يوم القيامة – القسم الرابع – ح 1 كيفية الوقوف أمام المحكمة والاهتمام بالقسط:

يوم القيامة – القسم الرابع – ح 1

كيفية الوقوف أمام المحكمة والاهتمام بالقسط:

سيقف الجميع جنا وإنسا كيفما كانوا في الدنيا خالين من الأنساب والتفضيلات والمناصب الدنيوية برمتها على أرض مستوية دون تمييز. حتى الذكورة والأنوثة منتفية هناك ولا فرق أبدا بين الجن والإنس والسادة والعبيد والآباء والأبناء والسابقين والآخرين وأهل الشرق وأهل الغرب فكلهم جميعا أشبه بالحجيج يوم عرفات ولكن أغلب الظن أننا جميعا سنكون عراة بلا ملابس. ولا ننس بأن الجنسية تنتهي تماما بعد الموت في الدنيا فكل الناس جنس واحد وبما أن التكاثر ممنوع في العالم الآخر فلا ضرورة للعلاقات الجنسية المعروفة فهي أيضا غير موجود تماما في النشأة الآخرة.

قال تعالى في سورة طه: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا (105) فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا (106) لا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلا أَمْتًا (107) يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَت الأصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلا تَسْمَعُ إِلا هَمْسًا (108). والسر في سؤال الكفار وبقية الذين يعيشون في ريب من الحساب عن الجبال، هو أنهم في حين كفرهم وشركهم يسعون لإيجاد مخرج من الحساب إن كان هناك حساب فعلا. فيسألون عن الجبال كمكان آمن للهروب إليها فيرد عليهم الرسول بأن الله تعالى سوف ينسف الجبال. هذه الجبال تواجدت عن طريق الطبيعة الجديدة كما تواجدت في النشأة الأولى التي نعيشها اليوم. والداعي الذي يتبعونه هو الذي يمثل مندوب المحكمة الذي ينادي بأسماء المتهمين ليُعرِّفوا أنفسهم أمام القاضي. فالداعي هناك أيضا يعطي الأوامر الأولية بأدوار الناس والجن وبوقت الدفاع وما شابه ذلك من الترتيبات الخاصة بالمحاكم. ولا دور إطلاقا لا للجن ولا للإنس، لأنهم جميعا متهمون حتى يصدر حكم الله تعالى فيهم.

وأما اللغة التي تسود المحكمة فهي لغة الهمس التي لا تمت إلى اللغات الأرضية بصلة. إن الناس مختلفون في لغاتهم وفي كيفية التواصل مع بعضهم البعض لأن الجن موجودون وهم دون شك لا يستعملون اللغة. ثم إن الملائكة موجودون كأشهاد على النفوس وهم لا يجيدون اللغات ولا يستعملونها لأنهم لا يعرفون الأسماءَ واللغاتُ تعتمد على الأسماء. ولغة الهمس تشابه لغة الوحي فهي لغة نفسية تتعامل مع القضايا بحقيقتها وتتحدث عن الأفعال النفسية أكثر من الحركات البدنية التي لا عبرة بها كثيرا يوم الحساب. إنه السبيل الوحيد للتفاهم في ذلك اليوم، ولازم ذلك أن يتوقف الاستفادة من الأبدان ويتم المحاكمة بين النفوس والملائكة أمام ربهم جل جلاله. والمحكمة ليست فقط منسوبة إلى الله تعالى بل هو الذي يديرها بنفسه مباشرة ويُصدر سبحانه بنفسه كل أحكامها.

وبما أنه سبحانه حريص على إقامة القسط وموازينها في يوم القيامة فإنه لا يمكن أن يسمح لأحد أن ينال من الذات القدسية في محكمته حظا أكبر من الآخرين. ولذلك فسوف يظهر سبحانه فوق رؤوس الناس الواقفين على أرض مستوية مع الجن جميعا بشكل واحد، سوف يظهر سبحانه بشكل غيم فوق رؤوسهم فكل شخص ينال من ربه ما يظلله الغيمة لا أكثر. هكذا يُزيل الله تعالى كل الفوارق بين الناس بأنبيائهم وملوكهم ورعاياهم وكل أصنافهم وألوانهم ومزاياهم الدنيوية الأخرى ليقفوا جميعا في صفوف موحدة تحت غطاء خالقهم يوم الحساب الأكبر ليحسم بينهم. قال تعالى في سورة البقرة: هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ وَالْمَلآئِكَةُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَإِلَى اللّهِ تُرْجَعُ الأمُورُ (210). وقال في سورة الفرقان: وَقَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءنَا لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنفُسِهِمْ وَعَتَوْ عُتُوًّا كَبِيرًا (21) يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِّلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَّحْجُورًا (22) وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًا (23) أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلاً (24) وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاء بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنزِيلاً (25) الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا (26) وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً (27).

يتبع 

أحمد المُهري

#يوم_القيامة

#تطوير_الفقه_الاسلامي 

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.