لماذا لا نستطيع التفكير

لماذا لا نستطيع التفكير …………………………………………………..

.كان الجابري قد تحدث عن ظاهرة “العقل المستقيل” في الثقافة العربية الإسلامية. ذلك العقل الذي لا يسعى للوصول الى نتائج مبنية على مقدمات منطقية وبحث علمي، وانما وظيفته البحث عن “أدلة عقلية” تثبت صحة خرافات وافكار دينية موجودة مسبقا.هناك خمسة جوانب في تحليل الجابري للفوارق بين مفهوم العقل عند العربي وعند الاوربي اعتقد انها مسؤولة عن حالة التخلف العقلي التي لا زلنا نعيشها مقابل حالة الازدهار العقلي الت يعيشها الاوربيون والامم الأخرى التي مشت في ركابهم (اليابان والصين مثلا)……………………………

الفرق الأول:  العقل بالنسبة للاوربي هو الآليات التي عن طريقها نصل للحقيقة ونعصم انفسنا من الوقوع في الخطا. أما بالنسبة للعربي فالعقل هو “الحجر او الحبس”. “والعاقل من يحبس نفسه عن هواها”!الملفت للنظر هنا ان العقل عند الاوربي مرتبط بالحرية والانطلاق بلا قيود في فهم العالم . بينما يرتبط العقل عند العربي بالحبس والتقييد والحجر. فالانسان العاقل عربيا ليس الانسان المفكر وانما الذي يكبح جماح عقله وسلوكه!

الفرق الثاني: ان العقل عند الاوربي مستقل بذاته وقادر على انتاج معرفة موضوعية وصحيحة بالعالم والانسان. أما عند العربي فالعقل تابع للنص (الديني او الاجتماعي) والمعرفة الناتجة عن العقل غير موثوق فيها!

الفرق الثالث: ان العقل عند الاوربي مرتبط ب”المعرفة” فهو أداة لانتاج المعرفة. أما عند العربي فالعقل ليس مرتبطا بالمعرفة وانما بالاخلاق! والتفكير العقلي ليس انتاج معرفة جديدة وانما التاكيد على الالتزام بالاخلاقيات الموروثة والمضمونة. بلغة اخرى العقل العربي عقل “معياري” يفكر بمبدا الحلال والحرام وليس بمنطق الصحيح والخاطيء. وليس كل حرام خاطئا ولا كل حلال صحيحا!

الفرق الرابع: ان العقل عند الاوربي “أداة” اما عند العربي فهو “مضمون” جاهز. لهذا تتنوع المعارف عند الاوربي وتتجدد ويتم دحض نظريات وتبني نظريات جديدة بشكل طبيعي. بينما لا تجد فرقا بين ثقافة العربي في القرن السابع وثقافة العربي في القرن الحادي والعشرين. بل ان العقل لا زال قوة مشكوكا فيها ومتهمة عند العربي. وهذا ما يمكن ان نلمسه بسهولة في نقاشاتنا اليومية. فالأمة الوحيدة التي لا زالت تهاجم العقل وتهاجم العلم هي الأمة العربية-الاسلامية. ولا زلنا نقرأ يوميا محاججات ومناقشات “عقلية” تحاول اقناعنا ان العقل لا يؤدي الا  الى الضلال. وارى ان قمة البؤس العقلي ان تجد شخصا يحاول اقناعك “بالعقل” ان العقل لا يؤدي الا الى الضلال . ويحاول ايراد ادلة “علمية” ليقنعك ان العلم محدود ونتائجه غير مضمونه!!

الفرق الخامس: ان وظيفة العقل عند الاوربي اكتشاف قوانين الطبيعة والعالم . بينما وظيفة العقل عند العربي هي التأمل في الطبيعة من اجل معرفة الخالق “الله”. التفكير عند الاوربي يؤدي الى اكتشاف نظريات الفيزياء والكون وحقاق الكيمياء وانتاج التكنولوجيا والحضارة.  بينما يؤدي التفكير عند العربي الى اعادة تاكيد الايمان بالخالق واعادة تاكيد صحة الدين.  لهذا يكتفي المسلمون بالحديث عن الاعجاز العلمي عبر ادعاء ان كل الابتكارات موجودة في القران والسنة. وبعد اثبات ذلك يذهبون الى “الغرب الكافر” لشراء أحدث منجزات العلم والتكنولوجيا دون ان يسالوا انفسهم لماذا لم يبتكروها هم ما داموا يدعون انها موجودة في القران منذ 1400 سنه!

………………………………………………

لا زال العقل العربي اداة “ترديد” لا اداة “تفكير”. و لا زالت العقلانية عند العرب والمسلمين نوعا من  الشتيمه والاتهام. بينما اصبح الأوروبيون ينظرون الى الطبيعة على انها عقل بل ينظرون الى الله بصفته العقل الكلي او العقل الكوني. كم نحتاج من الوقت والجهد لننتقل من العقل المستقيل الى العقل المفكر؟ الخطوة الاولى ان نغير نظرتنا للعقل ونقتنع انه اداة حرة وغير مقيدة لانتاج معارف جديدة وليس أداة محاصرة مهمتها تبرير المعارف والخرافات القديمة واضفاء صبغة علمية زائفة عليها.
حسين الوادعي

#تطوير_الفقه_الاسلامي 

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.