المؤمنة كاترين 30- الزبر البشري 2

المؤمنة كاترين
المقطع الثلاثون
الزبر البشرية المنافسة القسم الثاني
استقر الضيوف بعد العشاء في مقاعدهم المخصصة لهم في غرفة الضيوف الصغيرة بشقة كاترين البديعة. لم تكتف كاترين بديكور واحد وهندسة واحدة لتنظيم المقاعد والأثاث. إنها تغير الشكل كل مرة تبعا لذوقها الرفيع وحبها الشديد للكرم ولقَرْي الضيف. هناك مساحة خاصة لزيد ولبيد وقطع من الألعاب المسلية والمفيدة في آن واحد لهما حتى لا يتعبا من المشاركة في الجلسات العلمية مع الكبار. وقد علمتهما أن يذهبا إلى غرفة نومها إذا ما تعبا من الجلوس.
عادت كاترين من المطبخ وجلست على كرسي لتستكمل المناقشات مع الحاضرين والحاضرات. الكل ينتظر العم محمود التمار ليستمر في الرد على الأسئلة.
كاترين:
متى تريدون تشريفي لاستكمال جلستنا هذه؟
محمود:
لقد أكلنا وشربنا ولا يصح لنا النوم فورا. فلو أنكم موافقون فلنستمر في النقاش قليلا ثم نعود إلى بيوتنا.
ساترين:
كاترين لاحظت راحتكم عمنا العزيز وأما نحن فأظن بأن جميعنا نحب الاستمرار بكل سرور.
الجميع:
طبعا ونحن شاكرون للعم لكننا في نفس الوقت لا نريد إزعاجه.
محمود:
شكرا ساترين وشكرا للجميع.
وأما سؤال كاترين.
كما أرجو من العم محمود أن يطلعنا على طبيعة التشريعات السماوية في القرآن الكريم وهل هي تعليمات مفيدة أم أوامر واجبة.
محمود:
كل الآيات التي وردت بصيغة الأمر فهي أوامر واجبة في الغالب ولو لم يذكر الله تعالى عقابا دنيويا لها. هناك آيات في سورة الإسراء اعتبرها الله تعالى حِكَما ولكنها واجبة الاتباع.
ماري:
ليتك تقرأها لنا يا عم.
محمود:
قال تعالى في سورة الإسراء:
وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24) رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِن تَكُونُواْ صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُورًا (25)
وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا (26) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا (27)
وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاء رَحْمَةٍ مِّن رَّبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُل لَّهُمْ قَوْلاً مَّيْسُورًا (28)
وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا (29) إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا (30)
وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم إنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئاً كَبِيرًا (31)
وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً (32)
وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالحَقِّ وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا (33)
وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً (34)
وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وَزِنُواْ بِالقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً (35)
وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً (36)
وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً (37)
كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا (38)
ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ
وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ اللّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَّدْحُورًا (39).
كلها حكم ولكنها حكم سماوية لا يجوز تجاهلها. يجب أن نعمل بها جميعا.
كاترين:
يا عم محمود لاحظت بأن الآيات تخاطب الرسول نفسه بخطاب فردي فهل هي لنا أيضا؟
محمود:
ولعلك لاحظت أيضا بأن الرسول كان يتيما فاقد الأبوين من قبل أن يُبعث رسولا. فلا معنى بأن يأمره ربه بأن يعبد الله وحده ويُحسن إلى أبويه. كيف يُحسن الرسول إلى أبويه الميتين، وكيف يحسن إليهما إذا بلغ الكبر أحدهما؟ إذن الآيات تخاطبه عليه السلام ليأمره ويأمرنا جميعا دون استثناء.
ماري:
اسمحوا لي بأن أسأل العم سؤالا خارج نطاق بحثنا. بداية أشكرك على استدلالك اللطيف على عمومية آيات سورة الإسراء ولي سؤال. قال تعالى في آيات الإسراء: إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين. كيف نعرف بأن المبذرين الذين يسرفون في حياتهم هم إخوان الشياطين؟ يتحدث الله تعالى إلينا وكأننا نعرف كيف قام الشياطين بالإسراف والتبذير.
محمود:
المبذر لا يعني المسرف كما اشتهر بين المفسرين. وإشكالكِ في مكانه فإنه تعالى لم يقل لنا كيف أسرف الشياطين فما هي فائدة الجملة؟ لكن معنى المبذر هو الذي يعود إلى بذرته الأولى ليثبت لنفسه فضلا على غيره والمبذر لا يعني المسرف. قال الشيطان كما في سورة ص: قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ (76). فحينما أمر الله تعالى كل الكائنات الطاقوية مثل الملائكة والجن أن يكمشوا أنفسهم حين المرور على الجنس الآدمي حتى لا يتأثر الآدميون بإشعاعاتهم القوية فإن الشيطان عاد إلى بذرته الأولى ليثبت بأنه أفضل من آدم فليس من واجبه أن يكرم من هو دون مستواه. والنار بطبيعته أكثر رقة من التراب الذي خُلق منه آدم. النار طاقة قوية والتراب أقل قوة من النار. هذا هو تبذير الشيطان وليس التبذير بمعنى الإسراف. فالله تعالى أشار إلى موضوع موضح في القرآن ولم يحدثنا عن أمر لا يمكننا فهمه.
كاترين:
وهل فيما تفضلتم به جواب لسؤالي أيضا يا عم؟
محمود:
قد نحتاج إلى مزيد من البيان. هناك أوامر في سورة النور أو تعليمات لا يمكن القول بأنها جميعا واجبة. إنها تعليمات أخلاقية للحياة الاجتماعية والعائلية وليست واجبات. فمثلا قوله تعالى هناك: …فَإِذَا دَخَلْتُم بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً…. هذه الجملة المباركة ضمن الآية 61 أمر في ظاهرها ولكنها أمر إرشادي أخلاقي وليس أمرا واجبا مثل الصلاة والصيام.
ماري:
اسمحوا لي أن أسأل سؤالا آخر بالمناسبة. ما رأي العم في الآية التالية من نفس سورة النور: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِن قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاء ثَلاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُم بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (58). هل العورات هي ما قرأناها في التفاسير؟ لقد فكرت فيها كثيرا ولا أرى لما قالوه ضرورة أن تأتينا من الله تعالى؟ فما هو رأيكم.
محمود:
أنت صائبة يا ماري. لقد أخطأوا في فهم الآية مع الأسف. الزوج والزوجة يغيبان عن بعضهما ساعات طويلة في النهار فيذهب كل منهما إلى عمله ثم يجتمعان في البيت بعد عمل مضن طويل. إنهما شريكان حقيقيان في الحياة الزوجية وبحاجة إلى أن يتذاكرا كل مشاكلهما ومشاكل بيتهما في ساعات معينة من حياتهما الخاصة. لقد عين سبحانه ثلاث عورات بمعنى ثلاث ساعات خلوة بينهما.
1. من قبل صلاة الفجر: فالإنسان بعد أن يرتاح في المنام فهو مستعد فكريا ليبرمج لنهاره. هناك يجتمعان قبل أن يذهبا إلى الصلاة ليتحدثا حول برنامجهما في ذلك اليوم.
2. وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة: وبعد أن يعود أحدهما أوكلاهما من العمل فيضعون ثياب العمل ويلبسون ثياب المنزل فمن الضروري أن يتحدثا عما لقياه في ساعات العمل ويتشاورا معا لتصحيح أخطائهما وليساعد كل منهما الآخر بفكره وخبرته ليضمنا عدم تكرار الأخطاء مستقبلا.
3. ومن بعد صلاة العشاء: كان الناس يذهبون إلى المساجد ويقومون بالصلاة والزكاة في المسجد وحين الخروج من المسجد ثم يعودون إلى بيوتهم للنوم. غالبا ما كانوا يتناولون طعامهم الأساسي مرتين في اليوم في الصباح فطورا وفي المساء عشاء. أغلب الظن بأنهم كانوا يتعشون قبل صلاة المغرب باعتبار صعوبة إيجاد الضوء الكافي في الظلام. كما كانوا في الغالب لا يتركون المسجد بين الصلاتين. هناك الكثير من الأحاديث التي يسمعها الفرد خلال الفترة ما بين صلاتي المغرب والعشاء كما كان هناك بعض الناس يدفعون الزكاة في الليل حتى لا ينزعج الفقير حينما يقدم له المال. فهناك بعد صلاة العشاء فرصة بين الزوجين ليتحدثا عما رأياه وسمعاه في فاصلة الصلاتين ويصلحا ما رأياه ناقصة غير كاملة من تصرفاتهما. فالزوجان الشريكان يجب أن يتعاونا معا في كل المجالات ويتشاورا لتصحيح الأخطاء وتلافي ما فاتهما مستقبلا.
ماري:
إذن لماذا يقولون: شاوروهن وخالفوهن؟
محمود:
هذا ليس قرآنا بل هو حديث وهو كغيره من المفتريات. إن أخلص من يساعد الرجل هو زوجته التي تشاركه الألم والفرح وتشاركه الإنجاب وكل مظاهر الحياة. وهكذا الزوج بالنسبة للزوجة. مشكلة سلفنا بأنهم ينظرون إلى المرأة نظرة دونية ويفسرون كل شيء بالفوقية لهم وبالتمتع والجنس ولا شيء غيره. ليس القرآن كتابا منزلا لتثبيت الفوقية للرجال وليس كتاب جنس ومتع. إنه كتاب حكم وأخلاق وآداب وسنن سماوية وتذكير بسنن بشرية مفيدة ليعيش الناس بسلام وهناء ويعملوا لإرضاء ربه عز اسمه.
ماري توجهت إلى ربها ليوفقها للمزيد من تلك الجلسات المفيدة وقالت:
ماري:
شكرا يا عم محمود. في كل مرة أزداد شوقا لمعرفة خفايا هذا الكتاب السماوي العظيم. أشكر ربي على نعمة الإسلام وعلى نعمة القرآن وأتمنى أن أكون مستحقة لما أكرمني به ربي الرؤوف الرحيم.
محمود:
من حق كاترين أن تعترض بأني حتى هذه اللحظة ما قمت بالرد على سؤالها. فأرجو منها أن تكرر السؤال مرة أخرى حتى نتذكر جميعا.
كاترين:
كما أرجو من العم محمود أن يطلعنا على طبيعة التشريعات السماوية في القرآن الكريم وهل هي تعليمات مفيدة أم أوامر واجبة.
محمود:
حينما نتحدث عن التشريعات السماوية يجب ألا ننسى بأننا نتحدث في الواقع عن التشريعات الطبيعية. ذلك لأن الطبيعة في واقعها تمثل قوانين الرحمن سواء القوانين التي لا تحتاج إلى الوضع مثل مجموعة القوانين الفيزيائية أو التي تحتاج إلى وضع مثل قوانين الميراث وقوانين الزواج. لكن علينا بأن نعرف بأن كل القوانين التي نسميها وضعية فإنها في نطاق الطبيعة تُعتبر طبيعية لكن التعرف عليها ليس سهلا على غير الله تعالى. فهو سبحانه يعلم كل التفاعلات الطبيعية فيستخدمها للتغييرات التي يرومها سبحانه كما أظن ثم يضع قوانين لتعامل الإنسان مع تلك التفاعلات. فالموت حركة طبيعية والميراث أيضا مسألة طبيعية باعتبار أن المالك المخول للاستفادة من تلك المال قد مات ولكن الأموال لم تمت فنحتاج إلى قانون لتقسيمها. لكننا نسميها قوانين وضعية لأنها تخص الحركات التي تتغير ضمن نظام الطبيعة وخاصة ما ترتبط بالإنسان الذي يحمل قوة إرادية يمكنه أن يخالف بها نظام الطبيعة إلى حد ما.
فلا يمكن أن يضع المشرع قانونا موحدا لكل الحالات كما لا يمكن أن يعين عدة قوانين لعدة حالات قد تغطي غالبية المستحدثات لكنها لا تغطي قطعا كل ما سيحدث.
وباعتبار أن الله تعالى مسيطر على المتغيرات كلها وحاكم عليها فإن ما يضعه هو سبحانه من قوانين سوف تكون أقرب إلى العدالة في الواقع. فهي أوامر واجبة حتى لو لم تشمل كل الحالات. وقد أذن الله تعالى للناس أن يوصوا في بعض المسائل بما يتناسب مع شؤونهم. فالميراث يمثل في واقعه وفي العادة نتاج تعب المورث ومن حقه أن يوصي لمن يشاء بما يشاء في حياته. ولو لم يفعل فهناك قانون ميراث عام في القرآن سوف يحكم الحالات التي لم نجد فيها وصية من صاحب المال. كما أن هناك القضاء الذي يجوز له أحيانا أن يتدخل في بعض الحالات ليرفع الظلم في حدود الإمكان.
فالتشريعات السماوية مفيدة باعتبار أن الله تعالى هو مالك الطبيعة كلها كما أنها جميعها أوامر واجبة مع بعض الاستثناءات. أما المسائل التي لا يد للإنسان في معرفتها مثل الحاجة إلى الصلاة والصيام والحج وكل العبادات فهي كلها أوامر تستند إلى فلسفة يصعب علينا فهمها كما يمكن أن لا نتفق على فهمها. ولذلك يجب على كل مسلم أن يفهم بنفسه ما يقوله ربه في القرآن بكل دقة ويعمل به بقدر فهمه. هناك فإنه يستحق مساعدة ربه سواء في المزيد من الفهم أو في تجنيبه تبعات أخطائه سواء في الدنيا أو في الآخرة بقدر علمي المتواضع. ولكن ليس من المعقول أن ننتظر من أي شخص غير الله تعالى أن يفتي فتوى ملزما للناس مهما كبرت شخصيته الاجتماعية.
وأما وجوب العمل بالتشريعات السماوية، فكل ما أمر الله تعالى يجب أن تكون واجبة ولو بدرجات متفاوتة، لأن تلك الأوامر هي التي تجمعنا ومخالفتها قد تكون ضارة في الدنيا والآخرة. نستثني من ذلك ما لم يؤكد عليها الله تعالى أو ما خيرنا فيها وسوف نتحدث عنها جوابا على سؤال علوي. فمعنى التشريع السماوي هو القانون السماوي الذي يجب على كل إنسان أن يعمل به بقدر فهمه وإمكاناته.
ساترين:
سمعت بأن الموضوع الذي تتحدثون عنه هو الزبر البشرية المنافسة للكتب السماوية. فهل نسيتم الموضوع وانشغلتم بالمسائل الجانبية أم أن الحديث مقبل.
كاترين:
المشكلة أننا مبتلون بالكثير من أخطاء السلف الذين أورثونا مسائل القرآن الكريم بصورة خاطئة فبمجرد الحديث عن موضوع كبير فإن هناك مواضيع فرعية كثيرة تنبري لنا ونحتاج إلى مناقشتها وفهمها. والأمر يعود إلى العم محمود ليستمر في بيان الزبر المنافسة.
محمود:
سوف نخصص بحثا للإجابة على سؤال علوي حول الفرق بين الوصايا والمواعظ والحكم القرآنية. وأما الزبر المنافسة للقرآن فإن الجميع قديما وحديثا كانوا ولا زالوا يشعرون بأن الكتب السماوية أكبر من أن ينافسها أحد. ولذلك فإن الأقدمين قاموا بتغيير الكثير من مفاهيم التوراة والإنجيل ليتناسب مع أهوائهم. لكنه سبحانه صان القرآن الكريم من التغيير فبقي هذا الكتاب رسولا حيا بيننا يمدنا بالحقائق ومن ورائه ربنا الذي يعلمنا بما يناسبنا ويناسب تطورنا.
ساترين:
أليس التوراة والإنجيل كتابان سماويان، فكيف سمح الله تعالى بأن يمسهما التغيير؟
محمود:
الإنجيل ليس كتاب تشريعات فيما عدا مسألة واحدة كما يبدو. إنها تحليل شحوم الأنعام التي حرمها الله تعالى عقابا على بني إسرائيل. والتوراة لم تكن لتتعرض للتغيير باعتبار أنها كانت مصحوبة بمجموعة من أنبياء بني إسرائيل الذين كانوا يقومون بصيانتها بأمر ربهم طيلة ألف وخمسمائة عام تقريبا. أما القرآن فإنه سبحانه قرر أن يختم بتنزيله النبوة والرسالة ولذلك لزم صيانته فوعد ربنا بذلك. هذا هو السبب كما أظن والعلم عند الله تعالى.
والمسلمون متفقون على أن القرآن الكريم هو تنزيل رب العالمين وعلى أنه مصون من الدس والتغيير. ومن لا يؤمن بذلك فهو في واقعه ليس مسلما. لكن المصيبة هي أن المسلمين على اختلاف مشاربهم ومذاهبهم يؤولون الآيات الكريمة بما يتناسب مع مبتغياتهم وأهوائهم مع الأسف. مثال ذلك هو نبوة السيدة العذراء مريم عليها السلام. فهي بالنسبة لكل من يفسر القرآن تفسيرا دقيقا فهي نبية فعلا. لكن بعض الذين ثبتت عندهم نبوته يقولون: كيف يمكن أن تكون هناك نبي أنثى؟
هل قال الله تعالى بأن الأنبياء يجب أن يكونوا ذكورا؟
هناك مسائل كثيرة يمكننا بها أن نلاحظ تجلي القرآن الكريم ونثق بسماويته. نحن لا نرى في القرآن حُكما مخالفا للعقل ولا نرى فيه حكما يتعارض مع حكم آخر. لكن الكتب الأخرى نرى فيها الغث والسمين. وإليكم بعض الأمثلة:
1. ذكر كتب الشيعة وبعض كتب السنة بأن الشمس ردت لعلي حتى لا تفوته صلاة العصر أداء. وقد سرد ابن ابي الحديد المعتزلي السني شعرا في ذلك ضمن قصيدة طويلة وهو:
يا من له رُدّت ذكاء ولم يفز بنظيرها من قبل إلا يوشع
فهو يعترف بأن حكاية رد الشمس وقعت أكثر من مرة. إنهم لم يعرفوا بأن الأوقات التي نشاهدها تابعة لحركة الأرض حول نفسها وليست تابعة لحركة الشمس. ثم إن عودة الأرض من حركتها حول نفسها بسرعة تتجاوز 1600 كيلو مترا في الساعة تحتاج بداية إلى توقف الحركة ثم بدء الحركة من الجهة الأخرى. هذه العملية تستغرق وقتا طويلا بداية. ثم إن تغيير حركة الأرض تستتبع تفريغ كل المياه من البحار والمحيطات إلى سطح اليابسة ثم عودتها إلى البحار مرة أخرى. سوف يغرق الناس جميعا طبعا ويموت الجميع بمن فيهم الإمام علي عليه السلام ولن يتمكن الإمام من أداء الصلاة في وقتها. ثم تعود الأرض مرة أخرى إلى حركتها السابقة. كل ذلك حتى يصلي الإمام علي في وقتها ولا يضطر لقضاء الصلاة!!!
هذه خرافة حمقاء والذين يذكرونها في يومنا هذا فهم ليسوا عقلاء أو أنهم لا يستعملون عقولهم.
2.
حوض الكوثر. يذكره كتب الصحاح السنية وكتب الحديث الشيعية كلها تقريبا. ومن المضحك أن الشيخ الألباني المعاصر يصحح الحديث الذي يقول فيه بأن عدد كيزان (أكواز) حوض الكوثر بعدد نجوم السماء. دعنا نفترض بأن قاعدة كل كوز أو كوب هو 40 سانتيمتراً مربعاً ونضربها في عدد المجرات على فرض أنها لا تتجاوز 100 بليون والبليون بمعنى ألف مليون ضرب عدد نجوم كل مجرة بمعدل 200 بليون لكل مجرة. الجواب عبارة عن العدد 8 وبجوارها 17 صفرا تقريبا من السانتيمترات المربعة. فنحن نحتاج إلى أرض بمساحة نصف وجه الكرة الأرضية (بمياهها ويابستها) التي نعيش عليها بالكامل لنضع فيها الأكواب البليو بليونية لحوض الكوثر المزعوم!!! فهل قائل هذا الكلام عاقل؟ وهل الإخوة المعاصرون الذين يذكرون لنا هذا الحديث في عصرنا هذا يفكرون ويحسبون؟ أليس الحديث المتواتر المعروف ذلك يمثل فرية كبيرة على رسولنا عليه السلام؟؟؟
3. مجموعة كبيرة من الخزعبلات التي يرفضها العقل السليم. مثل القردة الزانية وتنفيذ الرجم عليها من قبل القردة؛ جواز أكل لحم الإنسان عند الاضطرار؛ دخول ناقة صالح وكلب أصحاب الكهف الجنة؛ عذاب القبر؛ الديك الذي يصيح في السماء فتصيح معه الديكة في الأرض؛ فرية المعراج ووو.
أنى لهذه الكتب أن تنافس القرآن الكريم؟
كتب الحديث والتاريخ، كتب بشرية تتجلى أخطاؤها يوما بعد يوم. والقرآن كتاب سماوي تتجلى حقائقها يوما بعد يوم.
علوي:
حتى لا تنسى يا عم والوقت متأخر فأرجو أن ترد ولو باختصار على سؤالي.
ألا ليت العم محمود يحدثنا عن الفرق بين الوصايا والمواعظ والحكم القرآنية أيضا.
محمود:
أظن بأن من الخير لكم أن نوضح المسائل في جلسة خاصة لأن الاختصار قد لا يفيدكم.
كاترين:
تعلم يا عم بأن ماري على أبواب السفر فيا ليت الجميع يوافقون على أن نستمع إلى الجواب اليوم فهناك مسائل كثيرة أخرى نحتاج إلى أن نناقشها في الجلسة القادمة.
يتبع: الفرق بين الوصايا والمواعظ والحكم القرآنية.
أحمد المُهري
3/8/2019

#تطوير_الفقه_الاسلامي

https://www.facebook.com/Islamijurisprudence/

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.