هل يبيح القرآن ضرب الزوجة؟

هل يبيح القرآن ضرب الزوجة؟

An abused woman trying to defend herself

إخواني وأخواتي الأفاضل

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أعتذر بأنني أقحم نفسي في محاوراتكم التي قد تكون شخصية ولكنكم تناولتم موضوعا قرآنيا هاما لا يجوز لمن يعلم شيئا عنه أن يخفيه بحكم العقل وبحكم أننا بشر نحب بعضنا وعلينا أن نساعد بعضنا البعض لتعميم السلام والعدل. ثم إنكم بعثتم لي نسخة من محاوراتكم القيمة.

ولذلك أقدم لكم هذا البحث كتبيا بعد أن قمت بشرح الآية التي تصديتم لها مرة قبل حوالي عشر سنوات في تلفزيون المستقلة كما أنني شرحتها بكل تفصيل لتلاميذ القرآن قبل حوالي ثلاث سنوات ضمن جلسات تفسير القرآن الأسبوعية في نيو مالدن. والغريب أنني بعد تفكير طويل في كل مرة لم يتغير رأيي حول هذا الموضوع بالذات على أنني استمعت وقرأت الكثير حوله.

وقبل كل شيء فمن الأفضل أن أبدأ بمخاطبة إخواننا الملحدين الذين يحكمون على كتاب الله تعالى من مرآة التفاسير والكتب التي تملأ المكتبة العربية كما سيكون لي كلام آخر مع إخواننا اليهود الذين نشروا وينشرون لقطات من كلمات بعض السذج من أصحاب الألقاب الإسلامية. ثم أذكر رأيي في تفسير الآية مشفوعا بالرد على الغير. ولكني سوف أبدأ بالتفسير حتى لا ينتظر القارئ طويلا.

لنستعرض الآية الكريمة بالكامل. قال تعالى في سورة النساء: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا (34). يعرفني زملائي في جلسات التفسير بأنني لا أرضى بتفسير أية آية إلا بعد ملاحظة السورة وملاحظة مكان السورة بين السور الأخرى. ولكننا في هذه الآية قد نعرف الكثير من معانيها بدون ملاحظة كل ذلك.

الرجال قوامون على النساء:

الرجال هنا فعلا في مقابل النساء بمعنى الذكور وليس بمعنى رجال المهمات الدنيوية التي تشمل الجنسين. والقوّام يعني الذي يقوم بالقيام بالنسبة لغيره. والقيام قد تعني المونة فيكون القوام بمعنى المائن كما قاله بعض اللغويين أيضا، وقد تكون بمعنى القائم بكل الأمور بما فيها إدارة البيت والتعليمات الأساسية للأسرة. ولكن المعنى الثاني غير مقصود في الآية الكريمة لأن الله تعالى قد عين قبل عدة آيات معنى للقيام ثم سارت الآيات باتجاه معالجة ذلك الحق الذي يكون عادة للرجل فقال تعالى فيما مضى من نفس السورة: وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ قِيَاماً وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفًا (5). والآيات المتوسطة كلها تتحدث عن المسائل المالية من أجور وميراث وبالطبع فإنها كعادة القرآن لا تترك المسائل المعترضة مثل بيان حكم الذين يأتون الجنس المشابه من الذكور والإناث وبعض أحكام النكاح وتستمر الآيات بعد الآية التي نتحدث عنها ببيان بقية المسائل المالية. فمن الواضح أن المقصود من القوّامين على النساء هم الذين أنفقوا عليهم وليس غيرهم. فالذي يتزوج بدون أن ينفق مالا حقيقيا متكئا على أموال زوجته أو أهلها أو الدولة أو المؤسسات الخيرية فهو خارج من مصاديق هذه الآية.

بما فضل الله بعضهم على بعض: 

التفضيل هنا لا يشير إلى فضل المؤمن ولا العالم ولا القوي في بدنه ولا أي فضل مكتسب آخر بل يشير فقط إلى الفضل المالي. وقد وضح الله تعالى قبلها المقصود من هذا التفضيل في نفس السورة فقال عز من قائل: وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُواْ اللّهَ مِن فَضْلِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (32) وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا (33). فالفضل هنا هو الفضل المالي ولا يدل على شرف ولا أهمية أخرى للرجل على المرأة.

وبما أنفقوا من أموالهم:

بيان للإنفاق من الأموال وهذا ليس تكرارا للمقطع السابق بل هو لإثبات حق الرجل في أنه قد اكتسب المال بسعيه. فلو افترضنا بأن رجلا لم ينفق من ماله على امرأته بأي سبب حتى بعلة البخل فهو خارج من مصاديق هذه الآية أيضا. فالحق أو الفضل قائم مادام ينفق من ماله فقط وليس من لا ينفق أو ينفق من مال الغير.

فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله:

هذا المقطع من الآية تخرج الصالحات منها بدون نقاش. والصالحات هنا لا تعني الصالحة للزواج أو الطهي أو تربية الأولاد أو ترتيب البيت أو الإنجاب أو أي صلاحية أخرى عدا الصلاح الإيماني المؤدي إلى استحقاق الجنة. وذلك لأنه سبحانه وصفهن بالقانتات. والقنوت تعني الخضوع وهو صفة عامة لكل الكائنات شاءوا أم أبوا، لكن المقصود في هذه الآية هو القنوت الاختياري الخاص بالمكلفين وليس الجبري العام لكل الماهيات بما فيها ماهيات البشر والجن المكلفين أيضا. ولذلك نسب الحفظ إليهن بداية باعتبار أن الصلاح والقنوت هنا تعبير لما يأتين به وليس لما ليس بيدهن. ثم أيد سبحانه حفظهن للغيب بالتأييد الإلهي النفاذ دون ريب. وحفظ الغيب هنا واضح بأنهن يحفظن فروجهن في غياب الأزواج. ونعرف من هذا المقطع بأن الحديث في الآية يدور حول الرجال الذين يتزوجون بقصد المشاركة مع امرأة شريفة محافظة على عرضها وليس الذين يبحثون عن المتعة وتمديد الشهوات فحسب. إن من حق الذي يدفع مالا بقصد التعايش مع امرأة شريفة أن ينعم بالراحة النفسية تجاه زوجته. ولذلك وعده الله تعالى بأن يصون الصالحات فلا يظن المؤمن السوء بالزوجة المؤمنة.

وأما قول بعض المفسرين بأن المقصود من القنوت هو الخضوع للرجل فهم غير بليغين قطعا. لا يمكن أن نفسر الصالحة القانتة بالتي تطيع زوجها وإكراما لطاعتها لإنسان فإن الله تعالى يحفظها! هناك الكثير من غير المؤمنات مطيعات لأزواجهن وصالحات للواجبات الزوجية ولا معنى لأن يعد الله تعالى حفظهن بالغيب. ناهيك عن أن الطاعة في القرآن لا تعني تنفيذ الأوامر بل تعني الاستماع والقبول فقط.

وقول بعضهم بأن الحافظات يعني حافظات لأموال الأزواج فهو غير بليغ أيضا. لو كان معنى الحفظ غير حفظ الفروج فإن النشوز الذي جاء في مقابله لا تمس العلاقات الزوجية الخاصة أيضا.

واللاتي تخافون نشوزهن:

هؤلاء هن في مقابل الصالحات، وتعني بكل صراحة غير الصالحات. وغير الصالحات ليست بجميعها داخلة ضمن مصاديق الإذن الذي يأتي فيما بعد. لقد وضحت الآية غير الصالحات اللائي تبعثن بنوع من الخوف أحيانا في نفوس أزواجهن. ولو فرضنا امرأة غير قانتة وغير مؤمنة ولكنها شريفة عفيفة لا يشعر زوجها بأي خوف على شرفه في غيابه فهي مستثناة من أحكام هذه الآية تماما كالصالحات القانتات. والفرق بينها وبين الصالحات هي أن الله تعالى وعد بصيانة الصالحات ولم يعد بصيانة غيرهن من الشريفات. هذا لا يعني بأن الله تعالى لا يصونهن بل يعني بأن الصالحة القانتة أكثر تعرضا لصيانة ربها من غيرها لأنها تمتاز بفضل شخصي بسبب خضوعها الاختياري لربها واعترافها بحق الله تعالى.

وأما النشوز الذي يخافه الزوج فهو لا يعني الترفع كما تصور البعض ولو أن النشوز في اللغة وفي أصل معناه يعني الرفع. ذلك بأن المجال ليس مجال الترفع بل هي مجال التنازل لغير الزوج. والترفع ليس أمرا يخاف منه الزوج كما تصوروا بل الترفع قد يظهر من المرأة وقد لا يظهر منها وليس له علامات تبعث بالخوف في قلب الرجل. والترفع يعني بأنها لا ترغب في النوم مع زوجها ترفعا عليه فما فائدة الهجران في المضاجع بالنسبة لمن تترفع عن زوجها؟ وأما التي تتحدث عن شرف أسرتها ورفعتهم فهي لا تشكل خطرا مؤديا لأي خوف بالنسبة للزوج ولا يحتاج حديثها عن الترفع إلى أي علاج ما لم تشفعه بفعل يضر بسلامة المشاركة الزوجية.

وواقع الأمر أن النشوز هنا قد أتت في مقابل الحفظ بالغيب ويعني التفريط بالغيب بالنسبة لشرفها وهو شرف الزوج أيضا. هذا يعني بأنها فضلت الغير على زوجها فالنشوز حاصل بالنسبة للغير وهو فعل تفعله المرأة التي تستقبل غير زوجها في الفراش. فإذا خاف المؤمن المحافظ من زوجته غير المحافظة وغير الصالحة أن تُرفِّع عليه أجنبيا فمن حقه القيام بما سيأتي. ولا ننس أن الخوف لا يعني مجرد وسوسة النفس بل يعني الظن ورجحان احتمال الزنا بالنسبة لها مما يبعث بالخوف في قلب الزوج، ولن يحصل ذلك إلا بظهور بعض التصرفات الغريبة من الزوجة. ولو كان الخوف بدون ذلك فقد كان موجودا قبل أن يتزوج بها باعتبار أنها ليست من المؤمنات الصالحات وقد رضي بها زوجة له. يجب أن نتصور تغير الحالة لنعتبر الزوج خائفا على الشرف من زوجته.

ولو أردنا أن نعرف بدقة معنى النشوز في مثل هذه الحالة من القرآن فمن الخير أن نرجع للقرآن نفسه. قال تعالى في نفس سورة النساء: وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ وَإِن تُحْسِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (128). فلو كان خوف المرأة هنا من أن يترفع زوجها عليها بعدم المضاجعة فلا معنى للإعراض حينئذ. الترفع أو النشوز سوف يعني الإعراض حينئذ، ولكن المعنى في الواقع أن تخاف المرأة من أن ينام زوجها مع امرأة أخرى. هناك سوف يكون للإعراض معنى وهو أنه لا يضاجعها أو لا يكترث بها. لسنا بحاجة إلى أن نبحث الموضوع لغويا مادام القرآن نفسه وفي نفس السورة يعطينا المعنى، والعلم عند الله تعالى.

فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن:

نرى ههنا ثلاثة أوامر معطوفة على بعضها البعض، ولكن المفسرين وعامة الفقهاء قد فسروها بالدرجات بمعنى أن يقوم الزوج بالموعظة فإن لم تنفع فبالهجران في المضجع فإن لم ينفع فبالضرب. لو كان كذلك لوصل الله تعالى الأوامر ببعضها بـ “وإلا” أو بـ “ثم” أو بـ “أو” على الأقل. فلماذا عطفها على بعضها بالواو؟

وحينما نمعن في السورة نرى بأنها تنطوي على مجموعة مشابهة أخرى من الأوامر ولا يمكن هناك أن نفسرها بالتدرج وهي هذه: وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُودًا (61) فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَآؤُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا (62) أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُل لَّهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغًا (63).

نرى بكل وضوح أن الأمر الثلاثي المشابه موجه للرسول عليه السلام بالنسبة للمنافقين الذين يحضرون مجلسه ويسعون لإظهار الود معه ومع صحابته. فلو كان المقصود هو التدرج في التعامل فبدأ الرسول بالإعراض عنهم ومعناه أن يعرض بوجهه عنهم فلا معنى لأن يعظهم. إن من شروط الواعظ أن يُقبل على الذي يقدم له الموعظة ولا يعرض عنه. ثم كيف يقول الرسول في أنفس المنافقين قولا بليغا وهو لا يملك نفوسهم بل الله تعالى ينفرد بالسيطرة على النفوس. قال تعالى في سورة الغاشية: فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ (21) لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ (22). وقال تعالى في سورة الرعد: أَفَمَنْ هُوَ قَآئِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَجَعَلُواْ لِلّهِ شُرَكَاء قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي الأَرْضِ أَم بِظَاهِرٍ مِّنَ الْقَوْلِ بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ مَكْرُهُمْ وَصُدُّواْ عَنِ السَّبِيلِ وَمَن يُضْلِلِ اللّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (33). فإذا كان الله تعالى قائما على كل نفس فلا مجال لغيره سبحانه للسيطرة على النفوس حتى يقولوا فيها قولا بليغا.

والواقع في كليهما بأن الأمر يخص عملا واحدا يقوم به المرء فيتحقق الأمران الآخران. فإذا أعرض الرسول بوجهه وهو في سدة الحكم عن وجه منافق متودد إليه فسوف يعصر الألم قلب المنافق فيتعظ ثم تتأثر نفسه أكثر لأنه سوف يرى ما يُصاب به من خجل وإهانة أمام غيره من الصحابة فيتسلم رسالة قوية من الرسول الحاكم بأنه عليه السلام يعرفه وبأن صحابته يعرفونه أيضا فلا مجال للتخفي فتكون الرسالة بالغة أعماق قلبه.

وفي الآية التي نحن بصدد فهمها فإننا سوف نقوم بنفس أسلوب التفسير ولكن دعني أوضح معنى الضرب في اللغة العربية قبل كل شيء. يقول الراغب الأصفهاني في مفرداته: الضرب يعني إيقاع شيء على شيء ولتصور اختلاف الضرب خولف بين تفاسيرها.     انتهى ما نحتاج إليه من كلام اللغوي الراغب.

ولو نراجع موارد الضرب في القرآن فنراها فعلا تتحدث عن إيقاع شيء على شيء بأشكال مختلفة فتتحقق معاني مختلفة. والضرب الذي نقصده نحن اليوم في أحاديثنا العامة هو الضرب باليد أو بالعصا إما على الأرض مثلا فيعني السفر ونعديه بـ “في” أو نتحدث عن آلة الضرب فنعديه بالباء كقولنا:

ضرب محمد في الأرض بسيارته.

ولكننا لو قلنا ضرب محمد عليا فإننا نقصد بأنه أوجعه بإيقاع اليد أو آلة عليه بحيث يتوجع. فلو أن محمدا وضع يده على بدن علي أو وضع العصا عليه بدون الإيقاع فإنه لا يقصد إنزال الألم على علي. ولو فرضنا أنه أوقع العصا على علي بدون أن يحصل الوجع فلا نستعمل كلمة الضرب. لأن المقصود في الضرب بالنسبة للإنسان هو إيجاد الشدة في النفس، كالوجع أو كالضرب بالتغزل وإظهار الغرام أو كالضرب على النفس بإبلاغه خبرا موحشا أو خبرا بفرح عظيم. فنحن حينما نوظف كلمة الضرب ضد الإنسان فإننا فعلا نقصد التأثير السلبي أو الإيجابي في نفسه.

وضرب الرجل زوجته في مثل هذا المورد هو بهدف إيقاع الوجع عليها لتنتبه إلى خطورة ما قد تطوع له نفسها فتحجم خوفا على مستقبلها.

ولو نحلل المسألة الحاصلة ببيان أوسع، فإن المرأة التي نتحدث عنها هي التي تحتاج إلى الزوج للتقويم وهي بالفعل قد رضت بأن تكون زوجة مشاركة له في الحياة وفقا لقوانين القرآن أو ما يُعرف بحدود الله تعالى. ثم حصل منها ما يزعج الزوج فقد يتركها فيكف عن مدها بما تحتاج إليه من مال للاستمرار في الحياة السعيدة. والذي حصل أن بعض ما يريب الزوج من احتمال ارتباط بالغير قد ظهر منها. إنها مع زوجها في أمان من الحاجة المالية ولكنها مع الغريب ستكسب مالا مؤقتا أو تتمتع بإشباع نزوة مؤقتة لن تدوم لأن الغريب لم يتعهد بتحمل أية مسؤولية تجاهها. فلو قام الزوج بأي عمل لنقل الخوف من قلبه إلى قلبها بأنها سوف تخسر هذا الشريك المتعهد شرعا وقانونا فإنها سوف تتألم نفسيا وتترك ما ترنو إليه على أغلب الظن.

فالذي يقوم به الزوج هنا هو فقط الهجران في المضجع فتشعر المرأة غير الصالحة بالموعظة الخفية ثم تشعر بعدها وبعد أن تفكر، بوجع وألم شديد في قلبها حيث أنها سوف تبدأ بتصور الانفصال عن شريك ضحى في سبيلها ليعالج الخوف القلبي من أن يتأثر شرفه بالمس من غريب. هناك سوف تفكر المرأة بجدية لإخراج الخوف من قلب زوجها بالمزيد من التودد وبترك أي ارتباط مريب مع أي شخص خوفا على مستقبلها.

ومن حق القارئ أن يستشكل علي بأنني فسرت آية المنافقين بأن يقوم الرسول بالأمر الأول فيتحصل الأمران الثاني والثالث لكنني فسرت آية ضرب النساء بالأمر الثاني فيتحصل الأول والثالث. ذلك كما أظن لتثبيت اهتمام الرجل بالوعظ حينما يهجر زوجته في المضجع وليس لأمر آخر. إن ترك المضجع قد يكون لعدة أسباب وقد يتغير أشكاله بتغير الهدف فالذي يريد الموعظة فحسب فإنه سوف يبدي عدم الرضا فقط بالهجر المؤقت المحدود للمضجع والإعراض المؤقت عن زوجته ليُشعرها بأنه متألم منها فقط. فهذا لا يعني أن يترك البيت ويذهب إلى بيت آخر أو حتى يترك غرفة النوم وكلها هجران وترك للمضجع في الواقع.

ثم نأتي إلى ما قاله بعض المفسرين الكرام لنرد عليهم حول مسألة الضرب فقط وليكن معلوما بأنني أخالف أكثر ما قالوه في تفسير بقية مقاطع الآية الكريمة.

1.

قال الكشاف ما ملخصه أن للرجل الحق في أن يضرب زوجته بحيث لا يجرحها ولا يكسر لها عظما ويتجنب الوجه. وذكر رأيا آخر هو الاغتصاب حسب تعبيرنا.

فأقول للزمخشري بأنه مع إمامته للغة أو للنحو فإنه نسي بأن الرجل لم يشاهد النشوز بل خافت منها النشوز فكيف يضربها على عمل لم تأت بها بعد. أليس هذا قصاصا قبل الجرم؟ ثم إن الله تعالى لم يعين حد الضرب فهل القرآن ناقص حتى يأتي بأحاديث كتبها البشر لتفسير كتاب قدر الله تعالى له أن يكون مبينا واضحا؟ إنه مخطئ كما أخطأ في بياناته الأولى لتفسير الآية التي فسرها تفسيرا ذكوريا محضا.

2.

أما الطباطبائي في الميزان فإنه انتبه إلى أن الأوامر الثلاثة معطوفة ولكنه ظن بأنها للتدريج ولو كانت معطوفة. طبعا بدون دليل. لكنه لم يوضح لنا الضرب وكيفيته ولعل طبعه الشخصي لم ينسجم مع الضرب، لكنه لم يرد على الذين ظنوا الضرب بالآلة لأنه كما يبدو لم يتمكن من الاستدلال ضدهم. فلا داعي للرد عليه. ولاحظت مفسرا معاصرا آخر هو محي الدين الدرويش في إعراب القرآن وبيانه، وكأنه معرض عن الخوض في مسألة الضرب.

3.

والطبرسي في مجمع البيان ذكر الضرب غير المبرح وأتى بحديث آخر عن الضرب بالسواك. وهو مثلهم يعلم بأن المرأة لم تأت بعمل ولكن الرجل خاف عليها لظهور أمارات عدم الطاعة لديها. فيكون معنى كلام هؤلاء الإخوة بأن الحديث يدور حول طاعة الزوجة لزوجها في الفراش كما يبدو وهو بعيد عن سياق الآية برأيي ولا داعي للرد عليه وعلى أمثاله من المفسرين القدامى.

4.

وانتبه الفخر الرازي أيضا إلى أن الواو للعطف ولا يدل على التدرج ولكنه أذعن لآراء الغير وذكر عدد الضربات كما بين آلة الضرب مع الأسف.

5.

وقال زميلنا في جلساتنا العلمية الأستاذ قصي الموسوي بأن اضربوهن يعني اضربوهن ببعضهن. فسيكون المعنى حسب تفسيره بأن يجعلوا من أقرانها من النساء مثلا فيطبقوها عليها. ومعنى ذلك كما يقول سيكون بأن يقدموها إلى طبيب نفسي لمعالجتها أو ينصحها الغير لتغيير أخلاقها. بالطبع أنه فسر النشوز بمعنى الترفع على الزوج ونسي بأن النشوز هنا جاءت في مقابل الحافظات للغيب. وقال أيضا بأن هناك تدرج فعلي في الأوامر الثلاثة من حيث طبيعة الأمر فالموعظة تكون بينهما والهجران في المضجع قد ينتقل إلى الغير بأن تذكر الزوجة قصة زوجها معها لزميلاتها وأما الضرب فهو فعلا إخراج القضية من حوزة الزوجين إلى الأمة المحيطة بهما للمعالجة.

لا شك بأن كلامه جميل ومحاولته للابتعاد عن معنى الضرب محاولة جريئة يُشكر عليها ولكنه لم ينتبه إلى حقيقة المعنى. فلو أن الله تعالى أراد أن يقول اضربوهن فعلا بالمعنى الذي يذكره المفسرون فما ذا كان يقول؟ أليس نفس الكلمة؟ لو صح ذلك فإن الله تعالى قد استعمل كلمة تدل على معنيين فأخرج القرآن من الوضوح المطلوب إلى الكلام المورث للشك وهو بعيد عن نطاق المفهوم القرآني. نحن في جلساتنا نسعى لأن نفهم معنى واحدا للآيات جميعها ونسعى لنفهم الارتباط بين الآيات ونفهم هدف السورة التي من أجله سميت سورة ونفهم ضرورة وضع السورة في المكان التي هي فيه من القرآن وقد نجحنا في كل ذلك إلى اليوم بفضل ربنا الذي ليس على الغيب بضنين، فكيف نقبل رأي زميلنا الذي ينحرف عن مسار جلساته التي هو عضو فعال فيها؟ أظن بأن على الزميل العزيز أن يغير رأيه حتى لا يقع في المطبات.

ولي حديث مع كل المفسرين قبل أن أنتقل إلى الملحدين واليهود. إن القرآن الكريم يتحدث عن الزنا الفعلي في سورة النور ويحدد له مائة جلدة، فيستعمل كلمة الجلد للضرب وليس كلمة الضرب. فيحدد أولا أن ضرب الإنسان يكون بالجلد وليس بالعصا التي قد تؤدي إلى الكسر ولا أشك بأن المقصود من الجلد ليس الضرب على الجلد كما تصوره بعض اللغويين. إن المعنى المتقارب لفعل “جلد” هو أن يكون الضارب بجلده أو الآلة من الجلد ثم في المرحلة الثالثة يكون الضرب على الجلد، وبما أن الضرب بالجلد معلوم وخال عن خطر الكسر الذي يحول الجلد إلى تكسير العظام فهو المقصود إذن وليس الضرب على جلد الإنسان. إن الضرب دائما يكون على الجلد ولا معنى لاستعمال الجلد آنذاك.

ثم إنه سبحانه يأمر بأن يكون الجلد في مشهد طائفة من المؤمنين حيث يضطر الحاكم أن يبلغهم جميعا حكمه وأسباب الحكم ودلائله ليكون العذاب بعيدا عن الغرف المغلقة درأً للظلم الخفي. فكيف يسمح للزوج الذي يتحول إلى مجرم فعلي حين الغضب فيسمح له بضرب زوجته في الغرف المغلقة وبدون أن يحدد نوع آلة الضرب ولا عدد الضربات؟

ويقيد الله تعالى ثبوت الزنا بشهادة أربع شهود دون أي دليل ثبوتي آخر. بمعنى أن الصورة الفوتوغرافية والفيديووأي دليل آخر غير الشهود مرفوض قرآنيا. ونرى إصرار المشرع على هذا النوع من الإثبات ببيانه في عدة أماكن داخل سورة النور وحتى في سورة النساء فكيف يأمر الزوج أو يسمح له بأن يضرب زوجته في الخفاء دون حكم قضائي؟ ثم إن الله تعالى لا يقبل شهادة الزوج ضد زوجته إلا بعد أن يشهد أربع شهادات بالله أمام المحكمة بأنه صادق والخامسة أن غضب الله عليه، ثم يسمح للزوجة أن تشهد شهادات في مقابل زوجها فترتاح من العقاب. ذلك يعني بأن الزوج الذي يذهب للمحكمة ليشهد ضد زوجته بالزنا سوف يخسر القضية قطعا لأن المرأة لو كانت صالحة فستشهد عليها لأنها صادقة ولو كانت زانية فستشهد عليها لأنها فاسدة فلا فائدة في لجوئه إلى قاضي المسلمين.

إن الله تعالى في سورة النور يأمر بضرب الذين يشهدون على امرأة أو رجل بالزنا دون أن يكملوا أربعة شهود فيتحقق الكذب ويجلدون فعلا ولكنه يضع شرطا غير قابل للتنفيذ لمن يزني فعلا حتى يتحاشى تحقق الضرب لمن دانت له نفسه الضعيفة لمعصية ربه، فكيف يأذن للأزواج أن يضربوا زوجاتهم في بيوتهم؟

أظن بأنهم جميعا مخطئون ولا يدركون معنى القرآن ولم يفكروا مليا في آياته العظيمة واتبعوا الكتب البشرية التي كتبت بأمر ملوك الضلال من بني العباس وغيرهم ضد القرآن دون أن يشعروا.

ثم إني لاحظت بأن أحد الإخوة وفي خضم هذا التداول لمسألة ضرب الزوجة بعث حكما قضائيا ضد رجل ضرب زوجته في السعودية. هذا الحكم مرفوض قرآنيا ويجب أن يقدم القاضي الذي أصدره للمحاكمة بموجب القرآن. إنه تجاهل أمر الله تعالى في سورة البقرة: الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (194). وأرجو الانتباه بأن الآية نزلت ضمن أحكام الحرم لتشمل الذين يعتدون في الحرم أيضا. فذلك الزوج قد اعتدى على زوجته ويجب أن يُكسر عظامه كما كسر عظام زوجته. ولا يحتاج التنفيذ إلى مراعاة الاحتياط بأن يكون العقاب مماثلا تماما لاعتدائه لقوله الكريم: فاعتدوا. وقد استدل سبحانه على حكمه بأنه قد اعتدى أيضا وهو يعني بأنه لم يلاحظ الحقوق فقام بإنزال الضرب مثلا بلا حساب. كان ممكنا أن تكون الآثار أكثر فظاعة.

ويؤكد الله تعالى حكمه بما كتبه على بني إسرائيل والحكم باق إلى اليوم لأنه وحده صاحب الحق لنسخه وهو تعالى لم ينسخه. قال تعالى في سورة المائدة: وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (45) والقاضي هو مصداق آخر الآية وهو ظالم لا يصلح للقضاء والظالم الذي يظلم غيره يقدم للمحاكمة بصورة طبيعية.

ثم إنه لم يحكم بإطلاق المرأة وهي مطلقة لأن الزوج المجرم لم يراع أصل الزواج فضرب المرأة ضربا مبرحا دون حكم قضائي ضدها فارتفعت الاستكانة بينهما وحل محلها الخوف والاضطراب. قال تعالى في سورة الروم: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ َلآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21). والآية تشمل الزوج والزوجة حسب تعبيرنا. أرجو الانتباه بأن القرآن الكريم حريص على عدم التفريق بين الزوجين في الحقوق فلا يسمي الزوجة كما نعبر عنها بل يطلق عليهما كليهما لفظة الزوج.

كان عليه أن يحكم بالطلاق فورا ويأمر الدولة بالصرف على المرأة حتى تتزوج إن لم يكن الزوج المجرم قادرا على منحها النفقة ما دامت حية. ويجب أن نعلم بأن البيت الذي سكنت فيه يجب أن تبقى فيه دون الزوج حتى انتهاء مدة الطلاق. قال تعالى في سورة الطلاق: أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِن كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُم بِمَعْرُوفٍ وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى (6). ولازم ذلك أن يخرج الزوج من البيت لأنه ليس محرما لها. ولا يجوز له أن يتزوج حتى تنتهي مدة الطلاق لقوله تعالى في الآية: ولا تضاروهن، وزواجه مادام في عهدة الزوجية إضرار بزوجته المطلقة لأن الجديدة ضرة لها.

وأرجو أخذ العلم بأن الطلاق ليس بيد الزوج كما هو معروف فالقرآن مغاير لما يدينون به. قال تعالى في سورة الطلاق: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلاّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا (1). والخطاب للنبي باعتباره رئيسا للمجتمع الإسلامي فهو أو من يحل محله الذي يطلق وليس الأزواج كما يقولون. ويؤكد الله تعالى في آية البداية هذه على حق المرأة في البقاء بالبيت بعد الانفصال.

ولا أدري مصدر القاضي في حكمه على المجرم بأن يحفظ 5 أجزاء من القرآن وبعض الحديث ووو؟

ما قلته هو نص القرآن وبعض ما يفعله المسلمون مع الأسف مخالف للقرآن ويهمني أن يعرف العالم حقيقة كتابنا العظيم وأخص بالذكر النساء اللاتي بقين مظلومات في بلداننا المعروفة بالإسلامية منذ العهد العباسي الفاسد حتى اليوم. ألا ليتهن يتمسكن بكتاب ربهم فيساعدهن ربهن على فهم الكتاب كما يساعدهن على تنفيذ أوامر الله تعالى ولكنهن يتشبثن بكل حشيش وينسين القرآن مع الأسف كما ألاحظه أنا. أرجو أن أكون مخطئا.

وأما كلامي المتواضع مع الملحدين:

كل العلوم العربية من اللغة والنحو والبلاغة وغيرها قد كتبت وألفت بعد نزول القرآن بعدة عقود. والقرآن أنزل بلغة أهل الحجاز الذين احتضنوه بل بلغة أهل مكة بالذات التي كانت مهدا للتنزيل العظيم. والقرآن يشهد بذلك في سورة آل عمران: كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ (110). والخطاب في هذه الآيات للصحابة وليس لنا جميعا كما نقرؤها من الآية 102 قبلها. ولو نقرأ الآية التي تليها فسنشعر بأن الآية مختصة بأهل مكة. وأنا لا أتحدث بلسان المفسرين رحمهم الله تعالى جميعا وإيانا ولا أقبل تفاسيرهم ولكني متحرر من السلف وأنظر إلى كل آية بنفسي وبكل حرية وبدون أي تعصب. فأهل مكة فعلا كانوا خير الناس لاستقبال كتاب الله تعالى. إنهم كانوا يستضيفون الغرباء بكل احترام باعتبار طبيعة بلدهم ثم إنهم كانوا يهتمون بالشعر وهو لغة التواصل الاجتماعي ويهتمون بحماية أهلهم بالقوانين التي وضعوها مثل قانون الأشهر الحرم وقانون مساعدة التجار الخاسرين لاستعادة رأسمالهم من الصندوق الاجتماعي وقانون عدم جواز أن ينام أحد جائعا في مكة وبعض هذه القوانين أو الأعراف جارية حتى اليوم تقريبا. إنك تشعر حين دخول مكة بأن أهلها ليسوا جميعا من الجزيرة العربية بل من كل الأقطار وترى موائد الإفطار تقام في المسجد الحرام وغير ذلك. ولم يذكر لنا التاريخ البشري ولا الآثار القديمة وجود مثل هذه القوانين العادلة الطيبة في أي مكان وضمن أية حضارة بشرية في الأرض حينما أراد الله تعالى إنزال القرآن العظيم ليبقى مع عبيده حتى انتهاء الحياة في هذا الكوكب.

ثم إن أرباب اللغة والنحو والصرف وعلوم البلاغة برمتهم مختلفون في آرائهم فكيف تسمحون لأنفسكم بأن تستشكلوا على كتاب عظيم مر على مسمع كل من سبقنا من العرب العرباء وغيرهم وأذعنوا لعظمته ولسحر بيانه؟ هل تظنون بأنكم تعرفون العربية أكثر من الذين كانوا عربا لم يسمع آذانهم لغة أخرى أم أنكم تظلمون أنفسكم؟ ولمعلوماتكم فإن بين المسلمين اليوم من هو قادر على الرد على كل إشكالاتكم النحوية واللغوية ولعلي أنا أرد عليكم مع قلة علمي لو شعرت بأن غيري من المتخصصين بفهم القرآن لم يتفرغ لبيان ما خفي عليكم. أظن بأنكم متسرعون في انتقاد أعظم مدونة عربية وصلتنا منذ تاريخ الإسلام أي قبل 15 قرنا. أدعوكم باسم العروبة ألا تفرطوا في هذا الرصيد العلمي الكبير الذي نفتخر به كعرب بأن يكون آباؤنا وجدودنا الأوائل معتزين به إلى يومنا هذا. إنكم لا تؤمنون بالله تعالى مع الأسف ولكنكم قد تهتمون بالعروبة وأنا لست معاديا لكم ولو أني عاجز عن أن أهديكم فالهدى من الله تعالى وحده الذي خلقكم وخلقنا جميعا.

كنت منذ فترة طويلة غير مؤمن ببعض الذين يشهرون أنفسهم بالعرفاء وهم مثلكم في رفض سماوية القرآن ولا أرى ضرورة للرد عليهم لأنهم في ضلال ويظنون بأنهم عرفاء. إنها مأساة كبيرة ولكنكم مع إلحادكم لا تدعون المعرفة الكاملة كما يفعلون فلعلكم تعودون إلى أنفسكم وترون بأنكم ظلمتم أنفسكم وأهليكم وتركتم مستمسك العروبة الأول. أتدرون بأن دحض القرآن سوف يدمر اللغة العربية بأكملها ويجعلها دون مستوى اللغات الأخرى؟ ألا ترون كل غير المسلمين الذين يتناولون العلوم العربية لا يجدون مناصا من أن يتشبثوا بهذا الكتاب لإثبات الحقائق العلمية التي توصلوا إليها وليس غيره؟ هل رأيتم مسيحيا يأتي بجملة واحدة مثالا عربيا لقاعدة عربية من كتابه المقدس؟ لكنه مضطر أن يملأ كتابه العلمي بآيات القرآن ليعطيه القيمة. ألا ترون بأن هذا الكتاب هو الذي حفظ الكلمات والتركيبات العربية منذ خمسة عشر قرنا دون تغيير بعكس اللغات الأخرى التي تغيرت عدة مرات طيلة هذه المدة. إن القرآن مفخرة للعرب جميعا فعيب على العرب أن يزدروا بهذا الكتاب القويم.

وأما كلامي مع إخواننا من بني إسرائيل.

إنكم تنشرون منذ مدة في ميمري مجموعة مقتطفة من خطب بعض الجاهلين من المسلمين لإثبات أن العرب والمسلمين يحتقرون المرأة. لعلكم تعلمون بأن أحكام التوراة الموجودة بين أيديكم أشد احتقارا للمرأة من الأحكام التي دونها سلفنا نحن المسلمون في كتبهم الفقهية وفي كتب الحديث. كل الأحكام المشددة ضد المرأة مستقاة من التوراة المحرفة وليس من القرآن الباقي على أصله. سأنقل للقراء مقطعا من سفر التثنية وهي من الأسفار الخمسة المنسوبة إلى الرسول موسى بنفسه:

20 «وَلكِنْ إِنْ كَانَ هذَا الأَمْرُ صَحِيحًا، لَمْ تُوجَدْ عُذْرَةٌ لِلْفَتَاةِ.
21 يُخْرِجُونَ الْفَتَاةَ إِلَى بَابِ بَيْتِ أَبِيهَا، وَيَرْجُمُهَا رِجَالُ مَدِينَتِهَا بِالْحِجَارَةِ حَتَّى تَمُوتَ، لأَنَّهَا عَمِلَتْ قَبَاحَةً فِي إِسْرَائِيلَ بِزِنَاهَا فِي بَيْتِ أَبِيهَا. فَتَنْزِعُ الشَّرَّ مِنْ وَسَطِكَ.
22 «إِذَا وُجِدَ رَجُلٌ مُضْطَجِعًا مَعَ امْرَأَةٍ زَوْجَةِ بَعْل، يُقْتَلُ الاثْنَانِ: الرَّجُلُ الْمُضْطَجِعُ مَعَ الْمَرْأَةِ، وَالْمَرْأَةُ. فَتَنْزِعُ الشَّرَّ مِنْ إِسْرَائِيلَ.
23 «إِذَا كَانَتْ فَتَاةٌ عَذْرَاءُ مَخْطُوبَةً لِرَجُل، فَوَجَدَهَا رَجُلٌ فِي الْمَدِينَةِ وَاضْطَجَعَ مَعَهَا،
24 فَأَخْرِجُوهُمَا كِلَيْهِمَا إِلَى بَابِ تِلْكَ الْمَدِينَةِ وَارْجُمُوهُمَا بِالْحِجَارَةِ حَتَّى يَمُوتَا. الْفَتَاةُ مِنْ أَجْلِ أَنَّهَا لَمْ تَصْرُخْ فِي الْمَدِينَةِ، وَالرَّجُلُ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ أَذَلَّ امْرَأَةَ صَاحِبِهِ. فَتَنْزِعُ الشَّرَّ مِنْ وَسَطِكَ.

ليس في القرآن أي حكم برجم الزاني أو الزانية أو أي عاص من أي نوع آخر. كل أحكام الرجم يهودية اتخذها ملوك المسلمين من التوراة المحرفة وأدخلوها في الفقه الإسلامي افتراء على الله تعالى. لم أجد في التوراة الفعلية طرق إثبات الزنا كالقرآن. كل ما أراه هو في نفس سفر التثنية هكذا: سفر التثنية 19: 15

«لاَ يَقُومُ شَاهِدٌ وَاحِدٌ عَلَى إِنْسَانٍ فِي ذَنْبٍ مَّا أَوْ خَطِيَّةٍ مَّا مِنْ جَمِيعِ الْخَطَايَا الَّتِي يُخْطِئُ بِهَا. عَلَى فَمِ شَاهِدَيْنِ أَوْ عَلَى فَمِ ثَلاَثَةِ شُهُودٍ يَقُومُ الأَمْرُ.

هذا يعني بأن شاهدين أو ثلاثة كاف لرجم إنسان حتى الموت ولا يوجد في القرآن مثل ذلك أبدا. ليس في القرآن أي إذن بقتل أي إنسان عدا القاتل الذي أعدم إنسانا آخر مثله. وحكم القتل هناك فردي لأهل المقتول وليس جمعيا للدولة أو للمجتمع الإسلامي كما يتصوره المهوسون لقتل البشر. هناك آية واحدة قد تدل على أن الذي يفسد الأرض يُقتل باعتبار أنه يهلك وسائل حياة الآخرين والحكم محدود بمحاربة الله تعالى ورسوله ولا يمكن الاستناد إليه في غياب الرسول، فهو حكم ينتهي العمل به بعد وفاة الرسول.

كلما ترونه في كتبنا غير صحيحة ولا ارتباط لها بكتاب الله تعالى. ما من شك أن من يقتل إنسانا يدخل النار في يوم القيامة ولا تفيده الأحاديث المنسوبة إلى رسول الله. ليس في القرآن أية إشارة إلى أحاديث الرسول وكل ما كتبوه فهو من ملوك بني العباس. ليس بيدنا أي كتاب منسوب إلى رسولنا ولا إلى الخلفاء الراشدين ولا إلى الصحابة ولا إلى التابعين. عاش المسلمون مع كتاب واحد هو القرآن بلا منازع حتى قامت حكومة العباسيين الآثمة المجرمة وبدأوا بالتدوين والتحريف كما فعل سلفكم بالتوراة كتاب السماء.

لذلك من الخير لكم إخواني من بني إسرائيل أن تتركوا التراشق الإعلامي ضد المسلمين لأن هناك من بيننا من يقوم بنفس العمل ضدكم. إن من الخير لنا أن نتمسك بالمنطق ونسعى للتفاهم لعلنا نزيل هذا العداء المستشري بيننا.

والسلام على الجميع,

أحمد المُهري

لندن في 10/5/2012

#تطوير_الفقه_الاسلامي

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.