يوم القيامة القسم الثالث – ح 1-انهمار المياه من القبة السماوية

انهمار المياه من القبة السماوية:

وقع الانفجار الكوني الأول في الكتلة التي كانت طافية على الماء (أو على سائل كيماوي مشابه للماء) وذلك بانفجار المياه المحيطة بالكتلة وتعرض الكتلة كما أظن لموجات كبيرة من الحرارة التي تصاحب الزوابع الشديدة المتشكلة على ذلك البحر العظيم الذي يفوق حجمُه حجمَ عدة مجموعات من المجرات كما أحتمل. بعد الانفجار تحولت المياه أيضا إلى غازات وسارت مع النجوم التي تشكلت شيئا فشيئا في الفضاء الآخذ بالتوسع. من هذه المياه ما حملتها النجوم لتنفصل فيما بعد من كل منها باتجاه الأرض التي قدر الله تعالى فيها الحياة النباتية ثم الحيوانية ثم الإنسانية.

قال تعالى في سورة المؤمنون: ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ (16) وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ (17) وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الأرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ (18). فقد تشير الآية إلى تلك المياه الأصلية التي انفجرت مع تفجر البحار الأصلية. وقد تشير إلى ما تشكل من مياه قريبا من وجه الشمس قبل تكامل تشكل الأرض التي نعيش فيها.

ومنها ما ارتفعت إلى أعراف الكون لتمد القبة بحاجتها إلى مزيد من الماء لأجل التوسع. كل هذه بالإضافة إلى ما تتشكل بعد ذلك من مياه فإنها تصعد في الأعراف. هذه القبة المهيبة جدا سوف تتهشم وتبعث بكل مياهها باتجاه الكواكب التي منيت بمصيبة الزوال القسري السريع. ويذكر الله تعالى ذلك ضمن الآيات التالية من سورة الحاقة:

(الحاقة):

الرياح والعواصف العاتية جدا بسرعة غير مألوفة بملايين الكيلومترات في الساعة، وكذلك الأمواج الصوتية فائقة الشدة بالإضافة إلى المياه المتسرحة من جوانب الكون تحيق بكل مكونات الفضاء المهيب. وقد سماها العلي العظيم بالحاقة من حاق يحيق وليس من حق يحق كما تصورها بعض الإخوة المفسرين.

سورة الحاقة: الْحَاقَّةُ (1) مَا الْحَاقَّةُ (2) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ (3) كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ (4) فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ (5) وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ (6) سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ (7) فَهَلْ تَرَى لَهُم مِّن بَاقِيَةٍ (8) وَجَاء فِرْعَوْنُ وَمَن قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ (9) فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَّابِيَةً (10) إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاء حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ (11) لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ (12) فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ (13) وَحُمِلَتِ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً (14) فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ (15) وَانشَقَّتِ السَّمَاء فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ (16) وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ (17) يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَةٌ (18)  وقد ذكر الله تعالى ما أصاب قوم ثمود من الصيحة المفزعة القاتلة وما أصاب قوم عاد من الحواصب والأعاصير العاتية وما أصاب قوم فرعون من الغرق ليشير إلى ما يحيق بما في الكون من رياح ومياه وأصوات في ذلك اليوم المفزع.

ولقد أشار الله سبحانه بأنه حمل مكونات البشر وهي الماء زائدا مكونات التربة، في “الجارية”وتعني الشمس وبقية النجوم المشابهة لشمسنا. هذا ما حدث يوم الانفجار الكوني المهيب وتَشكُّلِ الكواكب حيث طغت المياه وتفجرت البحار المتشكلة منها. سوف تعود المياه مع ما أضيف إليها مرة أخرى إلى مركز الكون بعد النفخة الأولى المستقبلية كما ذكرنا. آنذاك سوف تتشقق السماء المحيط بالكون المبني أصلا من الماء وحينما تنشق فإنها سوف تبعث بمياهها إلى منتصف الكون مرة أخرى وسوف تطفو خلاصة مواد الكون فوق الماء مرة أخرى. هذا الجسم الطافي على الماء هو عرش رب العالمين الذي حدثنا سبحانه عنه في سورة  هود هكذا: وَهُوَ الَّذِي خَلَق السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَلَئِن قُلْتَ إِنَّكُم مَّبْعُوثُونَ مِن بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ (7). سوف تتشكل الكتلة الجديدة كما كانت من قبل لتطفو مرة أخرى على ذلك الكم الكبير من المياه العائدة إلى منتصف الكون لتغيير الماهية إلى ماهية جديدة قادرة على البقاء الأبدي. وقد شرحت الأيام الستة عند تفسيري لسورة الذاريات والحمد لله تعالى. ولكن لا مجال لذكرها هنا في موضوع القيامة.

وأما الملائكة الذين هم على أرجاء السماء فهم الذين يحملون العرش الآن والذي يمثل كامل القبة السماوية المحيطة بالكون والتي تمد الكواكب الجانبية للكون بالجاذبية من الخارج حتى لا تتساقط على الكواكب الداخلية. وقد ذكرهم الله تعالى في سورة غافر هكذا: الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (7). وجدير بالذكر أن الله تعالى لم يسمهم ملائكة كما فعلت. نحن نسمي كل تلك الكائنات الطاقوية الطيبة ملائكة لجهلنا بأنواعهم. ولكن الواقع أن الذين يحملون العرش فهم كائنات قوية جدا ولا دخل لهم بملائكة النظام الشمسي مثلا. إنهم كما أحتمل أقوى وأهم من الأرواح القدسية التي منها الملك العظيم المعروف بجبريل والعلم عند الله تعالى.

وأما العدد ثمانية فنحن لا نعرف بالضبط عدد كل مجموعة من المجموعات ولكننا نعرف بأن الملائكة الطاقويين الذين سيحملون الكون الجديد كما يحملون الكون الفعلي هم موزعون على ثمان زوايا. تماما مثل الزوايا الثمانية التي عينها الفيزيائيون للسيطرة الطاقوية على الكرة الأرضية. فكما يبدو فإن هناك ثمان مجموعات ثلاثية كل منها مؤلف من ثلاثة أقمار صناعية موزعة حول الكرة الأرضية. هذه المجموعات تغطي كل مساحة الأرض فمثلا نستفيد منها لتوجيه الطائرات والسيارات والبواخر إلى العناوين المطلوبة. فجهاز الملاحة المعروف لدى سائقي السيارات بـ (Navigator ) يرتبط بتلك الأقمار الثلاثية والأجهزة تجوب الطرق مع السيارات لتهديها إلى العنوان الذي تسير فيه بكل دقة. فأظن بأن الله تعالى يشير إلى وجود ثمانية مجموعات ملائكية تحيط بالقبة السماوية لتغطيها جميعا بالجاذبية من خارج القبة السماوية حتى لا ينهار الكون والعلم عند الله تعالى.

حال الإنس والجن آنذاك:

سوف يضيع كل الموجودات داخل الفضاء الواسع الكبير ويختلطون ببعضهم البعض في تلك المعمعة الكبرى، ولا يعرف أحد إلا الله تعالى كيف يتم إعادة تجميعهم. هناك لا يتمكن أحد من التعرف على من يعرفه إلا بالصدفة. وهي محال لأن مقابل كل إنسان من كوكبنا مالا يقل عن عشرين ألف بليون بليون إنسان مثله وقد لفظتهم كواكبهم باتجاه الفضاء. فاحتمال أن ترى في تلك المعمعة أحدا تعرفه من أهلك وأصدقائك هو واحد من عشرين ألف بليون بليون على الأقل وهو بمثابة الصفر الكبير. كل أهل الكواكب سيكونون هكذا ضائعين في ظاهر الأمر لكن الله تعالى سوف لن ينساهم بل يجمعهم ليوم الجمع بعد انتهاء عمله في إعادة تصنيع الكون. والموضوع موضح في ما يلي تحت عنوان : يوم الجمع أو يوم التغابن.

بالطبع أننا بعد حين من موتنا سوف نرقد كما يرقد ملائكتنا احتمالا حتى لا نرى كيفية إعادة صياغة الكون. إنه سبحانه لا يريد لنا احتمالا أن نتعرف على ذلك لقوله تعالى في سورة الكهف: مَا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَلا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا (51). والحديث هناك عن الشياطين ولكنه سبحانه اعتبر إراءة  خلق الكواكب والنفوس لأحد بمثابة اتخاذه عضدا مساعدا ونحن نعرف بأنه سبحانه لم ولن يتخذ أحدا يساعده. وقد خلق كل شيء سبحانه قبل أن يتواجد ملَك أو  جن أو إنسان. ولذلك فإننا جميعا سوف نكون راقدين غافلين حتى نعود إلى الشعور مرة أخرى بعد أن ينبت الله تعالى علينا خلايا نباتية كما سيأتي.

تُبلى السرائر:

لا يمكن لسر أن يبقى عند أحد في ذلك اليوم فكل شيء بطبيعتها سوف تُعرض على شاشة الأفق، فالويل من الخزي والعار آنذاك. كلما أخفيناه في نفوسنا المنافقة وكلما صرفناه من جهد ووقت لنحتفظ بسرية كوامننا المريضة وكل الأعمال المهينة التي نخشى أن يطلع عليها آباؤنا وأبناؤنا وإخواننا فسوف تنكشف لكل الناس من أهل كل المجرات وليس فقط من أهل كوكبنا الصغير؛  في ذلك اليوم الذي لا مناص منه ولا مفر فيه ولا مفزع. يقول تعالى في سورة المعارج: يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ (11) وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ (12) وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْويهِ (13) وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنجِيهِ (14) وكلمة يبصرونهم  تمثل فعلا مبنيا للمجهول وله مفعولان. المفعول الأول هو شخصياتنا والمفعول الثاني هو حقائقنا النفسية التي ستظهر للملإ من الناس والجن وفي كل الكون وليس فقط في كوكبنا.

ويقول سبحانه في سورة الحاقة: فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ (13) وَحُمِلَتِ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً (14) فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ (15) وَانشَقَّتِ السَّمَاء فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ (16) وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ (17) يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَةٌ (18).

و يقول في سورة الطارق:  إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ (8) يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ (9) فَمَا لَهُ مِن قُوَّةٍ وَلا نَاصِرٍ (10).

يتبع

أحمد المُهري

#تطوير_الفقه_الاسلامي

#يوم_القيامة

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.