يوم القيامة القسم الثالث .. الحلقة الاخيرة الزمر والكتب المختلفة للنفوس

يوم القيامة القسم الثالث الحلقة الاخيرة 

الزمر والكتب المختلفة للنفوس:

ها نحن قد خرجنا من الأرض سراعا كالفطريات أو كاليقطين كما خرج يونس من الأرض بعد أن أحياه الله تعالى غب بلع بدنه بواسطة الحوت وأحاط نفسَه ببدن نباتي جديد من اليقطين؛ وبعد أن سكننا الأرض بصورة مؤقتة. لقد حرم الله تعالى الجنة على الكافرين، ومن الخير للمؤمنين أن يروا النار ليميزوا الفرق بينهما فيشكروا ربهم عن دراية وافية. هناك في الأرض الجديدة مناطق شاسعة تشمل القسمَ الأكبرَ منها، وهي معدة لإقامة جنات النعيم إن لم تكن أقيمت بعد (قبل يوم الحساب الطويل)، كما سيكون هناك مكان صغير نسبيا باسم جهنم. ليس في جهنم نار بادئ ذي بدء لقوله تعالى بعد كشط السماء في سورة التكوير: وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ (10) وَإِذَا السَّمَاء كُشِطَتْ (11) وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ (12) وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ (13) عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا أَحْضَرَتْ (14). هناك وفي منطقة جهنم احتمالا، وقبل تسعير الجحيم، سوف يقوم الملائكة الكرام بتبويب الناس  ضمن زمر متجانسة متشابهة تبعا لحقائق نفوسهم. سوف يُطبق هذه الزمر على أصحاب الرسل كل حسب تطوره العقلي والبدني. هناك مسائل كثيرة في هذا المجال خارجة عن نطاق بحثنا.

هذه الزمر المتشابهة هي التي تقف أمام الله تعالى ليصدر سبحانه حكمه بشأنها. سوف يُعطى الجميع الفرصة للدفاع عن أنفسهم باعتبار أنهم سوف يتعلمون الكثير من المسائل التي يحتاجون إليها ضمن البرزخ احتمالا. الكتب التي تُنشر عبارة عن كتاب كل شخص أولا. فكل شخص يحمل معه كتابا إيجابيا يُظهر تفوق إيجابياته على سلبياته أو كتابا سلبيا يُظهر ضآلة  إيجابياته. الكتاب الإيجابي مشهود يُقرأ والسلبي غير مشهود. قال تعالى في سورة المطففين: كَلاّ إِنَّ كِتَابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ (7) وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ (8) كِتَابٌ مَّرْقُومٌ (9) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ (10). ثم قال في نفس السورة واصفا كتب المتقين : كَلاّ إِنَّ كِتَابَ الأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ (18) وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ (19) كِتَابٌ مَّرْقُومٌ (20) يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ (21). فلم يذكر بأن كتاب الفجار مشهود. هناك كتاب آخر يحتوي على أعمال كل الناس باعتبار ارتباطاتهم وليس باعتباراتهم الشخصية. الكتاب الشخصي يُظهر حقيقة الإنسان التي يعين فعلا مكانته في النظام الحديد. ولكن الكتاب العام هو لغرض بيان الارتباطات بين الخصوم. فمن ظلم شخصا أو أعانه فهو عمل ذو شقين.

وللخصم أن يدافع عن نفسه فالناس بحاجة إلى كتاب يوضح هذه العلاقات تمهيدا لبسط القسط في اليوم الآخر. والكتاب الثاني هو الذي يخيف غير المؤمنين كثيرا كما قال تعالى في سورة الكهف: وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الأرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا (47) وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَّقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّن نَّجْعَلَ لَكُم مَّوْعِدًا (48) وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا (49). والسر في الخوف الكبير هو أن ذلك الكتاب سوف يوضح المؤامرات والأغراض الخفية التي نواها الحكام والقضاة والأثرياء ورجال الدين وغيرهم من الذين يعيشون على تضليل الآخرين وخداعهم. وقال سبحانه في سورة الزمر: وَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاء وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (69) وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ (70). فالكتاب المهيمن يوضح كل العلاقات بين الإنس والإنس وبينهم وبين كل ذي نفس مكَلَّفة وهم الجن.

 ثم إننا كزمر،  يسبق كلَّ زمرة منا كتابٌ آخر يجلي صبغتنا النفسية التي تكون مشابهة تماما للشاهد الذي يسبق كل زمرة. والشاهد هو من أصحاب الرسل الذين حضروا الرسالات. قال تعالى في سورة الإسراء: يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُوْلَئِكَ يَقْرَؤُونَ كِتَابَهُمْ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً (71). فالإمام هنا هو الكتاب وقد سماه سبحانه إماما لأنه سوف يكون أمام الزمرة التي تقف خلفه. هذا الكتاب يوضح نفسية زمرة بأكملها، ولذلك بَوَّبوا الناس والجن في زمر وسوف تدخل الزمرةُ النارَ أو الجنةَ بأمر الله تعالى، لأنهم مثل بعض من حيث النفسيات. وكما نعرف بأن الناس لا يدخلون الجنة أو الجحيم بأعمالهم بل بنفسياتهم ولكن الأعمال شواهد على سعادة النفس وشقائها.  وقال سبحانه في سورة الجاثية: وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (28) هَذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (29). وقال في سورة يس: إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ (12). فكل زمرة تفصح عن نوع خاص من أنواع النفوس المصطبغة تبعا لأفعال أصحابها أو نواياهم وهممهم.

ويحذر الله الجميع من الوقوف أمامه في الزمر بكل صراحة وصرامة مخاطبا نبينا نفسه ليعرف كل منا ما سيحل به. سورة الزمر:  وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ (60) وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوا بِمَفَازَتِهِمْ لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (61) اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (62) لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (63) قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ (64) وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (65) بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُن مِّنْ الشَّاكِرِينَ (66) وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (67) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الأَرْضِ إِلاّ مَن شَاء اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُم قِيَامٌ يَنظُرُونَ (68) وَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاء وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (69) وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ (70) وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَآ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ (71) قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (72) وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ (73) وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاء فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (74) وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (75).

ذلك لأن الحكم يصدر من الله تعالى بشأن الزمر وليس بشأن الأفراد.  فهل يُعقل أن يجرأ العبيد محمدٌ أو عيسى أو موسى بأن يمسوا هذه الزمر التي أقام الله تعالى كامل المحكمة ليقول للناس بأن ملائكته كانوا على حق ولم يخطئوا. هذا ما تقوله الآية الأخيرة أعلاه من سورة الزمر. وعدا ذلك فليس بيننا وبين الملائكة نزاع ولا خصام لا في الدنيا ولا في الآخرة. إن الله تعالى سوف يُصدر الحكم على زمر من ضمنها الصحابة والرسل أنفسهم. ولعل الرسل جميعا لو كانوا بنفس مرتبة التقوى والإيمان أن يبوبوا ضمن زمرة واحدة ولعل معهم الكثير من غير الرسل الذين يحملون نفس الصبغة النفسية التي اكتسبوها بأعمالهم في الدنيا. سوف نرى محمدا والمسيح وإبراهيم وموسى وإسحاق وغيرهم يفرحون بأن الله تعالى حكم لهم بالجنة ولن يعبئوا بأحد شاكرين ربهم المفازة الكبرى، وسوف يخيب من ظن غير ذلك دون أدنى ريب. لا يمكن أن تكون هناك أية شفاعة من نفس لنفس بل من صفات ذلك اليوم ما نطق به الكتاب الكريم في سورة الانفطار: كَلاّ بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ (9) وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَامًا كَاتِبِينَ (11) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ (12) إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (13) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ (14) يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ (15) وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ (16) وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ (17) ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ (18) يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِّنَفْسٍ شَيْئًا وَالأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ (19).

نهاية القسم الثالث من الأقسام الخمسة ليوم القيامة ويليه القسم الرابع ويبدأ بكيفية الوقوف أمام المحكمة والاهتمام بالقسط.

احمد المُهري

6/8/2017

#يوم_القيامة

#تطوير_الفقه_الاسلامي  

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.