من يمثل الإسلام ؟

من يمثل الإسلام ؟                                                                           

“هؤلاء لا يمثلون الإسلام” …

عبارة نسمعها كثيرا كلما حدث عمل إرهابي، أو صدرت فتوى شاذة، أو برزت جماعة متعصبة .لكن العبارة نفسها اشكالية وغامضة وقد تتحول من دفاع  عن الإسلام إلى إتهام غير مباشر للإسلام نفسه!المعضلة الأولى التي تطرحها العبارة هي: هل المشلكة فقط أن هؤلاء الارهابيين والمتطرفين “لا يمثلون الإسلام”، و تنتهي بمجرد تبرئة الدين؟ أم المشكلة أن الآلاف يقتلون يوما بعد يوم وباسم الإسلام ؟!إن تحويل مشكلة الارهاب إلى قضية صراع حول “براءة الإسلام” سلوك غير مسؤول لانه يصرف الأنظار عن المشكلة الرئيسية وجذورها ويورطنا فى مشكلة مخترعة هي”الدفاع عن الإسلام”. وهي مشكلة مخترعة لأنني لم اسمع عن أي غربي قال إن الإسلام هو المسؤول عن الإرهاب، باستثناء بعض فصائل اليمين المتطرف.وللأسف فإن من وضع الإسلام في قفص الإتهام هم المسلمون أنفسهم الذين يقفزون بعد كل عملية انتحارية ليؤكدوا أن المسلمين ليسوا ارهابيين وإن لم يتهمهم أحد!

***************************

المعضلة الثانية

لهذه العبارة هي استحالة وجود دين خارج المتدينين!فالمسيحية هي ممارسات المسيحيين.واليهودية هي ممارسات اليهود.والاسلام هو ممارسات المسلمين.الإعتقاد بوجود نقي وخيالي للدين في “النص الخام” مجرد وهم.هل هناك إسلام خارج الممارسات التي عرفناها في دولة المدينة وحكومة الراشدين ثم دول الملك العضوض الأموية والعباسية والعثمانية والمملوكية ثم ممارسات المسلمين المعاصرين؟ وعليه فكل الممارسات المعتدلة والمتطرفة والمتحررة للمسيحية كانت نابعة من أصول المسيحية وتمثل فهما معتدلا او متطرفا للدين المسيحي. وكل الممارسات المعتدلة والمتطرفة والمتحررة للإسلام كانت نابعة من أصول الإسلام وتمثل فهما معتدلا أو متطرفا للدين الإسلامي.إن أسباب التطرف الديني داخل الدين وليست خارجة، ولا يمكن ان تظهر تطبيقات متوحشة لدين ما دون وجود جذور لها في هذا الدين أو ذاك.وعزل ممارسات أتباع دين ما عن تعاليمه مجرد محاولة اعتذارية تبريرية للتغطيةعلى أزمة التجديد والاجتهاد التي يحتاج لها الدين كلما سقط في حالة الجمود.

****************************

المعضلة الثالثة

انه لا يمكن فصل النص عن التطبيق، ومهما تم تحريف التطبيق فاننا لم نسمع عن تحريف يصل الى 100%.هل الحروب الصليبية مثلا ومحاكم التفتيش لا تمثل المسيحية؟لنبتعد عن الدين قليلا ونفكر في الايديولوجيات “البشرية” كالشيوعية مثلا.هل يمكن القول ان المذابح الجماعية التي قام بها ستالين وماو ونظم الحكم الشمولي المتوحش التي ظهرت في كل تجارب التطبيق الاشتراكي تقريبا لا علاقة له بالشيوعية الحقيقية؟ أم أن اخطاء العنف والحكم الشموالي كانت كامنة في الايديولوجيا الأصلية نفسها كايديولوجيا خلاصية تؤمن بامتلاك الحقيقة المطلقة والطريق الوحيد لسعادة الانسان؟اذا طبقنا نفس منطق “لا يمثلون الاسلام” فسنقول ايضا ان الشيوعيين لا يمثلون الشيوعية والراسماليين لا يمثلون الراسمالية  وان الشيوعية الحقيقية والراسمالية الحقيقية النقية الصافية لا زالت هناك في النص لم تطبق بعد!

*****************************

المعضلة الرابعة

ان النص دائما ما يكون جميلا لكن العبرة في التطبيق. و الدين، أي دين، ليس النص وانما التطبيق البشري لهذا النص.وعندما يفشل التطبيق قرنا إثر قرن وجيلا إثر جيل فهذا قد يعني ان التطبيق خاطيء، لكنه قد يعني ايضا أن النص نفسه غير قابل للتطبيق! وعندما يعجز اتباعه عن فهمه الحقيقي طوال هذه القرون فهذا قد يعني ان فهمهم قاصر، لكنه قد أيضا يعني أن دينهم غير قابل للفهم!والاصرار على ان تطبيقات الإسلام خلال 1400 لا تمثل الاسلام “الصحيح” اتهام للنص بالعجز قبل ان يكون اتهاما للتطبيق بالخطأ.وهذه نتيجة خطرة لأنها تعني، إذا صدقناها، أن الإسلام دين “فوق- بشري” وغير قابل للتطبيق من قبل بشر لهم عيوبهم واطماعهم، وأنه لن يطبق إلا في حالة وجود بشر لهم صفات الملائكة بلا عيوب ولا أطماع ولا نقاط ضعف.

*****************************

دعونا نجري تجربة بسيطة لعبارة” لا يمثلون الإسلام “:من مِن الجماعات او المجتمعات أو الدول تعتقدون انها تمثل الاسلام الحقيقي في عالم اليوم أو في الماضي؟الجواب: لا أحد!والسبب أننا نتخيل وجود جوهر مثالي للإسلام غير موجود في النص ولا في التجربة التاريخية ولا في الحاضر ولا حتى في المستقبل.حتى تجربة الخلافة الراشدة والصحابة ستخرج من الحساب إذا اخذنا في الحسبان قتل الصحابة لبعضهم البعض وصراعهم على السلطة والمال!لا يوجد دين جيد بذاته أو سيء بذاته، وما يحدد ذلك هو ممارسة المتدينين لهذا الدين.ماذا بالنسبة لداعش والقاعدة ومثيلاتها؟انهم يمثلون فهما معينا للإسلام، انتقل من الجمود الى التشدد ومن التشدد الى التوحش. وهذا الفهم ليس فهما فرعيا او شاذا ، ولكنه فهم له .أاصوله وجذوره القوية في التاريخ والنص. والحل لهذه الظاهرة مواجهة الجذور الدينية لتوحشها وليس انكار وجودها او انكار علاقة الاسلام بها. لا يوجد دين خارح المتدينين. وتكرار مقولة “لا يمثلون الإسلام” يعني أن المسلم الأول لم يوجد بعد على هذه الأرض.

حسين الوادعي

 #تطوير_الفقه_الاسلامي 

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.