يوسف أيها الصديق ح 50 – قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ

تواصلا مع شرح سورة يوسف:

يوسف أيها الصديق ح 50 – قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ

وهكذا الذين كفروا بآيات ربهم فإنهم لو دخلوا النار فلا يمكن أن يخرجوا منها وليس هناك مرحلة تنظيف كما يدعيه البعض بل الله تعالى يرفض ذلك تماما. قال تعالى في سورة البقرة:

وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ اللّهِ عَهْدًا فَلَن يُخْلِفَ اللّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (80) بَلَى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (81) وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (82).

فالأعمال دلائل على سلامة النفوس وسعادتها أو مرضها وشقائها.

والجنة مكان يخلقه الله تعالى ضمن النشأة الثانية والأخيرة للسعداء كما أنه سوف يخصص في نفس الأرض الجديدة مكانا للأشقياء ويسميه جهنم.

فلو أحاطت الخطيئة بأحد وتعني أن تتأثر النفس بها فتأخذ صبغة مرفوضة عند الله فإن صاحبها من أهل النار والعكس صحيح فيما يتعلق باهل الجنة.

والله تعالى يرد على الذين يفكرون في تغيير أعمالهم بأن العذاب الدنيوي موجود وغير مضمون ولا يمكن التنبؤ به وهو عذاب مميت كما أن يوم القيامة بحسب ما هو مشهور بين الناس غير محدد في زمان يعرفه البشر.

إنه ساعة يغير الله تعالى فيها النظام السائد خلال لحظات فتأتيكم بغتة وأنتم لا تشعرون. ثم يكمل الله تعالى موعظته لرسوله كما يلي:

 قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴿108﴾.

لقد قرأنا قصة أولاد يعقوب وكيف تفاجأوا بلحظة عذاب مضنية وعسيرة على يد أقرب الناس إليهم وهو أخوهم يوسف.

لقد تغير كل شيء أمام أعينهم خلال لحظات قصيرة زمانيا وشديدة على النفس. انهار كبرياؤهم بصورة كاملة أمام أخيهم الصغير ولعلهم لحظتها فضلوا الموت على الحياة.

هذا الأخ الذي كان قبل سنوات مثل الشاة التي يجرونها للذبح قد أصبح اليوم سيدا يلتمسون المغفرة على يديه، ففاجأهم يوسف الطيب صاحب الخلق الكبير بقوله: لا تثريب عليكم اليوم.

ذلك لأنه ليس فقط أخوهم الصغير بل هو رسول من الله تعالى والرسل جميعا أصحاب خلق عظيم لا يضمرون الشر لأحد أبدا. إنهم ينسون أنفسهم ويهتمون بالله تعالى فهو موئلهم ورضوانه مبتغاهم وجنته مأواهم.

لا ينتقم الرسل من الذين يؤذونهم بل يسعون لإصلاح الناس ويعفون عما فعلوه ضدهم. إنهم يستمتعون بأن يعود الناس إلى ربهم ولو على حساب راحتهم 83.

هذه هي طريق الأنبياء والصالحين جميعا فهم لا يملكون لأنفسهم ضرا ولا نفعا فكيف يملكون لغيرهم أمرا؟

الكل يدعون إلى الله تعالى والقرآن هو رسالة السماء الأخيرة وهو ملاذ العقلاء ومرجع ذوي الألباب. ومن يخالف نظام السماء فهو الخاسر ولذلك أعقب الله تعالى ما ذكره لنا من أمر رسوله بالآية التالية ليوضح لنا بأن الجميع يسيرون في خط العبودية لربهم والمخالف يخسر فقال سبحانه:

 وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِم مِّنْ أَهْلِ الْقُرَى أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ اتَّقَواْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ ﴿109﴾.

اختار الله تعالى بعض القرى والتجمعات المتكاملة ليرسل إليها رسلا يوحي إليهم. سماهم الله تعالى رجالا ولم يسمهم رسلا ليوضح للمستمع اهتمام رب العالمين بأصحاب النشاطات المختلفة.

الرجال ليست في مقابل النساء بل تعني رجال العلم ورجال الصناعة ورجال التجارة وهلم جرا. والقرى تعني أماكن تجمع الأثرياء القادرين على استضافة غيرهم فيكونون مرجعا يزورهم القاصي والداني لتعمّ أخبارهم الكثيرين من غيرهم.

ولذلك يأمر الناس أن يتقصوا أخبارهم حتى الذين انقرضوا منهم فإن قصصهم وحكاياتهم تتناقل بين صدور الذين تعاملوا معهم وارتبطوا بهم.

لنعلم بأن المقصود من إرسال الرسل ليس مسح الكرة الأرضية بالرسل في كل زمان ومكان فهذا ليس لصالح البشر.

ولكن الله تعالى يختار بعض الأماكن وبعض الأزمان ليرسل رسلا فيتخذ منهم ومن صحابتهم نماذج ليوم القيامة ويجعلهم فتنة وعبرة لغيرهم من الذين يريدون أن يهتدوا بهدى ربهم 84.

فلنقارن بين -ما يحتملهم الكثير من المفسرين بأنهم- الأقباط من أهل مصر الذين أنزل عليهم وحي السماء على يد موسى فكذبوه فدمرهم ربهم وبين مجموعة فقيرة احتمالا من بني إسرائيل الذين آمنوا بموسى وانفصلوا عن بقية بني إسرائيل وهاجروا مع موسى فاستلموا التوراة فبنى موسى لهم كيانا قويا في ظلال كتاب السماء ولكنهم تباطؤوا عن دخول الأرض المقدسة حتى جاء داوود فقاد قومهم إلى الأرض الموعودة فأصبحوا ظاهرين أقوياء ذوي علم ومكنة. من هذه القصة نعرف سر الآية التالية:

حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَاءهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاء وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ ﴿110﴾.

وكما وضحت في بيان الآية 80 من هذه السورة المباركة فإن الاستيئاس: يعني بذل كامل الجهد لبلوغ الهدف ثم انقطاع الأمل بسبب شعور اليائس بأن الجهد لم يكن في المسار الصحيح. 

فالاستيئاس هنا ليس من الله تعالى بل من قومهم أن يؤمنوا بهم. فبعد أن سعى الرسل بكامل نشاطهم لم يجدوا من قومهم تجاوبا مناسبا لدعواتهم إياهم.

وأما ظن الرسل بأنهم قد كُذبوا – بدون تشديد الذال – فهو يعني بأن الرسل رجحوا بأن قومهم ظنوا في أن رسلهم قد كذبوا عليهم واعتبروهم دجالين غير صادقين في ما يقولونه لقومهم.

والواقع أن أقوام الرسل عادة ما يصدقون رسلهم لأنهم مختارون من الصفوة الخيرة من بينهم ولكنهم يقولون بأنهم مسحورون أو مجانين.

فهم يكذبون الرسالة ولا يكذبون شخص الرسول. لكن الاستمرار في رفض الرسالة يؤدي إلى أن يفكر الرسول بأن قومه يشكون في صدق حديثه 85.

يتبع …..

 (هامش 83: لذلك فإن سبيل الرسول الذي لا يشعر بالأمان من مباغتة الساعة أو الغاشية من عذاب الله تعالى هو أن يستغل كل فرصة لتطهير نفسه وتزكيتها وتزكية غيره والسعي لهداه باستمرار، فقد تفوته الفرصة ولا تتكرر. هذه سبيل الرسول وسبيل من اتبعه وهي ثلاثة مراحل:

1.       يدعو الرسول نفسه وغيره على بصيرة إلى الله تعالى وحده لا إلى الرسول ولا إلى أي كائن آخر، والأمر ينطبق على من يتبعونه.

والبصيرة تعني العلم بإدراك واسع وبتحقيق شخصي. فالرسل وأتباعهم يسعون دائما للمزيد من العلم والمعرفة كما يسعون دائما لدعوة الغير إلى الله تعالى.

ومعرفة الله تعالى بعمق ضرورية لمن يريد أن يدعو إليه سبحانه وإلا فسوف تكون دعوته دعوة جاهلة قد تعقبها السخرية والاستخفاف.

وحق الدعوة إلى العليم الخبير أن يكون الداعي على علم ومعرفة بالله تفوق علم الذي يريدون دعوته إلى الله تعالى. كما أن حق الدعوة إلى الله تعالى ألا يدعو الداعي لأحد غير الله. فالله سبحانه كاف عبده ولا يحتاج المرء أن يتشبث بأحد غير الله تعالى مع الله.

والإيمان بالرسل المشار اليه في القرآن هو جزء من الإيمان بكمال الربوبية. إن شأن الرب أن يرسل الرسل ليوحي إلى عبيده عن طريقهم.

لا يمكن الإيحاء إلا بعد تهذيب نفسي خاص قد لا يتاح لكل الناس ولو كانوا مؤمنين. والإيحاء العام لا يفيد اليقين كما يوحي الله تعالى إلى الرسل.

2.       يسبح الرسول ومن اتبعه الله تعالى بأن قدسيته لا تسمح بأن يحب من يعصيه. إن المشرك يعصي الحقيقة المطلقة ويخالفها فهو لا يستحق المزيد من الهدى من ربه. فالذي يعصي الله تعالى لو لم يتب من قريب فإنه سوف يخسر الهدى شيئا فشيئا. سوف تتعسر عليه العودة إلى ربه كلما طال به الزمان. على العاقل الذي يعرف بأن الله تعالى منزه عن كل عيب بأن يشعر نفسه بأن ربه يكره كل ما يخالف الحقيقة فيسعى لإرضاء ربه قبل فوات الأوان.

3.       يتبرأ الرسول ومن اتبعه من الذين أشركوا فينظرون إلى القضايا نظرة شك ولو احتملوا شركا سعوا لتجنبه. هكذا يمكنهم أن يقولوا بأنهم ليسوا من المشركين. ذلك لأن من يشرك ولو مرة واحدة ولو شركا يسيرا فإنه مشرك عمليا والمشرك مهما صغر شركه فهو خاسر لجزء مما كتبه الله تعالى حين خلقه بأن يعطيه الهدى أيضا. سبحان ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى.

بالطبع أن رسولنا قال كل ذلك لمن اتبعه يومها لأنه أول المسلمين دائما. إنه أول من يعمل بالقرآن وهو على علم بأنه ليس عِدلا لكتاب الله تعال بل هو مطيع خاضع لهذا الكتاب العظيم. ولا بأس بأن نعلم بأن الدعوة إلى الله تعالى في عمق معناها تعني الدعوة إلى النظام الطبيعي الذي وضعه الله تعالى لإدارة الكون وهو نظام حق وعدل.

هي حقيقة لا يمكن للعاقل أن يتجاهلها كما لا يمكن له أن يتجاهل احتمال كل مصيبة تفوق قدرة المقاومة عنده. فلو أمرنا الله تعالى بأن نتمسك به باعتباره العروة الوثقى لا انفصام لها فهو لأنه أسس نظاما محكما قويا يُمسك به كل الكائنات التي تمتعت برحمة ربها وبقيت بلايين السنين تعمل دون توقف.

والإنسان المدرك عليه أن يتبع أوامر ومواعظ ربه ليسير مع هذا الكون البديع وإلا فهو الخاسر. ولذلك فالتمسك بغير الله تعالى لا يعني إلا الخذلان والخسران. وأما الذين يدعون إلى غير الله تعالى فهم يظنون بأن الموضوع مرتبط بالتشريفات ولا يدركون بأنه حقيقة لا انفصام لها ولا يمكن تجاهلها. لكننا يمكن أن نتجاهل كل من هو دون الله تعالى. كل صحابة الرسول شعروا بأن رسولهم نعمة ورحمة من ربهم ثم خسروا الرسول فهل اضطربت أحوالهم أم بقوا بقوتهم وازدادوا قوة وعلما على مر الزمن؟.

لقد علم أولو الألباب بأن الرسول بشر مثلهم فهم يتلذذون بالتحدث إليه ولكن الحقيقة أنه لا يملك شيئا ولا يمكن له أن يتصرف في أي شيء. فسبيل الرسول هو سبيل من اتبعه كما أن سبيل من اتبعه هو سبيل الرسول وهو الطريق التي تؤدي إلى رضوان الله تعالى وتساير نظامه المتقن ولا شيء غيره.

فأرجو أن نكون مثلهم على بصيرة من الأمر فنتمسك بما يمكن أن يمسكنا ولا نذهب وراء الظنون والتخرصات الباطلة.     نهاية الهامش 83.(

(هامش 84: لقد وصلت الأسرة النبوية الكريمة إلى سدة الحكم ولو بصورة جزئية كما ارتقى أبناء إسرائيل في البلاط الفرعوني نسلا بعد نسل حتى جاء موسى.

وحتى بعد خروج موسى من مصر وعودة بني إسرائيل إلى الأرض المقدسة فإن فريقا منهم من الذين خدموا قصور الفراعنة بقوا وصاروا أكثر قوة وأكثر أهمية بعد غرق الملك مصحوبا بملأ من أعوانه. قال تعالى في سورة الشعراء:

 فَأَخْرَجْنَاهُم مِّن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (57) وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (58) كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ (59) فَأَتْبَعُوهُم مُّشْرِقِينَ (60) فَلَمَّا تَرَاءى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61) قَالَ كَلاّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ (62) فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ (63) وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الآخَرِينَ (64) وَأَنجَيْنَا مُوسَى وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ (65) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الآخَرِينَ (66) إِنَّ فِي ذَلِكَ َلآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ (67).

فهناك مجموعة من بني إسرائيل هم موظفو البلاط وحاشية فرعون ورثوا جنائن الفراعنة وهناك فريق آخر منهم هم أصحاب موسى الذين عبروا البحر وهم المقصودون من صناعة بني إسرائيل وإعدادهم لاستقبال التوراة العظيمة.       نهاية الهامش 84.)

(هامش 85: إنها حالة صعبة ومريرة جدا وقد حصلت لبعض الرسل ولكن لا أظن بأنها حصلت لرسولنا. ذلك لأن رسولنا كان محاطا بمجموعة غير قليلة من المصدقين فكيف يستيئس؟ وكيف يظن بأنه قد كُذب؟

كانت القصة مع رسولنا بعكس ما حصل لمن سبقه من الرسل، فقد كان المؤمنون من صحابته لا ييأسون من التحاق المشركين بهم ليعمّ الإسلام بين كل أهليهم. قال تعالى في سورة الرعد:

وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَل لِّلّهِ الأَمْرُ جَمِيعًا أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُواْ أَن لَّوْ يَشَاء اللّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا وَلاَ يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُواْ تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُواْ قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِّن دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللّهِ إِنَّ اللّهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ (31).

فالله تعالى يتساءل لماذا لا ييأس الذين آمنوا من التحاق المشركين من أهليهم بهم بأن الله تعالى لو شاء لهدى الناس جميعا؟ ومشيئته سبحانه لا تقتضي هداية هؤلاء لعدم استحقاقهم طبعا.

قارنوا بين توقعات هؤلاء للمزيد من المؤمنين وبين من آمن مع موسى. قال تعالى في سورة يونس:

فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِّن فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَن يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ (83).

ولعل من يظن بأن القوم قوم فرعون فليكمل قراءة الآيات حتى يصل إلى الآية التالية من نفس السورة:

وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (90).

هم نفسهم القليل ممن آمنوا معه من قومه من بني إسرائيل. لقد آمن مع رسولنا عدد غير قليل من أصحاب الثروات مثل أبي بكر وعثمان وغيرهما.

لكن ليس بيدنا دليل قرآني بأن أثرياء بني إسرائيل قد آمنوا بموسى. لقد نجى الله تعالى هذا العدد القليل من قوم موسى وأغرق المجرمين من قوم فرعون مع سيدهم في البحر.

والمثل الأعلى لقلة المتقبلين للدعوة هم قوم نوح غب دعوة مضنية لزمن يقارب ألف عام. قال تعالى في سورة هود:

حَتَّى إِذَا جَاء أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ (40).

وأما قول المحدثين عن لسان نبينا بأن ما أوذي نبي مثل ما أوذيت؛ فهو قول باطل لا دليل عليه من كتاب السماء. وليس للرسول أن يقول ذلك لأنه لا يعلم عن أحوال من سبقه من الرسل إلا ما هو بين يدينا من القرآن.       نهاية الهامش 85,)

أحمد المُهري

تابع مركز #تطوير_الفقه_الاسلامي

https://www.facebook.com/Islamijurisprudence

ان كان لديكم الرغبة في الانضمام لمجموعة النقاش في المركز برجاء ارسال بريد الى :

islamjurisdev@gmail.com

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.