الفتوى في العرف الاسلامي

الفتوى في العرف الإسلامي

لطالما سمعنا ورأينا أو تعاملنا مع مؤسسات موصوفة بالدينية وهي تقدم الفتاوى لغيرها. هذه المؤسسات تكون منسوبة أحيانا للحكومات أو لأفراد معروفين بمراجع التقليد.

المؤسسات المنتسبة للحكومات فهي تصدر الفتاوى وهناك من ورائها حكومات تُفرض الفتوى على الناس تحت ضرب الخيزران. كما أنها تصدر فتاوى تبين العلاقات بين المسلم وربه مما لا ارتباط لها بالنظام العام. بمعنى أن دور الفتوى لا تكتفي بفتوى الجهاد ودفع الضرائب وضرورة اتباع الحكومة وعدم معارضة النظام والسكوت على كل جرائم الحكام. إنها علاوة على ذلك تفتي للناس في كيفية الصلاة والزكاة وأحكام الطهارة وخاصة للنساء وكذلك النكاح والطلاق. ولا يلتزم المفتون بالقرآن الكريم بل يفتون أحيانا بالأحاديث وأحيانا بما يتقبلونه من فتاوى الماضين وأحيانا بما يتراءى لهم أو بالأحرى بما تُملى عليهم.

وأما المؤسسات الفردية وهي غالبا ما تختص بالشيعة التي تؤمن بمرجع التقليد وللمرجع مؤسسة تعالج كل قضايا الشيعة بما فيها علاقاتهم مع ربهم ومع بعضهم البعض أو مع الدولة. هذه المؤسسات مشابهة للمؤسسات الحكومية التي تكون غالبا سنية من حيث مصادر الحكم. فهي أحيانا تأخذ الحكم من القرآن وأحيانا من الحديث وأحيانا من فتاوى الماضين وأحيانا أخر مما يظنونه مناسبا وصحيحا.

وما من شك بأن من حق الشعوب أن ترتضي لنفسها من يساعدها على سن التشريعات اللازمة لحمايتها من المخاطر ولبيان حقوق الأفراد والجماعات والحكام. لكن تلك التشريعات بشرية لا يجوز أن ينسبها أحد إلى الله تعالى. قال تعالى في سورة يونس: قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا أَنزَلَ اللّهُ لَكُم مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُم مِّنْهُ حَرَامًا وَحَلاَلاً قُلْ آللّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللّهِ تَفْتَرُونَ (59) وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَشْكُرُونَ (60).

القرآن الكريم لا يعطي ذلك الإذن المشار إليه في الآيتين أعلاه لأي شخص حتى رسول الله. ليس للرسول أن يشرع أمرا للناس وليست أحكامه الوقتية الحكومية ملزمة لغير حاضري نطاق الحكم وفي حياة الرسول عليه السلام فقط باعتباره حاكما لا باعتباره رسولا. ولم يذكر القرآن الكريم وحيا تشريعيا خارج نطاق القرآن الكريم الذي صانه ربنا حتى يومنا هذا. مما يعني بأن ليس بين أيدي البشر اليوم أي تشريع سماوي من خارج القرآن وبعض أحكام التوراة. وكلما لم يتحدث القرآن عنه فهو من الأمور التي تعود إلى الناس أنفسهم وإلى تنظيماتهم ليشرعوا تشريعات مؤقتة على غرار التشريعات المؤقتة للرسول عليه السلام. وأهم شرط في تشريعات الرسول المؤقتة أن يستشير الناس ولا نرى في القرآن الكريم أي إذن له بالاستبداد في الرأي. قال تعالى في سورة آل عمران:

فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159) إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكِّلِ الْمُؤْمِنُونَ (160). أظن بأن المفسرين جميعا متفقون بأن الآية نزلت بعد واقعة أحد حيث غزا المشركون المسلمين والله نصر المؤمنين في البداية ولكن ضعاف النفوس اهتموا بجمع الغنائم فأعاد المشركون الكرة على المسلمين الذين خسروا المعركة جراء تخاذلهم عن اتباع أمير الحرب وهو الرسول نفسه الذي أمر بعدم ترك مواقعهم فلم يطيعوه.

أولئك الذين تسببوا في الخسارة الفادحة للمسلمين فإن الله تعالى لم يحرمهم من حقوقهم القانونية حين قيام الرسول بالتشريعات البشرية المناطة به باعتباره حاكما. أمره الله تعالى بأن يستشيرهم ولا يترك ذلك حتى لا يكون فضا غليظ القلب فيتركه أتباعه ويتذكر أيام ضعفه في بدايات الدعوة. فالدكتاتورية في الإسلام ممنوعة لغير الله العليم الحكيم الذي لا يصح له أن يستشير أحدا، سبحانه وتعالى. ولم نجد في القرآن الكريم أي إذن للرسول بأن يشرع من عنده تشريعات سماوية أو يشرع تشريعات في الأمور الدينية.

لكن المحدثين يفترون الكذب على رسولنا وعلى الخلفاء الراشدين الأربعة الذين كانوا بقايا المهاجرين الأولين الذين مدحهم الله تعالى دون تفريق بينهم كما أظن. فمثلا ينقلون لنا حكاية بأن عليا عليه السلام أمر بجلد شارب الخمر 40 جلدة ثم قال بأن الرسول جلد 40 وأبو بكر 40 وعمر 80 وأنا أفضل ذلك فأمر بأن يجلدوا نفس ذلك الشارب 40 جلدة أخرى. هذه حكاية كاذبة مفتراة على الإمام علي وعلى الرسول وعلى أبي بكر وعمر رضي الله عنهم جميعا. وحتى نعلم بأنهم يكذبون ننتقل إلى حكم اللوطي. يحكمون جميعا على اللوطي بالقتل ويختلفون في كيفية القتل وقليل منهم يحكم عليه بالرجم لو كان محصنا وبالجلد لو لم يكن متزوجا. نحن نقبل بأن اللواط فاحشة كبيرة ولكن من أين لهم أن يأتوا بحكم من عند أنفسهم؟ ومن حسن الحظ بأن الله تعالى تحدث عن حكم السحاق واللواط في سورة النساء: وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ فَاسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً مِّنكُمْ فَإِن شَهِدُواْ فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّىَ يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً (15) وَاللَّذَانَ يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِن تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ تَوَّابًا رَّحِيمًا (16).

هذا حكم الذين يأتيان الفاحشة المثلية من النساء والرجال فكيف نقبل بأن رسول الله عليه السلام حكم بالقتل خلافا للقرآن الذي أنزل على قلبه؟ يقولون بأن الله تعالى حكم على قوم لوط بالموت وهذا دليلهم القرآني. إن الله تعالى حكم على قوم نوح بالموت أيضا لأنهم رفضوا دعوة رسولهم بعدم عبادة الأوثان. ولكنه سبحانه لم يأمر رسولنا بقتل عبدة الأوثان بل قال بأن الناس أحرار في اتخاذ الدين ولم يأذن لرسولنا بقتل غير القاتل أو بمحاربة غير الذي يحارب المسلمين وحدد ذلك بقبولهم للصلح وتركهم الحرب مع المسلمين.

لا نريد مناقشة كل المسائل القرآنية هنا ولكن هناك سر آخر في حكم ربنا على قوم لوط ومن حق الله تعالى أن يعجل العذاب أو يؤخره. هذا حق خاص بالله تعالى وليس من حق المشرعين البشريين رسلا كانوا أو غير رسل. ولنا في حكاية السامري وما فعله الرسول موسى عليه السلام خير مثال لعدم قيام الرسل بالاعتداء البدني على غير من يعتدي على أبدان الناس حيث قال له موسى كما في سورة طه: قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَن تَقُولَ لا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَّنْ تُخْلَفَهُ وَانظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَّنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا (97). قال له موسى بأن من حقه أن يقول بأنه لم يمسس بدن أحد ولذلك فأمره إلى الله تعالى يوم القيامة. هكذا أطلق موسى سراح السامري دون أي عقاب.

القتل محرم في الإسلام تحريما شاملا مع استثناء واحد وهو قتل بلا إسراف بطلب من ولي المقتول. قال تعالى في سورة الإسراء: وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالحَقِّ وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا (33). الحق المستثنى موضح في نفس الآية الكريمة وهو حق ولي المقتول في قتل قاتل واحد مقابل مقتول واحد وهذا معنى عدم الإسراف. فمن أين سمحوا لأنفسهم بإجراء حكم القتل وأحيانا تحت التعذيب وهو الرجم؟

إنهم يكذبون دون ريب. يكفينا بأن نعلم بأن الله تعالى لم يسمح لرسولنا بأن يفتي حتى في المسائل العادية. قال تعالى في سورة النساء: وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاء قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاء الَّلاتِي لاَ تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ وَأَن تَقُومُواْ لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا (127). وقال سبحانه مثل ذلك في الآية الأخيرة من سورة النساء.

نعود إلى حقوق الناس في الفتوى وهو في حدود الأحكام التي لا تمس الأبدان مثل أحكام المرور وأحكام الضرائب وأحكام النزاعات التجارية وما شابهها. أما الذين يمسون الأبدان في اعتداءاتهم فإنه سبحانه لم يأذن بأكثر مما فعلوا. قال تعالى في سورة البقرة: وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ فَإِنِ انتَهَواْ فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ (193) الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (194). وبما أن الاعتداء بالفاحشة لا يمكن مماثلتها فإنه سبحانه حكم على الذين يأتون بالفاحشة في القرآن ولا يجوز لأحد أن يتجاوز كتاب الله تعالى إن كان مسلما.

فالأحكام الدينية عامة بما فيها العبادية؛ فلا يجوز لأي إنسان أن يزيد أو ينقص من أحكام الكتب السماوية كائنا من كان. قال تعالى في سورة المائدة: وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فِيهِ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (47) وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَآ آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (48) وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ (49).

هذا الحكم عام في كل الأمور وقد قال سبحانه قبلها في نفس سورة المائدة: إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلاً وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (44) وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (45) وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِعَيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ (46).

لا توجد في الإسلام مستحبات ولا مكروهات ولا محرمات خارج نطاق الكتاب السماوي ولم يسمح الله تعالى لرسوله أن يأمر بالصلوات الزائدة عن القرآن أو يحكم بأحكام أقسى أو أقل قسوة من القرآن الكريم. كل ما يقولونه في كتب الأدعية وفي الرسائل العملية وفي الفتاوى فكلها مفتريات غير مأذونين بها وهم يفترون على الله الكذب دون ريب. المرجعية الموجودة لدينا نحن الشيعة فهي بدعة صفوية لمساعدة الحكام ولا علاقة لها بالله تعالى. أين قال سبحانه بأن نتبع المراجع وأين قال بأن حكم المرجع هو حكم الله تعالى وأين قال بأن حكم الأئمة هو حكم الله وأين قال بأن من حق أي رسول من رسله أن يحكم كما يراه مناسبا في غير المسائل الحكومية المتعارفة باعتبارهم وكلاء من انتخبهم حاكما على أنفسهم؟

مرجعية التقليد بدعة تخالف القرآن وتخالف العقل وعلى المسلمين أن يتخلصوا من هذه البدعة الفاسدة التي تعطي حقوقا تشريعية لفرد غير منصوص عليه قرآنيا من البشر. من حق الناس أن يعينوا لأنفسهم ممثلا يفتي لهم في قضاياهم الخاصة غير المرتبطة بالسماء مثل أحكام المرور. ولم يذكر القرآن شروطا لذلك الشخص بأن يكون ممن اشتهروا بالدراية الفقهية مثلا. كما لم يقل ربنا أبدا بأن التزام شخص باتباع مرجع آخر هو التزام أبدي ما دام مرجعه على قيد الحياة.

ولا ننس بأن البرلمانات تمثل غالبية الأمة ومن حقهم أن يشرعوا لناخبيهم في نطاق القرآن الكريم ولا معنى لاستحداث المرجعية في بلاد يسيطر عليها البرلمانات النيابية. المرجعية آنذاك تمثلا تدخلا مباشرا بتشريعات البربمانا.

وأخيرا نأتي إلى سورة النحل لنرى كيفية نقل الرسل للتشريعات: وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ (43) بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (44). لا يتجاوز إذن الله تعالى لرسولنا عليه السلام أكثر من أن ينقل لنا كتاب ربنا وأمرنا من يوم وجود الرسول نفسه أن نفكر بأنفسنا في القرآن المنزل إلينا. فلا يفيدنا تفكير المراجع ولا تفكير الأئمة ولا تفكير الرسول نفسه. إن كل إنسان في الإسلام يسود نفسه بعد سيادة الله تعالى ولا سيادة لأحد على أحد. وأكرر بأن من حقنا أن نسوِّد على أنفسنا من نثق فيه ليكون مندوبا عنا باعتبار أننا نحن الأصل وهو منتخب يملك القوة ما دمنا لم نفقد الثقة فيه؛ ويفقد القوة إذا ما عزلناه.

فمرجع التقليد مخول بالتشريع البشري بإذن الناس وليس بإذن الله تعالى والأصل هو الناس الذين خولوه ولكنه ليس مأذونا من الله تعالى وليس من حقه أن يسمح أو يمنع أو يشرع تشريعا دينيا أو يأذن لمن يشاء بأن يتعامل كما يظنه هو صحيحا. ولو أن مرجعا أوهم للناس بأن حكمه هو حكم الله تعالى فهو فاسق ولا صلاحية لديه للمرجعية حتى المرجعية البشرية. لا يمكن لأي بشر أن يحرم أو يحلل أو يأذن بأكل الحرام أو يمنع من أكل الحلال أو يعين الحلال والحرام من المعاملات. تلك صلاحيات إلهية لم نر لها ذكرا في القرآن فهي كلها أوهام وتخرصات باطلة يجب على المسلم أن يمنع منها أو يمتنع على الأقل. والعلم عند الله تعالى.

أحمد المُهري

1/8/2019

#تطوير_الفقه_الاسلامي

https://www.facebook.com/Islamijurisprudence

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.