يوم القيامة – القسم الثاني – ح 2 : الكرامة والوجاهة ودمار النظام الشمسي


يوم القيامة – القسم الثاني – ح 2 : الكرامة والوجاهة ودمار النظام الشمسي 

الكرامة والوجاهة عند الله تعالى: 

سوف يفقد المرء كل ما يميزه اجتماعيا أو نسبيا مع موته. قال تعالى في سورة الرحمن: كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ (27) فالذي يفنى هو الوجه من كل البشر وليس النفس التي ستبقى إلى الأبد، فيبقى وجه الله تعالى وكرامته وحده. وتنتهي كل الأنساب كما قال تعالى في سورة المؤمنون: فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءلُونَ (101) فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (102) وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ (103)وفي المقابل سوف يُحشر كل الموجودات بحقيقتهم أذلاء أمام العزيز القهار جل جلاله.يقول تعالى في سورةالنمل: وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الأَرْضِ إِلاّ مَن شَاء اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ (87)داخرين تعني أذلاء.ويقول سبحانه لنبينا محمد في سورة الزمر:

إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ (30) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ (31) فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ (32) وَالَّذِي جَاء بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (33) لَهُم مَّا يَشَاءونَ عِندَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاء الْمُحْسِنِينَ (34) لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ (35) أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (36) وَمَن يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّضِلٍّ أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انتِقَامٍ (37) وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ (38) قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (39) مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُّقِيمٌ (40).

آيات سورة الزمر الكريمة توضح تماما بأن لا وجه ولا كرامة ولا خصوصية لأحد يوم القيامة. هناك خصام  وجدال بين كل الناس بمن فيهم الرسل مع أصحابهم. ستعود كل الملك إلى مالكه الحقيقي وهو الله تعالى الذي سيقضي بنفسه بين عباده يوم الحساب. وإذا انتفت الكرامات والخصوصيات والنسب فلا مجال لأية وساطة بين القاضي الديان  جل جلاله وبين عبيده.

سوف يكون هناك شيء واحد يسود وهو القسط كما قال جل جلاله في سورة الأنبياء: وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ (47).

المرحلة الثالثة: دمار النظام الشمسي

وبعد فترة لا تتجاوز خمسة بلايين سنة من سنواتنا الفعلية احتمالا سوف تستعد الشمس للانفجار وهي الساعة الأولى التي حذرنا الله تعالى منها في الكتاب الكريم.

ليس هناك حساب ولا عذاب في هذه المرحلة ولكن هناك علم بما يحصل داخل النظام الشمسي أو في فيزياء الكون. ليس للموتى عيون يرون كما نرى ولكنهم نفوس تشعر وتعي فيعون ويلمسون الحركات الطاقوية الكبيرة. وحتى نفهم ذلك فإني أدعوكم إلى تصور الحقول المغناطيسية الموجودة في كل مكان وفي كل زاوية من زوايا حياتنا الدنيوية. يتم دائما تنظيف الحقول المغناطيسية لتسهيل عبور الطاقة فيها وإلا انعدم أو تضاءل الاتصال. نحن ننظف عدسة الكاميرا لأن المواد غير المشعة تعدم الرؤية وننظف مسارات الكهرباء حتى لا نعيق سير الالكترونات بالسرعة المطلوبة ونصفي جو المكان المراد مراقبته من الدخان لتتم المراقبة النظرية والصوتية بسهولة ويسر. وبغير ذلك فإن التصوير ونقل الصوت ونقل الكهرباء تتم بصورة مشوهة ومكلفة وغير اقتصادية. ونحن في حالتنا الفعلية نفوس محبوسة داخل الأبدان فلا يمكن التطلع إلينا بدون وسائل فيزيائية يَفقدها الموتى. وحينما نغادر أبداننا، فإن الموتى قادرون على الارتباط بنا (خارج البدن) لخلو مسار الطاقة النفسية من الشوائب المادية. وأما انفجار الشمس مثلا فهو عبارة عن كتلة كبيرة من الطاقة أكبر بكثير من الذرات المادية وهي تُحجب عنهم فيشعرون بأن الشمس تحولت إلى دخان لانقطاع الارتباط الطاقوي بها.

ولعل هذا هو ما يُشار إليه في سورة الدخان: فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاء بِدُخَانٍ مُّبِينٍ (10) يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (11) رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ (12) كل الناس سيكونون موجودات نفسية محضة في ذلك اليوم ولذلك سيشعرون بانقطاع الأشعة الشمسية وليس باحتراقها. إنهم يتعرفون على ما حصل للشمس بغير ما نتعرف عليه نحن في حالتنا المادية الفعلية وعن طريق العين والأذن الماديين. وأما سبب خوفهم فهو لأنهم يعلمون وينتظرون الوقوف أمام المحكمة الكبرى فكل حركة كبيرة في الكون يُرعبهم لشعورهم بقرب ذلك اليوم الخطير. لم يقل الله تعالى يوم يرى الناس الدخان بل قال تأتي السماء بدخان فيغشى الناس. ما هو معنى العذاب للذي خُلع عنه الملابس المادية المتمثلة اليوم بالبدن؟ إنه يشعر بقلة الجاذبية الطاقوية وبالسلبية ويعتبر السلبية عذابا. سوف يشعر الناس في حالتهم النفسية بأن الحامل الذي كان يحملهم ويؤويهم قد زال أو يكاد يزول فيخافون إلا المؤمنين الذين تتلقاهم الملائكة بقولهم: هذا يومكم. والخلاصة فإن الإنسان في الحالة النفسية التي يعيشها بعالم البرزخ لا يخلو من الحالات التالية التي نعرفها عن النفس في حياتنا الفعلية:

1.            مطمئن لا يخاف أي تغيير في الكون لأن الملائكة قد أخبروه بأنه ناج وبأن ما سيراه ليس إلا تمهيدا لوصوله إلى جنات النعيم؛

2.            أو خائف مرتاب لعدم وثوقه من تفوق حسناته على سيئاته. إنه غير مشمول بالأمان الذي يتمتع به المؤمنون العاملون، فهو يخاف الحساب أكثر من خوفه من العذاب؛

3.            أو واثق من سلبياته فهو يترقب كل شيء ليُصلى في نار جهنم و بئس المصير. وهذا النوع يشمل مجموعة غير كبيرة من المجرمين الذين بالغوا في الإسراف على أنفسهم وهم الذين ينتظرون العذاب المحتوم.

ولعل المقصودين من الناس في آيات سورة الدخان هم النوعان الثاني والثالث. إنهم يخافون من الحساب أو من اقتراب يوم الخلود في النار. ذلك لأن الله تعالى استثنى المخلصين من الذين قتلوا في سبيل الله ومن المؤمنين الطيبين في آيات كثيرة من أي سوء بعد الموت. ومن تلك الآيات ما ذكره الله تعالى في بداية سورة الانشقاق.

هذه المرحلة تبدأ بدمار الشمس ومع اندثار هذا الكوكب العظيم فإننا نفقد الحامل الذي يحملنا لعدم وجود جاذبية كافية في الكرة المحترقة. سوف نعلم بكل أعمالنا لقوله تعالى في سورة الزلزلة: بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ    إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا (1) وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا (2) وَقَالَ الإِنسَانُ مَا لَهَا (3) يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا (4) بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا (5) يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِّيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ (6) فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7)  وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8).فمع زوال الشمس وفقدان الجاذبية فإن كل الناس في حالتهم النفسية يشعرون بفقدان ما يحملهم على وجه الأرض. كما أن الأرض بنفسها سوف تضطرب وتتزلزل لعدم قدرة الشمس على صيانتها و سوف تتزلزل الأرض لفقدان  الجاذبية وازدياد الحرارة على سطحها. سوف تظهر البراكين الكبرى على وجه الأرض مخرجة معها كل المواد الثقيلة من باطن الأرض. سوف تكون حال الأرض شبيها بحال من يقول بأن الله تعالى قد أوحى إلي أمرا قمت به خير قيام حتى اكتمل الأمر وانتهى الغرض من وجودي فتعرضت للزوال كما تتعرض الشمس للزوال أيضا. في ذلك اليوم يبلغ الناس أشتاتا غير مجتمعين بأعمالهم فردا فردا. ونحن نجهل كيفية ارتباطنا بأرضنا الذي عشنا ومتنا فيها. فهل يعيش الموتى اليوم في نفس أجواء الأرض أم أنهم في مكان آخر ولكنهم سيُنقلون إلى أجواء الأرض يوم الزلزال ليروا ماحل بأرضهم؟ أجهل ذلك وأتمنى أن أعلم ويعلم غيري في المستقبل إن شاء الله تعالى.

وبما أن كل حادثة مستقبلية يوضحها لنا ربنا اليوم فهي لغرض وهدف مقصود عنده تعالى؛ فلعل المقصود من ذلك هو مراجعة كل فرد نفسه ليفكر فيما يمكن أن يدافع به عن نفسه يوم المحكمة الكبرى. يبدو أن الخزي لم يبدأ بعد وسوف يحتفظ كل فرد بأعماله لديه بانتظار المرحلة التالية. ومما يساعد على تحقيق ذلك هو شعور الإنسان بعدم وجود ما يحمله فيبحث عما يملكه هو من أعمال لعله يتشبث بما يزيده وزنا فيرى أعماله معه ويلتفت إليه في الواقع دون الحاجة إلى مَلَكٍ يُريه أعمالَه. كانت الشمس تعطيه نوعا من الثقة لشعوره بالوزن شيئا قليلا، فإذا ما اندثرت الشمس فسوف يفقد كل قيمة وكل وزن. والسبب في ذكر مثقال ذرة من الخير أو الشر هو حرص الناس والجن بأفرادهم على تصفح أعمالهم ليتجهزوا بها و يستمدوا منها الدفء والوزن إن كان لديهم ما يساعدهم على ذلك. شأنهم شأن الفقير الذي يفاجئه الشتاء القارس بزمهرير فيبحث عن غطاء يقيه البرد وفي ذات الصدد يفتش كل شيء بحوزته دفعا للبرد المحيط به وبكل شيء حوله.

يتبع …

أحمد المُهري

#تطوير_الفقه_الاسلامي

#يوم_القيامة

https://www.facebook.com/Islamijurisprudence/

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.