نظرية ظهور العلم – 20 عواقب الأسطورة

نظرية ظهور العلم – 20 

عواقب الأسطورة

يؤدي الخلط بين دين الله وبين الثقافة العربية إلى النظر إلى “الثقافة العربية” على أنها “دين الله”,  والنظر إلى “دين الله” على أنه “الثقافة العربية”. 

عندما تكون الثقافة العربية هي الإسلام

يظهر هذا بمنتهى الوضوح حينما تتعرض الثقافة العربية إلى النقد ويسارع المسلمون إلى الدفاع عنها على أساس أن هذا النقد إنما هو نقد للإسلام.   هذا الأمر واضح تمام الوضوح في حالتنا هذه حيث تنصحنا الأستاذة هالة بضرورة بيان أننا وإن كنا ننكر وجود أي إسهام ثقافي عربي في تقدم المعرفة البشرية في قطاع العلم, فإننا متفقون على وجود إسهام إسلامي مذهل في هذا المجال.  يعود ذلك إلى أن القول بأن الثقافة العربية لم تنتج علما سوف يؤخذ على أنه “هجوم على الإسلام”.  تخيل أن القول بأن الثقافة العربية لم تنتج علما يمكن أن يؤخذ على أنه هجوم على الإسلام.  ما علاقة الإسلام بإسهام أي ثقافة في تقدم المعرفة البشرية في حقل العلوم الطبيعية والإنسانية؟ 

عندما يكون الإسلام هو الثقافة العربية

يظهر أثر الخلط بين الثقافة العربية ودين الله عند النظر إلى “الأعراف الاجتماعية العربية” على أنها مصدر من مصادر التشريع.  أي عند النظر إلى “الأعرف الاجتماعية العربية” على أنها “شرع الله”. 

1.    يظهر ذلك, بمنتهى الوضوح, في النظر إلى “عمل أهل المدينة” على أنه مصدر من مصادر التشريع. 

2.    يظهر ذلك, كذلك, في تفسير القرآن الكريم على ضوء “الأعراف الاجتماعية العربية”.

أ‌.        يخبرنا الله بأن الحيوان الوحيد الذي لا يحل لنا أكله – من بين كل الحيوانات التي خلقها الله – هو الخنزير.  يخبرنا الفقه الاسلامي القديم أن ما استطعمه العرب فهو حلال وما لم يستطعموه فهو حرام. 

ب‌.   يخبرنا الله في الآية السادسة من سورة النساء بأن: 

*وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم ولا تأكلوها إسرافا وبدارا أن يكبروا ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم وكفى بالله حسيبا 

وهو ما يعني أن هناك سنًا للنكاح, وأن هذه السن مرتبطة بـ”النضج الجنسي” و”الرشد العقلي”.  يخبرنا الفقه الاسلامي القديم بجواز أن يتزوج الرجل بـ “المرأة” حتى لو كانت هذه “المرأة” في التاسعة من العمر, أو السابعة, أو الخامسة.  حقيقة الأمر, حتى لو كانت “في المهد”.  لا ينسى الفقه الاسلامي القديم, مشكورًا, أن يبين أنه وإن كان من حق “الزوج” هنا أن “يتلذذ” بزوجته الطفلة بأي شكل شاء, فليس من حقه “الإيلاج” – أي ممارسة الجنس معها بشكل كامل – إلا إذا كانت ” سمينة تحتمل الوطء”. 

لا يحتاج الموضوع إلى إفاضة في الشرح.  ما على القاريء المهتم بهذه النقطة إلا الرجوع إلى أي كتاب من كتب الفقه الاسلامي القديم ليرى الإفاضة والاستفاضة الحقيقيتين في الحديث عما كان يفعله العرب منذ أكثر من ألف وأربعمائة عام.  تمثل الثقافة العربية القديمة, بهذا الشكل, الإطار المرجعي لكتاب الله.  المسألة واضحة منتهى الوضوح.  إذا أردت أن تفهم كتاب الله في أي موضوع, فعليك بالرجوع إلى الثقافة العربية القديمة لترى ما كان يفعله قدماء العرب في هذا الموضوع.  وهذا هو حكم الله (تعالى الله علوًا كبيرا عما يقولون).  تم “الربط”, إذن, بإحكام بين “الثقافة العربية القديمة” وبين “دين الله”.    لم تكن الثقافة العربية القديمة, بهذا الشكل, مجرد “ثقافة” من ضمن آلاف الثقافات التي أنزل الله كتابة الكريم من أجل هدايتها, وإنما كانت “الثقافة الهادية”.  هذا هو شرع الله (تعالى الله علوا كبيرا عما يقولون).

كان في الخلط بين الثقافة العربية وبين دين الله إساءة للثقافة العربية وإلى دين الله, إذ تم فيه “تقديس” الثقافة العربية و”استعراب” دين الله.  لم يعد ممكنا “نقد” الثقافة العربية إذ أصبح هذا نقدًا لدين الله.  لم يعد ممكنا كذلك فهم دين الله إلا من خلال الثقافة العربية. وبذا أصبحت الثقافة العربية “الإطار المرجعي” لدين الله.    لكي تكون مسلمًا لا بد أن تكون عربيا.  حقيقة الأمر, لا يكفي أن تكون عربيا مسلما لكي تكون مسلما.  لا بد أن تكون عربيا “قديما” مسلما لكي تكون مسلما.  يعود ذلك إلى أن “الثقافة العربية المعاصرة” ليست هي “الإطار المرجعي” وإنما الثقافة العربية القديمة.

يظهر هذا الأمر بوضوح “مذهل” في المجتمعات الإسلامية غير العربية, حيث يسود شعور عام “بالتقصير” في حق دين الله.  أين هم من دين الله؟  لا اللبس لبس مسلمين, ولا الشكل شكل مسلمين.  ولا اللغة لغة مسلمين.  ولا الطعام طعام مسلمين. أين هم من الإسلام؟   أين نساؤهم من الانتقاب؟   بل أين رجالهم من الثوب القصير, والاكتحال, والتطيب, وصباغة اللحية بالحناء, والتسوك؟  أين الحديث باللغة العربية الفصحى؟ أين الفصاحة وأين الإسلام؟  أين هي تلك المرأة الاسكوتلاندية المسلمة التي تجرؤ على أن تأكل بأصابع يدها مثلما يأكل المسلمون وبعد أن تنتهي من طعامها تقوم بلعق أصابعها ثم بلعق الصحن الذي كانت تأكل منه؟  أين ذلك الرجل المسلم الماليزي الذي يجرؤ على التزيّي بزي الإسلام مثلما يفعل الناس في بلاد المسلمين في الحجاز ونجد ومصر حيث يسير الواحد منهم في الشارع بثوبه القصير, ولحيته الطويلة, ونعله الأصفر, ممسكا بسواكه بكل تقوى يستاك به بكل طمأنينة؟  أين هم من التمر,  والثريد, والروب, والبادية, والمطازيز, والجريش؟  أين هم من طعام المسلمين؟  أين هم من الإسلام؟

عندما يتم “الخلط”بين الثقافة العربية وبين الإسلام لا يعود من الممكن انتقاد الثقافة العربية لأن في ذلك انتقاد للإسلام, كما لا يعود من الممكن فهم الإسلام إلا “في إطار” الثقافة العربية.    الأولى مصيبة, والثانية مصيبة.

الزواج من “نساء” في التاسعة من العمر واستعمالهن جنسيا عمل مشين.  حقًا كان هذا “عرفا” متعارفًا عليه في الثقافة العربية القديمة إلا أن هذا ليس من الإسلام.   ليس هذا ما يخبرنا به الله في كتاب الله.  قتل الأسرى أو استعبادهم عمل مشين.  حقا كان هذا “عرفا” متعارفا عليه في الثقافة العربية القديمة إلا أن هذا ليس من الإسلام.  ليس هذا ما يخبرنا به الله في كتاب الله.  غزو الناس في بلادهم, وتدمير مدنهم, وقتل رجالهم, وسبي نسائهم, واستعباد أطفالهم, ونهب أموالهم, وعرقبة حيواناتهم عمل مشين.  حقًا كان هذا “عرفًا” متعارفا عليه في الثقافة العربية القديمة إلا أن هذا ليس من الإسلام.  ليس هذا ما يخبرنا به الله في كتاب الله.

تقديس الثقافة العربية القديمة هو تحصين للبدائية يخنق كل محاولة تهدف إلى أن نكون مسلمين أقوياء, أغنياء, علماء, كرماء.  كيف, بالله, يمكنك أن تكون بدائيا قويا؟  أين الهنود الحمر؟  أين سكان استراليا الأصليون؟  أين الماوري؟  أين الأزتك, ثم أين الماوري,  ثم أين الهنود الحمر؟  ثم أين نحن؟ ثم أين فلسطين؟   ثم دعك من قصة من المسؤول عن ضياع فلسطين.  ضاعت, وانتهى الأمر, ومات كل من كان مسؤولا مسؤولية مباشرة عن ضياعها.  السؤال الآن ماذا نحن فاعلون؟ أم أننا لسنا فاعلين لأننا لسنا مسؤولين؟   لاحظ أني لم أقل ماذا “أنت” فاعل, بل ماذا “نحن” فاعلون؟  ماذا نحن جميعنا – الألف وخمسمئة مليون مسلم منا –  فاعلون؟ 

ما الذي يمكن أن نفعله سوى أن نكون علماء عاملين.  لنا مصانعنا, ومزارعنا, وجامعاتنا.  ننتج كل ما نحتاج إليه مثلنا في ذلك مثل اليابان, وكوريا, والبرازيل, وتايوان, وسنغافورة, وتركيا, وماليزيا, بل والهند وتايلند.  رجاء مراجعة قائمة أرقى جامعات العالم لترى عدد الجامعات التايلندية, والفيليبينية, والهندية, في هذه القائمة.  ما الذي يمنعنا من أن نكون مثل بريطانيا, أو فرنسا, أو ألمانيا, أوإيطاليا, أو السويد, أو النرويج, أو سويسرا, أو هولندا, أو أي دولة أخرى في العالم؟  ما الذي يمنعنا سوى تلك الثقافة العربية البدائية المعادية للتقدم, والمعادية للعلم؟    الثقافة العربية المعاصرة ثقافة معادية للعلم لأن العلم “يكشفها”.  العلم “يكشفها” على حقيقتها.  مجرد ثقافة بدائية تخفي بدائيتها خلف ثوب الإسلام.  الإسلام براء من هذه الثقافة.  الإسلام براء من هذه البدائية. 

يحتاج الأمر إلى التوكيد على أنني هنا إنما أعبر عما “أفكر” فيه.  كل ما في الأمر أني أفكر فيه بصوت مرتفع كي يسمعني الآخرون من أعضاء مركز تطوير الفقه الاسلامي  في بيئة مركز تطوير الفقه الاسلامي  الآمنة.  يعني ذلك أن الاحتمال كبير للغاية في خطأ الكثير مما أفكر فيه.  وعليه فسوف أكون شاكرًا للغاية لمن يردني عن الخطأ ويهديني إلى الصواب.  كل ما أرجوه هو أن يبين لي أين أخطأت, وكيف أخطأت, وما الدليل على خطئي.  موضوع أني مخطيء لأن سيادتك “لا تحب” ما أقول هو, في نهاية الأمر, شيء لا يهمني على الإطلاق.  ما يهمني هو التعرف على ما إذا كنت قد أصبت أم أخطأت, ودليلك على أني أخطأت.  مع خالص الشكر والتقدير, مقدما, لكل من سيكتب إليّ مصوبا – حتى لو كان مخطئا فيما يذهب إليه, فهو على الأقل حاول.  وكما نعرف جميعنا: من اجتهد وأصاب فله أجران, أما من اجتهد وأخطأ فله أجر واحد.  يعني ذلك أنك كسبان كسبان.  هدانا الله جميعا إلى ما فيه رضاء الله.

يتبع …


كمال شاهين 

#تطوير_الفقه_الاسلامي

#نظرية_ظهور_العلم 

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.