يوم القيامة – القسم الثالث – ح 2 الصعقة الكبرى:

يوم القيامة – القسم الثالث – ح 2

الصعقة الكبرى:

هذه الحركات المخيفة التي تهز كل شيء ممكنٍ في الوجود فإنها تسبب الصعقة لبعض الناس وهي بمثابة الموت الثاني لهم. قال تعالى في سورة الزمر: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (67) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الأَرْضِ إِلاّ مَن شَاء اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُم قِيَامٌ يَنظُرُونَ (68).  وقال في سورة غافر: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِن مَّقْتِكُمْ أَنفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ (10) قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِّن سَبِيلٍ (11) ذَلِكُم بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِن يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ (12)

يتعرض المشركون الذين أشركوا غير الله تعالى به سبحانه والكافرون بالطبع لهذه الصعقة المميتة وسيقولون في يوم القيامة ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين. أما الحياة الأولى فهي ما نتمتع بها اليوم في الدنيا وأما الميتة الأولى فهي أيضا ما سنراه بعد انتهاء أمدنا في هذه الحياة. وأما الميتة الثانية فهي الصعقة التي تصيب من تصيب ولذلك استثنى الله تعالى منها من شاء كما في الآية 68 من سورة الزمر المذكورة أعلاه. تتبعها بالطبع حياة أبدية تُمنح لكل الناس والجن سواسية. ولذلك أيضا يقول سبحانه مبينا أحوال المؤمنين في سورة الدخان: لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلاّ الْمَوْتَةَ الأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (56) فالمؤمن الحقيقي لا يموت إلا مرة واحدة ولكن غير المؤمن يموت مرتين، والعلم عنده سبحانه. وسوف يعرف الذين يظنون بأن لبعض المؤمنين رجعة بأنهم كانوا غير مصيبين. فلو رجعوا لكانوا غير مؤمنين حيث أنهم سوف يذوقون الموت مرتين. وهذه العقيدة السخيفة موجودة بقوة لدى بني جلدتي من الشيعة هداهم الله تعالى وإيانا جميعا.

النفخة الأولى:

لقد ذكر الله تعالى هذه النفخة مرارا في القرآن الكريم وهي تعني تسليط الرياح العاتية على تركيبة الكون. ومن الجدير أن نقرأ كل ذلك لنتعرف بدقة على معناها:

سورة الأنعام: وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُن فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّوَرِ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (73)

سورة النمل: وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الأَرْضِ إِلاّ مَن شَاء اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ (87) وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ (88) مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا وَهُم مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ (89)

سورة الزمر: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الأَرْضِ إِلاّ مَن شَاء اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُم قِيَامٌ يَنظُرُونَ (68)

سورة الحاقة: فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ (13) وَحُمِلَتِ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً (14) فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ (15)

سورة النبأ: إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا (17) يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا (18) وَفُتِحَتِ السَّمَاء فَكَانَتْ أَبْوَابًا (19) وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا (20). وبالمناسبة فإن ما تصوره التوراة المحرفة من أن ملكا ينفخ في بوق يوم القيامة ليجتمع الناس ويستند إليه المفسرون لتفسير الصور المذكور في القرآن فهو ليس صحيحا بل هو مدعاة للضحك فقط في يوم التطور العلمي الذي نشاهده من حولنا.

المدة الزمنية للدمار الكوني وموت الملائكة:

يقول سبحانه وتعالى في بداية المعارج: سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ (1) لِّلْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ (2) مِّنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ (3) تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (4) فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلاً (5) إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا (6) وَنَرَاهُ قَرِيبًا (7) يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاء كَالْمُهْلِ (8) وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ (9) وَلا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا (10)  العروج والصعود والرفع والرجوع إلى الله تعالى معناها الخروج من المادة إلى عالم المجردات فيكون الموجود أقرب إلى الله تعالى منه في عالم الطبيعة المادية. ولا يستعمل الله تعالى لفظ العروج إلى الله للبشر إطلاقا في  القرآن الكريم. ولعل السبب فيه أن الملائكة هم عند الله تعالى بمعنى وجودهم فعلا في عالم المجردات وخلوهم من الإرادة. فالعروج بالنسبة لهم معناه تقربٌ  أكثر إلى  العلي العظيم وهو يتأتى بتغيير حالتهم الفعلية من الحياة الملائكية التي يعيشونها إلى حياة أخرى أشبه بحياتنا نحن بعد موتنا. إنهم سيفقدون كل قدراتهم في ذلك اليوم بسبب انتهاء الكون فلا داعي لوجودهم بقوتهم ولذلك يبدؤون بالعودة إلى خالقهم بطريقتهم الخاصة مصابين بالشلل التام. وأما يوم العروج الذي يطول خمسين ألف سنة، فهو أولا ليس من سنواتنا بالطبع. ذلك لأن الله تعالى وباعتبار أن السنوات تختلف باختلاف الكواكب الذي يُقيم فيها الموجود المقصود فإنه تعالى وحينما يُشير إلى سنواتنا فهو يوضحه بأنها مما نعدها نحن. مثال ذلك قوله تعالى في سورة  الحج: وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ (47). أو أنه سبحانه يذكر السنة بجوار ما يذكره عن حياتنا البشرية مثل قوله الكريم في سورة العنكبوت: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاّ خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ (14).

وفيما عدا ذلك فهي سنوات مكان آخر. وبما أن الله تعالى ليس له مكان فهي سنواته الخاصة به جل جلاله. ونعرف اليوم أيضا باختزال الزمان داخل مجالات الجاذبية القوية وهكذا فإن الزمان سوف يختزل كثيرا في حضرة الجبار العظيم جل جلاله لأنه مصدر الجاذبية ومصدر الطاقة الأصلية برمتها.

ومما يؤكد ادعائي هو ما يقوله تعالى في سورة الرعد: اللّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَى وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ (8) عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ (9) وقد سبق سبحانه كلمة المقدار حين ذكر المدة لتأكيد سنواته الشخصية احتمالا. أما سنواته فكما نعرف أن كل سنة 12 شهرا في كتاب الله وأن كل شهر متعارف بيننا هو 30 يوما من أيام كوكبنا والله تعالى يتحدث بلغتنا التي نفهمها. وبما أن كل يوم عند الله تعالى كألف سنة من سنواتنا بنص القرآن الكريم فيصير مجموع ذلك: 50000× 1000×12×30 = 18000000000 (18 بليون سنة من سنواتنا الأرضية). وبما أن دور الملائكة ينتهي بعودة الكواكب إلى مكانها الأصلي في وسط الكون فإنها تفقد حياتها تباعا باندثار الكواكب شيئا فشيئا. وبما أن الكون وسيع جدا فإن موت النجوم يأخذ وقتا لا يقل عن 18 بليون سنة وهو طول يوم الفزع الأكبر. بالطبع أننا نحن سوف لا نشعر بها إذ أن كل مشركينا وكفارنا سيُصعقون، وأما المؤمنون منا سينامون غافلين حتى الأمر التالي لملك الوجود جل جلاله. ولعل المؤمنين يشعرون بكل شيء طيلة البلايين الثمانية عشر من السنين ولكنهم بعد انتهاء سَفرة النجوم المندثرة إلى وسط الكون فسوف يرقدون ويرقد ملائكتهم أيضا حتى ينتهي الجبار العظيم من إعادة صياغة الكون بحلته الجديدة بإذنه جل جلاله. وهو وحده يعلم المدة الزمنية الطويلة التي تستغرقها إعادة الصياغة، جل جلاله.

يتبع …. 

أحمد المُهري

#يوم_القيامة

#تطوير_الفقه_الاسلامي

https://www.facebook.com/Islamijurisprudence/

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.