يوم القيامة – القسم الاول ح 2 – الناس في الحالة النفسية المحضة

يوم القيامة – القسم الاول ح 2 – 

الناس في الحالة النفسية المحضة

نحن لا نعرف حقيقة نفوسنا ولكننا نعرف الكثير من الحالات النفسية وعلى أساسها يقوم علماء النفس بدراسة ما يمكن عمله لتجاوز المشاكل والأمراض النفسية. هذه الحالات تمثل حقائق مفيدة تساعدنا على فهم ذواتنا الأصلية التي ستبقى إلى الأبد. وما يفيدنا فهمه من هذه الحالات النفسية لمعرفة وضعنا في الحياة البرزخية وهكذا الحياة الأبدية هي ما يلي:

1)   لا تنام النفس ولا ترتاح أو لا تحتاج إليهما. ذلك لأن النفس تبقى بعد البدن وليس للنفس مقومات النوم. ونحن نشعر بأننا حين النوم نرى الأحلام وهي عبارة عن عمل النفس في حالة نوم البدن حتى حين التعب والإعياء.

2)   ليست النفس ذكرا ولا أنثى ويمكن أن تكون متساوية بين الجن والإنس. إن الجن والإنس يستمتعان ببعضهما البعض كما يقول سبحانه في سورة الأنعام: وَيَوْمَ يِحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُم مِّنَ الإِنسِ وَقَالَ أَوْلِيَآؤُهُم مِّنَ الإِنسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِيَ أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَليمٌ (128)

3)   تستبشر وتخاف وترجو و تيأس وتحب وتبغض وتزكى فتنمو وتشرس وتؤمن وتكفر وتشعر بالحرج كما تشعر بالرضا والتسليم وتقبل وترفض وتتعظ وتأنف وتتعهد وتنقض وتكسب وتكتسب وتضل وتهتدي وتأمر وتوبخ وتلوم وتطمئن وتشك وتظن وتتوهم وتستيقن وتتحسر وتشتهي وتتأثر بالخير والشر وبالعلم وبالجهل وبالتزكية وبالظلم فتزداد أو تتناقص. وهذا ثابت لأن الحيوان الذي هو مثلنا تماما من حيث البدن وخاصة الأنعام الثمانية التي خلقت معنا و في ظلمات ثلاث أيضا، فهي لا تحمل الكثير من هذه الصفات. والقسم الآخر منها مثل النمو المشترك بين النفس والبدن فمحسوس أيضا لأننا نرى في غالب الأحيان نفسا إنسان عجوز أقوى منها لدى نفس الشخص من نفسه يوم شبابه.

4)   موجود طاقوي غير مادي، فلو كان ماديا لما كان قادرا على الاستقرار داخل البدن والتحرك فيها والخروج أحيانا حين النوم دون أن يشعر المرء بخروج شيء من بدنه. ونحن نشعر حتى خروج الشعر الدقيق من فمنا مثلا. كما أننا لا نشعر بوزن محسوس للنفس. ولعل من يقول بأن النفس هي التي تشعر وليس البدن وهو كلام صحيح فأقول له بأن النفس أيضا لا تشعر بأنه صار عاريا حينما تخرج من البدن عند النوم وخاصة حين الأحلام.

5)   تحتاج إلى حامل يحملها على الأقل. هذه طبيعة كل الموجودات الممكنة المحتاجة إلى مكان حتى الملائكة.

6)   لا تبصر كما تبصر العين ولا تسمع كما تسمع الأذن ولا تتحسس كما تتحسس الجلد ولا تتذوق كما يتذوق اللسان ولا تأكل ولا تغتسل ولا تشم الرياحين، لكنها ترتاح لراحة البدن وتهنأ بما يهنأ به البدن. فانبساط النفس أو انقباضها تابع لتأثر البدن الذي يستشعر كل تلك المحسوسات. وهذه المعاني موضحة بكثرة  في سورة البقرة.  

7)   إن النفس تدرك الأشياء لا بطريقة البدن. إن إدراكها أشبه بإدراك الإلكترونات و ما في عالم الإلكترونات. ولا نعرف بالضبط مدى إدراكها، لكنها تدرك احتمالا، كل الأصوات والأحجام والأشكال والأذواق والعقائد والمهارات والعلوم وتحس بالموجودات الأخرى. وأما كيفية ذلك فهي معتمة علينا إلا أننا نعرف قرآنيا أنها تُدرك بعد الموت أكثر مما تُدركه اليوم حيث هي سجين البدن المادي. ويعبر عن ذلك القرآن الكريم بحدة البصر، فهي آنذاك تتحسس بقيةَ النفوس والملائكةَ والحركات الطاقوية الكبرى.

8)   هناك فرق بين الملائكة وبين أنفس الموتى لأن الملائكة بنفسها ستموت كما يبدو، ولكنها تتسلم نفوس البشر ولعل الجنِّ أيضا وهن فاقدات للحياة الدنيوية.

9)   تحمل النفس معها صورا لكل ما يفعله أو تفعله صاحبها في حياته أو حياتها الدنيوية؛ فهي الذاكرة الثانية التي لا ترتبط بخلايا المخ. إنها تحمل أيضا ما تسمى بالصبغة التي تقص حكاية الشخص وتبين حقيقته سواء في مهارته أو في معتقداته أو في استعداده للفعل والرد والرفض والقبول. ولولا ذلك لما أمكن محاسبة الأنفس يوم الحساب فهي تعرف كل ما عملت باعتبار تخزينها لها بالكامل كما تعرف صور العمليات التي اشتركت فيها في الدنيا وإلا لما كان إظهار الصور مفيدا يوم القيامة كما يصرح بها الكتاب الكريم.

يتبع 

أحمد المُهري

#تطوير_الفقه_الاسلامي 

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.