الجنة ليست سبهللة ح 4

الجنة ليست سبهللة ح 4

قال الدكتور كمال شاهين:

كل ما كنت أود لفت النظر إليه هو أن مسألة دخول الجنة ليست بهذا التعقيد الذي “برمجت” به كتب التراث القديمة أفكارنا.   تكفي هنا الإشارة إلى كيف تناول فقهاء الفقه السني القديم مفهوم “الصراط المستقيم” وحولوه إلى أسطورة في التعذيب, وهي أساطير لا وجود لها في كتاب الله بل وتتعارض مع ما جاء في كتاب الله.  والمسألة بسيطة.

 هل يمكن لأحد أن يتخيل أن يجد الله أية “صعوبة” في تحديد من يستحق دخول الجنة ومن يستحق دخول النار؟  هل يمكن لأي أحد أن يتخيل أن تأخذ المسألة وقتا من الله كي ينتهي من حساب كافة من خلق من يوم أن خلقهم إلى يوم حسابهم؟  المسألة لن تأخذ وقتا.  مسألة الوقت محسومة.  والمشكلة, حقيقة الأمر, ليست مشكلة الحساب وإنما مشكلة “التهرب من الحساب”.  مشكلة أمة في الحساب النهائي تريد أن تفعل ما تشاء في الدنيا, ثم أن تفعل ما تشاء في الآخرة.  والمسألة بسيطة. على من أراد دخول الجنة أن يؤمن بالله, وبأن محمدًا رسول الله, وبأن القرآن كلام الله, وأن يراعي مصالح الناس ومشاعرها في كل عمل يقوم به.  أي أن لا يسرق, ولا ينصب, ولا يزني, ولا يقتل, ولا يكذب, وكل ما يؤذي مصالح الناس ومشاعرها.   وأترك للقاريء مهمة أن يتخيل ما سيكون عليه حال أمتنا إذا عرفوا أن الله سيعاقب من ينصب.  كلي ثقة من أنها ستكون مصيبة.  تخيل ما سيكون عليه حال قومنا إذا علموا أن تزييف الانتخابات عمل يعاقب عليه الله, أو سرقة أموال الدولة, أو قيادة السيارة بدون أية مراعاة لمشاعر الآخرين, أو أخذ الرشوة من الراشين.   باختصار, تخيل فقها يدين العرف الساري في مجتمعاتنا الجميلة.  فقها يدين الظلم في مجتمعات تعارفت على قبول الظلم وليس على الظلم وحسب.  هذا فقه لا يريده مجتمع من مجتمعاتنا.  كل ما نريده إنما هو فقه المهيصة.  كل ما نريده هو فقه يحول يوم الحساب إلى يوم مهيصة يرعبنا رعبًا عنيفا ثم ندخل بإذن الله الجنة لأننا والحمد لله مؤمنون.  ومن قال أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله دخل الجنة حتى لو كان لم يراعٍ مصالح الناس يوما ولا راعى مشاعرهم قدر ساعة.  والهيجان القائم حول يوم الحساب ودخول الجنة لا يختلف نهائيًا عن الهيجان القائم في بلادنا حول الظلم السائد في بلادنا.  أي أنه محاولة مستميتة لإخفاء الحق.  والمسألة بسيطة.  الله هو العدل.  والله هو الحق.  والسرقة ليست عدلا.  والنصب ليس حقا.  والكذب ليس حقا.  والزنا ليس حقا.  والقتل ليس حقا.  ولن يسمح العدل والحق بدخول النصب, والكذب الجنة مهما فعل أهل الإعلام أو أهل العلم, والفضل, والنظر, من أهل السنة والجماعة.  وعلى من أراد أن يدخل الجنة أن يعلم أن على من أراد دخول الجنة أن يراعي مصالح الناس ومشاعرها.  أي أن المسألة ليست مهيصة.  انتهى النقل.

إذن الخلاف بيني وبين الدكتور كمال ينحصر في أن الله تعالى لا يمكن أن يتقبل أعمال عبد لا يقوم بالعبادات التقليدية التي أمر الله تعالى بها ولا يلتزم بالعمل بكل القرآن. أنا لا أعرف شيئا عن عبادات الأنبياء الذين سبقوا إبراهيم ولكنني أعرف بأن إبراهيم وضع أصولا للعبادات والحج وهي باقية حتى يومنا هذا ويجب العمل بها. ذلك شرط من شروط الشكر لله تعالى والشكر لله في واقعه يعني بأننا أناس طيبون نشكر من أنعم علينا ونكرمه ونخضع له ونسجد. قال تعالى في سورة إبراهيم:

قُل لِّعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُواْ يُقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَيُنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خِلاَلٌ (31) اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الأَنْهَارَ (32) وَسَخَّر لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَآئِبَينَ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ (33) وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (34) وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ (35) رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (36) رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (37) رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَى عَلَى اللّهِ مِن شَيْءٍ فَي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء (38) الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاء (39) رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاء (40).

ذكرت الصلاة ثلاث مرات في هذه المجموعة الصغيرة من الآيات الكريمة. فيجب ألا نغفل عنها وأن نعلم بأن أعمالنا بلا صلاة غير مقبولة عند الله تعالى إلا إذا كنا لا نعلم بذلك. سنكون حينئذ كأتباع الرسل الذين سبقوا إبراهيم الذين لم يسمعوا شيئا عن الصلوات الواجبة التي نأتي بها. كانوا لا يعلمون بذلك.

والالتزام بالقرآن واجب لا يمكن أن يُقبل منا عمل دون ذلك. هناك الكثير من علماء الأرض الذين قدموا خدمات كبيرة للبشرية وهم لم يصلوا ولم يؤمنوا بالقرآن. فهل يجوز لنا أن نقلدهم في الاكتفاء بتقديم الخدمات العامة؟ نحن نجهل مواقفهم أمام ربهم ولكننا نعلم بأنهم أخطأوا في عدم الاهتمام بالصلاة وبالقرآن. ومنهم من كان ملحدا وألح على الإلحاد. فهل يمكن اتباعه أو اعتباره من أهل الجنة؟

وإذا كان بعض المصلين يقتلون الناس ويسرقون ويزنون فهل يعني ذلك بأن الصلاة أمرتهم بالفحشاء والمنكر والبغي؟ هناك الكثير من المؤمنين المصلين الذين ساعدوا البشرية ولم يقتلوا بشرا ولم يسرقوا ولم يزنوا واحترموا المرأة وأكرموا الذين ليسوا من دينهم، فلنكن مثلهم. لنتبرأ من المجرمين الذين اتخذوا الصلاة وسيلة للخداع والتضليل ونبعدهم عن الصلاة الحقيقية.

قال تعالى في سورة النحل: إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90). وقال سبحانه في سورة العنكبوت: اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ (45). ينهى الله تعالى عن الفحشاء والمنكر وتنهى الصلاة عن الفحشاء والمنكر. ألا يعني ذلك بأن الصلاة لا تجتمع مع الفحشاء والمنكر؟ بمعنى أن الذي يأتي بهما فهو لا يصلي بل يقوم بالحركات فقط. والمنكر هو كل ما يستنكره الناس ويشمئزون منه بلا تحديد وهو ضد المعروف الذي يستحبه الناس ويأتلفون بها.

أعتذر من الإطالة

أحمد المُهري

6/8/2018

يتبع ….

#تطوير_الفقه_الاسلامي 

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.