العملة الوطنية والمطبوع الجديد

العملة الوطنية والمطبوع الجديد

 مرحبا

في 2018 قدمت عدة مقالات عن انهيار العملة الوطنية واثر المطبوع الجديد عليها، سأتناول ذات الموضوع من زاوية أخرى متعلقة بقرار المركزي بصنعاء منع تداول المطبوع الجديد من الريال اليمني ، وفي المقال التالي لا اسعى ان اقف مع او ضد وانما تحليل عام عبر الإجابة عن عدة أسئلة محورية ، فلنبدأ:

  1. كيف يحدد سعر الصرف للعملة المحلية امام العملة الأجنبية تحديدا العملات التجارية ؟

علينا التأكيد ان هناك عدة عوامل لتحديد سعر الصرف المناسب او العادل للعملة المحلية مقابل العملة الأجنبية، تبرز في الآتي:  

  • احتياطي من النقد الأجنبي المعزز لسعر العملة بحيث ان كل دولار يساوي كل مطبوع من العملة، لديك 1 $ احتياطي ولديك في مقابله ريال اذن سعر الصرف 1=1 ، وبافتراض ان المطبوع المحلي السابق والجديد يساوي ما يقارب 3 ترليون ريال ، يعني ان يكون لديك في الاحتياطي للمركزي 3 ترليون دولار ، وهذا فعليا غير محقق والوديعة السعودية التي رصدت بحدود 2 مليار دولار بافتراض انه العامل الوحيد هو الاحتياطي يعني ذلك ان الدولار يساوي 1500 ري ، وهذا العالم ليس أساسا وحدة في الاقتصاد اليوم ، مثال ذلك الصين التي تمتلك احتياطا يعزز عملتها لتتفوق على الدولار الا انها تحارب لبقاء عملتها اقل من سعر الدولار لأنها دولة إنتاجية مصدرة ، أي تساوي او ارتفاع لعملتها اليوان يعني انها تفقد ميزتها التنافسية في سوق المنتجين الكبار .
  • حجم الصادرات والواردات يمثله الميزان التجاري الذي يحدد حركة التدفق النقدي من العملة ناتج عن تصدير المواد، او توريدات مختلفة عن طريق السياحة او واردات المغتربين للداخل … أي دورة حركة الإنتاج للمنتجات والخدمات في الدولة.
  • 2.               دور المركزي في إدارة السيولة وتحديد سعر الصرف؟

العاملان السابقان أساس وليس بالضرورة توفرهما معا فكلما كان البنك المركزي في الدولة قادر على اشباع السوق من الطلب على العملة المحلية والأجنبية بشكل متوازن يما يلبي احتياج الحركة التجارية والإنتاجية في السوق، هذا يمكنه تلقائيا من إدارة السيولة النقدية والسيطرة على سعر الصرف في السوق والحد من التضخم غير الصحي فيه. مع العلم ان المركزي اليمني يتعامل من سنوات بتعويم العملة المرن، فلماذا لا يمكنه الاعتماد على السعر الثابت المرتبط بالدولار؟

 هذه السياسة قد تكون ناجحة نسبيا ، مثال ذلك الأردن، الا انه في المقابل محاذير اقتصادية تتطلب انتقال الأردن من هذا الثبات الذي يجمد حركة السوق الاقتصادية، وبالتالي لا يعبر ذلك عن قوة الاقتصادي بشكل كبير، هناك عوامل أخرى اضعفت قدرة المركزي اليمني عن السيطرة على إدارة النقد ليس منها التعويم يبرز ذلك في :

  •  الحصار الاقتصادي غير المعلن، والذي جمد بشكل كبير حركة الصادرات والتي كانت تدعم الاقتصاد الوطني بما يزيد عن 7 مليار $ سنويا او أكثر بحسب بيانات الإحصاء 2014،
  • نقل المركزي الى عدن اوجد ادارتين غير متناسقتين للمركزي اليمني تتنازع الصلاحية، وللأسف لم يحيد نشاطه عن التدخلات السياسة،
  • تجميد حركة تناقل العملة للبنوك التجارية، مما أوقف قدرتها على فتح الاعتمادات البنكية، وسيطرة السوق الموازي (الصرافين) على عملية توفير العملة الأجنبية للطلب مما أضعف الإدارة الفعلية للمنظومة المصرفية عن التحكم في النقد المحلي والاجنبي المتدفق في سوق العرض والطلب.   
  • ما تأثير طباعة العملة على التضخم وانهيار سعر العملة؟

حتى تكون الأمور واضحة، يتبع المركزي سياسة طباعة العملة كل فترة زمنية في الاغلب بين 4 الى 6 سنوات تقريبا، لتجديد والحفاظ على سلامة العملة الوطنية…  المهم ان لا يتم ضخ عملة اكبر من حاجة السوق وحجم اقتصاد الدولة المتمثل في أسواق الإنتاج والاستهلاك وقدرة المركزي على تلبية الطلب على الأجنبي، فعدا ذلك سيؤدي الى ان تقل القيمة الشرائية للعملة وترتفع الاسعار وتصل الدولة لحالة من عدم الاستقرار …  لكن ليس بالضرورة ان هذا هي النتيجة، ففي حال قدرة المركزي على إدارة تلك الفجوة وضمان الثقة بالعملة الوطنية ، والمنظومة المصرفية فلن يحدث امر خارج السيطرة … وهذا ما اثبته المركزي في ادارته للوضع رغم طباعته للعملة في 2012 في إدارته للنقد حتى نهاية 2016 ….

في الجانب الأخر، فإن طباعة المزيد من النقود أحد أدوات السياسة الاقتصادية لإنعاش الاقتصاد والحث على زيادة الإنتاج. عبر خفض السعر للمساعدة على النمو وجذب الاستثمار، حيث تكون النقود بمثابة دماء جديدة تضخ في شرايين الاقتصاد الوطني مما تؤدي إلى انتعاشه.

ولنكون منصفين فقرار الطباعة كان مقررا من المركزي في صنعاء في 2016 قبل نقل البنك، حيث تقرر تغطية الفجوة للعملة ، وقد احدث ذلك ضجة في حينها ، ان حوكمة صنعاء تريد انهاك الاقتصاد بطباعة عملة جديدة …. عموما جاء القرار بعد نقل إدارة المركزي لعدن ، وفعليا تم طباعة كمية من العملة بالشكل القديم فئة الف ريال مدموغة بتوقيع المحافظ القعيطي والتي يتم تداولها في صنعاء الآن … وجاءت بقية المطبوع من الفئات بالشكل الجديد  … الخطأ هنا ان الكمية التي كانت مقررة تضاعفت اضعافا كثيرة عن المقرر طباعته ،  حيث وصلت الى طلب ترليون و700 مليار ..

 لماذا اضطر المركزي لطلب وضخ هذه السيولة الضخمة ، والتي اربكت في الحال الاقتصاد الوطني ، وسببت مباشرة في انهيار متسارع لسعر الصرف وتضخم تجاوز تقريبا ال 300% ؟

ان ومازال المركزي عاجز عن إدارة السيولة النقدية المتدفقة في السوق ، وعاجز عن تغطية مرتبات الموظفين التي تزيد عن 75 مليار شهري ، وعاجز عن توفير الطلب المتزايد للعملة الأجنبية للاستيراد الخارجي … كل هذا اسهم في تحكم السوق الموازي بسعر الصرف والذي قارب حينها الى 800 ري لكل $ ، ومع تدخل الوديعة السعودية التي ضحت النقد الأجنبي بإدارة المركزي بعدن أعاد التوازن للسوق وفي التحكم في ادارته الى سعر متقارب بين 500 -580ري ،هذا نتج عن قدرة المركزي على تلبية الطلب في اكبر كمية من النقد الخارج متمثلة في شراء المحروقات ، والحبوب ، مما أدى الى ضبط إيقاع سعر الصرف نوعا ما وفي فترة محدودة بيد المركزي…

الا انه في المقابل ظلت طباعة العملة تخرج للسوق دون وجود محفز من قدرة المركزي على التحكم في السعر، وزيادة الطلب على العملة الأجنبية، كما اضطر مركزي صنعاء الى إعادة ضخ العملة التي كان ينبغي اتلافها الى السوق، هذا صعب وعقد الصورة من جديد … الا ان هناك عامل مساعد آخر هو ضخ سيولة اجنبية عبر المانحين الدوليين في عدة مشاريع في اليمن للدعم الإنساني أسهمت في استمرار تدفق النقد الأجنبي، وبقاء استقرار الصرف على حافة 580 ري للدولار .  

  • اذن هل يمتلك المركزي الحفاظ على هذا الاستقرار لفترة طويلة؟

استمرار تدفق العملة الأجنبية من المانحين من جهة، و قدرة المركزي على استخدام الاحتياطي المتوفر لديه، وقدرته على الحصول على كمية تغطي طلب السوق من العملة، هذا يعزز قدرته على ذلك …

الا انه عندما يعجز عند ذلك سيبرز العطش من جديد في الطلب على العملة لغرض الاستيراد خاصة واليمن كما نعلم يستورد اكثر من 75% -90% من احتياجها منتجات خام او تامة من الخارج تقريبا وان حدث هذا سيكون الانفجار عكسي، أي السقوط السريع ، وقد يتجاوز الالف ري لكل $ …
 في المقابل إجراءات المركزي في صنعاء في محاولة للحد من التضخم بمنع تداول العملة الجديدة ، يبدو منطقيا من الوهلة الأولى وصحي …

الا انه حقيقة  لن يساهم في منع التضخم بل قد يصيب السوق بالكساد.. ،

 ان الحركة التجارية في البلد وإدارة النقد ليست في يد سلطة مركزية واحدة ، بالتالي ، هذا الاجراء يفقد السوق اهم عامل من عوامل استقرار العملة وهي حركة الإنتاج والاستهلاك ، والتي فقد منها  من يوم اعلان منع التداول اكثر من 60% حسب التجار والمصنعين المحليين ،قد يؤدي استمرار ذلك الى تراجع القدرة الشرائية ، وقد برزت نتائجها العكسية في المناطق تحت إدارة المركزي عدن، مع تعطش السوق الى العملة الأجنبية نتاج الخوف والشك في المنظومة المصرفية وفي الاحداث السياسة ، هذا اسهم في احداث مضاربة في العملة ، مما حدى بالمنظومة المصرفية الموازية الى اتخاذ إجراءات رفع أسعار التحويل بين المحافظات لتتجاوز 14% وهذا اضر بحركة الإنتاج والاستهلاك وتلقائيا المواطنين ،

اذن فالإجراء لم يكن مدروسا بما يحقق مصالح الأطراف وانما تشتم فيه السياسة .

  • الا يعتبر الاجراء البديل في استخدام الرصيد النقدي والتطبيقات الرقمية لعمليات البيع والشراء خطوة مهمة في توجيه وحماية العملة الوطنية والدورة الاقتصادية ومنع عواقب الاقتصاد الخفي والمنظومة الموازية؟

 نعم قرار توجيه الاستخدام نحو المنظومة الرقمية والتي تدار من المنظومة المصرفية، امر مهم في الحد من التضخم والسيطرة على العملة المبعثرة في السوق والتي تصل الى 3 ترليون ري بدون ان يشعر بها المركزي والمنظومة المصرفية، الا انه في المقابل ليست هذه الإشكالية:

  • هناك فقدان ثقة بالمنظومة المصرفية من قبل المواطنين يجب استردادها  
  • ثقافة الشمول المالي بحاجة الى بنية مؤسسية مركزية قادرة على إدارة كل المحافظات وضمان توافر النقد في حال الطلب، ونشر وتعميم هذه الثقافة بين المواطنين .
  • البنية التحتية لشبكات الاتصال والانترنت تعرضت للاستهداف والتدمير كلي او جزئي بحسب المواقع مما يتطلب عمل كبير لإعادة الاعمار وتطوير تلك البنية، وما مشكلة الانترنت اليوم بخافية على أحد والشبكة شبه المنقطعة للاتصالات في كثير من المحافظات اليمنية امر واضح وجلي.
  • يتم استهداف وتفكيك المنظومة المصرفية الوطنية بناء على عوامل سياسية وهذا ما حدث مثلا لبنكي الأهلي وكاك.
  • شبه الامية المالية والمصرفية في كثير من المناطق والقطاعات الإنتاجية كالمزارعين والصيادين والاعمال الإنتاجية اليومية.
  • عدم القبول والتنسيق في هذا القرار بين ادارتي البنك المركزي.
  • مازال نصف او أكثر موظفي الدولة بلا رواتب كليا او جزئيا من 3 سنوات وهم أحد القوى الدافعة لعملية الشراء والتسديد من البريد اليمني.
  • اصدار قرارات مالية أحادية الجانب لا تنبع من تداول للمصلحة الوطنية العامة.

وفي ابسط مثال هناك عدة محافظ رقمية أطلقتها عدد من البنوك التجارية، يمكن الرجوع اليها لمعرفة الفجوة الكبيرة في نسبة الاستخدام بين الدافع والشاري ، حقيقة ورغم بعض المحافظ صدرت من سنوات عدة الا انها لم تحقق النجاح المتوقع لبعض او كل الأسباب السابقة.

  • ما الذي نريد ان نصل اليه؟

أي تحرك من أي طرف اليوم في حماية الاقتصاد الوطني تبدأ في تحييد الاقتصاد ومنه تحييد المركزي اليمني ، ويتم ذلك عبر توحيد او تنسيق الجهود لإدارة مشتركة حتى وان كانت هذه الإدارة خارج اليمن ، وبعيدا عن تدخلات السياسة ، ينبغي النظر أيضا ان الأسعار تفاقمت ليس فقط بسبب العملة وانما بسبب مصاعب التوريد في النقل ومخاطر النقل الى اليمن وفي الطرق الداخلية ، اضف الى ذلك فعليا توقف التصدير بشكل يحقق عودة احد عجلات تدفق النقد الأجنبي الى اليمن ، ودخول المنافذ ضمن اطار الحرب، فما زالت ادارتي البنك المركزي اليمني ، تعمل في اطار ضيق من دور المركزي الحقيق وجهوده واطلاق الثقة في المنظومة المصرفية ، حيث عليه ان يتوقف عن تكوين فروع للمركزي في المحافظات يفترض اليوم ان يوجه الجهد لدعم البنوك المختلفة كجزء من إدارة العملية والسياسة النقدية ، الا انه مبدئيا ينبغي العمل على توحيد وتنسيق الجهود لتكوين لجنة او إدارة تنسيق مشترك للإدارتين تنتقل لها صلاحيات إدارة المركزي اليمني تتكون من فريق من مركزي صنعاء وعدن وطرف محايد يقبله الأطراف لإدارة تلك اللجة وفي ظني ان الوقت حان لاختيار كفاءة قوية مثل المحافظ الأسبق محمد بن همام.

#اصلح_الله_بالكم

محبتي الدائمة

احمد مبارك بشير

31 يناير 2020

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.