يوم القيامة – القسم الثالث ح 3 مرحلة ما بعد الدمار الكوني الشامل

يوم القيامة – القسم الثالث ح 3 

مرحلة ما بعد الدمار الكوني الشامل:

لا يمكن لنا أن نعرف شيئا عما سيحصل لكوننا المصاب بالشلل بعد ذلك اليوم فيما عدا ما ذكره الله تعالى في القرآن الكريم فأول شيء هو عودة الكواكب إلى مركز الكون ويذكرها الله تعالى في سورة العاديات: بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ   وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا (1) فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا (2) فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا (3) فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا (4) فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا (5) إِنَّ الإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ (6) وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ (7) وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ (8) أَفَلا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ (9) وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ (10) إِنَّ رَبَّهُم بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّخَبِيرٌ (11) لقد شرحنا الأصوات وهو معنى العاديات وأما الموريات فهي إشارة إلى الانفجارات المتوالية التي تحصل إثر اصطدام الكواكب ببعضها البعض وأما المغيرات فهي تمثل الدخان الصاعد من الكرات الغازية والتي تتأثر بضياء الموريات فتشكل ضياء الصباح. ومهم جدا هنا أن نعرف بأن أرضنا الجديدة في يوم القيامة سوف لا تستقبل الشمس مباشرة بل تستمد النور من الشمس عن طريق أخرى. ولذلك فيكون الصباح هو النور الطاغي على الحياة في الكرة الأرضية الجديدة, إنها أجمل وأهدأ نور ممكن ويمكن التعرف عليه بالتعرض لنور الصباح عدة أيام للتعرف على جمال تلك الحالة البهية. ولكن بعض الناس الذين يُحرمون من جنات النعيم فسوف يسوء صباحهم كما قال تعالى في سورة الصافات:  أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ (176) فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ فَسَاء صَبَاحُ الْمُنذَرِينَ (177).

كلنا نعرف بأن الله تعالى قد وعد بالحياة الأبدية في الآخرة. ونعرف بأن كل الكواكب في عالمنا مقهور بالأجل الطبيعي الذي سماه الله تعالى ووضعه لهم. سورة الرعد: اللّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى يُدَبِّرُ الأَمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُم بِلِقَاء رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ (2) فسيكون الدمار ُالكوني مقدمةً لإعادة تنظيم الكون ليفي بهدف رب العالمين جل جلاله. وقد وضح سبحانه بأن الهدف هو اختبار الناس والجن ثم إعادة الحياة إليهم بعد الموت ليعيشوا إلى الأبد إما في النار خالدين فيها أو في الجنة خالدين فيها أبدا. وعلينا بأن نعرف بأن الأبدية الحقيقية هي خاصة الله تعالى ولا يمكن تصورها لأي شيء غيره سبحانه ولذلك فإن الأبدية ستكون أبدية فعلية وليست أبدية حقيقية وهذا ما يوضحه الله تعالى في الآيات التالية من سورة هود: فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُواْ فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (106) خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ (107) وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُواْ فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ عَطَاء غَيْرَ مَجْذُوذٍ (108) فالاستثناء فيهما باعتبار الأبدية الفعلية المنوطة بمشيئة رب العالمين وليست الأبدية الحقيقية غير القابلة للتغيير والمختصة بالذات القدسية وحده جل جلاله.

ولتحقيق الأبدية الفعلية فإن هذه الكواكب التي تشكل الكون المهيب والمقيدة بالآجال التي تأتيها فعلا سوف تتبدل. ليست هناك حاجة لتغيير المادة بكاملها ولذلك فإن الفيزياء وعلى ما يبدو ستبقى إلى حد كبير  على ما هي عليه الآن ولكن تركيبة الكون سوف تتطور بحيث تتفاعل مع نفسها على نمط واحد لتبقى إلى الأبد. ليس هناك شك في أنها سوف تحتاج إلى إمدادات كبيرة من الطاقة والتي لا تتعدى الإمكان عند رب العالمين القادر على عمل كل شيء ممكن بالطبع سبحانه وتعالى. هذا يعني أن التوسع المستمر في الكون سوف يتبدل بالتوسع المحدود وأن ألباب النجوم سوف لا تتفاعل نوويا كما هي عليه الآن بل سيكون هناك نوع من التفاعل القابل للبقاء الأبدي. فالتغييرات ستكون محدودة إلا بالنسبة لموارد الاستمتاع لأهل الجنة على ما يبدو. أما الذين دخلوا النار فسوف يصابون بالتكرار الممل في مأكلهم ومشربهم ولكن جلود المعذبين منهم سوف تتبدل وتتغير باستمرار ليذوقوا العذاب ولا يتطبعوا على العذاب. إن عملية تغيير الكون مذكورة في سورة ق هكذا: أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ (15) فالخلق الجديد عبارة عن تغير في المظهر وليس في الحقيقة. ومقصودي من الحقيقة غير مقتصرة على التركيبات الكيماوية بل علينا أن نفكر في أعماق الأسس المكونة للمادة من إلكترونات ونوايا وأمواج أو ما دون ذلك. إن الخلق سيتغير ولكن الأصول تبقى.

بالتأكيد أن عملية تبديل المادة في الكون ليست هينة وليست سريعة وستأخذ وقتا لا يعلمه إلا الله تعالى وقد أخبرنا سبحانه بعملية التبديل الجوهري  في سورة إبراهيم: فَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (47) يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُواْ للّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (48) وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُّقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ (49) سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمْ النَّارُ (50) لِيَجْزِي اللّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ إِنَّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (51) هَذَا بَلاَغٌ لِّلنَّاسِ وَلِيُنذَرُواْ بِهِ وَلِيَعْلَمُواْ أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ (52).

وسيكون هناك انفجار آخر للكون إذ لا يمكن لهذه الأجسام الضخمة المحتفظة بالجاذبية أن تبعد عن نفسها شيئا عن غير طريق الإشعاعات أو عن طريق الانفجارات. وكلها مذكورة في القرآن الكريم ولكن لا مجال للبوح بها في هذا البحث التخصصي ونترك بيانها لجلسات التفسير بتوفيق من الله تعالى.

يتبع 

أحمد المُهري

#تطوير_الفقه_الاسلامي

#يوم_القيامة

https://www.facebook.com/groups/Islamijurisprudence

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.