مميزة لا تمت إلى نفس الشخص الذي سبب تشكلها بغير القرابة والتشابه لحد ما. ولكنها ليست نسخة كاملة عن النفس المسبِّب كما هو الحال لدى بقية خلايا الشخص المسبب.

ألست بربكم:

كلما تحرر الموجود مما فرضه عليه غير خالقه، فإنه يعود إلى طبيعته الأصلية فيسبح الله ويعبده. لعل الله يريد أن يترجم خضوع الحيوان المنوي الفطري لذاته سبحانه بلغتنا نحن البشر فيصور المشهد بتوجيه سؤال إلى الموجود الجديد ثم يصور تجاوبه مع وجه الله تعالى كما في التالي:

قالوا بلى شهدنا:

بالطبع فإن مخلوق الله تعالى يعترف بتسبيحه وعبادته لذات الله تعالى بأنه ربه ومعبوده وخالقه ولا إله غير الله تعالى. لكنه يُشرك أو يكفر حينما يستقل بنفسه ويحمل أمانة الله ليخلفه تعالى في أن يشاء ويريد، ثم ينخدع بوساوس الشيطان لعنه الله. ولعل القارئ يعلم بأن تسبيح الكائنات غير المدركة ليس مماثلا للمدركين. فتسبيح الشمس والقمر هو تجاوبهما مع أوامر ربهما لتعنيا بذلك أن أمر الله تعالى كان ممكن التنفيذ. حتى تسبيح المدركين يجب أن يتجاوز الشهادة اللسانية بل نحتاج إلى شهادة القلب النفسي وتقبله بأنه الحق عز اسمه وأوامره دقيقة وقابلة للتنفيذ.

أن تقولوا يوم القيامة:

يترجم لنا الله تعالى خضوع الموجود الجديد لذاته المقدسة، بأنه عهد كامل يُلزم صاحبه البقاء على العهد حتى بعد أن يتطور ويتحول إلى مخلوق آخر. وقد أكرمنا الله تعالى بأن بعث الرسل والأنبياء ليذكرونا بعهدنا الطبيعي مع خالقنا الحكيم. وهكذا فلن يبقى لنا مجال لأن ننسب أنفسنا كاملة إلى آبائنا بأن نقول: إننا نسخة طبق الأصل منهم فشركنا وكفرنا قهري لا إرادة لنا فيها.

كلا، بل سوف يقول المجرمون كما في سورة الملك: وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ (10) فَاعْتَرَفُوا بِذَنبِهِمْ فَسُحْقًا لِّأَصْحَابِ السَّعِيرِ (11).

إنا كنا عن هذا غافلين:

نعم لا مجال للغفلة فأنت إنسان مستقل عن أبويك لك الخيار الكامل في طاعتهما أو رفضهما. هذا ما يشهد له الوجدان. وكم قد رأينا من أبناء أو بنات انفصلوا كليا عن آبائهم واتخذوا لأنفسهم مسلكا أو مذهبا بعيدا عن مذهب أي من الأبوين.

أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم:

لا حيلة لأن ينسب المشرك شركه إلى أبويه أو أجداده بحجة أنه منحدر عنهم لأنه مستقل عنهم استقلالا كاملا كما وضحته لنا الآية الكريمة من سورة الأعراف.

أفتهلكنا بما فعل المبطلون:

والنتيجة أن الناس يُحشرون فرادى أمام الديان العظيم كما خلقهم فرادى، فليس لهم أن يعارضوا حكمه القاطع بحجة أنهم نسخة من‌ آبائهم وليس لهم أن يقولوا: يا رب، أتعذبنا وتقضي علينا بالهلاك وعدم استحقاق رحمتك الخاصة لأن آباءنا أشركوا بك وأورثونا شركهم. وهكذا فإن كلمة العذاب تحق على كل مشرك وكافر وعاص بغض النظر عن مذهب آبائه وآباء أمه.

تعريف مختصر للنفس

من هذا البحث يمكننا أن نُعرِّف النفس بأنها موجود غير ظاهر للعيان وتمثل حقيقة الإنسان بمفرده وبأنها لا تنتقل إلى أحد عن طريق الخلايا. والوجدان يشهد بأن كل إنسان هو واحد في حد ذاته غير البدنية وإلا لكان كل جزء أو جزيء من بدنه يحمل نفسا فكان هو بعدد جزيئاته. والحال بأنه واحد ذو نفس واحدة تهيمن على كل الجزيئات بأنها تستعملها كما أنها تدير الكثير من أعضاء البدن. فالمسير الفكري وحركة اليدين والعينين ومقارع السمع ومنافذ الشم ومقادير الطعام المرسل إلى الجوف وكثير من أمثالها مطيعة خاضعة للنفس الإنسانية التي تهيمن بشكل ما على البدن. 

والأجزاء التي لا تخضع لإرادة الإنسان فهي تعمل لصالح الإنسان وتسعى لإبقائه حيا سليما بعيدا عن الأهوال والأمراض. وحتى نعرف كيفية انتقال الإنسانية إلى الأبناء دون انتقال النفس، علينا بأن نفرق بين الروح الإنساني والنفس الإنسانية. فالنفس هي الكيان التي تمثل الشخص بكل صفاته وخصائصه بعيدا عن البدن وهي حية ما دام بدنها متنعما بالروح. والروح هو الذي نفخه الله تعالى في الخلية الأولى لأبينا آدم بعد أن تشكلت واستوت نفسه فيها. هذه النفخة الإلهية تنتقل في كل الخلايا عن طريق التصوير كما تنتقل إلى النسل القادم ولكن النفس لا تنتقل إلى الخلايا ولا إلى الذرية. إن النفس واحدة موجودة في محيط البدن لتصدر الأمر وتكوِّن المشيئة الخاصة بالفرد وهي تفقد كل إرادتها حين النوم كما تنتقل كلية حين الموت إلى مكان آخر أو إلى اللا مكان بأمر  الله تعالى. لكن الروح الخاص الذي هو سبب الحياة الإنسانية فهو يبقى فترة داخل البدن حتى بعد ما نسميه موت النفس. كما أن الروح ينتقل إلى النسل. والنفس تنتقل أحيانا بعيدا عن البدن حتى حال الحياة وسوف نتحدث عنها بإذن الله تعالى في المقالات القادمة. وفي مقالة أخرى سوف أشرح تركيبة النفس من القلب النفسي في المركز وهو المسؤول عن عملية المعالجات محاطا بالفؤاد النفسي المسؤول عن نقل المعلومات من الصدر النفسي ومن السمع والبصر وكل العلاقات الخارجية إلى القلب للمعالجة،  ومحاطا بالصدر النفسي الخازن لكل الحركات النفسية وكل إدراكاتها ونواياها.

دفع توهم:

نعلم بأن الإنسان يُخلق ماديا بارتباط الحيمن بالبويضة ثم يخلق الله تعالى لنا النفس ثم تبدأ عملية التصوير الجيني وذلك اتباعا لقوله تعالى في سورة الانفطار: الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (7) فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاء رَكَّبَكَ (8). وسواك تعني سوى نفسك معادلة مع متطلبات البدن لتستوي على البدن كما قال سبحانه في سورة الشمس: وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8). فيمكن أن يتوهم أحد المفكرين بأن خطاب آيتي الأعراف  172 و 173 متوجه إلى النفس باعتبار أن النفس قادرة على الإدراك. هذا غير صحيح لأن ظاهر الخطاب أولا للمادة وليس للنفس وهي كائن طاقوي وليس كائنا مركبا من المواد كالبدن. ثم إن النفس تتطور شيئا فشيئا فليس لها أن تعرف شيئا بعد أن يخلقها الله تعالى في الخلية الأولى التي يُصنع فيها الطفل. قال تعالى بعد الآيتين أعلاه من سورة الشمس: قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا (10). فهي كائن ملهم ولكنها ليست كاملة بل في طور التكامل. والإنسان قادر على أن يُكيِّفها بالتزكية أو بالفساد بأن ينقيها مما يعلق بها من أوهام وشهوات أو يدس فيها ما يفسدها.

ولعلنا نشرح مستقبلا معنى موت النفس الأول والثاني. فهي لا تموت كلية بل تتغير شأنها والذي يموت كليا هو البدن الإنساني. لكن النفس لن تعود إلى هذا البدن الميت في الكوكب الذي نعيش فيه اليوم. والعلم عند الله وحده.

الاستنساخ البشري:

وبعد أن عرفنا باختصار كيفية تشكل النفس الإنسانية يمكننا أن نجزم بأن عملية الاستنساخ التي يسعى لها بعض الهيئات العلمية الحديثة ممكنة في حد البدن وغير ممكنة نفسيا. يمكن للإنسان أن ينشط خلية شخص ما لتكوين جسم إنساني مشابه له تماما ولكن الشخص الجديد سوف لا يحمل نفسا إنسانية دون أدنى شك. القرآن يتحداهم ولا يمكن لهم أن يعملوا إنسانين يحملان نفسا واحدة. لو كان ذلك صحيحا لتشبث الشخص الجديد بأنه نسخة طبق الأصل من الإنسان الذي أخذوا منه الخلية وقد ورث كل صفاته المكتسبة قسرا فأشرك بربه دون اختيار. هذا محال والقرآن لا يمكن أن يخطأ قطعيا.

وعليه فالإنسان المصنوع من خلية إنسان آخر دون أن يرتبط بخلية أنثى سوف يكون حيوانا بشكل إنسان. وأنا لا أشك في ذلك و أقوله بكل ثقة والحمد لله تعالى.

النفس في النشأتين:

لا نجد في القرآن أي ذكر لنشأة ثالثة بل هما نشأتان أولاهما النشأة القريبة التي نعيشها وثانيها النشأة الآخرة التي ننتظرها فما هو البرزخ إذن. قال تعالى في سورة المؤمنون: حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلاّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100).  فباختصار فإن البرزخ لا يمثل حالة كونية مثل النشأة بل هو نسبي لكل إنسان. فبرزخ كل شخص هو الفترة الفاصلة بين حياته الدنيا وبين حياته الثانية في الآخرة. فنحن حينما نموت دنيويا وننفصل عن أبداننا فإننا نفقد كل توابع البدن المادي ونعيش فرادى بلا رداء بدني كما خلقنا ربنا أول مرة في أرحام أمهاتنا داخل الخلية الأولى. وبما أننا نفقد البدن فإننا نفقد كل أدوات النفس التي بها كانت تتحدث وتسمع وتنظر وتستشعر اللذائذ والمكاره وتستفيد من مخزوناته في الذاكرة المادية المعروفة بالمخ. بالطبع أن الذاكرة النفسية تبقى معه ولن تزول وإلا تعذر محاكمتنا يوم القيامة. فنحن نعيش برزخا حتى يوم البعث. برزخنا هو أننا نعيش قسما من الدنيا دون أن نكون دنيويين وقسما من الآخرة دون أن نكون أخرويين.

خلقنا الله تعالى في الدنيا منحدرين من كائنات متطورة بَدَنيا هم آباؤنا وأمهاتنا فنحن دنيويون مصنوعون من الكيانات الدنيوية فعلا. ثم أماتنا بدنيا فأصبحنا في الدنيا دون أن نشعر بأننا في الدنيا فهو برزخ. ثم يدمر الله تعالى كل الكيان الدنيوي أو كل مقومات النشأة الأولى ونحن لا زلنا في برزخنا. سوف لا نخرج من برزخنا حتى يعيد الله تعالى خلق الكون بصورة جديدة قابلة للبقاء الأبدي وسنكون في برزخنا. ثم يأتي يوم البعث. ذلك يوم نسبي لكل مجموعة من الكائنات المدركة التي كانت تعيش في كوكب معين أيام النشأة الأولى. هناك يدخلنا الله تعالى في قبور جديدة ليخرجنا من جديد. والإخراج يكون بإثارة النفس وهي معنى البعث لتتنشط وتحول لنفسها خلايا نباتية إلى خلايا حيوانية تستقر فيها. هناك ينتهي برزخنا وندخل النشأة الثانية بلباس بدني جديد. ذلك اللباس ليس مصنوعا من جينات أبوينا فنفقد آباءنا الدنيويين كما نفقد  أمهاتنا لنكون كامل الاستقلال.

بهذا أثبت لنا العلي العظيم بأن علاقاتنا بآبائنا وأمهاتنا علاقات بدنية محضة وبأننا بعد أن نكبر وتتنشط قدراتنا الإدراكية النفسية فسنكون أحرارا بالكامل. يمكن لكل شخص أن يختار الدين والشريعة التي يراها صحيحة ولا توجد أي قسر إلهي في حكاية التناسل البشري. هي حكاية تناسل مادية محضة ولا علاقة لنفس الأب ولا لنفس الأم بنفس مولودهما. كما أن الروح طاقة إلهية أو نور سماوي مقدس شريف موجود معنا جميعا ولا علاقة بين نفوسنا وبين الروح الذي هو ليس روحنا وما نسمعه خطأ شائع. الروح ليس لنا ولكن النفس هي لنا بل هن نحن في حقيقتنا. الروح يخلق نفوسنا بأمر ربه ونحن نتأثر بقدرة الروح في حدود الحياة وليس غير ذلك. ذلك لأن الروح هو نور رب العالمين أو بتعبيرنا المفهوم لنا هو قبس من طاقة القدوس جل جلاله. فكما أن الله تعالى لن يمتزج معنا فإن الروح أيضا لن يمتزج مع نفوسنا.

والسلام ختام.

أحمد المُهري

4/7/2017

كتب الأصل في 12/5/2006 لتلاميذ القرآن.

#تطوير_الفقه_الاسلامي

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.