نظرية ظهور العلم (عاصمة الإمبراطورية )ح 2- علاقة آثمة


نظرية ظهور العلم (عاصمة الإمبراطورية )
ح 2- علاقة آثمة

أرسلت إلينا فقيهتنا العظيمة الأستاذة هالة كمال هذه الرسالة التي تحدثنا فيها عن الأديب الفيلسوف زكي نجيب محمود يحدثنا فيها عن الأديب الفيلسوف فرانسيس بيكون.  تقول سيادتها:

“الرجل من القلائل الذين نالوا عن استحقاق وجدارة لقب الأديب الفيلسوف؛ نقرأ التالي :

“فرانسيس بيكون حين أراد أن يعين ضروب الوهم التي تضلل الإنسان عن الفكر الصحيح، جعل بينها ضربًا أطلق عليه اسم “أوهام المسرح”.   ولقد كان بيكون أديبًا فيلسوفًا أو فيلسوفًا أديبًا، يصوغ أفكاره في صورة مجسدة شأن الشعراء في صياغة اللفظ, فهو هنا اختار صورة “المسرح” ليكثف بها ما يعنيه إذا ما زعم أن للموتى تأثيرًا قويًا في نفوسنا، يكاد يلهينا عن حقائق الأمور بما يحدثة فينا من الايهام.   إن الجمهور في المسرح يشهد الممثلين في أثواب المماليك أو الصعاليك، مع أنهم ليسوا بملوك ولا بصعاليك في حيواتهم الحقيقية الواقعة.   إن المحسن البطل على المسرح قد يكون في حقيقتة أبشع الأشرار خسة ونذالة، كما قد يكون المسيء النذل في حقيقة حياته الرجل الطيب المحمود الخصال، لكن المشاهدين لا يلبثون إذا ما انطفأت الأنوار، وانزاح الستار, وبدأ الممثلون يدخلون أمامهم ويسلكون بما يسلكون وينطقون بما ينطقون، حتى ينسوا نسيانًا تامًأ أنهم في مسرح وأن ما أمامهم ليس هو الحقيقة الواقعة بالنسبة إلى أشخاص الممثلين في دنياهم الحقيقية الواقعة.   هكذا قل في أمر الإنسان إذا ما وجد نفسه حيال فكرة أو عبارة قالها رجل قضى منذ زمن لكنه ترك وراءه شهرة وسمعة تملأ النفوس بالرهبة، فقد يجد الإنسان عندئذ أن من المتعذر جدًا عليه النجاة من سحر الرهبة، وأن أيسر السبل وآمنها من الزلل هو أن يتقبل كل ما قد تركه له سلفه ذاك ذو الشهرة والسمعة، وهيهات أن تجد من الناس من تبلغ به الجرأة أن يفض عن الصندوق المسحور ختمه السحري، ليفتحه فإذا هو من الداخل خواء أو ما يشبه الخواء.

إن للزمن جلالاً أيما جلال، فأين هو الذي يستطيع الوقوف أمام أطلال الماضي ــ وهي أطلال ــ هازئًا ساخرا؟   أين هذا الذي يستطيع أن يعبث بجثث الموتى كما يعبث بقطع من الصخر الجماد؟  إن أوغل الماديين في النزعة المادية لا يملك ألا يتأثر بجلال القدم، برغم علمه التام أن القدم ينبغي أن ينقص من قيمة الشيء لا أن يزيدها، لو كان الأمر كله أمر مادة ومنفعة؟    فانظر إليه كم يدفع في نسخة من كتاب قديم هلهلته الأيام, وكم يدفع في نسخة من هذا الكتاب نفسه وقد أخرجته المطابع صباح اليوم.   إنه يدفع في النسخة الأولى أضعاف أضعاف ما يدفعه في النسخة الثانية، لأنه يتوهم أنه إنما يشترى بماله ـــ بالإضافة إلى الكتاب ـــ امتدادًا زمنيًا له عنده قيمة يعوض مدى حياته القصيرة.  

ذلك كله واقع ولا سبيل إلى نكرانه، والخروج عليه والتصدي له إنما يجيئان بعد مغالبة الإنسان لنفسه ولفطرته.   وهذه المغالبة لأهواء النفوس وميول الفطرة هي ما نحن بحاجة إليه، حين يتبين أن تقويم القديم بأكثر من قيمته النفعية لا يقتصر على إشباعه لرغبة رومانسية في نفوسنا، بل يقف في سبيل سيرنا عقبة تحول دون التقدم نحو ما نريد أن نتقدم نحوه من تغيير للفكر وتبديل لأوضاع الحياة.   فما أسرع ما يتحول الأمر عند الإنسان من إعجاب بالقديم إلى تقديس له يوهمه بأن ذلك القديم معصوم من الخطأ.”

من كتاب (تجديد الفكر العربي) للدكتور زكي نجيب محمود”   انتهى كلام فقيهتنا العظيمة

 خالص الشكر لفقيهتنا العظيمة على كريم رسالتها, ولي تعليق.

قرأت ما كتبه زكي نجيب محمود عن فرانسيس بيكون ولم أفهم ما كتبه زكي نجيب محمود ولا ما كتبه بيكون.  كان واضحًا تماما أني لم أعد أعاني مما يتحدث عنه زكي نجيب محمود أو فرانسيس بيكون.  كان واضحًا تمامًا, طبعا, أن الحديث يدور عن “الوهم” الذي يعيشه الناس عندما يصدقون ما يحدثهم به الناس عن عظمة هذا الرجل أو ذاك بدون أن يخطر في بال أحدهم أن “يتحقق” من الأمر. 

 في حالتنا نحن, مثلا, ما أن تتحدث إلى إنسان في عالمنا العربي السعيد عن الإمام الأعظم الشافعي, مثلا, أو الإمام الأعظم البخاري, مثلا أيضا, حتى يغرق في حالة من الانبهار.  وإذا كان من الذين لم يقرأوا البخاري, مثلا, فسوف يسعى إلى أن يفهم منك شيئا عن هذا الكتاب الذي “أذهل الغرب” وجعل الناس يدخلون في دين الله أفواجا.  أما إذا كان قد قرأ شيئا فسوف يحاول أن يبين لك إلى أي مدى هو منبهر بهذا الرجل الذي أبهر العالم بما فعل.  والاثنان, طبعا, يتوقعان منك أن تكون سيادتك منبهرًا أنت الآخر.  الكل منبهر لأن الكل منبهر.   وعندما يدخل فرد جديد من أفراد المجتمع في “حلقة البخاري” أو “حلقة سيبويه” فسوف يشاهد نفس التمثيلية وسوف يصدق ما يرى.  هذه هي التمثيلية.  ما يخبرنا به فرانسيس بيكون, إذن, هو أن هناك “ضروبًا من الوهم تُضِلّ الإنسان عن الفكر الصحيح منها هذا الضرب الذي أطلق عليه اسم “أوهام المسرح”. 

 لاحظ, على أية حال, أن فرانسيس بيكون, في حقيقة الأمر, لم يكن يوجه كلامه إلينا وإنما كان يوجهه إلى الأوربيين.  هو يخبر الأوربيين بأن عليهم ألا يقعوا أسرى “الفكر السائد” في المجتمع حولهم وألا يصدقوا التمثيلية.  أن عليهم أن “يتحققوا” من توافق الأفكار السائدة مع الواقع, فإذا ما وجدوا أنها تتوافق قبلوها, وإذا ما وجدوا أنها لا تتوافق رفضوها.   ما يتحدث عنه بيكون, بهذا الشكل, لا علاقة له بـ”الزمن”.  ما يتحدث عنه بيكون هو قوة “التصورات المجتمعية عن الواقع”.  وهي تصورات تستمد قوتها من “قبول المجتمع” لها, ويعد الخروج “عليها خروجا عن العرف”. 

 يقرأ زكي نجيب محمود هذا المقال لفرانسيس بيكون – وهو مقال يخاطب به بيكون “عشيرته” من الأوربيين – ويتخيل أنه إنما يخاطب به “عشيرة” زكي نجيب محمود من العرب.   وهنا لا بد أن نعذر زكي نجيب محمود عندما تخيل أن المسألة تتعلق بـ”الزمن”.  يعود ذلك, بمنتهى البساطة, إلى أن “كل المعارف العربية هي معارف قديمة”.   يحتاج هذا الأمر إلى بعض التفصيل.  وعليه,

انظر إلى جميع المعارف المتوافرة في الثقافة العربية.  سوف تجد أنها إما علوم أنتجتها الثقافة العربية أو علوم أنتجتها الثقافة الغربية.  لا يوجد علم واحد أنتجته الثقافة العربية باستثناء (1) علوم اللغة, و(2) علوم الدين.  لا يوجد علم واحد, أكرر, أنتجته الثقافة العربية باستثناء هذين العلمين.  لا فيزياء (كلمة غير عربية), ولا كيمياء (كلمة غير عربية), ولا أحياء, ولا هندسة (الهندسة كلمة عربية مشتقة من نفس الكلمة التي تشير إلى الهند أو الهندوس) ولا خوارزميات (الخوارزمي ليس عربيا ولا من البلاد العربية), ولا موسيقى (الموسيقى كلمة يونانية).  القائمة طويلة وفي نهايتها تقع الجائزة المرصودة وهي الجائزة التي تم رصدها لمن يدلنا على كتاب في العلم صدر في مصر منذ عام 570 (تقريبا) قبل الميلاد إلى يوم الله هذا تمت ترجمته إلى أي لغة في العالم بما في ذلك اللغة الفرعونية.  

 لكي تتضح الصورة أكثر لا بد من إدراك أن “ثورة المعلومات الأولى” التي حدثت في اليونان في القرن السادس قبل الميلاد تمثل بداية العلم الحديث.  يعني ذلك أن كل المعلومات السابقة لهذه الثورة هي معلومات قديمة.  يعني ذلك أن الإسهام الحضاري لمنطقتنا “العالم العربي” قد توقف من ساعة انطلاق “ثورة المعلومات الأولى”.  يعني ذلك, كذلك أن “العلوم العربية” هي علوم قديمة.  بمعنى:

أوضح الفحص المتأني لعلوم اللغة العربية الذي قدمه كتاب “نظرية النحو العربي القديم” أن علوم اللغة العربية ليست علوما حديثة وإنما هي “علوم شعبية” أي أنها تقع في نطاق “تذكرة داود” أكثر من وقوعها في نطاق علم الصيدلة, أو في نطاق “الطب العربي” أكثر من وقوعها في نطاق “الطب النووي”.  أوضح الفحص المتأني الذي قام به “مركز تطوير الفقه الاسلامي” للموروث الثقافي الاسلامي أن من المستحيل فهم هذا الموروث إلا إذا قبلنا الفرضية القائلة بأنه من إنتاج نفس نظام الإدراك المستخدم في المرحلة الثانية من مراحل نمو الإدراك كما حددها جان بياجيه.  أي أنه من إنتاج نظام إدراك بدائي.  يحتاج إدراك حجم المشكلة التي نعاني منها إلى إدراك أن “ثورة المعلومات الأولى” التي تمت في اليونان في القرن السادس قبل الميلاد استخدمت نظام الإدراك الخاص بالمرحلة الرابعة.  أي استخدمت أرقى نظام إدراك توصلت البشرية إلى إنتاجه.  (أنظمة الإدراك هي أنظمة “ثقافية” مثلها في ذلك مثل برامج الكمبيوتر, وليست هي الأجزاء الصلبة من الكمبيوتر.  أعطى الله البشرية أعظم “كمبيوتر” في العالم – المخ –  إلا أنه ترك لها “تطوير البرامج”).   (نظرية النحو العربي القديم, كمال شاهين, 2002, الناشر دار الفكر العربي, القاهرة, الكتاب متوفر أيضًا في نسخة إلكترونية على الشبكة)

 يقول المؤلف:

“إن من الصعب – إن لم يكن من المستحيل – فهم التراث اللغوي العربي بدون الاستعانة بالمفاهيم التى يقدمها علم النفس الإدراكى. يعرض الكتاب هذه الفكرة في إطار نقاشه لقضية خلافية ثار حولها الجدل منذ أربعينيات القرن الماضي بعد أن بدأت البعثات المصرية تدرس (علم اللغة) في الجامعات الغربية. هذه القضية الخلافية هي: هل صدر النحو العربي القديم عن نظرية؟  وهل كان للنحاة القدماء منهج في درس العربية؟ يكشف البحث أن قطاع الدراسات اللغوية في حقل الثقافة العربية ما زال عاجزًا عن إدراك ماهية المنهج الذي استخدمه قدماء النحاة في درسهم اللغوي، ولا ماهية النظرية اللغوية التي قادت ذلك الدرس.  يوضح  البحث أن المشكلة لا تقع أصلا في نطاق (علم اللغة) وإنما في نطاق (علم النفس الإدراكي).   يبين البحث كيف يستطيع علم النفس الإدراكي أن يساعدنا، أخيرًا، على التعرف على هذا المنهج وهذه النظرية.”

 هذه هي المشكلة.  المشكلة ليست في الإجلال والإكبار الذي أضفاه الزمن على “علوم العرب” وإنما في “عجز العرب عن إدراك أن علومهم قديمة”.  كيف تستطيع أن تخبر الهنود الحمر أن موضوع أن قبيلة السو تنحدر من نفس السلالة التي ينحدر منها الصقر الأقرع هو وهم؟  أو أن موضوع أن الأباتشي ينحدرون من نفس السلالة التي ينحدر منها الغراب الأسود هو, أيضًا, وهم؟  دعك من ذلك.  كيف تقنع من يخبرك بأن النخلة عمتنا بأن النخلة, في حقيقة الأمر, ليست عمتنا؟   أو كيف تقنع من يخبرك بأن طنطا تقع شمال باريس الكبرى بأن طنطا ليست أصلاً في فرنسا وإنما في محافظة الغربية في جمهورية مصر العربية؟  إذا لم تكن تعرف أن طنطا ليست إحدى ضواحي باريس فمن المستحسن أن نشرب شايًا حيث إن الشاي مفيد للصحة.

 هذه هي المشكلة, وهذه هي المأساة.  المشكلة هي أننا نعيش في ثقافة قديمة تتخيل أنها ثقافة حديثة.  والمشكلة أننا إذا صارحنا أهلنا بالمشكلة لما صدقونا ولتخيلوا أننا نخرف فضلا عن أن لدينا كمية من الوقاحة وقلة الأدب يعجز الإنسان عن وصفها.  تخيل عالما من علماء علم النفس الإدراكي يحاول أن يخبر طفلا في الخامسة من العمر بأن نظام الإدراك الذي يستخدمه هو نظام الإدارك الخاص بالمرحلة الثانية من مراحل نمو الإدراك. 

 طبعًا, المسألة ليست بهذه الدرجة من السوء.   هناك في مصر ثمانون مليونا من البشر.  بمعنى أنه حتى لو كان عدد من وصلوا المرحلة الرابعة من مراحل نمو الإدراك هو واحد في المليون (وهي نسبة مستحيلة) فسوف يكون لدينا ثمانون بني آدم في مصر يمكنهم إدراك المشكلة.  يمكن طبعا القول إن من المحتمل أن تكون النسبة واحد في المائة.  يعني ذلك أننا, في حقيقة الأمر, نتحدث عن مليون بني آدم تقريبًا يمكنهم أن يدركوا ما نتحدث عنه.  وهذه بداية طيبة.  مليون يكفي. 

ونعود الآن إلى ما يحدثنا عنه زكي نجيب محمود.  في حالتنا نحن, الوهم الذي نعيشه هو وهم الثقافة العربية المذهلة.  الثقافة التي تقف على قدم المساواة مع أعتى, وأحدث, وأعظم, الثقافات في العالم.  هذا وهم.   مشكلة الخروج من هذا الوهم لا علاقة لها بالزمن, والإجلال, والإكبار, الذي يضفيه الزمن على الفكر.  المشكلة هي في صعوبة التخلي عن فكرة “الثقافة العربية المذهلة” إذ أن فيها إهانة كبرى لثقافتنا العربية الخالدة خاصة في الظروف المرة التي نعيشها.  من منا يجرؤ على العيش خارج الوهم؟

مشكلة الخروج من الوهم الذي نعيشه, بهذا الشكل, مشكلة مركبة.  يحتاج حل هذه المشكلة إلى “مجموعة من الباحثين” تتوفر على دراسة المشكلة, والتوصل إلى “تفسير لها”, ومن ثم “إصدار التوصيات”.  هذا أولا.  تحتاج هذه المشكلة, ثانيا, إلى مجتمع “يتقبل” هذه النتائج ويعمل على تنفيذ “التوصيات”.  أي أننا أمام نموذج كلاسيكي لما يحدث في كل مجالات البحث العلمي. 

قامت مجموعة من الأفراد من مختلف الجنسيات العربية في مدينة الرياض بالمملكة العربية السعودية بدراسة هذه المشكلة لسنوات طوال.   توصلت هذه المجموعة إلى أن نظام الإدراك المستخدم في الثقافة العربية هو نفس نظام الإدراك المستخدم في المرحلة الثانية من مراحل نمو الإدارك كما حددها جان بياجيه.  صدر عن هذه المجموعة عدد من الكتب والدراسات في مجال العلاج النفسي من أهمها كتاب “العلاج النفسي وتطبيقاته في المجتمع العربي” من تأليف قتيبة شلبي وفهد اليحيا.  إضافة إلى كتاب “نظرية النحو العربي القديم”.  يقود هذا “الوعي” محاولات مركز تطوير الفقه الاسلامي بيان أن المشكلة الحقيقية في الموروث الاسلامي الثقافي القديم هي مشكلة “إدراكية”.   الفقه الاسلامي القديم هو فقه من إنتاج نظام إدراك بدائي.  هذا هو السبب في الاضطراب البين الشديد الوضوح في أحكام الفقه الاسلامي القديم. 

 وجد المجتمع العربي, وما زال يجد, صعوبة كبرى في قبول نتائج الدراسة التي قامت بها مجموعة الرياض منذ عشرين عامًا تقريبا.  إلا أن لا شيء نستطيع أن نفعله سوى أن نستمر في المحاولة.  ويوما ما سوف “يدرك” المجتمع العربي أن نظام الإدراك المستخدم في الثقافة العربية هو نظام إدراك بدائي.  وسوف يكف عن الإنكار.  وسوف يبدأ في العمل على “حل المشكلة”.  والبداية بسيطة: أن نعترف بأن لدينا مشكلة.

أن يقوم نظام التعليم على أساس الفهم وحل المشاكل, لا على أساس الحفظ والتلقين.  أن تتم صياغة الامتحانات على طريقة الاختيارات المتعددة وليس عن طريقة كتابة إجابات محفوظة.  أن تختبر هذه الأسئلة مقدرة الطالب على “حل المشاكل” وليس على “حفظ الحلول”.  أن يكف المدرس الجامعي عن الادعاء بأنه “العالم العلامة”, ينبوع العلم, ومخزن الحكمة.  أن نصارح أبناءنا بأننا لا نعرف كل شيء.  حقيقة الأمر, القائمة طويلة جدا, لا اختصار لها.

فيما يتعلق بنا نحن هنا في مركز تطوير الفقه الاسلامي , يمكنني القول إنه استبان لنا أن العائق الحقيقي لفهم كتاب الله هو ذلك التيار الذي نادى بعدم فهم كتاب الله.  ذلك التيار الذي أخبرنا أن هناك قومًا قاموا في قديم الزمان بفهم كتاب الله خير فهم وأن ليس لنا إلا “حفظ” ما فهموه. بأن ليس علينا أن نفهم كتاب الله, بل ليس لنا أن نفهم كتاب الله.  يكفينا أن نحفظ ما فهموه.  عليهم الفهم وعلينا الحفظ. 

هل هذا ما كان يقصده زكي نجيب محمود؟   إذا كان هذا هو ما يقصده فقد أخطأ, إذ أن المشكلة هنا ليست في الإجلال والإكبار الذي يضفيه الزمن, إنما المشكلة أنه لم يعد مسموحًا لنا أن “نفهم”, أو أن “نفكر”, أو أن “ندرك”, أو أن يكون لنا “رأي” – ومن قال في القرآن برأيه فقد كفر.  قد كفر من فكَّر.   هذه هي المشكلة.  أو دعنا نقول هذه هي المشكلة الكبرى, حيث إن هناك سلسالا من المشاكل الأخرى المرتبطة بهذا الأمر. 

فيما يتعلق بنا هنا في مركز تطوير الفقه الاسلامي  فالمسألة واضحة.   لكي نفهم دين الله لا بد من أن نتخلص من نظام الإدراك الخاص بالمرحلة الثانية.  المذهل في الأمر أن تخلصنا من النظام الإدراكي الخاص بالمرحلة الثانية لا يخلصنا من سوء فهم دين الله وحسب وإنما يخلصنا من سوء فهم دنيا الله كذلك.  وكأني بالإمام زيد يصرخ بنا أن تخلصوا من نظام الإدراك الخاص بالمرحلة الثانية وافهموا كتاب الله ودنيا الله.  أخرجوا إلى الدين والدنيا فأنتم لستم في دين ولا دنيا. 

ما أقوله هنا هو أننا هنا في مركز تطوير الفقه الاسلامي  ندرك أن ما يعيق فهمنا لدين الله هو نظام الإدراك البدائي المستخدم في إنتاج الفقه الاسلامي القديم, كما ندرك أن الكشف عن هذه “العلاقة الآثمة” لا يساعدنا فقط على فهم دين الله وإنما يساعدنا كذلك على فهم دنيا الله.  وكأننا نقول إن العلاقة بين نظام الإدراك البدائي وبين الثقافة العربية هي, من منظور الفقه الاسلامي الجديد, علاقة آثمة.

كمال شاهين

ابريل 2013

#تطوير_الفقه_الاسلامي 

https://www.facebook.com/Islamijurisprudence/

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.